اهتم عدد كبير من اللغويين العرب بالدرس اللغوي، ومن أهم الاهتمامات التي يجب أن يدور حولها البحث اللغوي هو البحث عن التراث أولا ومحاولة فهمه واستيعابه والاستفادة منه   وإلباسه لباساً جديداً من المناهج المقننة والنظريات الحديثة والاستفادة أيضا من المناهج الغربية عن طريق التعريب والترجمة. إنّ السبيل للبحث عمّا يصون اللغة، يحفظها ويجعلها حاضرة بين لغات الأمم هو أن نقوم بجمعها في معجم، فالمعجم هو الذاكرة الحيّة للأمة يقوم بدور الحفاظ على تراثها من الضياع، وهو كذلك مؤسسة اجتماعية تصون تكامل المعارف.

إن اللغة هي الفكر والثقافة والحضارة والعقيدة والقيم وهي بلا منازع أبرز السمات الثقافية، وما من فرع من فروع العلم، إلا وله صلته باللغة، وتتجلى أهمية الأسماء الجغرافية في أن معرفة الأسماء الجغرافية علم قائم بذاته، وهي تدخل في مختلف جوانب الحياة لكل مجتمع من المجتمعات أو أمة من الأمم.

كذلك من العلوم المستحدثة في عصرنا الحالي اللسانيات الحاسوبية التي تلعب دورًا فاعلاً ومؤثراً في الخروج بنا من أزمتنا الثقافية، فعلى مستوى التنظير لا يخفى دور استخدام التكنولوجيا الآلية المتقدمة في التعامل مع النصوص في النهوض بالأبحاث اللغوية بشتى فروعها وتخليصها من محدوديتها، وأما على المستوى التطبيقي فدور اللسانيات الحاسوبية فاعل وشامل، وهذا واضح جلي في استخدام اللسانيات الحاسوبية لتعليم اللغة العربية وكذلك عمليات التحليل والإحصاء في نقد النصوص موضع الدراسة.

يكتسي موضوع المدونة اللغوية الحاسوبية أهمية بالغة في أوساط الباحثين، ثم هو يفتح آفاقا جديدة أمام التأليف المعجمي، وأمام الأبحاث والدراسات اللغوية الحديثة، ذلك أن المدونة اللغوية الحاسوبية تقوم بتمثيل اللغة وتمثيل المعارف تمثيلاً هادفاً، وبناءاً على هذا فقد وسمت بحثي بالعنوان التالي: إعداد مدونة معجم طوبونيمي حاسوبي لمدينة تلمسان.

إنّ توصيف المدونات وتحليلها أصبح ذا أهمية في وقتنا الحالي وذلك نظرا لانتشارها الواسع في أوساط الباحثين. وعليه فإن إشكالية بحثنا تقوم على الأسئلة التالية: ما الأصول المعجمية للمعجم الطوبونيمي؟ ما هي الجهود التي بذلت من أجل إنجاز معجم حاسوبي عربي؟ كيف السبيل إلى إنجاز معجم طوبونيمي حاسوبي لمدينة تلمسان؟ كيف نقوم بإعداد مدونة لغوية حاسوبية تمثل أسماء المواقع الجغرافية تمثيلاً فعليًا؟ وما هي الطريقة الأمثل لتطوير مدونة طوبونيمية حاسوبية تسهّل لنا التعرف على الصناعة المعجمية الحاسوبية؟

لعل من أهم الأسباب التي دعتني إلى اختيار هذا الموضوع هو أهميته البالغة في مجال المعجمية الحاسوبية ذلك أن المدونات اللغوية الحاسوبية تلعب دوراً فاعلاً ومهماً في صناعة المعاجم الحاسوبية حديثاً، كما أن فكرة إعداد مدونة لغوية حاسوبية تعد فكرة جديدة ومقبولة من طرف الباحث العربي. وأيضا أهمية المعجم الطوبونيمي الحاسوبي والأبعاد التي يكتسيها إنجاز مثل هذا العمل.

لقد قمت بتقسيم مراحل البحث إلى مدخل وفصلين وخاتمة، قدمت في المدخل مجموعة من المفاهيم والأدوات التي استعملتها في البحث فتحدّثت عن الوورد نيتWORD NET أو ما يُعرف بالمعاجم المحوسبة وعن الدلالة الصناعية وعن المحلل النحوي والمحلل الصرفي والأنطولوجيا وعلاقتها باللسانيات والحقول الدلالية والوورد نيت وأيضاً المعجم الحاسوبي.

خصصت الفصل الأول للحديث عن المعجم الطوبونيمي فقسمته إلى ثلاثة مباحث، عالجت في المبحث الأول: فروع وأشكال الدراسات الطوبونيمية، وأما في المبحث الثاني فذكرت الصناعة المعجمية الطوبونيمية بين القديم والحديث وخصصت المبحث الثالث لبيان حدود الطوبونيم في مدينة تلمسان.

أما الفصل الثاني فقد عالجت المراحل التي يتم من خلالها تطوير المدونة اللغوية الحاسوبية فابتدأت الفصل بالحديث عن المعجم والحاسوب، وي المبحث الثاني: مراحل إنجاز المعجم الطوبونيمي الحاسوبي لمدينة تلمسان، والمبحث الثالث: مواصفات المدونة الطوبونيمية الحاسوبية لمدينة تلمسان، والمبحث الرابع: توصيف المدونة اللغوية الحاسوبية المقترحة، لأختم وكما هو معلوم بخاتمة.