تقديم الكتاب

بدأت الصيرفة الإسلامية بمرجعية فكرية وفقهية مرتكزة على الإرث الفقهي الكبير الذي دونه السلف الصالح من العلماء والفقهاء ومعتمدة على الأصول والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما أجمع عليه العلماء أو استخرجوا أحكامه بالقياس، حتى استقرت التجربة، كما استفادت من التجربة المصرفية التقليدية في إطارها المؤسسي والتنظيمي لتصل إلى مرحلة متقدمة من التطــور، فلا أحــد يســتطيع أن يُنكــر النجاح الــذي حققتــه المصارف الإسلامية منــذ بدايتهــا في الســبعينيات مــن القــرن الماضــي إلى اليوم، حيــث إن القــراءة الأوّليــة لإنجازاتها تكشــف لنــا عــن مجموعــة مــن النجاحــاتِّ أهمهــا الأرقام التي تبين تزايـد أعدادهـا ونمـو أصولها وودائعهـا، واتسـاع مجـال تمويلهـا لـكل القطاعـات الاقتصادية، والإقبال المتزايد علـى خدماتها التي كشـفت عـن وجـود حاجـات مصرفيةُ كامنـة لم تلبها البنـوك التقليدية، كما استطاعت أن تتجاوز حاجــز الاحتكار المصرفي التقليــدي ومســألة حتميــة الفائــدة، باسـتحالة وجـود نظـام مصـرفي يسـتبعد آليـة الفوائد المصرفية الربوية.

كما استطاعت أن تبرز للعالم فكراً مصرفيـاً جديـداً من خلال تقديم حلول للعديد من الأزمات التي تعترض النظام المالي العالمي، خاصة وأن المصارف الإسلامية لم يقتصر وجودها على البلدان العربية والإسلامية فقط، بل أصبحت منتشرة في جميع أنحاء العالم، كما أتاحـت الفرصـة للرجـوع إلى فقـه المعاملات المالية الإسلامية؛ حيـث تزايـد حجـم البحـوث والفتــاوى والنــدوات والمؤتمرات في هذا المجال.

حيث تقوم فلسفة المصارف الإسلامية على مبدأ عدم التعامل بالفائدة أخذاً وعطاء، فهي تقوم بقبول الودائع المعروفة في البنوك التقليدية دون استخدام سعر الفائدة كعامل تعويض للمودعين، وإنما تستبدلها بحصة من الربح، كما تعمل المصارف الإسلامية على توظيف هذه الودائع في المجالات التي تجيزها الشريعة الإسلامية، من خلال أساليب مشروعة أيضا، إضافة إلى ممارستها للخدمات المصرفية المنضبطة في إطار العقود الشرعية.

والملاحظ أن البنوك المركزية في مختلف دول العالم بدأت تولي اهتماماً بقطاع المصارف الإسلامية وتصدر تشريعات خاصة بها، والجزائر كغيرها من الدول رخصت لنشاط الصيرفة الإسلامية منذ سنة 1991م، كما عرفت مؤخراً إصدار القانون المنظم لعمل الشبابيك الإسلامية بالمصارف التقليدية من أجل تشجيع انتشار الصيرفة الإسلامية.

على ضوء ما سبق يهدف هذا الكتاب إلى دعم الباحث والطالب خصوصاً في إدراك جل ما تعلق بالصيرفة الإسلامية انطلاقا من الفكر التنظيري عند المؤسسين الأوائل، مروراً بتفصيل مبسط لما هو واقع في كيفية تطبيق أساليب التمويل والاستثمار في المصارف الإسلامية وعلاقتها بالمصارف المركزية ونموذج الرقابة الشرعية عليها، وبيان مختلف الهيئات الدولية الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي، وصولاً إلى واقع النشاط المصرفي في الجزائر من خلال بنك البركة ومصرف السلام مع الإشارة إلى التنظيم الصادر في 15 مارس 2020 المحدد للعمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها في البنوك والمؤسسات المالية.

البويرة في: ديسمبر 2020م

والله وليُّ التوفيق

المؤلفان

الدكتور: عزوز أحمد            الدكتور علام عثمان