تفصيل
- الصفحات : 296 صفحة،
- سنة الطباعة : 2018،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الاولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ISBN : 978-9931-484-70-7.
الطبقة الوسطى في الجزائر ، طبقة حديثة التكوين تشكلت بالأساس بعد الاستقلال ؛ حيث وجد الجزائريون أنفسهم أمام ضرورة ملء الفراغ الذي تركه المستوطنون الأوروبيون بعد رحيلهم الجماعي عام 1962 . إلا أن العامل الأكبر الذي أدى الى بروز هذه الطبقة هو اعتماد الدولة الوطنية بالجزائر تجربة تقوم على التصنيع السريع و التخطيط الذي يتطلب وجود آلة بيروقراطية ضخمة ، كما أن الحاجة الى مسيرين و مهندسين لترجمة مشروع التنمية خلقت الفرص للتعليم أمام الطبقات السفلى ، مما فسح المجال للحراك الاجتماعي في اتجاه الطبقة الوسطى الناشئة . و قد تميزت الخمس و العشرين سنة التي تلت الاستقلال بسيطرة ايديولوجيا معادية للقطاع الخاص ؛ حيث كانت الدولة تهيمن على الاستثمار و تلعب دور المانح للأرزاق . غير أن أزمة أصابت الاقتصاد الجزائري ابتداء من عام 1986 أدت الى سيطرة النشاط التجاري كنتيجة لبروز ظاهرة الندرة . هذا التحول في النشاط خلق شرائح اجتماعية جديدة و مراكز للاستقطاب مختلفة عن تلك التي تشكلت في ظل الدولة المانحة للأرزاق .
و قد أصبحت هذه الوضعية أكثر وضوحا في السنوات العشر الأخيرة التي طبعها التوتر الاجتماعي الناجم عن الاختلال في توزيع الثروة .
فالمسافات الاجتماعية أخذت في الاتساع نتيجة لعملية الفرز الطبقي المتواصلة ؛ حيث ظهر لأول مرة الخوف من تشكل ” رأسمالية متوحشة ” . و كتعبير عن هذا الواقع الجديد ظهر مفهوم جديد و هو ” التضامن الاجتماعي ” . و هو ليس إلا ايديولوجيا جديدة تضفي الشرعية على اتساع المسافات الاجتماعية و الالتفاف على احتمالات التمزق في النسيج الاجتماعي .
و تبين التوترات التي يعيشها المجتمع الجزائري منذ عشر سنوات أنه لم يتمكن بعد من استعادة حالة التوازن التي فقدها بفعل الانتقال من التركيز على الاستثمار الذي سبب الندرة الى التركيز على الاستهلاك الذي أدى الى القضاء على قيم العمل المنتج .
وتبين هذه التوترات أيضا الاحساس بالاختلاف في الآثار الاجتماعية و تضارب مصالح الطبقات إزاء هذه التغيرات و لا سيما الطبقات السفلى و كذا الوسطى ، لأن ايديولوجيا التنمية التي اعتمدت منذ مطلع الاستقلال تنحاز الى هذه الطبقات .
إن الطبقة الاجتماعية التي تمحور حولها مشروع التصنيع السريع تقاوم منذ عشر سنوات فكرة الخوصصة و الانتقال الى اقتصاد السوق في حين تدعو الطبقة المترفة التي تكونت في الظل الى تسريع عجلة التغيير.إذ ترى في ذلك فرصة لتوظيف أموال جمعتها في السنوات التي ازدهرت فيها السوق غير الرسمية .
أما الطبقة الوسطى التي تشكلت في أحضان القطاع العام ، فإن الخوصصة و الانتقال الى اقتصاد السوق بشكل عام يفقدها المواقع التي تحصنت فيها. إذ ، كانت تستمد قوتها من الاشراف على التسيير في ظل الاقتصاد المخطط.
و قد دفعن الاهتمام بوضع هذه الطبقة و موقعها في النسيج الاجتماعي لكونها حلقة الوصل أو واقي الصدمات بين الطبقات السفلى و الطبقات العليا ، إذ أن أي تهديد يستهدفها تكون له تداعيات على الاستقرار الاجتماعي .
و سعيت في هذه الدراسة للاقتراب من المشكلة من ثلاثة جوانب هي : نمط معيشة الطبقات الوسطى و آليات إعادة انتاج نفسها و الايدولوجيا التي تسيطر عليها .
و الأكيد أن المفهوم الأساس الذي تدور حوله هذه الدراسة هو الطبقة الوسطى . و من نافلة القول أن تناول هذا المفهوم سيجرنا حتما الى التطرق الى الأدبيات التي تناولته بالدراسة . و من خلاصة هذه القراءة صغنا ثلاثة مؤشرات لتحديد مفهوم الطبقة الاجتماعية و هي: الوظيفية و مستوى الدخل و المكانة الاجتماعية.
و قد فضلت تناول هذا الموضوع في إطار النموذج الارشادي Paradigme
التفاعلية الرمزية. إذ أني اعتقد أن هذا النموذج كفيل بتغطية متطلبات هذه الدراسة و تحقيق الهدف من القيام بها و هو تحديد وضع الطبقة الوسطى .
أما المجال المكاني الذي نزلت فيه بهذه الدراسة من المستوى النظري الى المستوى الإمبريقي فهو قسنطينة لأنها أكبر مدينة داخلية في الجزائر . و هي إحدى المدن الأربع الأكثر استقطابا للأنشطة الخدمية و الصناعة في البلاد ( الجزائر ، وهران ، قسنطينة ، عنابة ) .