تفصيل
- الصفحات : 280 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
من الصعب جدا الحديث عن التنمية الاجتماعية دون الحديث عن التنمية بوجه عام، باعتبار أن التنمية الاجتماعية جزء أو فرع من فروع التنمية تقدم وتطور كنتيجة تلقائية لنمو وتطور مفهوم التنمية، والامور التي دفعت بالفكر الاجتماعي الغربي للاهتمام بالتنمية الاجتماعية هي التغيرات التي طرأت على القارة الأوروبية كحصيلة لمخلفات الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكنتيجة مباشرة أيضا للتنمية الاقتصادية التي احدثتها ثورة الآلات ومصادر الطاقة الجديدة التي لم تصاحبها تنمية اجتماعية منذ البداية، ففي حين زاد الدخل الوطني وزاد معه الدخل الشخصي في تلك المجتمعات، ضعفت السلطة الابوية وتفككت الروابط القرابة وظهرت العلاقات الاجتماعية الثانوية التي تتصف بالسطحية والعمومية والنفعية والجزئية، وحلت الضوابط الاجتماعية غير الرسمية، وقد ترتب على ظهور قلة تمتلك وسائل الإنتاج وكثرة لا تمتلك الا الجهد الذي تقدمه لصاحب العمل كسلعة تباع في الأسواق ولا يحصل في مقابل عمله الا على ما يكفي حاجته ليعيش عيشة الكفاف، كما ترتب على ذلك أيضا حدوث تفكك اجتماعي تمثلت مظاهره في زيادة نسبة الانحراف سواء على مستوى الفرد او الاسرة او المجتمع، فعلى مستوى الفرد زاد نسبة الجرائم، وزادت نسبة الإدمان، وكثرت حالات الانتحار، وعلى مستوى زادت الخلافات الاسرية وارتفعت نسبة الطلاق مما أدى الى تفككها، اما على مستوى المجتمع ظهرت في المدن الجريمة المنظمة، والاحياء الفقيرة، كما ظهرت في المدن الصناعية مشكلات ناجمة عن كفاية الخدمات وخاصة ما يتعلق منها بالإسكان والمواصلات والتعليم والصحة.
تزايد الاهتمام بالتنمية الاجتماعية بشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لحاجة المجتمعات المتضررة إلى إعادة إعمار مجتمعاتها والنهوض بها، وتزايد بشكل اكبر بعد تفاقم الاثار السلبية التي نجمت عن فشل تجارب التنمية المطبقة في الدول النامية، اذ لم تنجح كل المحاولات في احداث تنمية حقيقية مستدامة وشاملة فيها، الامر الذي اجبر المفكرين الاجتماعيين الى تقديم حلول لإشكاليات الدول النامية، فاتجهوا الى دراسة التنمية الاجتماعية متخذين المجتمع الصناعي الغربي نموذجا للدراسة، معتقدين ان نمط الحياة في المجتمعات الغربية هو النمط الذي تنشده المجتمعات الأخرى في مسيرتها التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد تمت دراسة الواقع الاجتماعي لبعض المجتمعات الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لمعرفة الطريقة التي تحولت بها تلك المجتمعات من مجتمعات تقليدية متأخرة تعتمد طرق انتاج بدائية وتعيش في كنف عادات وتقاليد وقيم متخلفة الى مجتمعات صناعية متقدمة تعتمد على التكنلوجيا في الإنتاج وتسير في طريق النمو معتمدة على مجموعة من القيم الجديدة والانماط المستحدثة، وهدف المفكرين من ذلك كان الوصول الى نظرية عامة في التنمية الاجتماعية تشرح العوامل والمعوقات وتكون صالحة للتطبيق في دول العالم الثالث وتعالج مشكلاته.
تتعدد مجالات التنمية الاجتماعية وتتداخل مع التنمية الاقتصادية، كون انهما يؤثران في بعضهما البعض، بهدف خلق رفاهية اقتصادية واجتماعية، وهو ما تسعى اليه كل الدول طبعا، ولعل من اهم مجالات التنمية الاجتماعية، الإعانات النقدية والعينية التي تمنحها الدولة للفئات ذات الدخل المتدني، وتهدف الى رفع مستوى تلك الطبقات وإعادة توزيع الدخول بينها وبين باقي افراد المجتمع، أيضا مجال تنمية العنصر البشري من ناحية التعليم والرعاية الصحية، وتوفير السكن الملائم.
يعكس حجم الانفاق الاجتماعي مدى اهتمام الحكومة بجانب التنمية الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع هذا الانفاق على اوجهه الصحيحة، حيث تعد النفقات الاجتماعية للدولة الوسيلة الأساسية لمكافحة الفقر المدقع والحرمان الاجتماعي والتقليل من التفاوت في توزيع الدخل وتذليل الفوارق في مستويات الحياة.
و الجزائر كباقي دول العالم قامت بالاهتمام بموضوع التنمية الاجتماعية منذ الاستقلال وذلك من خلال البرامج الاجتماعية المتخذة وكذلك من خلال الأغلفة المالية الكبيرة المرصدة ضمن موازنة الدولة في كل سنة مالية في اطار الانفاق العام على التحويلات الاجتماعية, فحسب تقديرات قانون المالية 2022 حيث وصل حجم التحويلات الاجتماعية في موازنة الدولة الجزائرية الى خمس ميزانية الدولة يذهب للتحويلات الاجتماعية ما يعادل و4ر8 بالمئة من الناتج الداخلي الخام للبلاد, ويعادل مبلغ التحويلات المبرمج 7ر19 بالمئة من ميزانية الدولة ل2022 (مقابل 24 بالمئة في 2021) و4ر8 بالمئة من الناتج الداخلي الخام للبلاد (5ر9 بالمئة في 2021)، حسب مشروع القانون الذي عرض أمس الأحد على اللجنة المختصة بالمجلس الشعبي الوطني من طرف الوزير الأول وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان, وتخصص لدعم العائلات ميزانية ب7ر597 مليار دج (7ر553 مليار دج في 2021) ويتوزع هذا الدعم على 5ر315 مليار دج لدعم أسعار المواد الأساسية (الحبوب، الحليب، السكر وزيت المائدة) و3ر105 مليار دج لدعم الكهرباء والغاز والماء و13ر45 مليار دج للتعويضات العائلية و7ر131 مليار دج لدعم التربية.
كما تشمل التحويلات الاجتماعية دعم المعاشات التي سيخصص لها السنة القادمة 5ر332 مليار دج ودعم الصحة الذي سيحظى بميزانية قدرها 1ر361 مليار دج ودعم السكن ب247 مليار دج, كما يشمل دعم المجاهدين بغلاف قدره 196 مليار دج ودعم الفئات المعوزة وذوي الدخل الضعيف وذوي الاحتياجات الخاصة ب6ر207 ملياردج.
وفي هذا الشأن قسمنا الكتاب الى بابين, حيث تطرقنا في الباب الأول الى الجانب النظري والموسوم ب التنمية الاجتماعية – الإطار النظري والمفاهيمي-، أما الباب الثاني فتطرقنا الى الجانب التطبيقي الميداني فوسم ب واقع التنمية الاجتماعية في الجزائر – دراسة تحليلية وتقييمية-.
سنتطرق في هذا الباب الى الجانب النظري من الكتاب, فقمنا بعملية مسح مكتبي شامل حيث سنعرض فيه أهم المقاربات النظرية المتعلقة بموضوع التنمية الاجتماعية, بداية بتوضيح أهم التعاريف والمفاهيم واتجاهات التنمية الاجتماعية, ثم عرض أهم عناصر وأهداف التنمية الاجتماعية في المحور الثاني لهذا الباب, وختاما في المحور الثالث تم التطرق علاقة التنمية الاجتماعية ببعض المفاهيم الاقتصادية كعلاقة اللامساواة بالتنمية الاجتماعية ودور الانفاق على الحماية الاجتماعية وعلاقتها بالفقر, والتنمية الاقتصادية والتخطيط الاجتماعي.
حيث قسمنا هذا الباب الى المحاور التالية:
المحور الثالث: علاقة التنمية الاجتماعية ببعض المفاهيم الاقتصادية