تفصيل
- الصفحات : 670 صفحة،
- سنة الطباعة : 2021،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-219-4.
في ظل زحمة تيار العولمة الذي يسعي إلى توحيد الثقافة الإنسانية،والعادات والتقاليد لحساب نمط واحد في التفكير، بدأت صحوة ” العودة للتراث الثقافي ” بين الأمم، وأصبح مطلب المحافظة عليه مطلب أساسي لكل الشعوب التي تعاني من تفكيك بنيتها وتكوينها الحضاري والهوياتي أمام ظاهرة العولمة التي تقوم على إلغاء الحدود وتذويب الفروقات الثقافية بين الشعوب المختلفة، بل تسعى لمسح الجينات الوراثية للأمم .
وبقدر اقتحام هذا التيار الخلوة الفكرية والثقافية للشعوب، بقدر ما تتقوى عناصر الممانعة لدى الثقافات المحلية التي انتفضت ساعية للاهتمام ليس فقط بالتراث المادي، ولكن أيضا بالتراث غير المادي -الذي يُنعت بالتراث الحي للشعوب – والمتمثل في عادات المجتمعات المحلية وتقاليدها وطقوسها ومعارفها، وهو ما توج بتبني اتفاقية دولية سنة 2003 م تروم المحافظة على هذا النوع من التراث وجعله ملكا للإنسانية .
وبذلك،التراث الثقافي، بشقيه المادي وغير المادي، يعد مجموع نتاج الحضارات السابقة التي يتم توارثها من السلف إلى الخلف، مما يجعله مُترسَخًا في ضمائر وعقول الشعوب والجماعات،وهو بمثابة الجذور المتفرعة في الشجرة ، التي بدونه ستصير حضارة تبعية لا تملك جذورها العميقة والمتأصلة، غير قادرةً على مواجهة تقلبات الزمن .
ويهمُّنا، أكثر، ضمن هاته الصنوف من التراث، صنف التراث المادي الذي يحمل مضامين ثقافية ملموسة ومحفوظة ماديا في صيغة كتب ومخطوطات ولوحات ومسكوكات ومقتنيات أثرية وصناعات تقليدية،ليمتد للشواهد المادية الثابتة من رسوم جدارية وآثار ومعالم تاريخية وقصور وقصبات ومجموعات عقارية حضرية وريفية،وحظائر ثقافية يُضفى عليها صفة ”الممتلكات الثقافية العقارية”، أبدعتها عبقرية الإنسان وجسدتها أنامله في قالب مادي فني أو معماري، أبهرت ناظريها بالدقة في التصميم والهندسة .
ومردُّ الاهتمام بموضوع الممتلكات الثقافية العقارية، طبيعته المادية الثابتة مما يمنحه أفضلية في تمثيل الماضي ؛بوصفها شواهد ملموسة تمارس دورها في تثبيت الزمن،وتحكي في صمت أسرار المجال المادي الطبيعي والثابت الذي تحرك فيه الإنسان وتفاعل معه في علاقات جدلية وحميمة، عفوية كانت أم منظمة.
وعليه، مؤخرا حظيت مسألة الممتلكات الثقافية العقارية لما تحمله من قيم تاريخية وإنسانية وإجتماعية باهتمام كبير، حيث تأكد صعوبة تعويض ما يتم نهبه أو إصلاح ما يتم تدميره، الأمر الذي دفع الجماعات الدولية إلى السعي لوضع تنظيم قانوني دولي لحماية ذلك التراث أثناء النزاعات المسلحة،خاصة أمام اشتداد الأطماع الإستعمارية التي أمعنت في استغلال الموارد الطبيعية والاقتصادية للشعوب ولم يسلم المكنون الثقافي المادي والحضري لهذه الشعوب المستعمرة من النهب والسلب في ظل قانون المنتصر.
وقد أسفرت الجهود الدولية عن تبني عدة اتفاقيات ومواثيق دولية أصبحت اليوم تشكل جزءا أساسيا في القانون الدولي الإنساني،ركزت في مجملها على إرساء دعائم السلم العالمي، كان من أهم هذه الإتفاقيات : اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولاها الملحقان بها، والاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي سنة 1972، ورافقت هذه الاتفاقيات هياكل ومنظمات دولية وغير دولية تتقاسم مع منظمة اليونسكو هاجس إنقاذ هذا الجزء من التراث .
بالرغم من هذه الجهود، إلا أن الممتلكات الثقافية العقارية مازالت تتعرض لأبشع الاعتداءات أثناء النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي أو غير الدولي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل خزانًا قيمًا لهذه الأعيان كونها المنطقة التي انبثقت منها الأديان السماوية وشكلت منذ فجر التاريخ مهدًا للحضارات، حيث طال التدمير الكثير من المعالم التاريخية والاثرية في مدينة نمرود الأشورية في الموصل بالعراق، والكنوز التاريخية المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو على غرار مدينة تدمر بسوريا التي تعاني كارثة ثقافية، وبتعدد مسارح الصراعات والانقسام في ليبيا واليمن باتت الآثار التاريخية عرضة للتهريب والسرقة .
وزاد الأمور تعقيدا، المخاطر التي تتعرض لها الممتلكات الثقافية العقارية بسبب تقاعس بعض الدول المحتضنة عن القيام بواجبها في هذا المجال، إما أن الإجراءات المتخذة على المستويات الوطنية لإنقاذ هذا الجزء من التراث من التلاشي تبقى غير كافية بالنظر إلى ضعف الموارد البشرية والمادية وضعف الخبرات العلمية والتقنية، لا سيما نقص الوعي بأهميته ونقص المشاركة المجتمعية الواسعة، فالعناية والحفاظ عليها لا تشكل أولوية مقارنة بالقطاعات الأخرى والمشاريع التنموية التي تسعى الدول لتوطينها على حساب بقايا التراث الأثري المطمور،يرافقها عدم تناسب العقوبات المسلّطة على مرتكبي الجرائم، وقيمة ومكانة تلك الممتلكات، بل والتأخر الواضح على مستوى منظومة التشريعات الوطنية المعتمدة في مجال تسيير هذا التراث المادي، دون الأخذ بعين الاعتبار ما جدّ وما استجدّ في التشريع الأممي، وعدم ربط المنظومة القانونية ببقية القطاعات المتقاطعة معه .
إن قصور بعض الدول في اتخاذ الإجراءات الوقائية والآنية لحماية هذا الجزء من التراث المادي، سببه غياب التوظيف التنموي للموروث الثقافي وحصره فيما هو رمزي فقط، لكن هذه النظرة التي لا تتعدى عتبة ضمان الحراسة تغيَرت، وخاصة من طرف بعض الدول الأوربية التي اعتبرت الموروث الثقافي مصدرا للتنمية الاقتصادية إلى جانب صفته الرمزية والهوياتية، وأصبح الترويج للتعدد الثقافي وغنى التراث داخل البلد الواحد مصدر جذب للسياح والمهتمين من مختلف بقاع العالم، فأدى ذلك إلى خلق رواج اقتصادي من خلال السياحة،وأصبحت بعض الدول تعتمد عليه بشكل أساسي لتطور اقتصادها.
إن العوامل السابقة جعلت السياسة الوطنية المنتهجة في مجال حماية الممتلكات الثقافية العقارية، لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وما ننتظره من تثمين لهذا التنوع الثقافي الزاخر بين المعالم الأثرية الشامخة ومواقع أثرية هامة، وعمائر ريفية وحضرية خلابة، وهو ما يتطلب إرادة سياسية، وبذل جهود جبارة في سبيل الارتقاء وتثمين هذا التراث دون الحياد عن واجب الحماية بمعنى إيجاد مسعى توافقي بين التثمين والحماية القانونية، ويستدعى ذلك تجديد النظر للتراث المادي الثابت عبر إعادة الاعتبار والحيوية لمختلف تجلياته وعبر استثمار جوانبه الإيجابية.
ومن هذا المنطلق ، برزت فكرة هذا الكتاب الجماعي الدولي الموسوم ”الممتلكات الثقافية العقارية بين متطلبات الحماية القانونية والتثمين ” بمبادرة كريمة من جامعة الاخوة منتوري – قسنطينة 1 –بالجزائر بالتعاون مع مخبر الدراسات القانونية التطبيقية، الذي نتطلع أن تكون مخرجاته نتاج عمل حواري نقدي، تتداول فيه الأفكار، لإنتاج وفرة من الرؤى المعرفية الخصبة والعميقة في مختلف التخصصات،مع تسليط الضوء على وضعها التشريعي ، ونحن أمل أن ترتقي الجهود لتفتح مجالات أخرى للبحث في هذا المجال .
المشرفة على الكتاب الجماعي الدولي
الدكتورة خوادجية سميحة حنان.
رئيسة فرقة العقار والاستثمار في إطار التنمية المستدامة الجزائر
مخبر الدراسات القانونية والتطبيقية