تفصيل

  • الصفحات : 212 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2025،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • الأبعاد : 24*17،
  • ردمك : 978-9931-08-977-3.

تقديم

    منذ أن عمر الإنسان الأرض، سعى إلى اكتشاف الطرق والأساليب التي تجعل عيشه يسيرا، وبدأ في البحث عن الوسائل التي تتيح له تسخير ما تزخر به الطبيعة من موارد متنوعة لتلبية متطلباته واحتياجاته اللامحدودة  مدفوعا برغبته الفطرية في البقاء وتطوير وتحسين أنماط معيشته واكتشاف المجهول واللامعلوم واستثمار قدراته الفكرية والجسدية للحصول على المعرفة وتحقيق تراكمها  تدريجيا حتى أضحت حياة المجتمعات البشرية اليوم من السهولة التي ألغت الحدود المكانية والزمانية ووظفت العلوم لتحقيق الرفاه في شتى المجالات. لقد اهتدى الإنسان البدائي  إلى الزراعة والرعي والصيد  مسخرا ما تمنحه الأرض والطبيعة من موارد، كما أنه طوع الحديد وصنع أدوات وأسلحة تعينه على مواصلة أنشطته وأحرز تقدما كبيرا جعله ينتج كل ما يستهلك، لينتقل بعد ذلك من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة المبادلة ومقايضة الفائض الذي ينتجه مع غيره من الفوائض في ظل التخصص وتقسيم العمل والتنقل لمناطق جديدة، ومع إيجاد النقود اتسع نطاق المبادلات التجارية من السلع والخدمات وتطورت النشاطات الإنسانية التي تركزت في البداية على إشباع الحاجات المتعددة لكن الغاية منها  تغيرت بعد هذا التحول الشامل الذي طرأ على المشهد العام لحياة البشر لترتكز على الاستغلال الأمثل للموارد التي أصبحت محدودة مع مرور الوقت في مقابل تزايد الحاجات، إذ تشكلت المشكلة الاقتصادية التي  تعد  محور علم الاقتصاد الذي يستهدف إيجاد حلول مستدامة لهذه المعضلة التي ألمت بكل المجتمعات البشرية وتستدعي البحث في طبيعتها ومسبباتها وأبعادها والظواهر المرافقة لها والحلول الكفيلة بالحد منها. وبشكل عام وباتفاق الباحثين في التاريخ البشري، مر الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض بعدة عصور تاريخية يتم إجمالها في عصور ما قبل التاريخ، وعصور التاريخ، ويفصل بينهم اكتشاف أو اختراع أو معرفة الكتابة في عام 3500 قبل الميلاد، فأما عصور ما قبل التاريخ فتتكون من العصر الحجري القديم، وهو العصر الذي استعمل فيه الإنسان الحجارة المنحوتة  ولقد امتد هذا العصر إل أن اهتدى إلى الزراعة. وأما العصر الحجري الحديث فهو العصر الذي استعمل فيه الحجارة المصقولة وحتى اكتشاف وتعلم الإنسان للكتابة.

تتكون المراحل الكبرى لعصور التاريخ من أربعة مراحل، المرحلة الأولى وتتمثل في  العصر القديم الذي  يبدأ من عام 3500 قبل الميلاد وينتهي بمرحلة سقوط الإمبراطورية الرومانية في عام 476 ميلادي.  وتتمثل  المرحلة الثانية في  العصر الوسيط والذي بدأ من عام 476 ميلادي وحتى اكتشاف أمريكا في عام 1492 ميلادي.

تبدأ المرحلة الثالثة من عام 1492 ميلادي،  وهي مرحلة العصر الحديث الذي يمتد حتى الثورة الفرنسية عام 1789 ميلادي. ثم دخل العالم المرحلة الرابعة وهي العهد المعاصر والذي بدأ من عام 1789 ميلادي وحتى الآن.

أنتج التراكم المستمر في الأفكار والمعرفة الإنسانية ثورات تعاقبت على مر التاريخ، ونال النشاط الاقتصادي حظه الوافر من هذه الثورات التي توالت الواحدة تلو الأخرى فاستفادت كل ثورة من التطورات والنتائج الكبيرة التي تحققت في سابقتها.

أدخلت الثورة الصناعية الأولى الماء والبخار كعنصرين لمكننة الإنتاج. فمجتمعات  اليوم تأسست على ركائز الثورة الصناعية الأولى  التي انبثقت في منتصف القرن الثامن عشر وغيرت من أساليب وطرق وحجم الإنتاج والإدارة آنذاك، ووضعت اللبنة الأولى لتطوير الاقتصاديات  على النحو الذي يشهده العالم اليوم.

احتضنت بريطانيا  الثورة الصناعية الأولى في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر وتجسدت في الاختراعات العلمية المكتشفة منذ القرن السابع عشر  الذي يوصف بأنه عصر التنوير  وتنامي النزعة الفكرية  والبحث والابتكار الذي حول مسار وطرق الإنتاج في القارة الأوروبية. ويشير الباحثون إلى أن هذه الحركية الكبيرة  وجدت جذورها  في عهد الثورة  التجارية ونظام الميركانتيلية وما رافقها من تعاظم  في وتيرة التجارة الدولية وتسابق أوروبي نحو التصنيع  والإنتاج  وخلق الثروة والمضي قدما نحو اقتصاديات الحجم الكبير. وكان السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، إيجاد أساليب إنتاج أكثر تطورا  باستخدام الآلات والمكننة في ظل الزيادة المفرطة في الطلب الدولي على المنتجات المصنعة القادم على وجه الخصوص من المستعمرات.

أفضى هذا الزخم في التصنيع إلى تسارع البحث عن مزيد من التطور في أساليب الإنتاج بتحول الورشات الصناعية الصغيرة إلى مصانع ضخمة تنتج بكميات هائلة فلم يعد المحرك البخاري يستجيب لزيادة الطاقة الإنتاجية  فبدأ التمديد  الكهربائي في الصناعة وبناء محطات التوليد وهو ما يعد بداية لثورة جديدة هي الثورة الصناعية الثانية الممتدة  من عام  1860 وحتى بداية الحرب العالمية الأولى، وارتكزت على لتقنيات الجديدة خاصة الكهرباء ومحرك الاحتراق الداخلي والخامات والمواد الجديدة بما في ذلك السبائك والمواد الكيميائية وتقنيات الاتصالات مثل التلغراف والراديو، وبينما استندت الثورة الصناعية الأولى على الحديد وتقنيات البخار وإنتاج الأنسجة، فإن محركات  الثورة الصناعية الثانية تمثلت في صناعة الصلب والسكك الحديدية والكهرباء والمواد الكيميائية. تعد نواتج  الثورة الصناعية الثانية أساسا للنظام الاقتصادي الذي تعيش فيه المجتمعات اليوم وتمثل جذوره المتأصلة على الرغم من انتقاله  للثورة الصناعية الثالثة في خمسينات القرن العشرين إلا أن دعائم قاعدة الإنتاج وآلياتها تنسب إلى عصر الثورة الصناعية الثانية وما تبعها من تداعيات وعوارض. خلال الثمانينات من القرن العشرين دخل العالم حقبة الثورة الصناعية  الثالثة أو الثورة الرقمية المرتكزة على تقدم التكنولوجيا من الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية المتاحة اليوم. وتضمنت  محركات هذه الثورة  الكمبيوتر الشخصي والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومصادر الطاقة المتجددة

صنعت التطورات السابقة واقع اليوم بكل ما يتضمنه من حداثة وقوة صناعية قوية ومحركات تكنولوجية ورقمية متقدمة وبرمجيات سريعة جعلت  من الصناعة  أكثر مرونة واستجابة لمتطلبات المستهلكين التي تغيرت بدورها فقد أصبح العالم الافتراضي متحكما في كل حاجات واتجاهات البشر هو ما يدل على الولوج إلى ثورة  صناعية رابعة يدفعها  الذكاء الاصطناعي  وانترنت الأشياء والطباعة الثلاثية الأبعاد والروبوتات وشكلت ما يسمى بالمصانع الذكية والمدن الذكية وتغيرت معها حياة البشر، وما زال المستقبل  يخبئ المزيد من التطورات التي صنعها الفكر الإنساني والمعرفة العلمية الممنهجة للباحثين والمفكرين على امتداد الأزمان.