تفصيل
- الصفحات : 530 صفحة،
- سنة الطباعة : 2019،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الاولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ISBN : 978-9931-484-92-9.
إنَّ نظرة خاطفة في تاريخ الأديان- قديمها وحديثها- تكشف لنا مدى تغلغل الفكرة ذات المرجعية الدينية أو العقيدة في النفس الإنسانية والمجتمع بصفة عامة. ولعل عقيدة الخلاص سواء كان خلاصا ذاتيا أومتعلقا بوسائط مشخصة أوميتافيزيقية من أكثر العقائد بروزا؛ لما لها من ارتباط وثيق بحياة الإنسان.
فالخلاص في حقيقته هو توق نفسي للانفلات من براثن الذنب، ومن آلام الواقع وصولا بالذات إلى وضع أفضل ومكانة أرقى، أي إن الخلاص هو انعكاس للصورة الذهنية الأرقى التي تخرج الإنسان من واقعه إلى صورة خيالية قد يتحقق بعضها وقد يكون محض حلم لا يجد له مكانا إلا في الخيال الإنساني.
إن هذه الرغبة المتجذرة في الذات الإنسانية ما فتئت تأخذ طابعا جمعيا مما أكسبها انتشارا واسعا في الكثير من المجتمعات الدينية. ولعل الخلاص في الديانة اليهودية هو الأكثر امتدادا وتطورا في تاريخ العقائد الدينية، وهوأحد الأصول الراسخة في العقيدة اليهودية، فقد ارتكز على شخص محوري يقوم بإشاعة السلام ومحاربة الشر والانتقال بالبشرية من وضعها المزري إلى حالة الأبدية.
لقد تاقت النفس اليهودية لمجيء هذا البطل المخلص أو” المسيا ” من نسل داود، واستمد الخلاص بواسطة المسيا أو” المسيانية ” دلالته الأصلية من حالة الانكسار والهزائم المتلاحقة التي مر بها اليهود وانتهت بهم إلى السبي الآشوري ثم السبي البابلي، ثم الشتات الكامل عام 70 م.
عرفت المسيانية تطورا كبيرا في المفهوم والدلالة عبر المراحل التاريخية المختلفة، فقد ارتبطت في فترة الأنبياء بضرورة توبة اليهود والعودة عما هم فيه من فساد أخلاقي كشرط أساسي لمجيء البطل المخلص المسيا، ثم اصطبغت في المرحلة الرؤوية أوالأبوكاليبسية Apocalyptiqueبصبغة خيالية ذات بعد ميتافيزيقي إسكاتولوجي Eschatologique ؛ أثَّر لاحقا في المرحلة التلمودية حيث أضفيت على شخصية المسيا صفات وقدرات خاصة أكسبته القدرة على تغيير مسار التاريخ وإخضاع شعوب العالم أجمع إلى الشعب اليهودي الذي سيعتلي قمة سلم البشرية.
لقد كان لهذه العقيدة أثرٌ بالغٌ في الديانة المسيحية وفي صياغة الأناجيل خاصة وفي شخصية المسيح وفي قراءة العهد القديم قراءة تأويلية مجازية، وفي تأسيس عقيدة الباروزيا La Parousie ” المجيء الثاني للمسيح ” والعقيدة الألفية Le Millenium ” الميلينيوم “.
كما كان لهذه العقيدة كبير الأثر في ظهور بعض الحركات دينية سواء المسيحية منها أو اليهودية في فترات تاريخية مختلفة، كما كانت هذه العقيدة بمثابة الوقود الذي حرك بعض الحركات ودفعها إلى الحقل السياسي بحثا لها عن دور يفعّل ويعجّل مجيء المسيا ويخلّص الشعب اليهودي وينتقل به إلى حالة أفضل يكون فيها هوالمسيطر على العالم.
ونظرا لأهمية موضوع المسيانية وكون هذه القضية موغلة في القدم، ومعقَّدة في شيءٍ من تفصيلاتها؛ ومحكومة بحقبة زمانية متطاولة مثقلة بالأحداث والوقائع، آثرت البحث في هذا الموضوع، والذي ضبطت عنوانه كالآتي:
” المسيانية وأثرها في المسيحية والحركات الدينية المعاصرة“.
إشكالية الموضوع :
يرتبط مفهوم الخلاص بعدة معاني منها الإنقاذ والنجاة والحرية والانعتاق، والخلاص في اليهودية يشير إلى الاختلاف الجوهري والعميق بين ما هو كائن، وما سيكون في مستقبل الأيام، وقد تطور مفهوم الخلاص اليهودي وغذته الأفكار والتطورات التاريخية المختلفة والتي تظهر بقوة في النصوص اليهودية سواء العهد القديم أوالكتابات الأبوكاليبسية أوالكتابات التلمودية.
وقد انتقل مفهوم الخلاص من تخليص الأرض إلى تخليص بني إسرائيل عن طريق شخص محوري يمتلك صفات خاصة هو المسيا.
ولأن موضوع الخلاص المسياني أثره في المسيحية والحركات الدينية المعاصرة متشعبٌ وذو شجون، فقد فرض علينا تفكيك جملة من الإشكالات المعرفية والتي يمكننا تقسيمها وتصنيفها حسب نوعها وطابعها.
الإشكال الاصطلاحي: يعتبر مصطلح المسيا مصطلحا ملغّزا إذ شاع في الأوساط العلمية أن المسيا هو الممسوح بالزيت المقدس وهو المسيح، كما شاع إطلاق مصطلح المسيحانية للتعبير عن الخلاص اليهودي.
فما المدلول الإيتيمولوجي لمصطلح المسيا وبالتالي ما المصطلح الأنسب للتعبير عن الخلاص اليهودي؟
الإشكال التاريخي الفكري: ارتبط مفهوم الخلاص عن طريق المسيا بالتطورات التاريخية المختلفة لليهود وعبر مراحل زمنية ضاربة في عمق التاريخ إلى يومنا هذا، وقد تلونت المسيانية اليهودية بألوان شتى أسهمت في بلورة مفاهيم جديدة وأكسبت الخلاص خصائصا مختلفة.
وقد حاولت تقسم مراحل التلون المسياني إلى أربعة مراحل: مرحلة الأنبياء، والمرحلة الأبوكاليبسية، والمرحلة التلمودية والمرحلة المعاصرة.
فما هي التطورات الحاصلة في المفهوم والعقيدة المسيانية عبر المراحل التاريخية المختلفة وإلى أي مدى أسهمت هذه التطورات في ظهور الحركات الدينية اليهودية والمسيحية؟
الإشكال الارتدادي:
والمقصود منه فك الإشكالات المتعلقة بجانب الأثر المسياني في مستويين:
المستوى الأول ما يخص الأثر المسياني في المدرسة التفسيرية المجازية L’école allégorique في قراءتها للعهد القديم والنصوص المسانية، ثم أثر المسيانية في الديانة المسيحية وتحديدا شخص المسيح المخلص والمجيء الثاني للمسيح والعقيدة الألفية.
المستوى الثاني: يتعلق بالأثر المسياني في واقع الحركات الدينية المختلفة وعلى رأسها الصهيونيتين: اليهودية والمسيحية، وأيضا الحركات الدينية اليهودية سواء الحريدية منها أو الحسيدية.
فما أثر المسيانية في الديانة المسيحية؟ سواء من حيث المنهج الإسقاطي في قراءة العهد القديم أومن خلال البناء الفكري والعقدي للعهد الجديد.
وما أثر المسيانية في الصهيونيتين اليهودية والمسيحية؟ وما أثرها في الحركات الدينية اليهودية المعاصرة؟
أسباب اختيار الموضوع:
تظافرت عدة أسباب جعلتني أختار خوض غمار هذا البحث، منها الذاتي ومنها الموضوعي:
أ/ الأسباب الذاتية:
تجاذبت نفسي عدة رغبات وميول وأفكار أسهمت جميعها في ولادة هذا الموضوع، ولعل بذرة الفكرة زرعت بداخلي لحظة خلوٍّ مع الذات وتفكير في مكنونات النفس الإنسانية، وقد قادني التفكير إلى التساؤل عن مدى قدرة النفس الإنسانية في التأثير على العقائد وصبغها بصبغة خاصة، ثم التفكير في رغبة الإنسان تسخير العقائد لميوله حتى إنه تنصل من مسؤولياته الأخلاقية بانتظار مخلص خارج ذاته يدفع عنه ما ارتكب من خطايا، فكان أن فكرت في الخلاص كتوق نفسي ألقى بظلاله على العقيدة إلى حد كبير، فتولدت الرغبة في بحث موضوع الخلاص.