مقدمة

يجمع هذا الكتاب بين دفتيه على غرار جزءه الأول مجموعة من الدراسات والأبحاث في المجتمع الجزائري، ولأن كان الجزاء الأول قد خصصناه لتناول الجوانب الفكرية والأيديولوجية الخاصة بالمجتمع الجزائري، أي البناء العقدي والإطار الفكري، فإنّنا أثرنا تخصيص هذا الجزء للأبحاث والدراسات ذات العلاقة بالحياة والواقع الاجتماعي الجزائري، تحت مسمى مشكلات اجتماعية وتربوية، وهي المشكلات الاجتماعية والتربوية التي يشهدها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، وتعرف لها حضورا وتأثيرا وانعكاسا كبيرا داخل هذا المجتمع، ما استوجب الوقوف عندها خاصة من طرف الباحثين في علوم الانسان والمجتمع، قصد المساهمة إلى جانب بقية الفاعلين في إيجاد حلول لها.

إذا تضمن الجزء الثاني من كتاب المجتمع الجزائري ستة أبحاث ودراسات تشكّل كلها دراسات لظواهر اجتماعية، حيث جاءت الدراسة الأولى بعنوان التعصب الديني المذهبي وأثره على التواصل الاجتماعي، وهي الدراسة والتي وإن تم تناولها بشكل عام، إلاّ أننا وجدنا أنها إحدى أبرز المشكلات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع الجزائري خلال الفترة الأخيرة، وأنّها بالفعل باتت تنتشر وتسجّل لها حضورا في الحياة اليومية خاصة بين فئة الشباب الجامعي، وما الأحداث التي عرفتها مدينة غرداية في بداية الألفية إلاّ من انعكاسات الظّاهرة، أمّا الدراسة الثانية فقد جاءت بعنوان ظاهرة اختطاف الأطفال داخل المجتمع الجزائري، وهي دون شك من أكثر الظواهر التي يشهد المجتمع استفحالها في الفترة الأخيرة، وجعلت مختلف أطياف المجتمع تنادي بضرورة الوقوف عليها وإيجاد حلول لها، خاصة مع الآثار والانعكاسات المدمرة لهذه الظاهرة على الفرد والمجتمع على حد سواء، أما الدراسة الثالثة فقد تناولت ظاهرة الأمهات العازبات في الجزائر، وبالتحديد الوقوف على معرفة العوامل التي تقود إلى هذه الظاهرة داخل مجتمع كان يوصف إلى وقت قريب بالمجتمع المحافظ، وإبراز مختلف الآثار المترتبة عن انتشارها داخل أبنية هذا المجتمع، أمّا الدّراسة الرابعة فقد بحثت في إحدى تبعات وآثار ظاهرة الأمّهات العازبات وهي الطفولة المسعفة، وذلك بدراسة معنونة بالمشكلات النفسية والاجتماعية للطفل مجهول النسب وانعكاساته على حياته المدرسية، هدفت بالأساس إلى تقصّي تبعات ما يعتري هذه الطفولة من مشكلات ناتجة عن وضعيتهم الاجتماعية وتأثير ذلك على حياتهم المدرسية، أما الدراسة الخامسة فقد جاءت تحت عنوان رواسب السياسة الاشتراكية وتأثيرها على السلوك الاستهلاكي داخل المجتمع الجزائري، وهي الدراسة التي وقفنا فيها على أحد الظواهر الاجتماعية التي تؤرق فعلا الفاعلين الاجتماعيين، خاصة وأنها كثيرا ما تترك لها آثارا سلبية كبيرة على مقدرات هذا الوطن التي بات تأمينها في هذا العصر من الصعوبة بمكان، والحديث هنا خاصة على موارد الطاقة والغذاء والموارد المائية، فضلا على ما تمارسه الظاهرة من تهديد على مؤسسات الدولة وهياكلها نتيجة سوء الاستغلال والاستهلاك غير الرشيد، أما الدراسة السادسة والأخيرة فقد تناولنا فيها آفة العصر الحديث وهي ظاهرة المخدّرات، وإن كنا قد اقتصرنا في تناولنا لهذه الظاهرة على الوسط التربوي، من خلال دراسة بعنوان  فاعلية المحددات التربوية في وقاية التلميذ من المخدرات في الوسط المدرسي، فإن انتشار هذه الظاهرة داخل المؤسسات التربوية هو جزء من المشكلة المجتمعية ككل وأن الميدان أو الحقل التربوي هو أحد أوكارها الرئيسية اليوم، وعلاجها داخل هذا الحقل هو بداية الطريق لعلاج المشكلة التي أصبحت توصف بالمعضلة.

وفي الأخير كما أشرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب، أن هذه الأبحاث أو الدراسات لا تعدوا أن تكون أعمالا رافقتنا في بداية مسارنا التكويني الجامعي، سعينا من خلال نشرها إلى تعميم فائدة استفادة الطلاب والباحثين منها، راجين من المولى عز وجل القبول والإخلاص ومن زملائنا الأساتذة وخاصة الراسخين منهم في العلم بأن لا يبخلوا علينا بالنقد والتصويب والتصحيح فإن ذلك من لوازم العلم والله الموفق والهادي إلى ما فيه الخير.

د/ سمير أبيش

19/07/2023  ولاية توقرت