إن الشيء الذي تتفق حوله الدراسات التاريخية، هو أن الإسلام وإن اتخذت الفتوحات العسكرية سبيلا لشق طريقه في بعض أقطار المعمورة وخاصة تلك كانت تسودها إمبراطوريات وممالك عظيمة وقوية مثل بلاد الفرس والرومان وبلاد الفرنجة، والصين، إلا انه لم ينتشر إلا بالطرق السلمية والدعوة في أغلب أنحاء الأرض.

ومن أشهر المناطق التي مثلت فيها الدعوة السلمية النموذج الحقيقي لانتشار الإسلام، وبرزت فيها قدرة المسلمين على نشر عقيدتهم بالإقناع والحجة وحسن المعاملة، هي إفريقيا السوداء أو ما يعرف بإفريقيا جنوب الصحراء، والتي يصطلح على تسميتها في أدبيات المؤرخين العرب ببلاد السودان.

فلقد لعبت تجارة القوافل والفقهاء دورا كبيرا في نشر الإسلام في الديار السودانية، حيث نابت الأسواق عن ميادين الوغى ونابت الأمانة والصدق وحسن المعاملة عن السيف في نشر عقيدة التوحيد، وقد أشارت الدراسات التاريخية كثيرا للدور الذي لعبه فقهاء الاباضية والمالكية في نشر الإسلام في السودان الغربي، وكذا دور المرابطين في القضاء على الوثنية والمساهمة في قيام دول إسلامية هناك^([1]).

لكن تبقى التجارة هي حجر الأساس الذي تم من خلالها بناء الجسور التي مر من خلالها الإسلام إلى أقصى المناطق وأبعدها وأصعبها سلوكا في إفريقيا، حيث شكل التجار المتنقلون سواء في افريقيا الوسطى أو الغربية والشرقية وحتى الجنوبية، ظاهرة إسلامية بامتياز، فبالرغم من أنهملم يكونوا فقهاء ولا دعاة لكنهم حملوا معهم أينما حلُّوا في تلك المناطق المظلمة من إفريقيا الممارسات والعادات والشعائر الإسلامية لشعوب ظلت بعيدة لمدة قرون عن الرسالة المحمدية.

وأمام نقص الدراسات والكتابات العربية عموما والجزائرية بصورة خاصة حول هذه الظاهرة، فإنني عكفت على جمع ما اطلعت عليه وما توفّر لدي من مادة أثناء بحوثي لأُقدِّمَ للقارئ هذه الدراسة عساها تكون لبنة أولى لدراست أخرى أكثر عمقا وأكثر عمودية لظاهرة انتشار الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء.

( ([1]أنظر: نبيلة حسن محمد: في تاريخ الحضارة الإسلامية في إفريقيا. دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، دون تاريخ، ص 257 وما يليها.

ـ أنظر أيضا: أحمد الياس، دور فقهاء الاباضية في إسلام مملكة مالي . جامعة الخرطوم. موقع الكتروني:

.nafosa-net.com/vb/showthread.  www اطلع عليه يوم: 21/11/2010