هذا الكتاب هو مؤلف بيداغوجي يضم محاضرات مصنفة وفق مقررات تاريخ المغرب العربي الحديث ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين، والمقصد منه توفير مادة علمية تتوافق مع المقررات المعتمدة بالجامعة، وفق منهج علمي أكاديمي، تتمحور تلك  المحاضرات حول تاريخ المغرب العربي في الفترة الحديثة، لتكون مرجعا لطلابنا الذين يعانون من ندرة المصادر وتشتت المادة التاريخية، معتمدين في تحرير موضوعاتها على منهج سلس مبسط، يعتمد على وصف الأحداث وتحليلها، وهو المنهج الملائم لتناول تلك الفترة الحاسمة من تاريخ البلدان المغاربية.

فقد شهدت بلدان المغرب العربي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي تحولات حاسمة بعد أن ضعفت التشكيلات السياسية التي نتجت عن سقوط دولة الموحدين، ففي طرابلس الغرب ضعفت سلطة الحفصيين فانفصلت عن السلطة المركزية بتونس، فوقعت بذلك بيد الاحتلال الاسباني سنة 1510م الذي سلمها فيما بعد لفرسان مالطا ليعيثوا فيها خرابا إلى أن حررها العثمانيون، أما إمارة الحفصيين بتونس فقد كانت تعيش حينها تمزقا سياسيا وانهيارا اقتصاديا بسبب الصراع الداخلي، وفي الجزائر لم تكن مملكة بنو عبد الواد الزيانيون أحسن حالا من جيرانها، حيث دب الصراع بين ملوكها حتى انحصرت سلطتهم في تلك الفترة على تلمسان وانقسمت إلى إمارات متنازعة فيما بينها، أما المغرب الأقصى فكانت سلطنة بني مرين بفاس تشهد صراعات حول العرش حتى تغلب عليهم الوطاسيون وآل الحكم لهم سنة 1471م، لكن ضعف سلطتهم تزامن مع الغزو الخارجي فتجزأت بلاد المغرب الأقصى إلى وحدات سياسية شبه مستقلة كالقصر الكبير وتطوان وإمارة شفشاون.

هذه التحولات الداخلية إضافة إلى الغزو الخارجي، ساهمتا بشكل كبير في تشكل معالم الدول المغاربية الحديثة، ففي الجزائر وتونس وطرابلس الغرب تم الاستنجاد بالعثمانيين لطرد الإسبان وبعدها الانضواء تحت لواء الدولة العثمانية، أما في المغرب الأقصى فقد برز السعديون كغريم للوطاسيين، التف حولهم الشعب لتبنيهم الدفاع عن البلاد وطرد الإسبان والبرتغال، وقد حل مكانهم العلوين بعد ان انهارت دولة السعديين.

وخلال هذه الفترة الممتدة لأكثر من ثلاثة قرون من الزمن عاشت البلدان المغاربية أوضاعا وتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متباينة نتيجة التغيرات التي شهدتها خلال الفترة الحديثة على مستوى أنظمة الحكم ومكانتها الدولية، والتحديات الخارجية.

ونتيجة لما تقدم جاء هذا الكتاب حول تاريخ المغرب العربي الحديث، لمعرفة تلك التحولات التي مرت بها البلدان المغاربية، وإبراز التحديات والصراعات التي عايشتها على المستويين الداخلي والخارجي في الفترة الحديثة وما سبق ذلك من غزو اسباني وبرتغالي لسواحلها، وعلاقاتها المختلفة مع الدول الأخرى.

أدرار يوم: 26 رمضان 1443ه/27 أبريل2022م