تفصيل
- الصفحات : 311 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-469-3.
تحتل اللسانيات اليوم مركز الصدارة في سلم العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ نتيجة ما أحدثته من ثورة على مستوى المناهج والتصورات، حيث تعدى تأثيرها إلى قطاعات علمية دقيقة على غرار: الرياضيات والإعلام والحاسوب، وصاحب هذا التفاعل المعرفي استحداث آلاف المصطلحات الغربية للتعبير عن المفاهيم المستجدة في هذا الحقل.
ولقد سعى اللسانيون العرب المحدثون لنقل هذه المفاهيم إلى اللغة العربية؛ لاستيعابها واستكناه خباياها، ومن ثَم استثمارها عمليًا في المجالات التطبيقية، ولكن الأمر اصطدم بعقبات عديدة، لعلّ أهمها قضية المصطلح؛ وهنا كانت الحاجة ماسة لاعتماد آليات تساعد القارئ العربي على تذليل هذه الصعوبة؛ ومن ذلك وضع المعاجم اللسانية التي ترصد مصطلحات هذا العلم، مشفوعة بتعريفات شافية، مدعّمة بأمثلة توضيحية، ولكن هاته المؤلفات اعترضتها العديد من الصعوبات المعرفية، والعوائق المنهجية.
وهنا برزت فكرة هذا البحث، والتي تنطوي على جملة من الإشكاليات، لعل أبرزها:
– ما هي الجهود المبذولة من طرف العرب المحدثين في مجال صناعة المعاجم اللسانية؟
– فيم تكمن جوانب التميّز لدى العرب المحدثين فيما أُنجز من معاجم لسانية؟
– إلى أيّ حدّ تستجيب معاجم اللسانيات العربية لمبادئ الصناعة المعجمية الحديثة؟
– ما نوع الإشكالات التي تُعيق مسيرة المعجم اللساني العربي؟ وما السبل الكفيلة للحدّ منها؟
– كيف يمكن وضع تصوّر منهجيّ لصناعة معجم لسانيّ شامل وموحّد؟
هذه الإشكالات وغيرها قد أثارها عدد من الدارسين العرب، من بينهم:
وتأتي هذه الدراسة الموسومة بـ:”المعجم اللساني في الثقافة العربية- قضايا وإشكالات“، في سياق في التعريف بما بُذل من جهود في هذا المسعى، مع تحليل موضوعيّ لمصنّفات المحدثين؛ قصد تثمين المنجز وتقويمه للوصول إلى معجم لسانيّ وظيفيّ يفيد أهل الاختصاص، مشرقاً ومغرباً.
ولكن ما يميّز هذه الدراسة أنّها سعت إلى الجمع بين التأسيس النظري، والإجراء التطبيقي للوقوف على واقع المعجم اللساني العربي عن كثب، واستشراف آفاقه المستقبليّة؛ من خلال مدوّنة اشتملت على تسعة عشر (19) معجماً لسانيّاً، ظهرت طيلة أكثر من ثلاثة عقود، إذ كان أوّلها مصنّف الحمزاوي”المصطلحات اللغوية الحديثة في اللغة العربية” عام 1977م، وآخرها “معجم المصطلحات اللسانية” للفاسي الفهري عام 2009م.
ومن الأسباب التي قادني لخوض غمار هذا البحث، أذكر جملة من العوامل الذاتية والموضوعيّة التي، يمكن تبيانها في:
– اهتمامي الكبير بقضايا المعجم؛ ولاسيما المتخصّص منه، نظراً لما يؤديه من وظائف معرفيّة وثقافية وحضارية.
– افتقار المكتبة العربية للبحوث والدراسات التي تُعنى بشؤون المعجم المتخصّص- ولاسيما في حقل اللسانيات، وما يرتبط به من ضوابط ومناهج.
– تتبّع جهود العرب المحدثين في مجال صناعة معاجم اللسانيات، للوقوف على جوانب القصور، وملامح النجاح في منجزاتهم.
– السعي لمعالجة معضلة التّشتت المصطلحيّ التي تعيق تلقي اللسانيات في الثقافة العربية، وذلك بإيلاء أهميّة بالغة للمعجم المتخصّص؛ لكونه خزّاناً للرصيد المصطلحي، ومرجعيّة لاستيعاب المفاهيم، وحسن تمثُّلها.
ولقد تضمن هذا الكتاب أحد عشر فصلا ترتبط ارتباطا وثيقا بصناعة المعاجم اللسانية في ضوء أسس الصناعة المحديثة وما تقتضيه من إجراءات من جهة، وتكشف من جهة أخرى طرائق بناء المصطلحات اللسانية وفق مبادى علم المصطلح الحديث.
فقد سعى الفصل الأول” المعجم اللساني في الثقافة العربية- نشأته وروافده” إلى تقديم صورة واضحة المعالم حول واقع المعجم اللساني في الثقافة العربية؛ من خلال تعريف هذا النمط من المعاجم المتخصّصة، ورصد مختلف نماذجه، وتتبّع مراحل تشكّله، مع إبراز جهود العرب المحدثين في مجال توليد المصطلح اللساني، كوضع القوائم الاصطلاحية، والمسارد، والمؤلَّفات اللسانية، دون نسيان مكانة الترجمات اللسانية في إثراء هذا الحقل.
ورصد الفصل الثاني” المعجم اللساني في الثقافة العربية- نماذجه وأهدافه” رصد جهود العرب المحدثين في مجال صناعة المعاجم اللسانيّة؛ وذلك بتعريف أهم المصنّفات التي تم إنجازها في هذا الحقل اللغوي، وتعريف القارئ- مبتدئاً كان أم متخصّصاً بمختلف نماذجها، وأهم مجالاتها المعرفية، مع تحديد أغراضها العلمية والتعليمية والتداولية والثقافية.
وحاول الفصل الثالث “جهود العرب المحدثين في صناعة المعاجم الصوتية- “معجم علم الأصوات“ لمحمد علي الخولي نموذجا“؛ من خلال تقديم مقاربة وصفية تحليلية نقدية لمدونة “معجم علم الأصوات” لمحمد علي الخولي، وذلك بإعطاء توصيف لهذا المؤلّف، وبيان أقسامه، ورصد الآليات المتبعة في وضع المصطلح الصوتي، مع دراسة رصيد المعجم في ضوء أسس الصناعة المعجمية الحديثة؛ من خلال تحديد مصادره، وتعيين مجالاته المفاهيمية، وتوضيح طريقة ترتيبه، وكشف أنماط تعريف مصطلحاته، وكشف أشكال الإحالة فيه؛ بغرض توضيح جوانب النجاح، ومواطن القصور فيه، بغية الارتقاء بالمعاجم الصوتية العربية.
واهتم الفصل الرابع “المعاجم اللسانية من خلال مقدماتها” بتسليط الضوء على جانب محدّد من هذه المصنّفات، وذلك بالتركيز على المقدمة دون غيرها من العناصر الأخرى؛ لأنّ هذا العنصر يكتسي أهمية بالغة في بناء المعجم اللساني، نظير ما يؤديه من وظائف بيداغوجية ومعرفية، ولتحقيق ذلك تم اتباع مقاربة وصفية تحليلية نقدية لمقدمات هذه المعاجم المتخصصة؛ بغية ملاحظة مدى استجابتها لمبادئ الصناعة المعجمية، سواء من حيث الشكل، أو المضمون؛ للوقوف على جوانب النجاح فيها، وتثمينها، ورصد مظاهر القصور؛ بهدف معالجتها، من أجل النهوض بالمعجم اللساني في الثقافة العربية، وجعله يواكب مستجدات البحث اللساني، ويلبي حاجات القراء المتزايدة باستمرار.
وكشف الفصل الخامس: “التقييس المصطلحي في“معجم المصطلحات اللسانية“ لعبد القادر الفاسي الفهري“، من خلال توضيح آليات التنميط في ترجمة المصطلحات الغربية، وتحديد أشكال استغلال الاشتقاق في بناء المصطلحات اللسانية الحديثة، وطرائق التعريب، مع تحديد المقترضات من اللغات الأعجمية لسد الفجوات المعجمية في اللغة العربية في هذا الحقل العلمي الجديد الوافد من الغرب.
وحلّل الفصل السادس”: التركيب المصطلحي في معجم “علم اللغة التطبيقي“ لمحمد علي الخولي“؛ قصد إبراز فعالية “التركيب المصطلحي” في وضع المصطلح اللساني، انطلاقاً من دراسة مدونة في اللسانيات التطبيقية، بغية تحديد أنماط المركبات المصطلحية في هذا المعجم، ومعاينة مدى توظيف هذه الآلية في توليد مصطلحات هذا المعجم.
وعالج الفصل السابع “أسس بناء معجم المصطلحات اللغوية لرمزي منير بعلبكي“؛ لكونه يحتل مكانة متميّزة بين المعاجم اللسانية الثنائية اللغة التي وضعها العرب المحدثون؛ نتيجة ظهوره في فترة يمكن اعتبارها مرحلة نشاط الدراسات المعجمية اللسانية العربية الحديثة؛ فقد كان صدوره متزامناً مع المعجم الموحّد لمصطلحات اللسانيات في طبعته الأولى، وسعت دراسته لتحديد الأسس المعجمية التي تبناها منير بعلبكي في صناعة معجمه، وكشف جوانب النجاح فيه، وتحديد مواطن القصور.
وكشف الفصل الثامن “المعاجم اللسانية في ضوء أسس الصناعة المعجمية الحديثة” مدى استجابة هذه المؤلفات المتخصّصة لأسس الصناعة المعجمية الحديثة؛ وذلك من خلال رصد الآليات المعتمَدة في بنائها؛ وذلك بدراسة أنماط ترتيبها، وتحديد أنواع التعريفات التي تضمّنتها، وكشف أشكال الإحالة فيها، وأخيراً وصف ملاحقها، والهدف من كل هذا هو تثمين المنجَز، وكشف جوانب القصور فيه؛ بغية الارتقاء بالمعاجم اللسانية العربية، وجعلها تنجح في تلبية حاجيات الدارسين من جهة، ومواكبة التطورات المتسارعة لهذا المجال الحيوي من جهة ثانية، وتقديم المصطلح اللساني لطالبه بأيسر طريقة من جهة ثالثة؛ حتى يسهل استيعابه والاستفادة منه لاحقاً.
ورصد الفصل التاسع “الإشكالات المعرفية في المعاجم اللسانية العربية ” التي تضمّنتها هذه المعاجم المتخصّصة، سواء أكانت هذه المصنفات شاملة لمختلف فروع الدرس اللساني، أم مقتصرة على مجال لساني محدّد؛ وذلك من خلال رصد شتى أنواعها، وكشف مختلف مظاهرها؛ بغية تخليص المعاجم اللسانية مما لحق بها من ثغرات معرفية، وجعلها تواكب مستجدات البحث اللساني، كي تستجيب لمتطلبات القارئ المتخصّص.
وسجّل الفصل العاشر “اختلالات المعاجم اللسانية: مظاهرها وأسبابها“؛ انطلاقا من دراسة وصفية تحليلية نقدية لمتون المعاجم اللسانية التي وضعها العرب المحدثون؛ وذلك بكشف أهم الإشكالات اللغوية التي تضمنتها في شتى المستويات: الصوتية، الصرفية، التركيبية، المعجمية، والدلالية، هذا من جهة، مع محاولة رصد مختلف الاختلالات المنهجية المسجّلة في هذه المصنّفات؛ والتي تتعلق أساسا بمدى استجابتها لضوابط الصناعة المعجمية الحديثة، كمسألة التسمية، وقضية التفاوت في الرصيد المصطلحي، وعشوائية الجمع، وتذبذب آليات الوضع، من جهة أخرى؛ كل ذلك في سبيل رصد جلّ العقبات اللغوية والمنهجية التي تعرقل مسيرة المعجم اللساني في الثقافة العربية، بغية تخليصه منها، مع تعيين مظاهرها في خمسة أنواع: معرفية، ولغوية، ومنهجية، وتنظيمية، وشكلية، وبعدها تم الانتقال لتوضيح مختلف الأسباب الكامنة وراء تلك المظاهر؛ سواء أكانت تتعلق بحداثة هذا العلم، وتعدد مصادره في الثقافة العربية، أو مرتبطة بتباين طرائق وضع المصطلحات اللسانية بين الأفراد والهيئات اللغوية.
واستشرف الفصل العاشر “سبل ترقية المعاجم اللسانية في الوطن العربي” من خلال تبيان جملة من الآليات والاقتراحات المعرفية والمنهجية التي اجتهد العرب المحدثون في وضعها قصد توحيد المصطلح اللساني، والحد من مظاهر تشتته، وضبط قضايا المعجم اللساني: جمعا ووضعا وإصدارا، مع اقتراح تصور منهجي لبناء معجم لساني شامل وموحّد، كل ذلك في سبيل الوصول إلى معرفة لسانية تلبي احتياجات القارئ العربي.
وختاما آمل أن يسهم هذا العمل في تشريح الظاهرة المصطلحية في المعاجم اللسانية، وأن يساعد المختصين على تجاوز شتى النقائص المسجّلة في المعاجم محل الدراسة، قصد الارتقاء بمجال صناعة المعاجم اللسانية، في المجالات النظرية منها والتطبيقية، ولاسيما مع انفتاح اللسانيات على حقول معرفية عديدة في ضوء ما يسمى أضحى يسمى بالتخصصات البينية، وحتى تصير المعاجم اللسانية مصادر أساسية متوفرة ورقيا وإلكترونيا ينهل منها الدارس العربي– مغربا ومشرقا- دقائق المعرفة اللسانية الحقة، ويصبح المعجم العربي المتخصص في هذا الحقل مواكبا لنظيره الغربي في قضايا والجمع والوضع والإصدار.
وحسبي أنّني قدمت هذا العمل، واجتهدت فيه قدر المستطاع، فإن أصبت فذاك رجائي، وإن أخطأت فعسى أن أنال أجر الاجتهاد، وأعتذر عن هفوات تكون صدرت منّي، لأنّي إنسان، وقلّما يسلم إنسان من نسيان، كما يصعب أن يسلم قلم من طغيان.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون﴾
سورة التوبة، الآية 105.
الشلف يوم الجمعة 27 نوفمبر 2020م.
محمد حاج هني