أضحت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جزءا لا يتجزأ من ممارسات الأفراد اليومية متصدرة أهم الوسائل الإعلامية استخداما، فهي المصدر الأول للأخبار المتنوعة والدعامة الخصبة للتعليم والتعلم واكتساب الخبرات وهي الوسيط الرقمي الافتراضي لربط الأنترنتين والكفيل لعلاقاتهم المتجاوزة للحدود الزمكانية، إضافة إلى كونها وسيلة ترفيهية فتحت للأفراد سبل إبداء الرأي وطرح الانشغالات والتنفيس عن مكنوناتهم بأساليب جادة وساخرة على حد سواء، ويعد موقع اليوتوب من أهم وسائل الإعلام الاجتماعي الرقمي الخاصة بمشاركة المحتويات المرئية البصرية، ينشر من خلاله النشطاء فيديوهاتهم ويشاركونها مع من يتابعهم من المستخدمين فالتطورات التقنية التي مست قطاع الاعلام سهلت على الأفراد طرق الولوج لهذه المنصة والاستفادة من خدماتها من رفع للملفات وتحريرها وتحميلها دون مقابل مادي (مجانيا).

وفي هذا الإطار استخدمت تقنية البودكاست وهو المحتوى الفيديوي المعروض عبر اليوتيوب من خلال قنوات صناع المحتوى المرئي، يصورها هواة أو محترفون يسمون بـــــ” البودكاسترز أو اليوتوبرز” للتعبير عن مختلف القضايا الراهنة في قالب فني جذاب وبطابع فكاهي ساخر يحاكي تطلعات المشاهدين ويواكب التطورات والأحداث الجارية التي تشغل الرأي العام وتثير اهتمامه، ومن ثم يرصدون ردود أفعال المتفرجين ومدى تفاعلهم مع المنشورات.

ويعد موضوع البودكاست من الدراسات الاستكشافية الجديدة من حيث الطرحين الابستمولوجي والمنهجي المستمدين من الخصوصية البحثية المتعلقة بالإعلام الرقمي، وما يجعله جدير بالدراسة هو الانتشار الواسع للفيديوهات الساخرة عبر اليوتوب وتوسع القاعدة الجماهيرية المتابعة لهذه المضامين، والمتتبعة لقنوات صناع المحتوى والمشاركة لها عبر المنصات الأخرى. ومما يزيد من أهمية الدراسة كونها تندرج ضمن الدراسات الوصفية الكيفية التي تعنى بالبحث السميولوجي الذي يراعي النسق اللغوي والصوري للمادة المحللة ويبحث في مدلولاتها الضمنية ليستشف الرسائل الكامنة التي تحملها.

حيث وقفنا في هذه الدراسة على تحليل عينات من تدوينات البودكاسترز الجزائريين “أنس تينا” و”دزاد جوكر” (DZjoker) و”هشام د.ن.” (Hichem DN)، تم التركيز فيها على تلك المحتويات التي تحاكي الوضعين السياسي والاجتماعي الجزائري في قالب ساخر، وتقارب بطريقة نقدية القضايا التي تهم المواطنين، حيث تباينت مواضيع الحلقات تبعا للأحداث البارزة في الفترة الممتدة بين سنتي2018 و2020.

وعليه تم التساؤل عن ماهية الدلالات الإيحائية الساخرة للبودكاست الجزائري التي تحاكي محتوياته الوضعين السياسي والاجتماعي.

وللإجابة على هذا التساؤل تم تفكيكه إلى مجموعة من التساؤلات الفرعية:

ما أهم القضايا المتناولة في التدونيات البودكاستية–المحللة-؟ وما الهدف من تناولها؟ وما طبيعة اللغة المستخدمة في البودكاست–عينة البحث-؟ وكيف أسست للبعد الاقناعي؟ وفيم يتمثل الأسلوب الفني الإخراجي المعتمد في البودكاست–عينة البحث؟ وكيف ساهمت الموسيقى التصويرية واللغة الجسدية في إبراز الفكرة ومحاججة معانيها؟ وفيم تتمثل أساليب السخرية الموظفة في التدونيات البودكاستية–المحللة؟.

وقبل الإجابة على هذه الأسئلة في الجانب التطبيقي للعمل ارتأينا التمهيد له بتوطئة نظريةتضمنت الإسناد النظري للدراسة وخلفية التحليل السميولوجي وكذا الدراسات السابقة ومختلف المفاهيم الخادمة للموضوع كالنقد والسخرية والبودكاست، تلاها عنصر خاص بالإجراءات المنهجية المتبعة في الدراسة، حيث تم عرض نوع البحث ومنهجه وأدواته وكذا مجتمع الدراسة وعينتها. أما الجزء الثالث والأخير والخاص بالدراسة التطبيقية فقد تضمن التحليل السميولوجي للفيديوهات المختارة والذي كان عبر مرحلتي الوصف والتأويل وصولا إلى نتائج الدراسة التي عرضت ضمن عنصر الخاتمة.