تفصيل
- الصفحات : 420 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-402-0.
إن الخوض في غمار البحث المتخصص ليس بالأمر الهيّن، وإن البحث في مجال الرواية العربية وآفاقها له إشكالاته التي تتطلب الوقوف عندها ودراستها وتحليلها بعناية ودقة، والحقيقة أن الرواية العربية تمتد في وجودها إلى تاريخ أطول مما نسبه إليها بعض الكتاب والدارسين مما تأثروا بالفكر والنوازع الغربية، فالتراث العربي غني بمختلف الحكايات الشعبية من السرود التي تأصلت في تاريخنا العربي المجيد وحكايات ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية من سيرة ذي يزن وسيرة بني هلال…الخ، هو أبرز دليل على تجذر وأصالة الرواية العربية وتشبثها وتشبعها بقيم وتراث والأجداد.
والحقيقة أن هذا الكتاب هو في حقيقته موضوع بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراه وهو في الوقت ذاته امتداد للبحوث السابقة لنيل شهادة الليسانس والماجستير، إلا أن هذه المرة آثرنا أن نعمم الدرس ونخصه بدراسة الرواية العربية ككل بدلا من اقتصارنا على دراسة القصة الجزائرية في الشهادات السابقة، وقد حاولنا من خلال هذه الالتفاتة أن نتتبع مسار الرواية العربية منذ بداية نشأتها مع بدايتها الأولى التي كانت تستحي بها أن تظهر أمام العالم العربي كفن قائم بذاته إلى أن أصبحت أداة من أدوات التسلية والتربية إلى أن أصبحت تتربع على عرش الأجناس الأدبية وتتسيد المقام، وأكثر من ذلك نحاول أن نتابع سير وتطور هذا الفن الأدبي بعقد المقارنات واستنتاج واستحسان الميزات واستخلاص الخصائص التي ساهمت بالقدر الكبير في إقامة عودها وتصحيح مسارها وتحسين أساليبها وتطوير تقنياتها.
وإننا إذ نقف أمام هذا الكم الهائل المتهالك للانجازات الروائية والقراءات النقدية لمختلف النصوص الروائية العربية نلاحظ ذلك التطور الذي مسّ الكتابة الروائية العربية على مستوى جسدية النص أو المتن الحكائي، وجاء هذا التطور كنتيجة حتمية لما طرأ على الدراسات الأدبية من تطورات بداية مع ظهور البنيوية كمنهج شكلي حديث تفرعت عنه مختلف المناهج النقدية المعاصرة تبنت الرواية العربية مختلف مبادئها وأسسها ووظفتها في بناءها الشكلي لمتونها السردية.
إن الرواية العربية المعاصرة تعيش اليوم أزمة حقيقية ذاتية من حيث أنها تحاول مجاراة العصر بمختلف تمظهراته رغبة منها في مواكبة الحاصل من الزمن الحاضر وهى تتطلع إلى أفق أرحب سيشدها الحنين والأنين بخيط ر فيع إلى ذلك الزمن الغابر حيث نجد أنفسنا أمام حقيقة أن ثمة شيئا ما يتسرب من بين أيدينا اليوم هو طفولة العالم، والحقيقة أن عدم الوعي بالظرف الراهن وانعكاساته السلبية أو الايجابية قد يشكل إخلالا بالشرطية القائمة والتي تحقق توازن قطبي الزمن المتجاذبين وإن هذا الإخلال قد يسبب له انفصالا وتمزقا ذاتيا قد تعجز فيه أن تنتمي إلى أصولها موضوعا وشكلا هذا من جهة، أما من جهة ثانية فقد لعبت المنافسة الإبداعية بما تكتنفه من تنويعات تقنية وموضوعاتية دورها في دفع عجلة التطور في ظل عولمة فكرية وإيديولوجية البقاء فيها للأقوى والأصلح، أجبرت الذات العربية فيها في صراعها مع الآخر على أن تتخلى على ملامحها ومقوماتها الشخصية والتي وجدت فيها عائقا يقف أمام رقيها المادي والمعنوي كذلك بدا التجديد أمرا حتميا في القص العربي الذي أصبح يقاوم من أجل أن يثبت في ظل عالم متغير، وظلت الرواية العربية وهي تنتقل من حقبة زمنية إلى أخرى تجدد رداءها من أجل أن يتماشى مع طبيعة العصر وظل النقد العربي يرصد هذه التخيلات في المنظومة والمنطوقة العربية ويغربل الأفكار جوى المضامين ويحرص على متابعة الأشكال في تبادلاتها من حيث حيازة وتوظيف الأسلوب والتقنية فيبقى على ما استحق أن يبقى ويسقط ما رفضه الذائقة العربية ونبذته.
ومن أجل هذا سقطت الرواية العربية في ما يعرف اليوم بأزمة الهوية وهي أزمة ثقيلة متعددة الجوانب مثقلة بالإشكالات، وهي جانب من جوانب البحث الذي حاولنا أن نثريه ونجيب عن مختلف تساؤلاته . مواضيع عدة تتطلب العناية والوقوع عندها، ومن بين الأسباب التي شجعتني على اختيار هذا الموضوع مايلي:
أولا: غنى الموضوع بمختلف جوانبه الشكلية والموضوعية مسألة تستدعي البحث فيها ثم إن الرواية العربية المعاصرة ظهرت في أشكال جديدة وابتدعت مضامين أكثر جدة، لا نقول
أن الباحثين قد أغفلوا دراستها ولكن إن وجدت فهي تتواجد بصورة مشتتة وعلى الدارس الذي يود الإلمام بمختلف جوانب الموضوع أن يجتهد في لملمة شتاتها وأن يعمل فكره في استنتاج ما خفي عنه أو ما استخفي عنه ذلك لأنها دراسات معاصرة غير متوفرة وان توفرت فلن تكون بالصورة التي ينتظرها الباحث، فأغلبيتها دراسات تعتني بجانب واحد معين دون جوانب أخرى.
ثانيا: استهوانا البحث في موضوع الرواية العربية وخصوصا المعاصرة منه، سيما وجدّة الموضوع الذي نجتهد فيه فليس فيه من المؤلفات إلا القليل، وما عثرت عليه كان اثنان منها يحملان نفس عنوان بحثنا بالتقريب لكن محتواه ينحو بعيدا عن المنحنى العام المسطر والغاية المرجوة من الدّرس، فمقدار ما يحمل الموضوع من الجدة والتوسع والاجتهاد هو عنصر كاف بحد ذاته ليحمل الدارس على تتبع مساره من أجل استكناه مواطن قد تكون أغفلت. ثم إن غنى مادة البحث من حيث الكم والنوع والوفرة موضوع يسيل له اللعاب، غايتنا من وراء ذلك حقيق السبق بالاجتهاد أو وضع الأصبع على المناطق المحظورة أو الخطيرة التي لا تزال في طوابير الإنتظار تشكل طابوهات أو فوبيا لدى بعض الباحثين، أو تلك التي لم تعالج أو لم تستثر بعد أو لم يتنبهوا إليها ولو ضمنيا.
ثالثا: رغبتي في مقاربة النصوص الروائية ولو بشكل نظري وعقد مقارنات بينها وبين النصوص القديمة أو الحديثة من أجل استنباط ما استجد منها على الساحة العربية وما طرأ عليها من تجديد وتغيير على مستوى الطرح والتقنية.
رابعا: جدّة الموضوع المطروح قيد الدّرس التّطبيقي فرواية الخيال العلمي هي رواية فريدة من نوعها على المستوى العربي لذلك كان البحث في موضوعها أمرا يستوجب الاتكاء على القدرات المعرفية للباحث نفسه دونما حاجته للبحوث السابقة التي تكاد تكون معدومة في هذا المجال خصوصا، لذا فإن فرادة البحث وخصوبته وغرابته كلها دوافع تشجع الباحث على اختيار مواضيع كهذه خصوصا وندرتها على الصعيد المحلي والإقليمي.
خامسا: إلقاء نظرة استشرافية على ما يمكن أن يستجد على مستوى واقع القصص العربية بما في ذلك رصد كل التحولات الطارئة والتي يمكن أن تطرأ على مستوى السرود العربية سواء أكان ذلك شكلا أو متنا، ورسم خطة واضحة مقاربة للمسار المنهجي الذي يمكن أن تسير وفقه الكتابة الروائية العربية وفقا للمعطيات المتوفرة والمنتظرة وهذا من أجل فتح آفاق أرحب لتطور الرواية العربية وتوسع أهدافها .
سادسا: الوقوف على آخر انجازات الرواية العربية كتابة وتقنية وذلك من خلال تتبع تاريخيتها من النشأة إلى التطور، تحركنا الرغبة في تفقد فصول القصة العربية التي وضعت منذ نشأتها الأولى مجاراة القصة الغربية في مضامينها وأدواتها غاية أسمى لها انطلاقا من أصالة مواضيعها وأساليبها.
إن أساس هذا الكتاب منبننٍ على تساؤلات فرضية وأخرى افتراضية نلمس طريقي الإجابة عنها بالتدرج ضمنيا في سياق الدراسة النظرية والتطبيقية نورد منها ما يلي:
ما هو موقع الرواية العربية بالمقارنة مع قرينتها الغربية؟، ما هو الحد الذي يمكن أن تصل إليه الرواية العربية في احتوائها للقضايا الراهنة؟، وكيف يمكنها أن تعادل الواقع العربي ؟.
هل يمكنها استيعاب كل المتغيرات الشكلية والضمنية التي يفرضها عصر العولمة؟، وكيف السبيل إلى ذلك؟.
ولقد اتبعنا من أجل ذلك المسار المنهجي التالي:
استأنفنا الكتاب بمدخل نمهد فيه لموضوعنا، ثم عرجنا في الفصل الأول الموسوم بأولويات الكتابة الروائية العربية إلى مفهوم القصص في اللغة والاصطلاح وأولياته في الإسلام وعناصر ومقوماته في المبحث الأول، وفي المبحث الثاني تناولنا جذور الرواية العربية وتجاربها الأولى وبداياتها المبكرة. ثم تعرضنا لأسباب وعوامل ظهور الرواية الفنية عند الغرب وانتخبنا قصص الواقعية الحديثة كنموذج، وفي المبحث الثالث تعرفنا على بدايات القصص العربي وبواكيره، ثم تطرقنا إلى مفهومه في العصر الحديث وكذا موضوعاته واتجاهاته، ثم انتقلنا إلى الفصل الثاني المعنون ب “تحولات الكتابة الروائية العربية” الموزع على ثلاث مباحث، أولها معنون ب: الرواية ماضيا وحاضرا، وهو عبارة عن دراسة تعاقبية للراوية، وزعناه على العناصر التالية: الرواية العربية بين التقليد والانعتاق ثم التحولات في الرواية العربية ثم قضايا التحول في النص الروائي العربي فبنية العالم الجديد ثم عنصر الرواية وهي تجدد ردائها الحضاري، ثم تحدثنا عن آدائها الحداثي وآدائها الصاخب ومن ثمّ تعرفنا على توجهات وتوجسات الرواية العربية ثم انتقلنا إلى فاعلية النقد في الإنجاز الروائي يليه عنصر التوالدات النصية في الكتابة الروائية ثم يتبعه عنصر مسؤولية النقد في تحريك الزمن الروائي فتصدر المرأة الوعي العربي إلى التأسيس لوعي نقدي جديد (عصر ما بعد الحداثة) وأخيرا البعد النقدي والنقد السردي، أما في المبحث الثالث من الفصل نفسه فقد تعرضنا إلى مظاهر التحول في الكتابة الروائية العربية الموزع على ثلاث عناصر هي: ظاهرة التجنيس الفني (لأجناسية) إلى أثر تطور مناهج العلوم على النص الروائي ويليه عنصر الأنواع الروائية المبتكرة ضمن استفتاح الأفق التصوري على اللامنجز من رواية للخيال العلمي إلى رواية الخيال الصوفي إلى الرواية التكنولوجية أو التفاعلية لنتحدث عن الخارق والأسطوري في البطولة الروائية من ثم ننتقل إلى خصوصية الرواية العربية إلى سؤال الهدية الذي تطرحه وأزمنة الذات، أما في البحث الرابع فقد تعرضنا فيه إلى عنصر بعنوان في سيرور الرواية العربية من التأصيل إلى التجريب ثم إلى الشكل الروائي بين التأصيل والتجريب ثم أفاق التجريب ورهانات الإبداع الروائي وكذلك تحديات الرواية العربية الجديدة.
في حين نتعرض في الفصل الثالث التطبيقي إلى جملة من التنظيرات تخص المنهج البنيوي والأسلوبي والتأويلي التداولي من خلال المبحث الأول أما المبحث الثاني فنخصصه للتطبيقات على النموذج المأخوذ كعينة للدرس وهو رواية الأزمان المظلمة لطالب عمران من خلال ما جادت به المناهج المذكورة في المبحث الأول.
أما عن المنهج الذي اتبعناه في بحثنا هذا فقد استندنا على خطوات المنهج التاريخي التجميعي المقارن فيما يخص الزاوية النظرية أما عن الشق التطبيقي فقد آثرنا أن يكون تنويعا ومزجا بين المنهج البنيوي والأسلوبي والتأويلي التداولي محاولين بذلك الانعتاق من كل إلزامية قد يمكن أن يفرضه نمط معين من الدراسة النقدية كرها أو طوعا بحيث نجمع منه بين المعطيات التقليدية والحداثية المفتوحة على التأويل وقراءة انتقائية خاصة تتواءم مع طبيعة العمل المدروس، وعملنا فيه على المزاوجة بين رؤيتنا الخاصة وضبطها والحد من انفلاتها نقديا حتى لا نقع في فخ الاعتباطية مراعين بذلك مكونات العمل الأدبي وقصدية الدرس المتعددة المنهج المتبع من غير الالتزام بقهريته .
محاولة فتح الرواية العربية على اللامتواقع وتعميق رؤيتنا لمستقبلها في ظل منافسة محلية وعالمية حادة الوطيس وفي ظل عالم مفتوح على المستحيل والمجهول غُيّب فيه الكتاب ونابت عنه شبكة الانترنت.