تفصيل
- الصفحات : 255 صفحة،
- سنة الطباعة : 2020،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ISBN : 978-9931-728-32-0.
اصبح لنظرية الحتمية القيمية تصورا شبه مكتمل للظاهرة الاتصالية في البيئة العربية و العالمية الان على أعتبار أن الباحثين في هذه المدرسة إستعانو بالطرح الابستيمولوجي الباشلاري الذي لا ينفي المعارف العلمية ولا التراث المعرفي لأي ظاهرة أو موضوع ،رغم تأثره بالنظريات الغربية في فهم الاتصال ، إلا أن تميز تفكيره العلمي عن نمطية التنظير السوسيولوجي في إرتكازه على القيم الإسلامية في فهم الظاهرة الاتصالية على عكس عديد المنظرين كل مستقى و مستوحى من أفكار علمية سابقة في التحليل المنهجي و التأصيل النظري تُعد نظرية الحتمية القيمية في الإعلام من النظريات الاتصالية القليلة التي رأت بوجوب تبني التعددية النظرية و الابستيمولوجية و الاستعانة بمختلف المنهجيات المرنة و بناء جسور معرفية تُسهلّ الانتقال من نظرية إلى أخرى حسبما تفتضيه ضرورات البحث الاتصالي، إذ نلحظ تفاعل نظرية الحتمية القيمية مع محيطها الفكري و المعرفي ضمن مختلف حقول المعرفة السوسيولوجية و تأثُرها بمختلف مبانيها واتجاهاتها النظرية ، خصوصا تلك النظريات التي تتميز بقدرتها على التفسير والتحليل و مقاربة العالم الاجتماعي و دراسة الفاعلين الاجتماعيين بالاعتماد على منهجيات تحليل فعالة للنظام الاجتماعي، و من بين أهم هذه النظريات النظرية البنيوية الوظيفية بجميع روافدها المختلفة ، والظاهراتية، و التفاعلية الرمزيةوالتأويلية و التقليد النقدي.
و قد استفادت نظرية الحتمية القيمية في الإعلام من هذه التيارات النظرية السوسيولوجية الكبرى و نهلت من مجالاتها التخصصية و أدواتها المنهجية و مساهماتها في تحليل الفعل الاجتماعي، و وظفتها في دراسة البنية السوسيولوجية للمجتمع العربي و تحولاتها و أنساقها الاتصالية، وفي فحص ديناميات الحياة الاجتماعية الرمزية و الفضاءات الاجتماعية ضمن مشهد الحياة العربية و معالمها الثقافية والتراثية.
و أدى الاحتكاك بهذه المدراس النظرية الكبرى إلى إكساب مشروع الحتمية قيمة مضافة و أصالة نظرية و بحثية و سنح لها بالقيام بعملية إحياء للاجتهاد النظري داخل الفكر الاجتماعي العربي و اعادة قراءة الإرث المعرفي الذي كان المجتمع موضوعا له، و من تأثيرات ذلك إعادة التفكير والتأمل في المنظور الخلدوني للاتصال ، والفصل الجديد بين العصبية والشورى والرأي العام، و ابتكار منظومة جديدة من المصطلحات و المفاهيم التي تستهدف توصيف الظاهرة الإعلامية ضمن نسقها الكلي، و في سياق اجتماعي و حضاري عربي و محلي .
وبذلك يعتبر الفكر الاجتماعي المعاصر موردا من موارد تأسيس نظرية الحتمية القيمية في الإعلام، و أحد فواعل إعادة الاعتبار لمتطلبات البحث الاتصالي وفقا لاحتياجات المجتمع، و تقديم تفسيرات أعمق للظواهر الاجتماعية في المنطقة العربية من منظور إعلامي اتصالي. وقد توَفَقت نظرية الحتمية القيمية في وضع مفاهيم جديدة حول الظاهرة الإعلامية تَنسجم مع ما يَنبغي أن تكون عليه أبعادها الحضارية ، كما تَمكنت من تحرير الإرث النظري العربي من أبعاده التقليدية و التاريخية و استخرجت منه فكرا اتصاليا و اجتماعيا يليق بالعمق الحضاري للمجتمعات العربية.
، فالإبستومولوجيا وفق (د. بداني فؤاد ،د.عبو فوزية ) بالدرجة الأولى هي دراسة نقدية لمبادئ مختلف العلوم وفرضياتها ونتائجها بغية تحديد أصلها المنطقي(لا النفسي) وقيمتها ومداها الموضوعي بعبارة أدق هي “نقد العلوم ” ، فهي نقد للعلم أكثر منها علم للعلم ، فالحاجة المنهجية والابستيمولوجية للتنظير في الإعلام والاتصال- كل بصيغة مختلفة على إعتبار أن الظاهرة الإتصالية لها نماذج أولية مستقاة من عديد المقاربات الفلسفية و الرياضية وحتى النفسية الإجتماعية – وتناقش الورقة البحثية مسألة إيجاد نظرية أو تأسيس مقاربة نظرية إتصالية تكون قد خضعت للمرحلة الابستيمولوجية وتميزت بمنهج (ميذوطولوجيا) خاص بها ، يساعدها على تطوير أدواتها وتعزيز الفهم الدقيق للظاهرة الإتصالية وتغيراتها حسب الظروف والخصوصيات لكل مجتمع ، هنا ظهرت نظرية أو مقترح نظري عربي إسلامي حسب بعض القراءات .
تأسيسا على ما سبق، قدم(د. العربي بوعمامة ،أ.فاطمة الزهراء كشرود ) ضمن ورقتهما البحثية تحت عنوان النظرية الإعلامية بين الواقع العلمي و القطيعة الايبستمولوجية الاجابة على مجموعة من الاسئلة أعتبرت نموذج إسترشادي لهذه المقاربة ،هل يمكن الحديث و مناقشة وجود نظرية قائمة بذاتها لدراسة الظاهرة الإعلامية في علوم الإعلام و الاتصال ؟و أن وجدت فهل حققت النظرية الإعلامية قطيعة ايبستمولوجية بينها و بين بقية العلوم في الحقول البحثية الأخرى ؟
جاءت نظرية الحتمية القيمية حسب الباحثة (أ.خلود حاجي )لنقدالخلل النظري في النظريات الغربية التي تدرس فقط الجانب المحسوس ، وهذا ما لا يعبر عن الواقع كما هو بل عن جزء منه ، بالتالي تكون النتائج جزئية ، لذا فقد حاولت نظرية عزي عبد الرحمان تحديد الأسس النظرية لدراسة أكثر وسائل الإعلام عبر محدد واحد وهو الرسالة الإعلامية وإرتباطها بالقيم -أي أن _الحتمية القيمية_ انطلقت من افتراض أساس يعتبر الإعلام رسالة وأن أهم معيار في تقييم الرسالة هو القيمية- وهو المقترح الذي قدمه عبد الرحمن عزي، من خلال السعي إلى الاجتعال من عناصر الرسالة (المرسل والمرسل إليه) أداة تتجسد من خلالها القيمة -الإيجابية- ضمن الفعل التواصلي، وذلك انطلاقا من التركيز حسب (د.ابراهيمي بوداود )على عنصر السياق وتمكينه من الوظيفة المهيمنة ضمن الوظائف الستة للغة الرسالة ، وهو نفس الطرح الذي توج به المسار البحثي (د.نور الهدى عبادة )ان النظرية المذكورة جاءت لتعيد توجيه مسارات البحث والنقاش من التفكير الاجتماعي والتقني الى التفكير القيمي الذي يعيد التفكير حسب توصيفها مستندة لبعض الاراء و التوجهات الفكرية في ان الانسان بوصفه المتحكم في التقنية
من حيث صناعتها أو طريقة إستخدامها والاستفادة منها، حيث يكيف إستخدامها انطلاقا من مرجعيته القيمية، حيث ترتبط محتويات وسائل الاعلام بالقيم، وكلما كانت المحتويات وثيقة الصلة بالقيم كلما كان التأثير ايجابيا، والعكس صحيح بمعنى أن التأثير يكون سلبيا اذا كانت المحتويات غير مقيدة بالقيم أو متناقضة معها ، فثنائية السالب والموجب وفق ما اشار اليه الباحثتان (أ.حنان يحي تنفير، أ. قديري نصيرة ) أن سلوك الفرد يكون هادفا ومقصودا وليس عشوائيا. وهذا ما يتلاقى مع فروض نظرية التلقي في اعتبارها الجمهور متلق ايجابي نشط وليس سلبي يتأثر بكل ما يعرض عليه، حيثتركز دراسات التلقي على سيادة المتلقي، و جعلت منه المصدر النهائي والفاعل الحقيقي في إنتاج الدلالات، إذ تهتم هذه الدراسات بالتعرف على مصير الرسالة بعدما يتلقاها الجمهور والتركيز على العلاقة بين الرسالة والمتلقي،كما تركز هذه البحوث على معرفة الدور الذي يلعبه الجمهور المتلقي في فك رموز مختلف الرسائل وإضفاء معاني عليها، وكذا فهم كيفية قراءة هذه الرسائل وكيفية تأويل محتوياتها.،وهو ما ذهب اليه الباحثان (د/ بن أحمد الطاهر، أ/ بوطرفة أسماء ) في موضوع مشترك ” البنيوية وتحليل المنتجات الثقافية لوسائل الاتصال الجماهيري” ، في الإجابة عليه مؤكدين أن دراسات التلقي الحديثة تركز على العلاقـة التي يمكن أن ينشئها القارئ/ المتلقي مع النصوص الإعلامية من خلال صيرورة تفكيك رموزها وفهم معانيهاوتكمن أهميّة هذا التوجه في الإستنتاج الذي مفاده أن المعنى الكامن في النص ليس بالضرورة هو نفس المعنى الذي قصده الكاتبوعليه، نظرا للمكانة التي يحتلها هذا النموذج في الدراسات الإعلامية.
لفهم هذا التداخل وهذه العلاقة قد يتأسس ، وفق تصور (Représentation) قد تتجاوز تأثيراته الأبعاد المادية لحياة الفرد، كما قد يتطلب فهم بنية المجتمع (د. بومدين مخلوف، أ. شاكر مخلوف) مثلما جاء في مقال الباحثين (البنيوية كثقافة منهجية وارتكاز قيمي ضمن الفضاء الإعلامي المستحدث)، من خلال مكوناته وطبيعة أسلوب تنظيمه، وكذلك تحليل العمليات الأساسية لوظائفه في ظل تصور حتمية القيم (Déterminisme)، وكل هذه العلامات والنقاط الارتكازية بهدف القراءة السوسيولوجية المتعمقة مجال العلاقة المكثفة بين الإعلام المستحدث والمجتمع.و من هنا جاءت عديد الدراسات النظرية لتسلط الضوء أكثر على النظرية البنيوية و إسقاطاتها المختلفة على وسائط الميديا الجديدة، كمحاولة لفهم الظواهر التي رافقت إنتاج المضامين الإعلامية وكيفية تلقيها من المستخدمين كما تتناول الدور(د.سعيد مراح ، د. خيرة مكرتار ) الذي تلعبه هذه النظرية في حقل علوم الإعلام والإتصال و ما مدى فاعليتها في العصر التكنولوجي الراهن.
إن تجربة الباحث “عزي عبد الرحمان ” تعد المبادرة الفريدة من نوعها داخل الوطن العربي بوضعه لنظرية الحتمية القيمية في الإعلام، والتي تستند في دعامتها النظرية إلى التأسيس البنيوي كتنظير، فيفهم عملية الاعلام والاتصال، وذلك باعتبار هذه الأخيرة بنية تؤلفها تركيبات جزئية من الضروري الوقوف عليها واحترام تركيبتها الاجتماعية والطقوسية والعقائدية وغيرها من الممكنات، هذا ما جعل الكثير من الباحثين في الجامعات الأمريكية يخصصون صفحات كبيرة لعرض هذه التجربة التي تنطلق في عرض أفكارها من مبدأ (الرسالة هي القيمة ) والقيمة ضمن الورقة البحثية الموسومة بالقيمة في التجربة الفينومينولوجية (د.منال كبور ،أ.صابر بقور ) القيمة تبقى من إختيار الإنسان. وهذا الإنسان وحده الفاعل القادر على إخراج
القيمة، أية قيمة، إلى حيز الوجود؛ والنشاط القيميلا يزيد في جوهره عن أنه نشاط تفضيل واع أو ترجيح هادف.و القيم والمثل الأخلاقية حسب الباحثان (د.احمد جبار ،د.الحاج تيطاوني ) تتقاطع عندها مختلف المجتمعات البشرية، بهدف تحقيق التوازن و الإنسجام بين أفرادها وضبط سلوكياتهم كما تمثل معيار يقاس به ذلك السلوك من حيث أنه إيجابي أو سلبي ، وتبقى على ضوء ذلك إشكالية تحديد مفهوم الأخلاق تثير الكثير من الجدل بين الدارسين من حيث السند و المرجعية هل هي دينية أم معرفية أو وصفية ،كما أنها أي المصطلح في كينونته يحمل قيم متعددة يصعب ترجمتها الى قوانين ملزمة ،لعل من بينها مهنة الصحافة التي يسعى الكثير من الباحثيين في علوم الاعلام و الاتصال من منطلق التفكير الاخلاقي ضبط الممارسة الاعلامية لممتهني مجال الصحافة .
ومع زيادة نفوذ وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها في فئات المجتمع أين يتشابك الفرد مع وسائل الاتصال الحديثة و يتشابك مع أفراد ومجموعات ومجتمعات في فضاء الإنترنت، برز مشكل واقع القيم والهوية في العصر الجديد في عصر التواصل الاجتماعي (د. عبديش صونية، د.علواش كهينة) وتضارب بين الهويات والقيم المتعددة والمتصارعة وكثر توظيفها في مجالات متعددة ذات قيم متفاوتة ومتغايرة من مجتمع إلى آخر في عصر تعرضت فيه المجتمعات المحافظة للتغيرات العالمية في ظل الحضارة المعاصرة والتقدم التكنولوجي الذي أحدث صراع في منظومة القيم الموروثة منها والمستوردة ، ما أوجد جيلا يعيش في صراع بين المنظومتين.