تفصيل
- الصفحات : 208 صفحة،
- سنة الطباعة : 2021،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-069-5.
تعتبر الترجمة الجسر الذي تعبر من خلاله اللغات والثقافات المختلفة والحضارات ووسيلة فعالة تمكن الإنسان من الانفتاح على غيره ومعرفة تقاليده وميولهالثقافي وذوقه الأدبي وتطوره العلمي.كما قامت الترجمة بنقل الحضارات من زمن إلى أخر ومن مكان إلى أخر وساهمت في بناء العلاقات بين الشعوب، والأمم وتشييد صرح حضاري مشترك بين بني البشر. ولعبت الترجمةدورا بالغ الأهمية في المحافظة على الثقافات والحضارات العالمية من الزوال سواء كانت منتشرة عبر المعمورة أو منحصرة في منطقة معينة.
في هذا المقام،نستشهد بدور الترجمة العربية في بناء الحضارة العالمية خصوصا عندما لجأ الأوروبيون إلى ترجمة الكتب الإغريقية والرومانية في ميادين الطب وعلم الفلك والفلسفة وغيرها من العلوم من اللغة العربية إلى لغاتهم،بسب فقدان الكتب الإغريقية والرومانية الأصلية.
وفي عهد الخليفة المأمون لم يكن للدولة العباسية لتتطور دون اعتمادها على الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية خاصة الإغريقية إلى درجة أن سمي عصر المأمون بالعصر الذهبي للترجمة، إذ كان الخليفة المأمون جد سخيا على المترجمين وحفزهم على تعلمها والاشتغال بها وتأسست في عهده مدرسة حنين بن إسحاق ببغداد. بعد ذلك، ظهرت بعد مدرسةللترجمة في الإسكندرية وفي طليطلة باسبانيا منذ القرن الثاني عشر للميلاد [1].
و في عصرنا الحالي،لا تزال الترجمة تتمتع بمكانة مرموقة في العالم بأسره إلى درجة أنها أصبحت معيارا أساسيا يعتد به لمعرفة مدى تطور الدول،فكلما تضاعف عدد الترجمات من وإلى لغة معينة كلما كان ذلك مقياسا لتفوق الدولة على نظيراتها. بالإضافة إلىانتشار الترجمات الأدبية أو العلمية التي تحظى برواج منقطع النظير بينأوساط القراء، خصوصا وأننا نعيش في قرية صغيرة تمتاز بالسرعة والتدفق الهائل للمعلومات وبالتالي للغات والإبداعات لذلك يقال كتاب غير مترجم هو كتاب نصف معروف.
أولا: ماهية الترجمة
يمكن القول أن الترجمة نشاط فكري مارسه الإنسان على امتداد التاريخ يجسد من خلاله عملية التواصل مع الأخر الذي لا يتقن لغته أو يجهلها تماما، هنا يتدخل المترجم إذا كان النص مكتوبا أو الترجمان في حال كانت اللغة شفهية. فكل منهما يقوم بإعادة صياغة الرسالة بعد استيعابها وتحويلها إلى لغة المتلقي بغية إفهامه مقصد الكاتب الأصلي.كما أننا نجد الترجمة حاضرة في داخل اللغة الواحدة وهي عملية تعني بأن يفسر المتكلم كلامه ويوضحه[2] وهو مدلول لغوي محض. في نفس السياق عرفها ديديروDiderot في موسوعته بأنها ” نسخة لخطاب تمت صياغته في لغة ونقل من لغة إلى أخرى”[3] .
ومن بين التعريفات اللغوية للترجمة نذكر تلك التي نجدها في معجم روبارت الصغيرPetit Robert التي تفيد بأن الترجمة تعني طريقة الترجمة وتعني كذلك نصا مكتوبا بلغة يتكافأ مع النص الأصل. [4]
و فيما يخص التعريفات المتخصصة أو الاصطلاحية التي منحت للترجمة نجد أنها تختلف تبعا للأساس الذي يستند إليه في تعريفها،فهناك من عرفها على أساس لغوي مثل كاتفرد Catford الذي عرفها بأنها “عملية تتم بين اللغات وتتمثل في تعويض نص كتب في لغة أصلية بنص كتب بلغة هدف وهي بذلك تندرج ضمن اهتمامات اللسانيات خاصة اللسانيات المقارنة “[5]. وضمن التصور اللساني للترجمة ذكر جاكبسن[6]Jacobson ثلاثة أنواع لها وهي الترجمة داخل اللغةinterlinguale أي أن العملية تتم داخل اللغة الواحدة وهو نفس التعريف الذي ورد في لسان العرب المتمثل في الإيضاح والتفسير، الترجمة ما بين اللغاتinterlinguale وهي نقل لغة إلى أخرى والترجمة ما بين سميائية intersémiotiqueالتي تعني تحويل دلائل شفهية إلى أخرى غير شفهية مثل ترجمة نص إلى فيلم أو غير ذلك وهذا ما يعرف أيضا بالاقتباس.
وهناك من عرفها على أنها عملية تواصلية مثل العمليات التواصلية كالتواصل اللغوي بين المتكلمين مثل ما ذهب إليه جورج مونان George Mounin. [7]
لكن مع تطور الأبحاث في علوم الترجمة تعززت مكانة الترجمة وأصبح مدلولها يتعدى الجانب اللساني المحض، وأصبح ينظر إليها كعملية لغوية وتواصلية ذات طابع ثقافي ينبغي على المترجم الانطلاق من نص لغة المصدربغية استخلاص المعنى ثم الوصول إلى نص لغة الهدف،ومنه نقل ثقافة الأصل إلى ثقافة الهدف مع مراعاة الاختلافات اللغوية والثقافية.كما أن هذا النقل في المنظور التواصلي للترجمة يركز على اللغة الهدف بدلا من التقيد باللغة المصدر. ضمن هذا التصور تعتبر “الترجمة هي عملية نقل ما بين لغوي يتمثل في تأويل معنى نص الانطلاق وإنتاج نص الوصول مع محاولة تحقيق علاقة التكافؤ بين النصين حسب معايير التواصل وفي حدود الإكراه المفروض على المترجم الذي ينبغي عليه أن يعيد ما قاله كاتب النص الأصلي وألا يحل مكانه ليصبح هو المتلفظ .[8]”
و لكي يوفق المترجم في عملية الترجمة بحسب رايس [9]Reiss عليه التركيز على عبقرية اللغة الهدف سواء كان ذلك في نحوها أو مفرداتها أو خصائصها الأسلوبية، وهذا يتطلب من المترجم خبرة وتكوينا منهجيا يتعلق بالترجمة من جهة ومعرفة شاملة بميدان الاختصاص الذي تتم فيه العملية الترجمية من جهة أخرى. هذا ما يؤهل المترجم للقيام بدور الوسيط مابين لغوي وما بين ثقافي بعدما كان مجرد ناسخ أو ناقل للغة.
في ذات السياق، عرف غيدارGuidère [10] الترجمة على أنها عملية تتم بين نقطة انطلاق وهي ما يعرف بالنص الأصلي أو المصدر أو نص الانطلاق ونقطة الوصول أي النص الهدف أو النص المترجم وهذه العملية ينفذها فاعل رئيسي وهو المترجم الذي يكون في مرتبة الوسيط أو المكيف للنص.
غير أنه بسبب التحول الثقافي والتواصلي في دراسات الترجمة أصبحت الترجمة لا تعني مجرد نقل محتوى لساني أصلي إلى محتوى لساني هدف، وإنما بدأ العديد من المشتغلين في الحقل الترجمي يؤكدون على فكرة جوهرية تتمثل في تكييف النص الأصلي بحسب ثقافة المتلقي الهدف وعاداته وطرق تفكيره[11] وتصوراته وأيدلوجياته وهي مقاربة تواصلية بامتياز.
مما سبق، يظهر جليا تغير النظرة إلى المترجم فبعدما كان مجرد ناسخ للغة وناقل لها أصبح منتجا للنص الهدف. إلا أن أخلاقيات مهنته تفرض عليه أن يأخذ في الاعتبار النص الأصلي وكاتبه من جهة، وقارئ الترجمة وثقافته سواء كانت عامة أو متخصصة من جهة أخرى.
ثانيا: مدلول الفعل الترجمي
لم يكن قديما الفعل “ترجم”traduire موجودا في اللغة الفرنسية لكنه ظهر في القرن 14 ويرجع أصله إلى اللغة اللاتينية translatus الذي يعني “نقل” أما “المترجم” فكان يقال له interpres وهو الذي يفك رمز الكلام ونجد كذلك في العربية “الترجمان” ودراغمانdragoman وهو شخص كان يرسل مع الوفود الرسمية خاصة في عهد الخلافة العثمانية. أما فعل الترجمة traduire أدخله أينشتاين Robert Estienneإلى اللغة الفرنسية سنة 1539 وفي سنة 1540 أضاف إيتيان دوليه EtienneDoletكلمتي traducteur /traduction .[12]
تجدر الإشارة إلى أن كلمة الترجمة تحيل إلى مفهومين يتم التمييز بينهما بحسب سياق الاستعمال فالمفهوم الأوّل نعني به العملية الترجمية l’opération traduisante أو المسار أو الفعل الترجمي الذي يستعمل فيه المترجم مختلف أساليب الترجمة والمراحل العملية في تنفيذ ترجمته. أمّا الثاني يحيل إلى النتيجة التي يصل إليها هذا المسار أي حين تصبح الترجمة كنص مكافئ للنص الأوّل.[13]
و من بين دلالات فعل ترجم traduire القيام بترجمة من لغة طبيعية إلى أخرى عن طريق إنتاج تكافئ تعبيري ودلالي[14] ويعكس الفعل الترجمي العملية التي ينفذ المترجم من خلالها الترجمة بين لغتين أصل وهدف .
بحسب نايدا[15]Nida تتلخص عملية الترجمة في أن ينتج المترجم رسالة هدف مكافئة لرسالة أصل تكون قريبة من ثقافة المتلقي وتمتاز بالتلقائية سواء من حيث معناها أو طريقة الكتابة في الثقافة المستقبلة،ولا يتأتى ذلك إلا إذا قام المترجم بتحويرات على المستويين النحوي والمعجمي. كما يهدف الفعل الترجمي إلى إزالة العقبات اللسانية والثقافية التي تعترض قارئ النص الهدف[16]،وهنا يتدخل المترجم الذي يكون مطلعا عليها ومتكونا بطريقة تسمح له إعادة إنتاج محتوى النص الأصلي ونقله إلى الثقافة الهدف.
في المقابل، تعتقدرايس [17]Reissبعدم وجود توافق تام حول ماهية الترجمة والفعل الترجمي ما يؤدي إلى وجود تناقض مرده إلى اختلاف الزاوية التي ينظر منها كل واحد من المنظرين أو علماء الترجمة، خصوصا وأن الأهداف المرجوة من فعل الترجمة أو منتجها ليست متماثلة وأن أنواع النصوص والأجناس النصية وحتى الايدولوجيا تؤثر في طريقة الترجمة أو الفعل الترجمي وبالتالي يكون متعددا ؛أي أننا نجد عدة طرق للتعامل مع نص يراد ترجمته.
كما ذهبت رايس[18] إلى اعتبار الفعل الترجمي عملية يقوم فيها المترجم بالبحثعن المتكافئات المحتملة بهدف اختيار أفضلها وهي تعتقد بأن المتكافئات يمكن أن تكون على مستوى وحدات الترجمة أو على مستوى النص بأكمله. ومن أجل إنجاح عملية البحثعن المتكافئات يقوم المترجم بحركة مستمرة ينتقل فيها ما بين النص الأصلي والنص الهدف بغية التأكد من مدى ملائمتها في النص الهدف.[19]
ليست الترجمة حسب التصور التأويلي عملية تتم بين لغتين وإنما بين خطابين مختلفينفالفعل الترجمي لا يتقيد تماما بالخطاب الأصلي، ولكن يتحرر منه دون أن يلغيه تماما؛أي أنه يتعين على المترجماستيعاب مقصد الكاتب وينتج رسالة تكون مفهومة من طرف متلقي النص المترجم ومستساغة في ثقافته.[20]
كما أشارت لدرر(Lederer) [21]إلى أن الفعل الترجمي هو عملية نقل لمضامين مفهمية وعاطفية واشترطت أن يكون المترجم متقنا للغتين المنقول منها وإليها وأن يهتم بكاتب النص وقارئ ترجمته الذي سيتفاعل معها.
ثالثا : المعوقات اللسانية في الترجمة
يقصد بالمعوقات اللسانية العقبات اللغوية التي تقف في وجه العملية الترجمية التي كثيرا ما تصعب من دور المترجم المتمثل في استيعاب محتوى لساني وثقافي أصلي وإنتاج محتوى لساني وثقافي هدف يكون مفهوما من لدن قارئ الترجمة،لأن الترجمة تعني الفهم والإفهام ومعرفة المترجم للمعوقات التي تحد من نشاطه الترجمي ستساعده على التعامل معها وتقديم حلول مبنية على طريقة علمية وليست حدسية تمتاز بالارتجال فالمعوقات يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
أ- المعنى: يعتقد العديدمن اللسانيين المهتمين بمسألة المعنى في الترجمة على غرار مونان[22]Mounin الذي رفض اعتبار اللغة كقائمة من الأسماء التي تحمل معنى ثابتا ومحدد مسبقا وهذا الرأي يتفق معه لاروزLarose[23] معللا موقفه بأن الواقع يثبت عكس ذلك. فكل لغة تعبر عن نفس المفاهيم بعبارات مختلفة وهذا ما يعرف بفردانية اللغة في نظرتها إلى العالم.
ب-النظرة للعالم vision du monde :كانت فكرة الترجمة ممكنة ما دامت النظرة إلى العالم موحدة بين بني البشر،غير أن هذه المسلمة فقدت مصداقيتها مع العالم اللساني الألماني همبولت [24]Humbolt الذي دافع بشدة عن اختلاف اللغات في نظرتها إلى العالم وتقسيمها لخبرات متكلميها لذلك استنتج استحالة الترجمة. وعلى الرغم من أن كل لغة تفرض منطقا معينا من التفكير على متكلميها ونظرة مغايرة للعالم مقارنة بلغة أخرى إلا أن هذه الفكرة لا تكفيللتسليم باستحالة الترجمة في الوقت الراهن لأن واقع الترجمة يثبت العكس فعدد الترجمات يزداد بوتيرة سريعة في كل مجالات المعرفة. وإذا كانت اللغة تعكس الفكر وتمثلاته فإنه من الضروري للمترجم أن يفهم نظرة اللغة المصدر إلى العالم ويحاول تكيفيها حسب نظرة اللغة الهدف، خصوصا عندما أصبح المتكلم الهدف هو أساس العملية الترجمية وهدف المترجم .
[1]Larose ,Robert. Théories contemporaines de la traduction. 2 éd, Presses de l’Université du Québec, Québec, 1989.p 35
[2]ابن منظور، لسان العرب، مادة رجم، دار صادر بيروت.1955
[3] Diderot, D d’Alembert.Encyclopédie ou dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers,
http://xn--encyclopdieibb.eu/index.php/logique/823092813synonyme/1023653560-TRADUCTION. cons/23/03/2020.
[4] Le petit Robert, dictionnaire de la langue française, nouvelle édition ,Robert,2012, p2592.
[5] Catford,J, A Linguistic Theory of Translation, Oxford Universty Press, 1965,p 01
[6] Jakobson,R, On a Linguistic Aspects of Translation in The Translation Studies Reader Edited by Lawrence Venuti, Routeledge ,London,2000,p 114
[7].Moumin, G. Les problèmes Théoriques de la traduction. Gallimard, Paris 1963, p 266.
[8] Delisle .Jean, Hannelore Lee-Jahnke, Monique C. Cormier. Terminologie de la traduction. Éditions John Benjamins. Philadelphia. 1999, p 83
[9] Reiss, Katharina .Problématiques de la traduction. Pré, Ladmiral Jean Réné. Trad Bocquet, A,Caterine .Editions Economica ,2009. France, p17.
[10] Guidère. M. Introduction à la traductologie : penser la traduction hier, aujourd’hui, demain. Collection traducto. 2 éditions. De Boeck. Belgique. 2010, p 14
[11] Gouadec .Daniel. Le traducteur, la traduction et l’entreprise. Edition Afnor. Paris. 1989. P 03
[12] Larose, Rober, op.cit, p 01
[13] Munday, Jeremy and Basil Hatim, Introduction to translation studies ,published by Routeledge ,London,2001 , p 5
[14] Le petit Robert, dictionnaire de la langue française, nouvelle édition, Robert,2012,p2592
[15]Nida,E and Taber, The theory and practice of translation, Brill , Leinden, the Netherlands,1969,p 12
[16] Gouadec, Daniel, op.cit, p 03.
[17] Reiss, Katharina, op.cit, p, 15.
[18] Reiss, Katharina. La critique des traductions, ses possibilités et ses limites. trad. de l’Allemand par C . Bocquet. Artois presses université ; collection Traductologie , France ,2003.ص14
[19] Reiss, Katharina ,op.cit, p 16
[20]Pelage,Jacques . La traduction des discours juridiques Problématiques et méthodes. Edité par l’auteur .France .2007.ص 17
[21]Lederer, Marianne, La traduction aujourd’hui le model interprétatif, Lettres modernes minard, Paris, 2006 ,p 93.
[22] Mounin in Larose, Robert ,op.cit,p 40
[23]Larose, Robert, loc .cit.
[24] Humboldt in Larose, op.cit, p 43