قد يتساءل أي قارئ متخصّص عما يمكن أن تضيفه باحثة شابّة لمدونة النقد الجزائري في ظلّ الكمّ الهائل من الأبحاث والدراسات التي تصل المطابع سنويا والتي تكاد تتشابه في مواضيعها ومنهاجياتها حتى وإن اختلفت إشكالياتها وتباينت مناهجها، تساؤل تتلاشى مبرراته بمجرد تصفّح كتاب الأكاديميّة المتميّزة الدكتورة شهرزاد بناني والموسوم بمقالات في الأدب والنقد والذي ينفرد بخصائص تميّزه عن غيره من المؤلفات.

فالكتاب وإن احتفظ بصبغته الأكاديميّة التي تجعل منه مرجعا مهمّا للباحثين من طلبة الجامعة وأساتذتها، فإنه بالمقابل لم يسرف في استعمال المصطلحات والرموز والإشارات التي ارتبطت بتطبيق المناهج النقديّة المعاصرة، والتي باتت تُبعد القارئ العادي عن تصفّحها، فقد اعتمدت الباحثة وبذكاء شديد توليفه من المصطلحات التي تفي بالغرض الأكاديمي من جهة، وتفتح للقارئ العادي آفاق الاطلاع على الممارسات النقديّة المعاصرة، خاصة مع هذا التنوع والثراء في مواضيع الكتاب، والتي تراوحت مقالاته بين الحديث عن تمثلات الثورة الجزائريّة في الشعر الشعبي الجزائري كموضوع مازال يحتاج منّا إلى مزيد البحث والتنقيب، للوقوف على خباياه وأسراره التي تحتفظ بها الذاكرة الشعبيّة والتي تحتاج منا لتدوينه وتقييده حتى تستفيد منه الأجيال، ومواضيع نقديّة معاصرة كموضوع الشعريّة وما يثيره هذا المفهوم من جدل، وموضوع الأسلوبيّة وامتداداته في تراثنا النقدي العربي وعلاقته بالدرس البلاغي، إضافة إلى مقال عن جماليات سرديّة الشعر الأندلسي، وآخر عن قصيدة النثر التي يستمر الخلاف حولها رغم مرور حوالي سبعة عقود على ظهورها، لتبقى في الأخير مفاجأة الكتاب هي هذا المخطوط الذي قامت بتحقيقه، وهو في حدّ ذاته مجهود يستحق التثمين، خاصة مع النقص الفادح الذي يعانيه هذا التخصص في أغلبيّة جامعات الوطن.

يبقى في الأخير أن نشير إلى أنّه لا يمكن أبدا لهذا التقديم المتواضع أن يغني عن قراءة الكتاب الذي سيكون إضافة قيّمة للبحث الأكاديمي في الجزائر ليس بحمولته المعرفيّة فحسب، ولكن أيضا بضوابطه العلميّة الصارمة والتي ستكون مرجعا هامّا لكلّ الطلبة والباحثين.

الدكتور رندي محمد