تفصيل
- الصفحات : 198 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-275-0.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
حينما اعتبر النقد الغربي الفضاء الأدبي حاملا مشروع العزل الرائع للأدب لكل ما يحيط به من مؤثرات خارجية لم ينطلق في ذلك من فراغ،لكن وفق تأسيس علمي ظهر مع ظهور نظرية الأدب، وعليه شكّلت تيمة المكان جزءا من المشروع النقدي الغربي المعاصر، ذلك المشروع الذي حمل معه خصيصة الانعتاق من تلك القراءات التي كانت تخضع النص لإكراهاتها، وَوَجَهتّه بذلك وجهتها، فضيقت أفق الإبداع الفني بل غيبته بسبب الأحكام الجارحة، حيث أقامت مخابر لتشريح النص لا لإبراز ما يحفل به من أدبية، ولكن لإسقاط الواقع عليه أو تتبع سقطات السارد،أو استخراج عقده، والحال هكذا في فترة النقد الانطباعي ومع القراءة السياقية، فلم يكن يؤبه بالمكان أو يُتَفَطنُ إليه، ولم يُشَكّل في الدراسات آنذاك قضية أو إشكالية يرجى حلها،وبذلك أخذ تلك الصورة النمطية في العرف النقدي الكلاسيكي؛ بأنّه مجرد ديكور يؤتى به في العمل الفني للزينة فقط،أو تدليلا على هندسة جغرافية، لذلك كله لم يكن يلاحق الشخصية ولا الزمن في قيمتهما التأطيرية ضمن خصوصية النص الفني.
إنّ هذه النظرة قدّ وَلَّت إلى غير رجعة خاصة مع ظهور نظرية الأدب والشعرية الحديثة، وبهذا عُدّ المكان أحد المكونات الأساسية للنص، وهي الخصيصة التي أدخلته دائرة الجدل المعرفي، فلم يكن بوسع منظري الأدب مجاوزته دون التأسيس له،فأضحى بذلك ركيزة من ركائز الرؤية الجمالية والإبداع الفني،حيث شكل المكان في الثقافة النقدية أحد المكونات الأساسية للنص، وهي الخصوصية نفسها التي أدخلته دائرة الجدل المعرفي حيث لم يكن بوسع منظري الأدب مجاوزته دون وضع حدود التأسيس له.
وعليه غدى المكان أساسا من أساسات الرؤية الفنية الإبداعية وهي القيمة التي تجلت في النقد الغربي خاصة مع أعمال غاستون باشلار وبالأخص في كتابه “شعرية الفضاء الصادر سنة 1957” حيث أخرج المكان من صورته البدائية وأخصبه بمفاهيم وتصورات جعلت منه مصطلحا يتطور صعودا يجمع بين الصفة المكانية وما يحمله من مشاعر.
فتطور المصطلح إذن حاصل بتطور النقد الحداثي ومع تأثيرات علم السرد وإنجازات المبدعين،وأيضا مع أعمال النقاد الغربيين مثل: (غريماس) التي تبنى فيها مصطلح الفضاء في الانفتاح والتضييق والشمولية والاتساع وتداعياتها النصية-وإن لم يلحقه بحقل الإجراء لأسباب عدة- وأيضا ظهر مع أعمال كل من: (ميشال بوتور، ميخائيل باختين،،جيرار جينيت، جوليا كريستيفا، فسيبرجر، موريس بلانشو) أو تلك الأعمال المتمثلة في انجازات المنهج السيميائي عن طريق ورثة (فلاديمير بروب) ويتقدمهم العالم الروسي(يوري لوتمان)، الذي عالج المكان ودلالته في كتابه “بناء العمل الفني”، كلهم أبان على أنّ المكان السردي هو الفضاء السردي بكل تشعباته، حيث تنصهر فيه باقي العناصر السردية وتتمظهر فيه الشخصيات والأشياء ملتبسة بالأحداث تبعا لعوامل عدة تتصل بالرؤية الفلسفية وبنوعية الجنس الأدبي وبزوايا نظر السارد.
وعليه اعْتَبَرَ النقد الغربي الفضاء الأدبي حاملا مشروع العزل الرائع للأدب لكل مايحيط به من مؤثرات خارجية، ولأَجْل قراءة محايدة للإنتاج الأدبي في عالم يدعو إلى العولمة تمّ التساؤل حول :
– ماهي الطريقة التي يقدم بها الأدب العالم؟
– ماعلاقة الإبداع الأدبي بالفضاء الجغرافي والإجتماعي والإيديولوجي والتخييلي؟
ولكي يغدو الفضاء الأدبي في معزل عن إكراهات الإيديولوجيا وأفكار الاقتصاد والاجتماع التي تعاني منها نصوص العصر، يمم النقاد الغربيون وجهتهم شطر طرق التحليل الأدبي وفق مناهج حداثية جديدة تواكب روح العصر وتساعد في عملية حفر النصوص لإظهار ماتحمله من أدبية وجمالية.
في خضم هذا المعترك النقدي والتجديد المعرفي في الآليات والمناهج التي طرأت على الدرس الأدبي الغربي يبرز التساؤل الآتي:كيف تعامل الباحث الجزائري مع هذا التجديد والتوجه الجديد في الدرس الأدبي ؟ وهل بقي في معزل عن كل هذا؟ لقد حاول البحث عن العلائق الرابطة بين النظرية والتطبيق، والعمل على ابراز خصائص النص من خلال العملية الإجرائية التي اتخذت من الأدوات المعرفية الغربية آليات قاربت بها تلك النصوص.
والحقيقة أنّ مصطلح الفضاء لم يكن إلاّ أحد المصطلحات الوافدة على ساحة النقد العربي عامة، وكما نعلم فإنّ لغة الاصطلاح هي لغة العولمة بامتياز، كما مثل المصطلح –أيضا-إشكالية نقدية ومعضلة من معضلات الخطاب النقدي العربي المعاصر، وموقعا من أَشْكَل المواقع التي يتبارى فيها النقاد،وبؤرة من أشد البؤر التي تثير من التوتر والجدل المعرفي ما تثير بين الباحثين والدارسين.
والحق أنّ النقاد الجزائريين -وفق ما أطلعنا عليه- في معالجتهم لمصطلح الفضاء السردي تنوعت مشاربهم واتجاهاتهم؛ والسبب الرئيس وراء ذلك ما أفرزته إشكالية الترجمة، فكان لزاما علينا تتبعها للتوصل إلى مدى توفيق نقادنا في تمثل النظرية الغربية الخاصة بمصطلح الفضاء، ومدى إخضاعهم هذا المفهوم وتطويعه لاتخاذه آلية إجرائية يقاربوا بها النصوص الفنية.
ومما تّم استخلاصه من خلال تتبعي للبحوث المنجزة حول الفضاء السردي أنّ معظم المقاربات النظرية العربية قصرت اهتمامها حول ملاحقة المفهوم وذلك ما أخل بعنصر المعالجة فلم يعد بكثير فائدة على النص والقارئ ومن هنا بدأت التفكير في مقاربة النصوص السردية حتى وإن أتت ضمن فعل قراءة القراءة أو نقد النقد ضمن خصوصية الفضاء بوصفه آلية إجرائية تفتّح لنا خبايا النص ومكامن الإبداع فيه بعيدا عن مسلمات المجتمع والواقع.
فالحمولة المعرفية التي يمتلكها هذا المصطلح وحداثته داخل سياج النقد وقلة الأعمال القارئة له،كلها أمور تغري بخوض غمار هذه التجربة القرائية للفضاء السردي، ومنه وقع اختياري للموضوع الذي وسمته بـــــ:آليات اشتغال مصطلح الفضاء السردي في الخطاب النقدي الجزائري المعاصر، محاولا التركيز على رؤية النقاد الجزائريين للفضاء بحكم تيمة العنوان وذلك باستقراء فهمهم للنظرية الغربية، وتتبع قراءاتهم الإجرائية فاعتمدنا في ذلك المزاوجة في الطرح بين الجانب النظري والجانب الإجرائي.
أما حقيقة هذا البحث تكمن في أنه محاولة للإجابة عن تساؤلات عدة فرضت نفسها، ربما يكون أكثرها أهمية وأشدها إلحاحا هذه الإشكالات الباحثة عن الانعتاق والمتمثلة في :
قد يكون هذا هو التصور العام الذي تبنيناه كأساس لعملنا الدائر في بوتقة نقد النقد والذي أملى علينا تقسيمه إلى مدخل وفصلين وخاتمة .
تناولنا في المدخل أهمية الفضاء في الخطاب السردي وفيه قمنا بالتطرق للمكان بوصفه تشكيلا واقعيا وبوصفه فضاء ثم عرجنا على المكان الفلسفي فإشكالية المكان ببعديه الفلسفي والنفسي ثم شعرية الفضاء فمستوياته.
أما الفصل الأول والذي وسمناه بــ: الفضاء السردي في المنجز النقدي الجزائري المعاصر من خلال الطرح النظري حيث حاولنا التطرق فيه إلى النقد الجزائري بوصفه منجزا استقرأ معالم الفضاء السردي،مركزين على مضامين تمثلت أساسا في المصطلح واشكالية الترجمة، هذا في الفرع الأول أما في الفرع الأخر فلقد سعينا فيه لمعرفة رؤية بعض النقاد الجزائريين للمصطلح وكيفية تبنيهم له مثل رؤية عبد الملك مرتاض الذي آثر مصطلح الحيز دون سواه بوصفه معادلا للفضاء ورؤية عبد الحميد بورايو الذي اعتمد مصطلح المكان، والطاهر رواينية الذي تبنى المصطلح الغربي الفضاء ذاته.
وجاء الفصل الثاني معنونا بــــــ: مقاربات الفضاء السردي في النقد الجزائري المعاصر، بسطنا القول فيه فيما ألفه بعض نقادنا اعتمادا على تلك الرؤى المتأثرة بمنجزات الخطاب النقدي الحداثي الغربي لمصطلح الفضاء فاستوقفتنا أعمال كل من : عبد الملك مرتاض وقراءاته النقدية للحيز في الرواية والحكاية والقصة، كما تتبعنا قيمة الفضاء السردي في عمل عبد الحميد بورايو من خلال مقاربته للمكان في روايتي “الجازية والدراويش ورواية نوار اللوز”، أما العمل الثالث فخصصناه للباحث الطاهر رواينية الذي أراد من خلال قراءته لأعمال فنية ابراز ما يقوم به المكان من تفاعلية وحركية وبنائية ضمن النص السردي فوقع اختيارنا على مقاربته النقدية المعنونة بالفضاء النصي وآلية الوصف في رواية الفريق وهو عمل نقدي واقع في حقيقته ضمن بحث أكاديمي.
واختتمنا بحثنا بخاتمة كانت خلاصة لما تم التوصل إليه في هذه الدراسة.
وأخيرا الحمد والشكر أولا وآخرا لله وحده على توفيقه وامتنانه في انجاز هذا العمل.
والله ولي التوفيق .