تفصيل

  • الصفحات : 348 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2025،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • الأبعاد : 24*17،
  • ردمك : 978-9969-06-024-9.

تـقـــديــم

 

التطور المتسارع والحاصل في البيئية العالمية الاقتصادية والمالية بمستويات كبيرة تولدت عنه مشاكل محاسبية معاصرة وهو ما يشكل تحدي في التأليف لدى الباحثين المتخصصين بمجال المحاسبة، وهو ما يخلق تناقض جلي وواضع للعيان بين المؤلفين في تناول مثل هذه المواضيع ومرد هذا الاختلاف أيضا إلى عدم وجود نصوص قانونية ولوائح تنظيمية واضحة تبين كيفية معالجة التعامل مع القضايا المعاصرة للمحاسبة. وتعتبر التكاليف البيئية موضوع ذو حداثة والجرأة العلمية لدى الباحث بالعمل عليه يعتبر انجاز في حد ذاته وتناول التكاليف البيئية في شقها المحاسبي ومحاولة تبيان تأثيرها على إرساء التنمية المستدامة وتحقيق أبعادها جدير بالاهتمام.

انطلاقا من ندرة البحوث فيما يتعلق بموضوع محاسبة التكاليف البيئية خاصة في مجال التأليف وبهدف تنمية الوعي به لدى الباحثين والطلبة، ارتأينا توجيه جهودنا والتركيز على معالجة التكاليف البيئية بشقها المحاسبي ومحاولة تبيان المعالجة النظرية لهذا المتغير والفوائد والايجابيات التي تعود على المؤسسات الاقتصادية بعد قيامها بالمعالجة المحاسبية للتكاليف البيئية.

ولهذا يعتبر الكتاب مرجع للباحثين والطلبة إذ تناول التأصيل النظري للتكاليف البيئية ومحاسبتها والتنمية المستدامة، إضافة إلى أهم النماذج الأجنبية والعربية التي اقترحها الباحثين والإدارات ذات العلاقة من أجل قياس التكاليف البيئية التي تتسبب فيها المؤسسة الاقتصادية والافصاح عنها. كما جاء الكتاب ليسلط الضوء على أحد المواضيع المحاسبية المعاصرة ليثري مكتاباتنا.

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة:

شهد العالم بعد الثورة الصناعية تطور اقتصادي وإنتاج صناعي كبيرين، الأمر الذي نتج عنه تأثير سلبي واضح على البيئة، وإنتشار التلوث البيئي بمختلف أنواعه ومصادره ( إنبعاث الغازات السامة، النفايات الصلبة، الغبار، الضجيج، تلوث المياه…)، وهذا الذي أثر سلبا على البيئة  والمجتمع والعاملين داخل المؤسسات الصناعية، الأمر الذي أدى بالعديد من الدول والمنظمات العالمية إلى عقد مؤتمرات عالمية (مؤتمر ستوكهولم سنة 1972، مؤتمر ريو دي جانيرو 1992، بروتوكول كيوتو 1997، مؤتمر جوهانسبورغ 2003، ومؤتمر دافوس 2007)، وهذا من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلات والخروج بنتائج كوضع المواثيق وإصدار القوانين والتشريعات التي تحمي البيئة وتجبر المؤسسات الصناعية على اتباع أساليب معينة للحفاظ على البيئة وحمايتها، كل هذا جعل المؤسسات الصناعية تغير نظرتها إلى الربح على أنه هدفها الوحيد فقط وتعدى ذلك إلى مسؤوليتها الاجتماعية والبيئية، وهو ما أدى بها إلى تحمل تكاليف بيئية ( تصفية المياه المستعملة، معدات الحد من الضوضاء وإزالة الغبار، تكاليف التشجير، الضرائب والرسوم على تلويث البيئة، تكاليف التدقيق البيئي…). وكل هذا من أجل تزويد مستعملي القوائم المالية وأصحاب المصالح بالمعلومات المتعلقة بهذا النوع من التكاليف وإعطائهم صورة واضحة وكاملة عن أداء المؤسسة البيئي ومدى مساهمتها في التخفيف من التلوث الذي تتسبب فيه بمختلف أنواعه، إضافة إلى البيانات المالية للتكاليف البيئية وضرورة الإفصاح عنها بالشكل المطلوب والوقت المناسب

وهذه الضغوط أدت بالمؤسسات لتبني طرق وأساليب والمباشرة في تطبيقها مما تجعلها تتحكم في تكاليفها البيئية (الوقائية والعلاجية) سواء كانت داخلية (على مستوى المؤسسة) وخارجية (اتجاه المجتمع) والناتجة عن عملياتها الانتاجية، وهذا الذي يؤدي بها إلى التحسين من صورتها في السوق وكسب متعاملين أوفياء، وقد ظهرت منظمات عالمية ومحلية (المنظمة العالمية للتقييس، المعهد الجزائري للتقييس) متخصصة في منح شهادات نظير احترام وتطبيق المؤسسات للمعايير التي وضعتها هذه المنظمات والتي تتمحور حول مختلف مسؤولياتها (البيئية والإجتماعية …) وهي تدل على أن أداء ونشاط المؤسسة المتحصلة عليها قد وصل لمستويات عالمية، الأمر الذي ترتب عنه إجبار المؤسسات على الاهتمام بتحسين وتطوير أداءيها الاجتماعي والبيئي، وهو ما يجسد مفهوم التنمية المستدامة والتي أصبحت تشغل اهتمامات الدول والمنظمات بمختلف أنواعها والباحثين بتعدد وتنوع تخصصاتهم وتوجهاتهم، منذ ظهور تقرير لجنة برونتلاند والتي كانت تعرف سابقا باللجنة العالمية المهتمة بالبيئة والتنمية، وتناول التقرير مفهوم التنمية المستدامة بالتفصيل والأبعاد الرئيسية التي تقوم عليها، وكان هذا بعد التدهور الكبير الذي لحق بالبيئة وارتفاع معدلات التلوث واختلال النظام الايكولوجي بسبب استنزاف الثروات الطبيعية غير المتجددة خلال العقد الأخير من القرن العشرين والاستهلاك الغير عقلاني الذي تجاوز كل التوقعات والنسب المسموح بها. واقترن ظهور مصطلح التنمية المستدامة بالعولمة والتي أتاحت لها من جهة فرصا من خلال سهولة تحقيق أهدافها ومن جهة أخرى تحديات تحد من إرساء أبعادها خلال الفترة المطلوبة. وينطلق مفهوم التنمية المستدامة من ضرورة ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وحماية البيئة بهدف الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، وكان هذا من خلال عدة اتفاقيات ومؤتمرات عُقدت تستند إلى حماية حقوق الإنسان والشعوب وفق مبدأ تكافئ الفرص، وهذا بإجراء إصلاحات شاملة اقتصادية، إجتماعية وبيئية.

يعتبر الربح الهدف الرئيسي لأي مؤسسة إقتصادية، ولكن تحقيقه مرتبط بقيود تفرضها عليها البيئة المحيطة بها والمجتمع، وبناءا عليه وجب على هذه المؤسسات أن تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والبيئية، وهذا ما جعل الفكر المحاسبي يزداد إهتمامه بالمحاسبة البيئية والتي تعني ”تكامل عملية القياس والافصاح المحاسبي للأنشطة والبرامج التي تؤثر على البيئة وتمارسها الوحدات الإقتصادية للوفاء بإحتياجات الأطراف المختلفة في المجتمع”، وأمام ندرة الأبحاث التي تناولت المحاسبة البيئية وعدم كفاية مخرجات الانظمة المحاسبية بخصوص قياس التكاليف البيئية والافصاح عنها حسب علمنا، وبناء وعلى هذا أكد محمد عباس بدوي على ضرورة إدخال التكاليف البيئية ضمن تكاليف الانتاج وجعل الافصاح عن هذه التكاليف أحد المبادئ المحاسبية، وذلك حتى تكون القوائم المالية ذات مصداقية وموضوعية ويتم استخدامها عند اتخاذ قرارات الاستثمار والاستغلال. وذلك أن قيام المؤسسات بالإفصاح عن مختلف البنود المتعلقة بالتكاليف البيئية سواء تلك المباشرة والمتعلقة بالنشاط الاستغلالي والتي تحملها المؤسسات مباشرة للوحدات الإنتاجية في شكل تكاليف الإنتاج أو التوزيع، أو تلك التكاليف الغير مباشرة والتي تحمل في حالات ضمن تكاليف أخرى أو لا تحمل بالأساس وهذا التحميل. وهذا كان يؤثر على هامش الربح والقرارات التي تتخذها سواء المؤسسة من خلال تسعير المنتجات أو أصحاب المصالح عن طريق القرارات الخاطئة والمبنية على بيانات نسبية.

ويبين القياس المحاسبي للتكاليف البيئية مدى إدراك المؤسسات لتأثيرها على البيئة والمجتمع، كما أنه يوضح لأصحاب المصالح إهتمام المؤسسات بالمحيط البيئي والاجتماعي ومختلف التكاليف المالية التي تتحملها جراء ذلك، في حين الافصاح المحاسبي عن هذه التكاليف يزيد من جودة القوائم المالية والمعلومات المحاسبية والتي على أساسهما يتم كسب ثقة مستخدمي هذه القوائم. وواجهت المؤسسات صعوبات تتعلق بطرق وأسس إرساء القياس والافصاح المحاسبي عن التكاليف البيئية ضمن القوائم المالية، والتي كانت تدرج سابقا ضمن التكاليف غير المباشرة والذي أدى إلى تضليل أصحاب المصالح، ولهذا فإعداد القوائم المالية المتعلقة بالبيئة والافصاح عنها من أجل الأطراف الخارجية باستخدام مبادئ المحاسبة البيئة يتم من خلال المحاسبة المالية، أما محاسبة التكاليف فتقوم بتحديد التكاليف البيئية والمعلومات المتعلقة بها وتبويبها وتسجيلها. وفي هذا الصدد قام العديد من الباحثين المتخصصين والهيئات ذات العلاقة بإجراء دراسات تتعلق بمحاسبة التكاليف البيئية بعدة مؤسسات صناعية بهدف إقتراح نماذج خاصة بقياس وحساب عناصر ومكونات التكاليف البيئية بإستخدام طرق القياس المتعارف عليها (كمية، نوعية، وصفية …) والإفصاح عن هذا النوع من التكاليف سواء ضمن القوائم المالية المتعارف عليها أو ضمن تقارير المسؤولية الاجتماعية وتقارير مجلس الإدارة وضمن مواقعها الإلكترونية وهذا إما بطريقة إختيارية أو إجبارية، من أجل مساعدة المؤسسات وأصحاب المصالح على اتخاذ القرارات. وساهمت هذه الاجتهادات والنماذج في التقليل من أوجه القصور الموجود بالمعايير المحاسبية التي تصدرها الهيئات والمنظمات المتخصصة على المستوى المحلي والدولي، ولاقت قبول واسع وتأييد من أغلب المؤسسات إذ ساعدها في حصر تكاليفها البيئية والتخفيف منها لتجنب الغرامات والضرائب البيئية لتجاوزها الحدود المسموح بها قانونا من جهة والضغط الممارس عليها من طرف أصحاب المصالح من جهة أخرى. كما ساهمت هذه الدراسات في تطوير الأنظمة المحاسبية من خلال تحيين المعايير المحاسبية من طرف الهيئات التي تصدرها. ومن خلال هذا الكتاب سنتناول بالتفصيل أهم النماذج التي تم اقتراحها من طرف الباحثين والهيئات منذ الاهتمام بالتكاليف البيئية والاختلاف أوجه القصور فيما بينها