مقدمة

الحمد لله الواحد القهار الذي أنزل شريعته على نبيه المختار، وجعل مدارها على حفظ المصالح ودفع المضار، فأحل البيع وحرم الربا والغرر والقمار، ووعد المتقين من التجار بجزيل الثواب مع الأبرار، وتوعد المنحرفين منهم بشديد العذاب في النار. أما بعد:

تعد المشتقات المالية إحدى أهم الابتكارات المالية التي يتم من خلالها إدارة المخاطر التي ترتبط بالتغيرات والتقلبات في الأسعار، فالمشتقات المالية هي عقود تتم بين طرفين، وتتطلب تثبيت سعر سلعة ما في الوقت الحاضر على أن يتم تسليمها من خلال هذا السعر الثابت في المستقبل وقد تزايد الاهتمام بهذه الأدوات المالية في الآونة الأخيرة نتيجة النمو المطرد للأسواق المالية، وزيادة حدة المنافسة ما بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، بالإضافة إلى التطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وأنظمة الاتصالات بحيث ساهمت هذه العوامل مجتمعة في استخدام المشتقات المالية كأدوات هامة للتحوط ضد المخاطر المحيطة بالأنشطة الاقتصادية.

ونظرا لكون هذه الأدوات المالية المستجدة غير معهودة الشكل، ولا مألوفة الأسلوب والصيغة في الفقه الإسلامي، فقد استدعت الحاجة أن نتبين حكم الشرع فيها إباحة أو تحريما، خصوصا وأنها نتاج مجتمعات غربية لا تحكمها المبادئ التي تحكم السوق الإسلامية، ولا تعترف بالقيود الشرعية، وتأسيسا على ذلك سوف أحاول في هذا الكتاب أن أبين وجهات نظر العلماء في التعامل بالمشتقات المالية، وتحديد مدى حاجة المؤسسات المالية إليها أو استغنائها عنها؛ وذلك من خلال بيان اتفاقها أو اختلافها مع قواعد الشريعة الإسلامية. وكذا التطرق إلى مختلف الأدوات المالية الإسلامية التي يمكن أن تكون كبدائل شرعية للمشتقات المالية.