يضمّ هذا الكتاب جملة من المقالات التطبيقية والدّراسات التحليلية التي تقوم على قراءة النّصوص الأدبية شعرا ونثرا، والمقصود بالقراءة في سياق هذا الكتاب هو التفاعل مع النصوص الأدبية، وقد تأتّى هذا التّفاعل من خلال عقد حوار يستقرئ مكوّناتها الجمالية وخصوصياتها الفنية، إنها مقالات تحتفي بالقراءة بوصفها حقا مكفولا للقارئ يعبّر، في ضوئها، عن آرائه ومواقفه وتصوراته حول النص المقروء. وإذا كانت عملية القراءة لا تقوم في عمقها على معايير أكاديمية ومبادئ علمية واضحة، فإن هذا المقالات تربأ بنفسها عن الوقوع في شرك الانطباع والذوق، ومن ثمّ، شكّل النص وخصوصيته التعبيرية والفنية مبدأ مركزيّا قامت عليه صفحات الكتاب، فهي تقوم على تتبّع المكونات البلاغية، أو السمات الفنية، أو الخصوصية التعبيرية لنصّ ما، كاشفة تمظهراتها وتجلياتها، ومبيّنة تشكلاتها الفنّية، وراصدة أبعادها ووظائفها.

وانطلاقا من هذا التّصوّر، حاورنا جملة من النّصوص الأدبية الرّفيعة والأصيلة في أدبنا العربي قديمه وحديثه، نصوص تختلف من حيث نوعها ونمطها، لكنّها تأتلف في أنها شكّلت إبداعات أدبية راقية تحفّز القارئ على تلمّس أدبيّتها وشعريتها، لاكتناه خصوصياتها التّعبيرية، وتذوّق أبعادها الجماليّة.

وقد توزّع الكتاب على فصلين اثنين، خُصص الأول لقراءة نصوص نثرية متنوعة من الأدب العربي القديم؛ حيث توقّفنا عند نموذج من الخطاب الصّوفي،ورصدنا المقومات البلاغية في إحدى مناجيات ذي النون المصريّ، ثم انتقلنا لقراءة نماذج من الخطاب الرّحلي؛ إذ درسنا رحلتين اثنتين، أما الأولى فهي رحلة ابن جُبير الأندلسي رصدنا بعضا من خصائصها البنائية والفنّية، والثانية هي رحلة ابن فضلان تناولنا الصورة السّاخرة وتجلّياتها وأبعادها. كما تصدّينا لقراءة نصوص إبداعية من الأدب الحديث؛ حيث تتبّعنا صورة الذّات المتحررة في السيرة الذّاتية رحلة جبلية رحلة صعبة لفدوى طوقان، وتوقّفنا عند نماذج من الخطاب الروائي كرواية محاولة عيش لمحمد زفزاف والمرأة الأخرى لشيماء أبجاو والحاج ألمان لإبراهيم أحمد عيسى. وخصصنا الفصل الثاني لتحليل نصوص شعرية وقراءتها، فتوقّفنا بدءا لرصد تجلّيات التعبير عن الذّات في شعر الصعاليك من خلال دراسة قصيدة مالك بن الريب التي رثى بها نفسه، وانتقلنا لتحليل تحولات اللغة الشعرية عند حيّان بن ثابت انطلاقا من قصيدته المشهورة في فتح مكّة. كما تصدّينا لنماذج من الشعر المعاصر؛ إذ تتبّعنا تجلّيات التناص وشعريته في ديوان دموع شهرزاد لنجية الأحمدي، كما رصدنا شعرية رمز القهوة وأبعاده في شعر محمود درويش.