تفصيل

  • الصفحات : 376 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ISBN : 978-9931-484-42-4.

يعيش العالم اليوم واقعاً متغيراً جديداً يمتاز بالديناميكية وسرعة التغير واتساع المفاهيم ، وتحكم هذه المفاهيم توجهات التكتلات الاقتصادية الكبيرة وقوة الأعلام والثروة المعلوماتية والثقافية . وهذا ما أنعكس بطبيعة الحال على السلوك الوظيفي للعلوم التي تطورت خلال القرن الماضي وأخذت تتسع في تفصيلاتها وتشعباتها الدقيقة لتواكب ما حدث من تسارع في تغير المفاهيم والوسائل لا سيما في عالم الاقتصاد والأعمال .

فالعالم كله يعيش تبعات العولمة والانفتاح الاقتصادي الواسع على سلوكيات تحكمها مفاهيم جديدة متسارعة في نشرها وانتقالها عبر شبكات  الاتصالات السريعة . مما تؤجح ترك الماضي والتحرك نحو المستقبل مستقبل البرامجيات والرقميات والتقانة الحديثة . انه عالم الذي يبتعد عن الملموسات ويتوجه نحو اللا ملموسات ، عالم تحكمه المعرفة والتطور المعرفي .

والواقع الذي نعيشه اليوم يشير إلى تغير المفاهيم الحضارية التي انعكست على المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية ، مما أفضى إلى أعادة  توزيع وتشكيل الجهد البشري الذي لا يزال هو الموجه الحضاري في العمل ، ولكن بشكل أكثر ديناميكية واعتمادا على المنطق والادراكات ، التي ولدت مفاهيم جديدة مرنة للمهن والاختصاصات وكلها رؤى حضارية للجهد والإبداع .

ويمكن الجزم بأن تلك المعرفة اضطلعت بدور محوري ومتواصل في تطوير المجتمع البشري وفي دعم إنجازاته المادية، فضلاً عن إنجازاته المؤسساتية والثقافية، وهكذا فإن مفهوم “المعرفة” ليس بالأمر الجديد، بل الجديد هو حجم تأثيرها الراهن على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى نمط حياة الإنسان المعاصر عموماً، فقد شهد العالم ابتداءً من الرُّبع الأخير من القرن العشرين أعظم تغيير في تاريخ البشرية وهو عبارة عن التحول الثالث، بعد ظهور الزراعة والصناعة، وتمثَّل هذا التحوُّل بثورة العلوم والتكنولوجيا فائقة التطور والتي تشكل ثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات ذروتها اليوم. حيث باتت المعلومات والمعرفة موردًا أساسياً من الموارد الاقتصادية، لا بل المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية المكمِّل للموارد الطبيعية ونشوء ما اتفق على تسميته “اقتصاد المعرفة” .

وهكذا، بعدما كانت الأرض والعمل هما الموردان الرئيسيان للثروة في العصر ما قبل الصناعي وحلَّ مكانهما رأس المال والعمل في العصر الصناعي باعتبارهما المولِّد الرئيس للثروة، أصبحت المعرفة والتكنولوجيا هما العنصران الرئيسيان لعوامل الإنتاج في العصر الراهن الذي صار يعرف باسم العصر ما بعد الصناعي، حيث أصبح إنتاج المعرفة واستثمارها واستهلاكها (بمعنى استخدامها) وتداولها المصدر الرئيس للنمو، وغدت المعرفة عبارة عن نوع جديد من رأس المال يقوم على الأفكار والخبرات والممارسات الأفضل، تعّبر عن رأس المال

الفكري الذي ُيعتبر في الاقتصاد الجديد أكثر أهمية بما لا يقاس من رأس المال المادي ، كما أدَّى التطور العلمي والتكنولوجي إلى التحوّل من العمل الجسدي إلى العمل القائم على المعرفة، ومن مجتمع صناعي إلى مجتمع معلومات ، فأصبحت التكنولوجيا والمعرفة هما العاملان الرئيسان للنمو والتنمية المستدامة، إذ أن الثروة الحقيقية للأمم تكمن اليوم في العقول بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعدها الثروات المادية الكامنة في باطن الأرض أو على سطحها.

فالدول التي رغبت ركوب قطار التقدم و الانتقال الى الاقتصاد المعرفي فما عليها إلا امتلاك وسائل المعرفة بشكل موجه وصحيح واستثمارها بكافة أبعادها العلمية الدقيقة من خلال الاستخدام الكثيف للمهارات (رأس المال الفكري) وأدوات المعرفة الفنية والابتكارية والتقانة )التكنولوجيا( المتطورة لأنهما يشكلان إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني وقاعدة للانطلاق نحو التحول الى الاقتصاد المعرفي على مستوى الاقتصاد الكلي ، إما على مستوى الاقتصاد الجزئي فتصبح المنظمات و البنوك بصفة خاصة تعتمد على عوامل إنتاج حديثة متمثلة في المعرفة و التكنولوجيا بالإضافة الى العوامل التقليدية، ما يمكّنها من مواجهة التحولات الجديدة المتميزة بالديناميكية و بالتطور السريع على المستويين التكنولوجي و المعرفي ، و بالتالي انتهاج سبل التنافسية وتحقيق مزايا تنافسية من طرف البنوك تسمح بالتفوق على منافسيها و من ثم تحقيق البقاء والاستمرارية.