تفصيل
- الصفحات : 274 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى ،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-825-7.
الحمد لله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والشكر لله الواحد الأحد العلي الكبير، الغني اللطيف الخبير، والتوكل على الله المنفرد بالعز والجلال والإرادة والحكم والتدبير، والاستعانة بالقادر الجبار الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والملاذ بالرحمن الرحيم الملك الخبير، واللجوء دوما إلى العليم الحليم الذي على كل شيء قدير، إياه نعبد مخلصين له الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله وصفيّه وخليله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
أولا: التعريف بالموضوع:
جميل أن يحرص الفرد على ضبط وقته، ويسهر على حسن استغلاله فيما ينفعه في دينه ودنياه بعناية دقيقة ورعاية مركّزة، وينأى قدر ما يستطيع عن كلّ ما يلهيه عن عبادة خالقه، ويفرّ ما وجد إلى ذلك سبيلا، عن أيّ أمر قد يشغله عن وظائفه المهمة، وأعماله الأساسية في حياته اليومية. لكن السؤال الجوهري الذي يتبادر إلى الأذهان في هذا الصدد: إلى أيّ حدّ يمكن أن يصمد الانسان مواظبا على ذلك الحال من الحرص والكدّ والاجتهاد والعمل المضني والتفكير المتصل؛ مواظبة مستديمة لا نظير لها، دون أن يطاله النَّصب والاجهاد الجسمي والنفسي، ودون أن يتسلّل إلى نفسه الشعور بالملل أو يشتاق للراحة والدعة؟.
سؤالٌ قد تبدو الإجابة عليه نظريا بسيطة، لكن في الواقع ليس من السهولة بمكان التسليم بجواب قطعي وفاصل؛ ذلك أنّ العزائم ليست على خط واحد في نفوس الأفراد، ومستويات القدرة على التحمّل عندهم ليست بنفس المقدار، وقناعاتهم ليست على قلب رجل واحد، وأنّ نظرتهم إلى الحياة ليست بنفس العين ولا من زاوية واحدة، ومستواهم العلمي والمعرفي والايماني ليس في رتبة واحدة ولا بنفس الدرجة.
وأمام هذا التحدّي الصعب في توصيف إجابة شافية للسؤال المطروح، نعتقد أنّ للإجابة بـ “لا” حظ وافر ضمن نسبة الجواب الشافي؛ ذلك أنّه طبيعي أن يَمسّ التعب من كان ذلك ديدنه، ويحيط الإرهاق به ويضايقه. ولعلّنا لم نبالغ إن سايرنا الرأي القائل: بأنّ الأمر قد يصل أحيانا بمن كان ذلك ديدنهم إلى الملل والنفور، ولا بأس من الاستشهاد برأي أحد الباحثين حين يقول: وربما “لو طال الزمن بنَصَبهم وإجهادهم لبلغ بهم إلى السّأم والملال”[1].
لذلك، حريّ بالفرد، أن يخلد للراحة ويأخذ بحظه منها دون اسراف ولا تقتير؛ فالانسان من العسير أن يثبت على نفس الحال بشكل مستديم، والحياة كما يقول نبي الأمة (صلى الله عليه وسلم) “ساعة وساعة”[2]، وللجسد حقّ على صاحبه فقد قال (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه البخاري(ت256هـ/ 870م) في صحيحه: “فإنّ لجسدك عليك حقا”[3]. وأنّه لا مناص -أحيانا- من الاستنجاد بالراحة والمتعة المسموحة للتخفيف من أثقال العمل، وقسوة التفكير المتصل. بل إنّه -كما يرى بعض أهل الدراسة والمهتمين بهذا الحقل البحثي- حتى أهل البطالة يملّون هم أيضا من فراغهم وتنغص البطالة على حياتهم، ويضيقون ذرعا بمساحات الفراغ الخاوي التي تخيم عليها، ويتوقون لسماع نغمات تقذف في نفوسهم النشاط وتعينهم على الشعور بالحيوية والانشراح، وتضفي على حياتهم سمات الفرح وتشرح صدورهم لها. ويعدّ الضحك -كما هو معلوم- أحد المخارج النافذة إلى ذلك؛ ولا ريب أنّ المزاح سبيل من سبل تحصيله، وأداة من أدوات تجديد النشاط وبعث الحياة فيه[4].
بل إنّه ما من نكير، أنّ النفس البشرية في حاجة إلى ما يخفف عنها من حجم الآلام الاجتماعية والنفسية التي تكابدها، وتطلب ما يطرد عنها أثقال الضغوط التي تفرضها عليها، وتبحث عما يعينها على تحمّل مشاق الحياة وأتعابها المتناسلة على كاهلها. وأنّ هذه النفس غالبا ما تجنح لكل ما يبعث على راحتها ويمنحها البِشر، والملحة والسرور والمتعة مهما كانت مكانة صاحبها في نظام التراتبية الاجتماعية، ومراتب العلم ومصاف المعرفة؛ فليست المتعة قرينة بالمكانة الاجتماعية ولا العلمية، وإنّما مطلب فطري جُبلت عليه النفس. فالبِشر مع الناس خصلة من الخصال النبيلة التي هدانا إليها الشارع الحكيم، والرفق إليهم طريق من طرق الوصول إلى قلوبهم والتأثير إيجابا فيهم، وقد قال أحد السابقين: “البشاشة مصيدة المودة”، ومن محاسن الخلق ومكارمه: “لين الكلام وطلاقة الوجه”[5]. غير أنّه حتى وإن كان هذا المطلب لا يناقض بتاتا سلوك التواضع، وآداب المعاملة الحسنة، فإنّه من الجميل أن يحافظ الانسان على هيبته ووقاره ويراعي مكانته؛ فلا يخوض من أمور المتعة إلا في ما هو مشروع، ولا إلّا بما هو محمود.
ومعلوم بالضرورة، أنّ الشريعة الاسلامية أولت هذا الجانب في حياة الانسان عناية مركزة وأفصحت عن طبيعة الضوابط الشرعية الكفيلة بتأطير حياة الفرد في منحى التسلية والترفيه والمتعة بعيدا عن كل محظور ومكروه، وضار ومضر. وقد كشفت لنا السنة النبوية الصحيحة عن مساحة الترويح والاستمتاع المسموح، والآداب الناظمة لمظاهره، والضوابط الراسمة لإطاره، والأدلة على ذلك متعدّدة وثابتة. ومن بين ما يحسن انتخابه للاستدلال به في هذا الباب: ما أورده البخاري ضمن باب “حق الجسم في الصوم”، وذلك من حديث عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) حين قال، “قال لي رسول صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله: ألم أُخْبَرْ أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا…”[6]. وكذلك قوله (صلى الله عليه وسلم): “والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن، يا حنظلة ساعة وساعة”[7].
ومن هذا المنطلق، يتجلّى لنا بأنّ حاجة الانسان للترفيه عن النفس والترويح عنها مطلب أساس في الغالب الأعمّ، ومادة ضرورية في حياة البشرية. وبالاستناد إلى هذا المعطى نلمع النظر إلى أنّ الدراسة الحديثة توصلت إلى أنّ موضوع الترفيه في حقيقته “موضوع حضاري وحاجة متجددة في حياة الناس لا يستغنون عنها، لارتباطها بالفطرة السليمة، والأمزجة السوية، والمجتمعات المتحضرة”[8].
ولسنا نرمي بتاتا ونحن نسلك هذا التوجه في الطرح، لمنح المرح والمتعة في حياة الانسان مكانة فوق ما تستحق، وإنما النظر إليها بعين الشرع؛ أي لا يأخذ الفرد حصته منها إلا بالقدر المحمود وعلى الوجه المشروع. فالفرد إذا كان له فراغ في يومياته، طبيعي أنّه من الأحسن اغتنامه فيما يفيده، لكن لا مانع من أن يستغل مساحة منه في الاستمتاع بما يدخل على نفسه الفرح والسرور كالمزاح الهادف؛ المفيد للنفس والعقل والقلب؛ ذلك الذي يكون بمقدار معتدل، ويكون كذلك في محله وموضعه.
وطبيعي أنّ أفانين الفكاهة ومظاهر الترفيه وأساليب المزاح والدعابة، تتباين في تفاصيلها وأشكالها من منطقة لآخرى ومن عصر لغيره، وتتطور في أفكارها وتمظهراتها من حقبة لأخرى، وتنمو وتنضج كما تنمو وتتطور شعب الحياة وميادينها ومجالاتها المتلونة؛ فقد لا نقف على نفس مظاهر الترفيه أو المزاح في مجموعة مناطق حتى ولو كان عامل الزمن يجمعها على خط واحد[9]، وقد ينقطع مظهر من مظاهرها من فترة لأخرى أو لا يتكرر في الأزمان التي تلي زمن حضوره وتتعاقب.
وانطلاقا من هذا الطرح؛ يتوخى صاحب هذه الدراسة الالتفات إلى مباحثة لون من ألوان التسلية والترويح عن النفس التي عرفتها الشعوب منذ أقدم العصور، وأداة من أدوات تحصيل الرفه والمتعة الجسمية والنفسية التي اصطبغت بها سلوكاتها وعبّرت عن ثقافتها وميولاتها؛ وهو المزاح بشتى تمظهراته، وأساليبه وأدواته في جزائر العصر الوسيط.
ثانيا: أهمية الدراسة في حقل الكتابة التاريخية:
نلفت النظر في صدر هذا البحث إلى أنّه لا يتوخى بتاتا فقه حياة المرح والتسلية بكل تمظهراتها ودروبها وفنونها في الوسط الاجتماعي بجزائر العصر الوسيط أو بكل أبعادها، ولا التطويق الشامل لمساحة مؤثراتها وخلفياتها على حياة شرائحه، بقدر ما يهدف -كما ترمي إليه اشكاليته الرئيسة ومشكلاته الفرعية- إلى ما يلي:
– نفض الغبار عن جوانب من مضمرات الشخصية الثقافية والأدبية والفنية والنفسية لمجتمعات جزائر العصر الوسيط؛ حيث نجتهد في تقصِّي طبيعة تلك الشخصية في المنحى الهزلي الفكاهي على كاهل أسلوب المزاح بشتى تمظهراته وأدواته، لنهتدي إلى حقيقة أسلوبهم الدعابي المعتمد لتحصيل الرفه والبِشر والفرح وطرائقهم المزاحية المنتهجة لتحقيق المتعة والانشراح والسرور، ونختبر مدى ميلهم إلى الحس المزاحي ومكانته في حياتهم؛ أيّ نحاول فقه هل أفراد هذا المجتمع قوم انبساطيون ينزعون إلى حياة المرح والملاحة ويستطيبونها ويهتمون لها ويقبلون عليها، أم ينفرون منها ولا يحبذونها؟ وهل كل فئات المجتمع على اختلاف طبقاته وتباين مراتبه على قلب رجل واحد من الميول أو النفور أم هناك تفاوت فيما بينها؟ وهل كل ما ينطق بواقع حقبة زمنية من حقب العصر الوسيط ينسحب على غيرها أم لكل حقبة خصوصياتها الفنية والثقافية والأدبية؟. كما نسعى لقياس نسبة ذلك الإقبال أو ذلك النفور وحظ كل واحد منها في الفترة المخصصة للدراسة، والعمل على تحديد طبيعة العوامل والأسباب الموجِّهة في كلتا الحالتين (الإقبال والنفور)، والكشف عن الأوساط التي احتضنت مظاهر المزاح وكانت بيئة مناسبة لنموها واعتمادها كأسلوب ترفيهي ترويحي، بالإضافة إلى مكاشفة طرائق المزاح الغالبة ضمن ذلك النسيج الاجتماعي والمفضلة من طرف أفراده؛ أي التي يؤثرونها على غيرها ويفضِّلونها عليها، أو التي يتباين بها كل مجتمع عن غيره من مجتمعات جزائر العصر الوسيط أو عن غيره من مجتمعات الغرب الاسلامي بصفة خاصة والعالم الاسلامي بشكل عام في نفس الحقبة الزمنية.
– يسعى هذا البحث كذلك إلى رصد طبيعة النمط المزاحي الذي ساد بين أوساط الخاصة، ومساحة التباين الذي اصطبغ به عن أساليب المزاح ومظاهر الترويح عن النفس التي سادت بين ظهراني العامة.
– يسلط الضوء هذا البحث -أيضا- على القوالب العُرفية التي كشفت عن الذوق الفني المزاحي الذي ساد بين ظهراني عناصر المجتمع المغرب أوسطي خلال العصر الوسيط، وطبيعة الضوابط الشرعية والعرفية الراسمة لمنهجه والضابطة لصراطه.
– الالتفات إلى دراسة الجوانب المغيبة في بحر التاريخ الاجتماعي لبلاد المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، ومحاولة تجاوز عقبة الشح الخبري الذي بات هاجسا يؤرق أي باحث يروم السباحة في أعماق هذا البحر بفكره وجهده وقلمه؛ بحثا عن الكنوز المعرفية التي يزخر بها خاصة في منحى المهمّش.
– التعرّف على نماذج من طرائق المزاح وأدوات التسلية التي سادت بالنطاق المكاني والحيز الزماني المحدد، وإبراز مساحة من جوانب الحضارة المغرب أوسطية خلال العصر الوسيط؛ بهدف إدراك مستوى التطور الفكري والأدبي والفني الذي بلغته مجتمعاته، وإبراز دور الفئات الاجتماعية التي كان لها يد في رسم منعطفات ذلك التطور.
– إدراك الأبعاد الحضارية والفكرية لمجتمعات جزائر العصر الوسيط في منحى الأذواق والفنون والطبائع والعادات والأعراف، ومعاينة مدى أهميتها ومستويات ذلك. مع محاولة الكشف عن المستوى الثقافي الذي بلغته في تطوير الأذواق الفنية وتهذيبها، ومعاينة طرائق التفكير في هذا المنحى الفني، وأساليب التعبير عن المشاعر والأذواق بواسطة حسّ المزاح والدعابة.
ثالثا: محفزات البحث في الموضوع ومقويات الرغبة في خوض غماره:
تعدّدت العوامل المستفزة لرغبتنا في سبر غور موضوع يطرق اشكالية ثقافة المزاح التي سادت في أوساط مجتمعات جزائر العصر الوسيط، وتنوعت، ويمكن حصرها في النقاط الموالية:
– أشير في مطلع هذه الدراسة، إلى أنّ ولوج موضوع المزاح إلى دائرة اهتماماتي البحثية، ومصدر نباته في جسم رغبتي ونموه في مساحة ميولاتي، يستند في أحد أركانه إلى قناعتي بأن الانسان من الطبيعي أن يعيش حياته على الفطرة السليمة التي خلقه الله عليها، وليس عيشها بصبغة الخيال والمثالية الواهمة؛ فهو بَشَرٌ وليس مَلَك؛ يصيب ويخطئ، يجتهد ويضعف، يغفل ويعود، ويذنب ويتوب. نعم؛ هو عبد مأمور بعبادة الله الواحد الأحد، والاجتهاد في الامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه، وشكره على نعمه وآلائه، والقناعة والرضى بما قسمه له (سبحانه وتعالى) في حياته بِحُلوه ومُرّه. والأخذ بنصيبه من الدنيا وحصّته من متاعها بما يرضي ربّه عزّ وجل ويستجيب لشرعه؛ أي يدرس، ويعمل، ويتاجر… ويضحك ويمرح ويلعب بالقدر الذي لا يضر تديّنه وتعبّده لله، ولا يعيق تفانيه في طاعته والحرص على الانقياد له.
– كما تتأسّس رغبتنا في مفاحصة هذه الاشكالية بناءً على فكرة -قد تراود أي باحث عقد عزمه على مباحثتها- مؤداها: أنّ شريحة من جيل جزائر اليوم ربما تتطلّع لمعرفة مظاهر المزاح التي سادت في أوساط مجتمعات العصر الوسيط لضوابط، ومعرفة مدى احترامها لشروط المزاح وتقيّدها بصراطه القويم. وقد ترنو لادراك مدى مؤثراته في حياتها بكل مناحيها، سواء الآثار الايجابية كتمتين الروابط المجتمعية وتطبيب الأمراض النفسية، وتجديد الطاقة والتخلص من الإرهاق والتعب… أو المؤثرات السلبية كالاسهام في نشر العداوة بين الأفراد، وتفشي ضروب الكراهية والبغضاء فيما بينهم، وزرع مظاهر النزاع والخصومة في أوساطهم؛ حين لا تُحتَرم آدابه ولا تُراعَى شروطه…
– تطلّعنا لكشف العلاقة التداخلية بين الجانب النظري والعملي في ثقافة المزاح السائدة في الوسط المجتمعي خلال الحقبة الزمنية لموضوع الدراسة؛ أي معاينة مدى احترام عناصره لآداب المزاح وتقيّدهم بشروطه في واقعهم العملي-التطبيقي بحكم وعيهم بها، ودرايتهم بأحكامه وضوابطه.
– رغبتنا في الاضطلاع بعمل بحثي من شأنه أن يلملم شمل النتف والاشارات الخبرية المترامية في متون المظان حول طرائق المزاح وأساليبه ومفرزاته على حياة الفرد في المجال والحقبة المدروسة، وتحليلها واخراجها في ثوب دراسة حول ثقافة المزاح في جزائر العصر الوسيط وأشكاله ومختلف أدواته ووسائطه.
– مواصلة مسيرتي البحثية في قضايا المجتمع الجزائري خلال العصر الوسيط التي اعتقد أنّها تندرج ضمن خانة المهمش بل قد يرتقي بعضها أحيانا إلى درجة المقصى أو المغيّب. فبعد الدراسات التي أنجزتها على التوالي خلال العقد الثاني من القرن الجاري في المنحى الاجتماعي، نأمل أن تشكّل هذه الدراسة دعامة وسند للجهود التي ينتصب لها غيرنا في مباحثة مشكلات وقضايا التاريخ المهمش، وأن تضمّ صوتها إلى الأصوات البحثية الرامية إلى إخصاب الأرضية الجدباء التي اصطبغت بها ساحة البحث في المجال الجغرافي والحقبة الزمنية المشار إليها آنفا، لاسيما وعائق الفقر الوثائقي يُعسّر من مهمة البحث ويُثقل كاهل من سلك سبيله. فغلبة الاهتمام التدويني بالتاريخ النخبوي -الذي سارت على هديه شريحة عريضة من أصحاب المظان المصدرية ولم ينج من الوقوع في قبضة إساره حتى بعض كبار المؤرخين ولسنا نتهمهم طبعا وإنما نشخّص الواقع فحسب- لم يسمح كما هو معلوم -بناءً على رؤيتنا المتواضعة- باتاحة الفرصة بشكل متساو -أو على الأقل متقارب- بين يدي الباحثين للاستفادة من مادته على تشعب حقول البحث التاريخي، وتنوّع قضاياه، وتعدّد مشكلاته. وبذلك نرنو لمواصلة البحث في هذا المنحى، كل باحث يشتغل على زاوية ويسلط الضوء على جانب، حتى تُغطَّى مساحة واسعة من تلك القضايا والمشكلات بالدراسة والبحث.
– حب المغامرة في دراسة المواضيع الطريفة كاشكالية المزاح. فنحن نعتقد بناء على رؤيتنا المتواضعة طبعا، أنّ هذا الموضوع من المواضيع التي شابها التغافل البحثي، وطالتها النظرة التهميشية. وحتى وإن كنا لا نحوز السبق في الاشارة إلى هذا التغافل؛ فقد تردد في صدور العديد من الدراسات التي عالجته في بيئات جغرافية بعيدة عن البساط الجغرافي الذي أخضعناه للمباحثة، إلا أنّنا قد نحوز قصب السبق في الاشارة إلى ذلك فيما تعلّق بالمجال الجغرافي والحقبة الزمنية التي أوليناها عنايتنا البحثية. وعليه، فنحن نشدّ على يد من رأى بأنّ الاهتمام بدراسة المزاح بمختلف الأذواق الفنية التي يعكسها: سمرا كان أو فكاهة أو هزلا… ظلّ حدثا معرفيا هامشيا في الفكر الاسلامي خلال مساحة زمنية واسعة من تاريخه، حيث تَلبَّس ذلك العزوف في غايات متلونة، وغَطَّى أصحابه مواقفهم بذرائع متعدِّدة، وتوشحت رؤيتهم بمبرِّرات متنوعة، تصدّرتها المؤثرات الفكرية والثقافية والعقائدية، ومبدأ تحقيق الفائدة البحثية، ناهيك عن عامل ترتيب الأولويات البحثية وأفضلية المواضيع الجديرة بالبحث؛ بما يعني إدراج مسائل العناية البحثية بمواضع الرفه والإمتاع كالمزاح في ذيل منظومة الأولويات البحثية والأفضلية الدراسية. وحتى نتلافى الوقوع في فخ المبالغة، نشير إلى أنّ أبرز عامل يدقّ ناقوس النفور في النفوس المشمِّرة عن سواعدها للبحث في المواضيع المهمّشة هو الفقر المصدري الذي ظل كابوسا يفجع كل من عقد العزم على مباحثة تلك المواضيع، ويُجبر من يستسلم أمامه على إدارة ظهره لمثل هكذا مواضيع بحثية. بما يعني أنّ التقصير في معالجتها وتدوين أخبارها ليس وليد اليوم وإنما قديم يغوص في أعماق تاريخ الفترة الاسلامية الوسيطية؛ حيث لم يساير الاهتمام بتدوين أخباره وتسجيل مظاهره والتوقف عند مفرزاته ما عرفه الاهتمام بتدوين أخبار الفنون والمواضيع الأخرى ذات السبق في الأهمية، والأولوية المعرفية، وحجم المنفعة المرجوة من تدوينها في اعتقاد من انتصب لذلك. وإن كنّا نحن لا نخفي مدى تخوفنا من خوض غمار هذا البحث في ظل العوز الفاضح للنص المصدري الذي يدعمنا في الاستدلال والبرهنة على مدى حضور الحس المزاحي في مجتمع المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، والكشف عن مظاهره وإبراز مفرزاته على الحياة العامة لأفراده، شأننا شأن غيرنا طبعا، إلا أنّ ذلك لم يثن من عزيمتنا عن مقارعة تلك الصعوبة، والعمل في حدود الإمكان لانتاج دراسة تكون على الأقل إرهاصا تُبنى في ضوئه دراسات أخرى تشد عضده، وتقوِّي ساعده.
– ضمن عامل آخر من عوامل تقوية رغبتنا لدراسة هذا الموضوع -والذي لا يكاد يختلف عما بسطناه آنفا بل يدعمه- نشير إلى أنّ ما حفّزنا كذلك لمباحثة هذه الاشكالية؛ هو نظرة الانتقاص لشأن البحث في المواضيع التي تُلاحق صنوف الرفه ومظاهر الفكه والمزح؛ باعتبار البحث فيها في اعتقاد البعض، مضيعة للوقت وإهدار له، وأنّ من يهتم بمباحثة ذلك -في منظورهم- يسلّط الضوء على الأساليب والسلوكات التي من شأنها أن تعكس مظاهر إذاية الغير والإضرار بهم. ودون اتهامهم بالإساءة إلى هذا الحقل البحثي أو إلى من يرنو لسبر غوره، وبعيدا كذلك عن توجيه أصابع اللوم نحوهم، نعتقد أنّ من تحلَّى بتلك النظرة واتخذها قناعة راسخة، ربما تعالى عن مساحة الايجابية في سلوكات المزاح الهادف وأعرض عنها، أو نقول غابت عن ناظره: بأنّ حس المزاح مظهر من مظاهر التحضر في زاوية من زواياه وبُعدٍ من أبعاده إذا كان لا يغادر خط الايجابية ولا يحيد عن صراط الشرع، ومقياس من مقاييس مستوى التطور الحضاري والفني والأدبي الذي شهدته مجتمعات العصر الوسيط، والذي بلغه الفكر الانساني؛ تفاعلا والحراك الحضاري الذي تعيشه الانسانية المتزامنة وعصره أو التي سبقته إِنْ تقيّد بالشروط الناظمة لمساره والآداب الراسمة لصراطه.
ثالثا: اشكالية البحث:
توخينا على كاهل اشكالية هذا البحث المركزية استنهاض مغامر التفكير في المشكلات ذات الصلة بتاريخ الاجتماع الانساني وأذواق النفس الجمالية ومطالبها الترفيهية؛ وذلك بطرق باب موضوع نفسي اجتماعي ثقافي يفاحص مسألة أصناف المزاح ومظاهر الدعابة في حياة مجتمعات جزائر العصر الوسيط، والسلوكات والصور المزاحية التي تستغرقها وقائع الحياة الترفيهية بالمجال والحقبة المدروسة وتنطق بها، وكشفنا عن طبيعة المؤثرات وانعكاسات السلوك الترفيهي المزاحي على حياة الفرد بكل مناحيها: السيكولوجية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، وتحسّسنا موقف الشرع ومطارحات أهل العلم لمسألة شروط المزاح وآلياته وأدواته. هذا، وحاولنا الحفر في المشاعر السيكولوجية للشخصية المغرب أوسطية الضاحكة، غوصا في أعماق الإحساس النفسي والجمالي، وتقليبا في نوازع النفس وأذواقها الجمالية وطبيعة رغباتها ومطالبها الترفيهية-الترويحية. وحاولنا إلى صفِّ ذلك، استكشاف منزع حسّ المزاح في أوساط الخاصة وذوي العقول النبيهة كنخب العلم وأهل الثقافة؛ نستشعر طبيعة حسّهم المزاحي وذوقهم الدعابي والأنماط التي تعكس سلوكهم التسلوي وأنشطتهم الترفيهية. كما نتشوف لاستظهار جوانب من واقع الحياة النفسية لمجتمعات جزائر العصر الوسيط، واستشراف نوازعها وتقلباتها وأوجاعها.
ومن الأسئلة التي تثير بؤرا بحثية لا تنفصم عن جوهر الاشكالية الرئيسة، وتُعين على تفكيك مستلغزاتها وتفكيك مضمراتها، وتوسِّع من حدود دائرة الإضاءة لملامسة حقيقة أهدافها، نذكر:
– ما مدى وعي مجتمعات المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط بأهمية فنون المزاح في حياتهم وتحلِّيهم بحسّه في مسارها؟
– ما مدى حضور سلوكات المزاح في حياة تلك المجتمعات، أو بتعبير آخر إلى أيّ حدّ اهتمت هذه المجتمعات بفنون المزاح في حياتها الترفيهية والأدبية والفنية؟ وهل مثّل حسّ المزاح بشتى أذواقه الفنية سمة ناصعة في جبين مجتمعات جزائر العصر الوسيط، وقيمة هامة في حياة أفرادها، وديدنا يلوذون به في غالب أحيانهم ولا يغادر واديهم -كما يقال- إلا لماما، أم ظلّ حالة عابرة، وظاهرة متذبذبة، وسلوكا منقطعا؟
– إلى أي حدّ توسع مجتمع المغرب الأوسط في اعتماد أساليب المزاح وسلوك سبيله في المناسبات والاجتماعات العائلية ومجالس الاحتفال واللهو والسمر كمظهر من مظاهر التسلية والترفيه؟
– ما هي أكثر مظاهر المزاح انتشارا بالمجال الجغرافي والحقبة الزمنية المخصصة للبحث؟
– في ما تكمن أهمية المزاح في حياة الأفراد بشتى مناحيها؟
– ما مدى تأثير الواقع السياسي والثقافي والفكري في نمو حسّ المزاح وتوسعه في الوسط المجتمعي؟
– ما طبيعة العوائق التي حدّت من طموح أصحاب الحس المزاحي العالي وكبحت جماحهم عنه؟، وهل اقتصرت على قيود الضابط الديني أم تعدّته إلى غيره؟ وإلى أي حدّ تقيد المازح في المجال والفترة الخاضعة للمدارسة بالضوابط والتزم بالحدود الشرعية الناظمة لمساحته المباحة أو المحمودة؟
– ما مدى تأثّر مجتمعات المغرب الأوسط خلال العصر الوسيط بالثقافة المزحية التي راجت عند غيرهم بأقاليم العالم الاسلامي المعاصرة لهم شرقا وغربا؟
– هل اختصت الطبقة السياسية بنمط مخصوص من المزاح تمايزت به عن غيرها من شرائح المجتمع أم شاركتها نفس فنون المزاح؟ وهل تعالى حسّها الفكاهي الذي اصطبغت به حياتها عن حسّها وذوقها الفني الذي عبّرت به عن ميولاتها لحياة الرفه والفكه أم كانا على نفس المستوى وذات الذوق؟
– هل ارتقى حسّ المزاح إلى ذوق جمالي وفنّ وملكة وصنعة أم كان مجرد سلوك وممارسات منعزلة؟. وبصيغة أخرى: هل افترع أهل المغرب الأوسط (أي أصحاب الحس الفكاهي بألوانه المختلفة) ميدان المزاح بقوة وفعالية وصالوا وجالوا في ساحته أم حاموا حول حماه حتى أوشكوا أن يقعوا فيه فحسب؟.
– هل مثّل فنّ المزاح الهادف بجزائر العصر الوسيط حاجة ماسة في حياة المجتمع كأسلوب من أساليب التطبيب النفسي والجسمي وأداة من أدوات التهذيب والتقويم التربوي-السلوكي على سبيل المثال، أم اقتصر دوره على تحقيق المتعة والراحة وتحصيل المرح والرفه؟.
رابعا: منهج البحث:
فرض علينا مجال البحث وطبيعته، اعتماد مجموعة مناهج علمية لما تقوم عليه من أدوات وآليات بحث تعين على بناء مقاربات بحثية تناسب طابع اشكالية البحث وتستجيب لطموح مشكلاتها الفرعية، وتروي ظمأ مباحثها المتلونة، وتلبي حاجات فصولها. وقد تلونت هذه المناهج المستخدمة وانحصرت في: الوصف والتحليل والمقارنة والاستقراء.
حضر المنهج الوصفي-السردي ضمن مسار هذه الدراسة بشكل لافت؛ باعتباره آلية ضرورية لعرض المادة المعرفية الثاوية في متون المظان المصدرية -بالرغم من شحّها بصورة لامعة في ما له صلة بطبيعة اشكاليتنا الرئيسة وحتى مشكلاتها الفرعية- والتي تُغذِّى فصول الدراسة وتُطعِّم مباحثها وتروي ظمأها. كما أعان هذا المنهج على وصف الأحداث التاريخية التي تشي بحضور حسّ المزاح بأفانينه ضمن النسيج المجتمعي لجزائر العصر الوسيط، واستعراض تمظهراته في أوساطه، ورصد انعكاساته في حياة أفراده خاصة النفسية، والتربوية، والاجتماعية.
تجلّت مكانة هذا المنهج العلمي في إعانتنا لبناء مقاربات هذه الدراسة وعرض مادتها وترتيب أفكارها ومعالجة قضاياها؛ في كونه آلية مثلى لتفكيك أفكار البحث، وفحص قضاياه، ومباحثة مشكلاته، واستنطاق مسكوت النص ونفض الغبار عن خفاياه.
كان الاستنجاد بمنهج الاستقراء حتمية فرضتها علينا طبيعة الدراسة بحكم أنها تدرس قضايا ومشكلات مغيبة بشكل لافت في متن النص المصدري؛ بما يستدعي التنقيب الدقيق عن الاشارات الصريحة التي تخدم بحثنا بين أحشاء الرواية التاريخية، وملاحقة أي تلميح أو خبر غير صريح من شأنه أن يمثل برهانا تاريخيا يدعم ما نرمي إليه في مسارنا لتحديد مظاهر المزاح، وتشخيص أدواته، ومعاينة صداه الايجابي والسلبي في الحقل المجتمعي. ولا تكتمل الفائدة في الاستعانة بهذا المنهج إلا إذا أحسنّا توظيف منهج المقارنة في مسعى التدقيق في الحقائق التاريخية المتوصل إليها، ومعاينة مسار تطور الذوق المزاحي ومستويات حضوره في الحقل المجتمعي بتراتبياته المتباينة في سُلّم الطبقية، وفي سبيل الفصل كذلك في بعض القضايا التاريخية المحورية في خطّ التاريخ؛ التي تضاربت الرؤى بشأنها بين كُتاب الأخبار مدوني الروايات التاريخية.
خامسا: صعوبات البحث:
من المسلّمات في مسار البحث العلمي أن يصطدم الباحث بعراقيل ومعيقات تنغص عليه حينا طعم البحث، وتشعره بالعجز حينا آخر، ويعتوره الملل في أطوار أخرى، وخاصة حين يتعلق الأمر بطرق باب اشكالية ذات صلة بالتاريخ الاجتماعي وفي حقبة زمنية تبعد عن عصرنا بآلاف السنين. غير أنّ التوكل على الله (سبحانه وتعالى) حسن التوكل، ثمّ مجالسة أهل العلم، واستشارة أهل الاختصاص، من شأنه أن يعين على الرفع من مستويات الجد والاجتهاد والمثابرة والتحدي، ويهدي إلى تذليل تلك الصعاب، ويُمكِّن من تجاوزها. ومن هذا المنطلق، فإنّ تصريحنا باصطدامنا ببعض المصاعب المعرفية والمنهجية ونحن نعالج اشكالية ذات صلة بيوميات الفرد الجزائري خلال العصر الوسيط ومظاهر التعبير عن ذوقه الفني والأساليب المزاحية التي روَّح بها عن نفسه، لا يزيد عن كونه ترويحا عن النفس بعد عناء البحث في هذه المشكلة، واستشعارا لأتعاب جهد بحثي وخوض غمار دراسة من هذا القبيل. أمّا بشأن أبرز ما شكّل أمامنا عقبة في مسار البحث، واستعصى علينا تذليله على الصورة التي كنّا نتمنى، فهو ما نورده في النقاط التالية:
– في البداية يتحتم علينا التنويه بمدى فقر النص المصدري للأخبار التي تنطق بمظاهر المزاح وأشكال الدعابة التي تعكس الذوق الفني بالمغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، وشحّ الروايات التاريخية التي من شأنها أن تنير دربنا لتفكيك مستغلقات مشكلات البحث ومسائله وقضاياه، وتأخذ بيدنا لتحديد أوجه وتمظهرات حسّ المزاح لدى شرائح المجتمع، وتُيسِّر لنا سبيل معاينة منافعه وحلحلة أضراره على نسيجه في شتى مناحي الحياة ودروبها لاسيما ضمن منحى القيم التربوية والسلوكية والاجتماعية، ومناقشتها. وما وقفنا عليه من مشاهد كاشفة لذلك، لا يعدو -في نظرنا- عن كونه اشارات غالبا ما ترد في سياقات الكلام، وبشكل عارض في متون الرواية التاريخية؛ أي ليست مقصودة لذاتها وإنما في سياق الحديث وبشكل عفوي كما يقال.
– صعوبة تحديد طبيعة اللون المزاحي المشار إليه في متن النص تلميحا وليس تصريحا، خاصة إذا أخذنا في الحسبان، أنّنا بإزاء معالجة حدث تاريخي يندرج ضمن المواضيع المسكوت عنها، هذا من جهة، ومن زاوية ثانية، باعتباره يخوض في خصوصية من خصوصيات الفرد، وشكل من أشكال التعبير عن ذاته، وأفكاره، ومهاراته، وأذواقه الفنية. ولكونه من جهة ثالثة، يستتبع طبيعة الأمزجة التي تحلّت بها طبقات مجتمع جزائر العصر الوسيط على تباين تراتبية نظامه الاجتماعي، والتي تباينت (الأمزجة) من فرد لآخر، ومن شريحة لأخرى، ومن طبقة لغيرها في البعض من الأحيان والألوان.
أمّا من زاوية رابعة، فتبحث هذه الدراسة في يوميات الفرد، وأنشطته الاجتماعية الثانوية التي يتسلّى بها في أوقات الفراغ ويُروِّح بها عن النفس. وهذه الأنشطة كما ألمحنا النظر إليه سابقا، تعدّ من الأنشطة التي لم يعرها القلم التدويني عناية لائقة، وأغفلها بشكل ملحوظ؛ بحكم أنّها في نظر البعض تندرج -في الغالب- في خانة تضييع الوقت واستهلاكه في ما لا ينفع ما دامت ضد الجد، بل إنّها غالبا كذلك ما تضر بحياة الفرد في المنحى القيمي والاجتماعي إذا كان المزاح يحمل نبرة السخرية والاستهزاء والتعصب؛ أي إِنْ تجاوز الحدود الضابطة لصراطه ولم يكن في محله. وأنّ مظاهر المزاح والتحلي بذوقه وحسه تقدح -إلى حدّ ما- في شخصية الفرد وتُقلِّل من مكانته الاجتماعية والعلمية والقيمية في نظر البعض، لذلك يَدْعون لاجتنابه ويحثّون على ذلك، إلى درجة أن بلغ الأمر إلى مقاطعة دراسته والبحث في مشكلاته وتدوين تاريخه.
– صعوبة المسح التام والشامل للاشارات الكاشفة لحضور حس المزاح في أوساط شرائح المجتمع بجزائر العصر الوسيط في متون النص المصدري، وتعذّر لمّ شملها بشكل دقيق؛ فهي بالإضافة إلى كونها جدّ شحيحة وأغلبها تفصح عن الحدث تلميحا لا تصريحا، متناثرة ومبعثرة في زوايا الألوان المصدرية المتعددة وبين ثناياها. وعليه، فرصدها بشكل دقيق، والتنقيب عن مواطنها المتشعبة وملاحقتها أينما وجدت وحيثما تموضعت -تلميحا أو تصريحا- بصورة وافية، يتطلب بحثا عميقا يستغرق زمنا معتبرا في قراءة المظان على اختلاف ضروبها المعرفية، وتباين اختصاصاتها، وتشعب ميادينها، وفرز رواياتها وتمحيصها. وحتى وإن كنت قد وسعّت من مساحة المظان المصدرية التي فاحصْت متونها واطّلعْت على مضامينها وأخضعتها للمعاينة بحثا عن ضالتي، وخصصت لذلك مسافة زمنية معتبرة من وقتي واهتماماتي، إلا أنّ ذلك لم يكن كافيا للالمام بكل ما يمكن أن يفيد في معالجة هذه الاشكالية البحثية في ظل الرصيد التأليفي الضخم الذي تحوزه المكتبة الاسلامية، والتراث الأدبي والتاريخي الذي يحفظ تاريخ مجتمعات جزائر العصر الوسيط في شتى ميادين الحياة ودروبها.
– غياب دراسات حديثة متخصصة من شأنها أن تفتح أمامنا نوافذ لتهوية مساحة البحث ونسج مقاربات تاريخية في ضوئها؛ تسمح بتجاوز الفقر الخبري والاستفادة المثلى من المادة المتاحة على قلّتها.
سادسا: الدراسات السابقة:
نشير بداية إلى أنّ الاشكالية البحثية التي نفاحصها تعد -في اعتقادنا- في اطارها الجغرافي وحيزها الزمني، بكرا لم يعقد أحد من الدارسين قرانه البحثي بها ولا أخضعها للمعالجة والمباحثة، وحتى وإن كانت هناك مسحات بحثية ذات صلة ببعض فروعها، فإنه في حدود اطلاعنا في خبايا الموضوع ورصد ما تمّ تناوله من فروعه، لم يفرد أحد من أهل البحث مؤلفا مستقلا مخصصا لمباحثتها بعينها. أمّا من أبرز الدراسات التي تناولت الموضوع ضمن مجالات جغرافية غير البساط الذي أخضعناه للمفاحصة، أو اعتنت ببحث جوانب ذات صلة به وليست من صميمه، فنذكر:
– التسلية والترفيه في تاريخ المغرب. وهو كتاب جماعي يتضمن عدّة دراسات من تأليف مجموعة من الباحثين[10]، استعرضوا في مساحتها تاريخ التسلية والترفيه خلال مسافة زمنية جد واسعة تستغرق تاريخ المغرب منذ القديم وإلى العصر الحالي؛ حيث أبانوا بشكل أساس عن جوانب من أساليب التسلية والاستمتاع التي ابتدعها انسان المغرب عبر عصوره للترفيه عن نفسه، وتبديد رتابته، وتجديد نشاطه، والرفع من منسوب معنوياته. كما أبرزوا لمسته في تطويرها، وطبيعة التحسينات التي أدخلها عليها بما يتماهى وخصوصية ثقافته ومكوناتها، ويتناغم وهويته الدينية والثقافية، ويستجيب ورغباته المادية والنفسية. وقد كان للتاريخ الوسيط حظٌّ بدراستين قيّمتين ضمن هذا المؤلَّف، جاءت الأولى تحت عنوان: ألعاب الطفل المغربي في العصر المريني من انجاز الباحث المغربي مصطفى نشاط، أمّا الثانية فقد حملت عنوان: التسلية والمراتب الاجتماعية ببلاد المغرب في العصر الوسيط المتأخر، وهي من انجاز الباحث التونسي صالح بعيزيق.
– وسائل الترويح عن النفس في المغرب الأوسط[11]. وهذه الدراسة في أصلها مقال منشور في مجلة دولية محكمة؛ توقفت صاحبتها في متنها عند أبرز مظاهر التسلية ووسائطها بالمغرب الأوسط خلال العصر الوسيط، على غرار: الفكاهة، والمتنزهات الطبيعية والمشيدة، والألعاب الممارسة لوجه الترفيه فكرية كانت أو رياضية كالفروسية والصيد والشطرنج. كما توقفت عند ما يجري في مجالس الطرب واللهو بما يعكس أساليب الترويح لتحصيل الراحة والمتعة كالاستماع للموسيقى والغناء، وشرب الخمر، والنزوع الجنسي، إضافة إلى رصدها لألون الترويح المحصلة في المناسبات والاحتفالات والأعياد. وبالرغم من أنّ الباحثة توقفت عند المزاح كوجه من أوجه التسلية والترويح بالحيز الجغرافي والمسافة الزمنية التي أوليناها نحن رعايتنا البحثية، وألمحت إلى بعض مظاهره، إلا أنّ موضوع المزاح لم يكن من صميم اهتمامها وإنما تناولت جوانب منه بشكل مقتضب بما يلبي حاجتها البحثية ويتناغم وغرضها البحثي. ومن ثَمَّ، لا نقلِّل من أهمية هذه الدراسة في إعانتنا في معالجة جوانب من بحثنا، حتى وإن كان موضوع المزاح هامشي بشكل لافت في متنها.
– المزاح في الاسلام[12]. استهل صاحب هذه الدراسة المهمة مادتها بعرض مفاهيم ودلالات المزاح في اللغة والاصطلاح، ثمّ حاول ضبط الألفاظ ذات الصلة بالمزاح وتشريحها، وأشار كذلك إلى الضوابط الناظمة لصراط المزاح والراسمة لسبيله السليم؛ كاشفا عن نوعي المزاح: المحمود منه والممنوع، مع الاشارة لعينات من ذلك في تاريخ المسلمين. ثمّ عرّج على أهداف المزاح المحمود وأبان عن أهميته في حياة الفرد ومكانته فيها. وهي دراسة لا نخفي حجم استفادتنا منها في التنظير لفن المزاح بنوعيه الايجابي والسلبي، ومعاينة صداه في نفوس الأفراد إذا ما حافظ من تحلّى بحسّه على ضوابطه وتقيّد بشروطه.
– الترفيه في العراق من العصر العباسي الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري من القرن الثامن إلى القرن العاشر الميلادي نماذج مختارة[13]. بالرغم من كون الدراسة تعالج مسألة المزاح في فضاء جغرافي غير الذي أخضعناه للمباحثة إلا أنّ هناك جسور تربطها بدراستنا، ويتعلّق الأمر بالجانب التنظيري لثقافة المزاح في المجتمع الاسلامي، وطبيعة العوامل التي أسهمت في نمو وتوسّع هذا الحسّ في أوساطه. وهو موطن الاستفادة من مادة هذه الدراسة بشكل أساس.
سابعا: أمهات المصادر التي احتفظت بأخبار المزاح في تاريخ العصر الوسيط:
استفدنا من العديد من المصادر التي احتفظت بأخبار المزاح في تاريخ الشعوب الاسلامية خلال العصر الوسيط، تلك التي اعتنى أصحابها -بشكل أساس- بالتنظير لهذا الفن والذوق؛ من حيث تحديد نظرة الشرع حياله، وإبراز ضوابطه الشرعية وآدابه، وبيان محموده من مذمومه في ضوء ما أبانت عنه مصادر التشريع، ووجهات نظر أهل العلم والدراية بالعالم الاسلامي خلال العصر الوسيط. ومما انتخبناه من تلك المظان، ما نعرضه فيما يلي:
– العقد الفريد، لابن عبد ربه (ت328ه/939م). تضمّن هذا السفر الموسوعي الضخم 25 كتابا، جمعت العديد من العلوم تنوعت بين السياسة والحرب، والثقافة والفن، والأشعار، والأخبار التاريخية وغيرها. ولقد أفادنا أحد محققي الكتاب بمعلومات ضافية عن صاحبه؛ فهو أحد العلماء الأندلسيين الموسوعيين الذين أجادوا فنون متنوعة وصنَّفوا فيها بدقة عالية وذوق رفيع، ولا غرابة في ذلك وهو أحد فقهاء عصره البارزين وأدبائه اللامعين وشعرائه البارعين. ولا بأس كذلك أن نشير إلى الملاحظة الهامة التي سجّلها هذا المحقق بشأن ثقافة المصنِّف ومادة مصنَّفه؛ حيث أبان بأنّ ابن عبد ربه كان ميالا إلى الفكاهة والدعابة، وأكثر نزوعا إلى النوادر والقصص والنكات في نسج ماده كتابه؛ بما يعني طغيان المسحة الأدبية على مادة الكتاب[14].
أمّا بشأن موطن الفائدة من مادة هذا المصنَّف في انجاز دراستنا؛ فقد تجلّى من خلال ما بسطه بين أيدينا صاحبه من أخبار عن فن الدعابة؛ وذلك في بحر الباب الذي أسماه: “في الكناية والتعريض في طريق الدعابة“ ضمن الكتاب السادس من فحواه، أو مادة الكتاب 25 الذي جاء تحت عنوان: “في النتف والهدايا والفكاهات والملح“[15]، والذي تضمّن مجموعة أبواب كباب “أخبار الضحك”، أو باب “الفكاهات”. وكان صاحب الكتاب لا يتوانى عن عرض الأمثلة وانتخاب العينات للاستدلال على ما بسطه من مظاهر الفكه، والدعابة، والمزاح، والملح. غير أنّ تلك العينات والنماذج لا تموت بصلة إلى الحيز الجغرافي الذي أخضعناه للمدارسة.
– الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيان التوحيدي[16] (ت414ه/1023م)، الذي أبرز في متنه مشاهد مستفيضة عما جرى في مجالس الوزراء وأرباب السلطان خلال العهد البويهي، من أحاديث ليلية تعالج مختلف قضايا الحياة الدينية والسياسية والفلسفية والأدبية والفنية، بأسلوب يكتسي مسحة قوية من حسّ المزاح وذوق الدعابة وفن التسلية الذي يعين على تحقيق المتعة والراحة النفسية والبدنية.
– الظرائف واللطائف واليواقيت في بعض المواقيت، لأبي منصور الثعالبي[17] (ت429ه/1037م). فهذا الكتاب الذي حوى مادة خبرية دسمة تنوّعت مواضيعها وتعدّدت، تضمّن بابين: أحدهما تناول “مدح المزاح”، والآخر استعرض بين طياته “ذمّ المزاح”، وقد أفادانا بما تضمّناه من مادة في التنظير لثقافة المزاح عند المسلمين، ومعاينة أوجهه وأنواعه، وموقف الشرع منه.
– أخبار الظراف والمتماجنين، لابن الجوزي[18] (ت597ه/1200م). من خلال معاينة محتوى الكتاب والاستئناس بما تفضل به أهل التحقيق لمادته، يجلو لنا بوضوح جهد صاحبه المتميز في إخراج مادته؛ فقد طرق نوعين من الأخبار: أخبار الظرف والظرفاء، وأخبار المجون والمتماجنين[19]. والذي يعنينا بصفة مباشرة ما أولاه من عناية مركّزة بفن الظرف والذي هو مظهر من مظاهر المزاح ووجه من أوجهه؛ على مستوى التأريخ لحقيقته ومظاهره، والكشف عن آدابه وضوابطه، والتلميع إلى صوّره في سير الأنبياء والصحابة والعلماء والصالحين والحكماء إلى درجة كما قيل بشأن مادة هذا الكتاب: أنه يعزّ على الباحث في هذا الشأن أن يقف على جهد مماثل.
– نهاية الأرب في فنون الأدب، لشهاب الدين النويري[20] (ت733هـ/1332م). عقد هذا المصنِّف بابا ضمن كتابه في الجزء الرابع منه ذلك المسمّى: “في المجون والنوادر والفكاهات والملح“، بيَّن فيه ما تنجذب له النفوس وترتاح به إذا تعبت وكلّت، وتزكو به الخواطر وتنشط إذا سئمت وملّت، وتثويه المشاعر وبه تنتعش إذا جفّت وتصلّبت؛ فالنفس كما يرى هذا المصنِّف لا تقدر على ملازمة نفس الحال إذا طال أمده وإنما ترتاح إذا تنقلت من حال إلى حال، وأنّها كلّما أحسن المرء ملاطفتها بالفكاهات من حين لآخر وتعهدها بالنوادر من فينة لغيرها استعادت حيويتها، ونشاطها. وأبان أيضا هذا المؤلِّف -بما يخدم غرضنا البحثي هذا- عن ألوان المزاح ومنظور الشرع إليها؛ كاشفا نماذج من ممدوح المزاح، وعينات عن الممنوع منه والمذموم، مستندا إلى ما ورد بشأنها من نصوص شرعية وأقوال لأهل العلم والحكمة والرأي والدراية[21].
– المستطرف في كل فن مستظرف، لبهاء الدين محمد بن أحمد الأبشيهي (ت852ه/1448م). رصد فيه هذا المصنف نوادر السابقين والملح التي اصطبغت بها سلوكاتهم حيث أفرد الباب الأول من الأبواب الثلاثة التي تضمّنها لعرض أخبار المزاح، وموقف الشرع من سلوكه وحسّه، مُبرزا منظومة الضوابط التي أفصح عنها الشرع بشأنه؛ مستندا -كغيره من المصنِّفين- إلى نصوص السنة النبوية بما احتفظت به من أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) فيه، وما تضمّنته من صوّر مزاحه (صلى الله عليه وسلم)، ومتوقّفا عند عيّنات من مزاح الصحابة (رضي الله عنهم)، وسلف الأمة، ومُبيّنا لمحامد هذا الحسّ ومساوئه في ضوء ما أبان عنه الشرع طبعا، وفصّل فيه أهل الاختصاص.
– المراح في المزاح، لأبي البركات بدر الدين محمد الغزي الدمشقي الشافعي (ت984ه/1576م)، أحد علماء الأصول والتفسير والحديث. فهذا المؤلِّف ألمع النظر لأدلة مشروعية المزاح، وطبيعة الشروط الضابطة لإطاره، وكشف عن جوانب من فوائد المزاح المحمود وأضرار المذموم، مُستشهِدا على ما بسطه من مادة ونظَّر له من أطاريح بما أورده سلفه من المهتمين بالتصنيف في هذا الفن من نصوص شرعية، وأقوال لأهل العلم، واجتهاداتهم في بابه[22].
وإِذْ أوشك أن أضع القلم جانبا وأطوي آخر صفحات هذا البحث؛ بعد جهد معتبر اسْتَنْزَفَنِيه إخراجه على هذه الصورة طيلة مدة انجازه[23]، وتعب مضنٍ كَلَّفَنِيه معالجة مشكلاته ومباحثتها؛ فلا أخفي أنّني لم أتفرّغ له بشكل تام مُعرِضا عن كافة التزاماتي الاجتماعية والمهنية والتعبّدية، أو أمنحه كل وقتي وجهدي وأفرّط في الباقي، وإنّما تَقَاسَمَتْ جهد البحث فيه مسؤولياتي الأساسية كالتدريس في الجامعة، والمسؤولية العائلية، لكنه نال الحظ الأوفر من وقتي لدرجة أن عيني تزاورت حينا يمينا وتارة شمالا عن بعض المسؤوليات الهامشية وولَّيْتُ ظهري لها تفرّغا لوجهه، لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر إلى كل من بارك رغبتنا للبحث في هذا الموضوع، وشجّعنا على خوض غماره، وقدّم لنا يد العون في انجازه[24]، وشدّ على يدنا للصبر على مشاق البحث فيه وتجاوز الصعوبات التي نغصت علينا أحيانا في مسار انجازه.
[1]– انظر: الحوفي أحمد محمد، الفكاهة في الأدب أصولها وأنواعها، مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2001، ص03.
[2]– وذلك ضمن الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو الحسن مسلم النيسابوري (ت261هـ/875م)، في كتابه صحيح مسلم المسمى الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشراف، أبو قتيبة محمد الفاريابي، مج2، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1427هـ/2006م، ضمن باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا، رقم الحديث (2750)، ص1261، وذلك من حديث حنظلة الأسيدي الذي كان من كُتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال لأبي بكر الصديق (ضي الله عنهما) حين لقيه: “نافق حنظلة” وذلك عندما سأله عن حاله، وأخبره بما يجده في نفسه من تمسّك بالآخرة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجده فيها من اشتغال بالدنيا حينما لا يكون بين يديه، وبعدما سارا كليهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره بذلك، طمأنه النبي صلى الله عليه وسلم، قائلا: “والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن، يا حنظلة ساعة وساعة“. قالها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات.
[3]– البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، ج2، شرحه، محب الدين الخطيب، راجعه، قصي الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، ط2، 1400هـ/1980م، ص51-52. رقم الحديث: 1975.
[4]– الحوفي أحمد محمد، المرجع السابق، ص03.
[5]– الراغب الأصفهاني، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، هذبه، ابراهيم زيدان، مطبعة الهلال، مصر، 1902، ص120.
[6]– البخاري، المصدر السابق، ج2، ص51-52. رقم الحديث: 1975.
[7]– راجع نص الحديث كاملا في صحيح مسلم، مج2، ضمن باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا، رقم الحديث (2750)، ص1261.
[8]– الزرعوني حمدة محمد حيدر، الترفيه في العراق من العصر العباسي الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري من القرن الثامن إلى القرن العاشر الميلادي نماذج مختارة، مراجعة وتقديم، قسم الدراسات والنشر والشؤون الخارجية، منشورات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، الامارات العربية المتحدة، ط1، 1443ه/2022م، ص43.
[9]– راجع في هذا الشأن ما أورده: خريوش حسين، أدب الفكاهة الأندلسي، منشورات جامعة اليرموك، عمان، الأردن، ص04.
[10]– اعداد وتنسيق، سرتي خالد وجلال زين العابدين، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المملكة المغربية، 2022.
[11]– للباحثة بودالية تواتية، نشر مجلة عصور الجديدة، العدد 14-15، جامعة أحمد بن بلة، وهران، الجزائر، 2014م.
[12]– للباحث أبو غدة حسن. وهو كتاب شهري محكم، صدر ضمن العدد 216، خلال السنة الثالثة والعشرون، من طرف الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، 1427ه/2006م.
[13]– من تصنيف الباحث: الزرعوني حمدة محمد حيدر، راجع الكتاب وقدم له، قسم الدراسات والنشر والشؤون الخارجية، منشورات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، الامارات العربية المتحدة، ط1، 1443ه/2022م.
[14]– مفيد محمد قميحة، مقدمة تحقيق كتاب العقد الفريد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1404ه/ 1983م.
[15]– المصدر نفسه، ج2، ص299، ج8، ص90.
[16]– راجعه، هيثم خليفة الطعيمي، شركة أبناء شريف الأنصاري للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، 1432ه/2011م.
[17]– جمعها الإمام أبو نصر المقدسي، وحققها ناصر محمدى محمد جاد، وراجعها وقدّم لها حسين نصار، وتمّ نشرها بمطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، مصر، 1430ه/2009م.
[18]– تحقيق، بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1418ه/1987م. راجع ما أورده بشأن هذا الكتاب ومصنِّفه، الباحث: الحوفي أحمد محمد، المرجع السابق، ص13.
[19]– المصدر نفسه، ص26.
[20]– حققه، عبد المجيد ترحيني، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1424هـ/2004م، ص3 وما بعدها.
[21]– ويمكن مراجعة ما تفضل به أهل البحث عن مضمونه الذي يناسب اشكالية بحثنا هذا، من خلال الوقوف على مادة: فرعون إياد، من وجوه الفكاهة، مطبعة جروس برس، لبنان، 1421ه/2000م، ص125.
[22]– ولا يقتصر الأمر على ما ذكرنا من مصنفات في باب النوادر والملح والفكاهات، بل هناك العديد من المظان التي لا يمكن حصرها؛ خصوصا إذا أخذنا في الحسبان التي لم يتفرّغ مصنِّفوها إلى رصد هذا الفن بمفرده، وإنما أوردوا أخباره إلى صفِّ فنون أخرى، ومن ذلك: كتاب البخلاء للجاحظ (ت255ه) ورسالة التربيع والتدوير لنفس المؤلف، وكتاب الموشى أو الظرف والظرفاء لأبي الطيب محمد بن اسحاق الوشاء (ت325ه/936م)، وكتاب جمع الجواهر في الملح والنوادر لابراهيم بن علي الحصري القيرواني (ت453ه)، والتطفيل والطفيليين لأبي بكر أحمد البغدادي (ت463ه)، كتابي: أخبار الحمقى والمغفلين، والأذكياء لابن الجوزي (ت897ه)، وغيرها كثير.
[23]– وأشير هنا إلى أنّني استفدت كثيرا من الرحلة العلمية إلى دولة الامارات العربية المتحدة في إطار إقامة علمية قصيرة المدى ذات المستوى العالي مموّلة ماديا من طرف جامعة سطيف2، خلال شهر ديسمبر من عام 2022، وذلك من خلال الاطلاع على المادة المصدرية والدراسات الحديثة ذات الصلة بموضوع بحثي؛ تلك التي تحوزها مكتبة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث الكائن مقره بدبي، وكذا معاينة ما كُتِب عن الموضوع من دراسات خاصة التي لم تتح لي فرصة الاطلاع عليها في الجزائر، ولم أجد سبيلا لتحميلها من الأنترنت لكونها غير متاحة عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة، وليست متوفرة بالمكتبات داخل الوطن، وهو ما مكّنني من تدعيم معارفي وتقوية رصيد معلوماتي حوله.
[24]– وأود أن أشكر في هذا المقام، أخي وصديقي الدكتور بن شعلال توفيق، الذي لم يبخل علينا بمد يد المساعدة لتدقيق مادة هذا العمل، وإبداء وجهة نظره منه، وتنبيهنا إلى ما شابه من نقص واعتراه من تقصير.