تفصيل

  • الصفحات : 203 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2025،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • الأبعاد : 24*17،
  • ردمك : 978-9969-06-043-0.

مقدمة

منذ سنة 2005  وهي سنة تسجيلي لموضوع بحث الدكتوراه، حول المؤرخين الجزائريين في عهد الاحتلال الفرنسي لاحظت غيابا يكاد يكون شبه تام لتراجم عدد كبير من هؤلاء المؤرخين، فلا هم كتبوا عن أنفسهم على عادة أسلافهم من مؤرخي العصور الوسطى، ولا معاصريهم كتبوا عنهم، فبقيت تراجمهم مختصرة جدا، وعبارة عن نقول أغلبها خاطئ، وهو ما حفّزني للبحث عن عدد من تلك التراجم، ووفقني الله للتعرُّف على سِيَر بعضهم كابن عودة المزاري ومصطفى بن جلول والبابوري وغيرهم.

وظل اسم العنتري مؤرخ قسنطينة من الأسماء الـمُـغيّبة في التراجم، ولا معلومات عنه سوى ما ذكره هو نفسه في كتابه الفريدة المؤنسة، وكان كل من يُترجم له يذكر عنه معلومات بسيطة جدا، وأحيانا متناقضة وخاطئة، دون أن يُكلّف أحدهم نفسه الرُّجوع لباقي أعماله لتتبُّع مراحل حياته والغوص أكثر في سيرة حياته.

وقد قادني الفضول منذ فترة لجمع مؤلفاته، ولكنّني وجدت أنه رغم شهرته في عصره حتّى بين الكُتّاب الفرنسيين غير أنه لا أحد ترجم له ترجمة مُفصّلة، فقد نقل عنه فايسات في كتابه تاريخ قسنطينة تحت السيطرة العثمانية، ولكنه لم يذكر عنه شيئا ذا قيمة، كما نقل عنه المترجم العسكري لوران شارل فيرو في عدد من كتاباته عن تاريخ مدن وقبائل الشرق الجزائري، ولم يزد شيئا هو الأخر، وحتى إرنست ميرسيي الذي نقل عنه كثيرا في كتاباته وعاصره حتى السنوات الأخيرة من حياته، لم يذكر عنه سوى معلومات بسيطة جدا.

وحين قرّر دورنون ترجمة كتاب العنتري الفريدة المؤنسة للفرنسية ونشره سنة 1929 لم يُكلّف نفسه عناء الترجمة له رغم أن العنتري حينها كان قد توفي بقسنطينة، وكان بالإمكان الحصول على سجل خدمته لو أراد من أرشيف المكتب العربي أو حتى أن يسأل عنه بعض سكان المدينة ولكنه لم يفعل، وهكذا ظلّ محمد الصالح العنتري مجهولا بين معاصريه و من جاء بعدهم، وصارت مهمة البحث عن  ترجمة مفصلة لحياته صعبة للغاية أمام الباحثين.

ومما يُؤسف له أن بعد احتلال قسنطينة فإن وثائق ومخطوطات قسنطينية قديمة استولى عليها عدد من الفرنسيين، ولم يرجعوها إلى أصحابها كما فعل شيربونو وفايسات وفيرو وميرسيي وغيرهم.

وممّن كتب عن قسنطينة وأعلامها بعد استقلال الجزائر الشيخ محمد المهدي بن شغيب الذي ولد ببلدة وادي الزناتي وارتحل ليستقر في قسنطينة ويكتب عنها كتابا مهما عنوانه:” أم الحواضر في الماضي والحاضر” اعتمد فيه بشكل كبير على بعض المصادر المحلية وعدد من الكتابات الأجنبية، وأهم ما اعتمد عليه روايات المسنين عن المدينة، وبعض الوثائق التاريخية النادرة، ولكنه حشا كتابه باستطرادات كبيرة عن العهد العثماني، وعن وهران لا علاقة لها بموضوعه، ولما كتب عن العنتري لم يذكر عنه سوى وصف له قدّمه له بعض معاصريه من الـمُسنّين.

وجاء بعده المحامي سليمان الصيد الطولقي الذي اهتم بسير بعض أعلام قسنطينة وجوانب من تاريخها، وأخرج في ذلك بعض الأعمال الهامة وعلى رأسها كتابه القيم: نفح الأزهار” الذي اعتمد في انجازه على عدد من الوثائق والمخطوطات النادرة بعضها اليوم في حكم المفقود، ولكن سليمان الصيد أيضا لم تكن ترجمته للعنتري مُطوّلة رغم أنه كان يملك وثائق مهمة بخط يده هو.

ولما أراد رابح بونار الترجمة لمحمد الصالح العنتري لم يجد ما يكتبه عنه، واكتفى بترجمة موجزة له دون الرجوع حتى لكتابه الفريدة المؤنسة الذي كانت طبعته الحجرية موجودة بالمكتبة الوطنية قبل أن يسطو عليها بعضهم.

ونقل كثير من الكُتاب تلك المعلومات القليلة التي أوردها رابح بونار، بل أن بعضهم أخطأ حتى في الترجمة له وخلط بينه وبين القاضي الشاذلي القسنطيني واعتبره توظّف في سلك القضاء؟؟؟

نشر العنتري في حياته عددا من الكتب صار الحصول على نسخها الأصلية اليوم صعبا للغاية فالطبعة الحجرية القديمة لكتابه الفريدة المؤنسة نفدت، ولا يوجد لها أي أثر اليوم، سوى إشارات هنا وهناك من بعض المهتمين بتاريخ وتراث قسنطينة، وكتابه هدية الإخوان أيضا لا توجد منه  – على حد علمنا – سوى نسخة وحيدة في  المكتبة الوطنية الفرنسية ليست متاحة على النت، وكتابه مجاعات قسنطينة هو الوحيد المتوفر ورقيا في عدد من المكتبات وحتى الكترونيا، أما المتون التي نشرها العنتري وهي نظم ابن عاشر ونظم القرطبي فلم نتمكن من الحصول سوى على صور قليلة منها حيث عُرضت للبيع في أحد المواقع الالكترونية.

قد يقول قائل لماذا الاهتمام بالعنتري الذي اشتغل مع الفرنسيين وهناك من هو أولى بالدراسة منه؟ والإجابة هنا أن كل الشخصيات الجزائرية التي عاشت في الفترة الاستعمارية وتركت بعض الآثار المكتوبة هي في نظرنا تستحق الدراسة سواء كانت شخصيات مقاومة أو شخصيات اختارت خيارا آخر، وذلك لفهم مختلف الذهنيات السائدة آنذاك داخل المجتمع الجزائري.

وخوضنا في موضوع سيرة العنتري وتراثه كان أشبه بالمغامرة المتعبة، التي كلّفتنا الاطلاع على عدد كبير جدا من المصادر العربية والفرنسية، وفهارس الكتب والمخطوطات، والجرائد والمجلات، لعلنا نظفر بشيء جديد عنه وعن عائلته، وعن أعماله، وبعض جوانب مجهولة من حياته.

وفي البداية كنا ننوي أن ننشر مقالا تعريفيا بهذه الشخصية نُورد فيه بعض الجوانب الخفية في شخصيته، لكن توفر المادة مع الوقت جعلنا نُقرّر تخصيص دراسة مُطوّلة عنه، وعن أسرته وإسهاماتها في الأدب والتاريخ حتى نستفيد نحن، ويستفيد معنا القارئ من عدد مهم من الوثائق التي يُنشر أغلبها للمرة الأولى هنا.

وقد اطلعنا على كل مؤلفاته التي طُبعت، وتطلّب الحصول على بعضها الاتصال ببعض الأصدقاء المقيمين في فرنسا، كما اطّلعنا على عدد من الصحف والمجلات الفرنسية المعاصرة له، وكذا عدد من سجلات المكتب العربي بقسنطينة حيث ظفرنا بتقييدات بخط العنتري عن أحوال مقاطعة قسنطينة يمكن للباحث أن يستخرج منها أشياء كثيرة تمس الجوانب السياسية و الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة.

وعثرنا أثناء بحثنا على تعزية في جريدة المبشر بمناسبة موت مصطفى العنتري منتحرا بالرصاص، وفي تلك التعزية معلومات هامة عنه وعن والده الذي كان لا يزال حيا حينها ” أي سنة 1903 ” ووفرت لنا تلك التعزية المعلومات الضرورية لاستكمال سيرة الابن مصطفى كما أنها أجابت لنا عن تساؤل كنا نبحث عنه منذ زمن وهو تاريخ وفاة الأب الذي كنا نعتقد أنه في أواخر القرن التاسع عشر.

وقادنا البحث في سيرة محمد الصالح العنتري للتعرُّف على سِير عدد من أفراد أسرته خصوصا منهم ابنه مصطفى الذي وجدنا عنه معلومات لا بأس بها، على خلاف والده، وقرّرنا إدراج هذه المعلومات هنا حتى يستفيد منها الباحثون والقُرّاء.

كما عمدنا للتعريف ببعض آثار أحد أسلاف محمد الصالح العنتري وهو : محمد الصالح بن أحمد زروق العنتري، وهو من أعلام  قسنطينة في القرن الثامن عشر، وكان من المهتمين بالأدب والتاريخ وأثبتنا نصا تاريخيا له ينشر بالعربية هنا لأول مرة .

وأثناء إعدادنا لهذا البحث سجّلنا بعض الأخطاء التي تناقلها الكُتّاب عن العنتري وبعض أعماله قمنا بتصحيحها وأثبتناها من المصادر، ومن كتابات العنتري نفسها حتى يكون عملنا دقيقا و أقرب إلى الموضوعية، وبعيد عن الاجترار والنقل دون احتراز من المصادر، ولجأنا أحيانا إلى إعادة نقل بعض النصوص الفرنسية  لتأكيد المعنى الذي نصبو إليه لا  كما وردت في بعض القراءات.

ووظّفنا في هذا البحث مجموعة هامة من الوثائق والصور رأيناها ضرورية كصور بعض الشخصيات ونماذج من مؤلفات العنتري، وخطوطه هو وخطوط ابنه مصطفى، و نماذج مما قيّده  محمد الصالح العنتري في سجلات المكتب العربي بقسنطينة.

وفي الأخير نرجو أن تُسعفنا الفرصة مستقبلا لكتابة سيرة المؤرخ القسنطيني محمد الصالح العنتري بشمولية أكبر حين يُفتح أمامنا سِجل عائلته ووثائقها الخاصة، ونتمكن من أن نطّلع أيضا على ما كتبه حوله مرؤوسوه في المكتب العربي بقسنطينة، فمعلوماتهم من المؤكد أنها تضفي على البحث قيمة كبيرة، كما نتمنى أن نحصل في المستقبل على تلك الوثائق التي أشار إليها كل من: سليمان الصيد ومحمد المهدي شغيب عن العنتري ووالده، وما كتبه سان كالبر عن وثائق ومخطوطات وحتى نقائش جميلة بخط محمد الصالح العنتري اطّلع عليها شيربونو في الخمسينات من القرن التاسع عشر، كما أن السجل الأم للحالة المدنية registre mère   يمكن أن يفيدنا في التعرف على شجرة نسب أسرة العنتري وتاريخ ميلاده هو ووفاته بدقة.