بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ وَصلِّ اللَّهُمَّ على نَبِيِّكَ الأَمِينِ

ولو لم تكن المفارقة منتوج اللغة الشاعرة لَبُخِس بأقدار الكلامِ، وإن كان في مِضمَار البيان، فحقًا إنَّ لليونان حظًا من العقل والحكمة؛ وإنَّ سرَّ مقولَاتِ الحكمة فيهم إنَّما قامت علي وعيٍ بما ينطقون، وسرٍّ بما يكتبون، فليس لمنطوقِ البشرِ سواسية في مزايَا الألفاظِ والمعاني والصُور والأسَاليب، بل مبدأُ التَّفاوتِ في كل ذلِك ملحُوظٌ مفهوم، فمن بلاغة الكلام وتمام التَّصويرِ أن يجتَاز المتكَلِّم معهُودَ خطابِه في النَّاس قصداً لإحدَاث المخَالفةِ، ودَفْعًا لرتَابَة المسموع، وانكارًا لنمطيَّةِ الإنشاء… ولاسيمَا إذَا كان هذا النَّمط من الخطاب متفرِّدًا بالفنيَّة، ومحاطًا بالذَّوق، ومشمولًا بصدقِ الحالِ ومُعايشة الفكرة مكشوفًا عنه بلغةٍ ترتقي بالشُّعور إلى حيث آفاقُ اللامنتهي من الخيالات والتصورات ضمنَ رؤيَا الممكن والمحال، إنَّها باختصارٍ مُقتضيات اللُّغة الشَّاعرة، وشعريَّة اللُّغة المراهنة على إبداعيَّة الصُّورة، ورهافة الحسِّ، وحلامة الإيقاع ابتغاءَ الأثر في الذَّات المستقبلة.

من هنَا تكونُ هذه الدِّراسةُ حاملةً همَّ الكتابةِ الشِّعريَّة لدَى الدكتور جمال الدِّين عبد الهادي، وفقَ منصوصاتِ المفارقة الغربيَّة؛ من حيثُ مُنطلقَاتُها المعرفيَّة، وأبعادُها الغائيَّة، وألياتها المتعَيَّنِ تحقيقُها في النَّص، كون اللُّغة الشَّاعرة إلهامًا ذَا خصوصيَّةٍ في مضاميرِ القول؛ يصفُ ويكشفُ، يُطربُ ويُرهبُ، يُمتعُ ويُقنعُ… إنَّ مفاعيله في مكامنِ الخطاب لا تنتهي، وإن آليات الإبداع فيه وقف على مدى براعة الشَّاعرية في متعاطيه.

نَرْجُو خِتَامًا دَوَامَ التَأَلُّقِ والسَّدَاد

الدكتور غانم حنجار

تيارت: 26 ذو القعدة 1443ه.

الموافق لـ: 25 جوان 2022م.