بسم الله الرحمان الرحيم، وبه نستعين أما بعد،

لقد ظهر بيننا في العصر الحالي اقتصاد جديد تتصل أركانه مع بعضها البعض عن طريق الشبكات وظهر معه مجتمع معلومات يقوم على المعرفة، وبالتالي تغيرت الطريقة التي يعيش بها الأشخاص، يتعلمون يعملون ويتفاعلون من خلالها مع بعضهم البعض بصورة لا يمكن إعادتها إلى سابق عهدها وهذا ما أدت إليه  الثورة الرقمية من نشوء أشكال جديدة تماما من التفاعل الاجتماعي والاقتصادي وقيام مجتمعات جديدة داخل فضاء سيبروني، وفي هذا الصدد يقول آل غور،”إن التطورات في مجالات التكنولوجيا الاتصالية والكمبيوتر جعلت من الممكن نشوء نظام اتصالات كوني، وفي مدى سنوات قليلة فإن الشبكة ستساعد في جمع كل المجتمعات في العالم من خلال طريق المعلومات السريع، هذه البنية الأساسية للمعلومات ستسمح للناس من أي قارة في أي بلد تقريبا في كل أجزاء العالم من التفاعل بطريقة كانت مستحيلة من قبل”[1].

هذه التحديات التي فرضها التطور التكنولوجي على مختلف المؤسسات والمنظمات، فرضت هي الأخرى  ضرورة ملحة للتخلص من كافة الأساليب التقليدية والاعتماد الكلي على الطرق التكنولوجية لتجسيد ما يعرف بالإدارة الالكترونية(Electronic Management) وهي منظومة حديثة تعتمد على التكنولوجيا الإلكترونية وتهدف إلى تحويل الإدارة التقليدية إلى إدارة رقمية تعتمد على استخدام الحاسوب وتطبيقاته، وتعرف أيضا بأنها كافة الوظائف والمهام التي تحدّدها الإدارة للموظفين من خلال الاعتمادِ على وسائل اتصال حاسوبيّة مما يؤدي إلى سهولة الربط بين المدراء، الموظفين، والعملاء.

لدى أصبح التحول نحو الإدارة الالكترونية يمثل توجهاً عالمياً يشجع على تبني نظم الخدمات الالكترونية وكغيرها من دول العالم انتهجت الجزائر ما يعرف بسياسة “الجزائر الالكترونية” من أجل النهوض بمؤسسات الدولة وتطوير الخدمة العمومية وكذا تحسين خدمة المواطن، وذلك باستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الإدارة الجزائرية، لذلك حرصت الجزائر على ولوج هذا العالم، من خلال تبنى رؤية عالمية موحدة في هذا المجال والنهوض والرقي بالمواطن الجزائري إلى مستوى مشابه لنظيره الغربي، وبالرغم من أن نموذج الإدارة الالكترونية في الجزائر يعرف مراحله الأولية، إلا أن تطبيقها قد منح إسهامات قيمة في  الخدمات المقدمة.

وتعتبر مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من بين المؤسسات التي تبنت “سياسة الجزائر الالكترونية

حتى يتسنى لها مواكبة التطورات الحديثة والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات واعتماد أساليب إدارية حديثة تتسم بالدقة والمرونة في آن واحد على كافة المستويات الإدارية، المكتبية والتعليمية وذلك من خلال ميكنةMechanization  الإدارة سعيًا لتحقيق سرعة الإنجاز وفي ذات الوقت جودة الأداء.

غير أن تطبيق الإدارة الإلكترونية في مؤسسات التعليم العالي في الجزائر ما زال يواجه الكثير من الصعوبات والمشكلات الناجمة عن عملية التغيير، والتي تحول دون الاستفادة من معطيات العصر التكنولوجية والقيام بدورها في التنمية والبناء، مما أوجد فجوة بين إدارة التعليم واستخدام التقنية الحديثة  وهو ما زاد من الحاجة الماسة إلى القيام ببحوث ودراسات معمقة ودقيقة تمكن من معرفة متطلبات ومرتكزات ومعالم الإنجازات التي حققتها الإدارة الإلكترونية كمشروع خدماتي جديد في الجزائر، كل هذا دعانا لمحاولة جمع مجموعة من الأوراق البحثية في ذات السياق تتناول واقع تطبيق الإدارة الالكترونية في قطاع التعليم العالي بالجزائر، آلياتها واهم التحديات التي تواجهها والأفاق المستقبلية لها، في هذا الاستكتاب الجماعي الموسوم  بالإدارة الالكترونية في الجامعة الجزائرية-الواقع والأفاق-.

نعالج من خلاله  مجموعة من المحاور:

• ماهية الإدارة الإلكترونية وتطبيقاتها في الجزائر.
• أشكال وآليات تطبيق الإدارة الإلكترونية في الجامعة الجزائرية وسبل ممارستها الفعلية .
• دور تكنولوجيات الإعلام والاتصال في تفعيل تطبيقات الإدارة الإلكترونية في الجامعة الجزائرية.
• صعوبات وتحديات الإدارة الإلكترونية في الجامعة الجزائرية واستراتيجياتها المستقبلية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستكتاب جاء كنتيجة لسلسلة من الندوات الوطنية التي تناولت ذات الموضوع  من تنظيم  أعضاء فرقة بحث المواطن الالكتروني في عصر الإعلام الجديد  التابعة لمخبر علم اجتماع الاتصال للبحث والترجمة ونشطها ثلة من الدكاترة والباحثين وطلبة الدكتوراه في حقل علوم الإعلام والاتصال.

وأخيرا نأمل أن يجد الباحثين  والقارئين المنفعة المرجوة، على أن يستتبع هذا الإصدار بأخر بإذنه تعالى اشمل من حيث الموضوع نثير من خلاله عديد الإشكالات المتعلقة بواقع تطبيق الإدارة الالكترونية في الجزائر مع التركيز على جملة من القطاعات التي مستها عملية الرقمنة  بغية الانفتاح أكثر ورصد آليات ومعوقات تطبيقها في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية…

د. منال قدواح

في: 22-11-2021

[1] Al Guore:Information Highway, world almanac, pharos publishing,new york,1995, p35.