تفصيل
- الصفحات : 537 صفحة،
- سنة الطباعة : 2025،
- الغلاف : مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- الأبعاد : 24*17،
- ردمك : 978-9969-06-025-6.
تُعَدُّ النصوص الموازية Les paratextes أو ما نصطلح عليه مجازا أهداب النص من الناحية النقدية خطابات واصفة تُشكِّلُ ميثاقا قرائيا (Pacte de lecture) يُعقد بين المؤلف والقارئ ؛ يَكْفلُ هذا العقد أو الميثاق خلق منطقة مترددة بين الداخل النّصي وخارجه ،أو ما نصطلح عليه بمنطقة العبور؛ وهي منطقة تضمن للقارئ الحصول على تأشيرة المرور إلى النص ؛إذ تضع أمامه مفاتيح التأويل، فالنصوص الموازية واحدة من أهم مواقع اللاتحديد، ومن أكثر المناطق الظَنِّية البعيدة عن اليقين، وقد انفتحت مقاربتها على حقول معرفية كثيرة، تأرجحت بين الخطابات الاجتماعية،واللسانيات ،الدراسات البلاغية ، والتداوليات، والدراسات الأدبية والنقدية، والسيميائيات.
تولّد الاهتمام النقدي و إعادة الاعتبار لهذه المحافل النصيّة لما شكلته من قيمة مكَّنت النَّص من أن يُقدِّم نفسه كتابًا، وضمنت له سمة الظهور غير عارٍ من النسب كـ(اسم المؤلف) ،أومن (التعيين الأجناسي) الذي يحدد طبيعة العمل الإبداعي،أومن (العنوان) الذي يسم العمل ويعيّنه ويعلن عنه؛ فالعتبات النصيّة تكفل الإشهار والتعيين والإغراء، والإخبار؛ فهي نصوص على اقتضابها واختزالها قادرة على أن تقدم النَّص إلى القارئ وتُحقق قيمة تداولية وتاريخية ، وقد نخسر رهانات كثيرة ونحن نعبر مسرعين إلى النص دون المرور بهذه العلامات أو الخطابات الواصفة.
يعود فضل ظهور النصوص الموازية حقلا معرفيا مستقلا بذاته إلى جهود الناقد الفرنسي (جيرار جينت ،Gérard .Genette) ،في كتابه الذي حمل العنوان ذاته(عتبات,1987 Seuils) ، غير أن ”جينت ”نفسه يدين لأعمال سابقة قدمت طروحات مشابهة (حول العنوان ، واسم المؤلف…) ، والمتمثلة في اشتغال ”كلود دوشيه Claude Duchet” على عناصر العنونة في مقال منشور في (مجلة الأدب الفرنسية Littérature سنة 1971)، بعنوان (الفتاة المتروكة والوحش البشري،عناصر علم العنونة الروائية، La fille abandonnée et la bête Humaine, éléments du titrologie romanesque ).بالإضافة إلى مقال آخر في السنة نفسها: من أجل سويو-نقد أو تغير البدايات (Pour une socio- critique ou variations sur incipit)،ودراسة ”شارل غريفل” Charles Grivel (Production de L’interet Romanesque. était du texte (1970-1880)) ودراسة ”ليو هوك” Leo h. Hoek La marque du titre Dispositifs sémiotiques D’ une pratique textuelle) ،هذا الكم المعرفي الغربي ألقى بظلاله على الدراسات العربية ، و تمظهر في مجموع المقاربات العربية التي اتخذت (عتبات النص) سندا قرائيا؛ فكانت دراسات سعيد يقطين (انفتاح النص الروائي النص والسياق، والرواية والتراث السردي )،والتي تُعَدُّ من الدراسات العربية الأولى التي طرحت موضوع المتعاليات النصية وقاربتها في الرواية العربية، تنضاف إليها دراسة ”شعيب حليفي” (هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل) وإن كانت جهود ” حليفي” تعود إلى بداية التسعينيات ؛أي قبل نشر الكتاب بمدة زمنية ، كما قدّم ”عبد الحميد بورايو” ترجمة لدراسة لـ (”جوزيب بيزا كامبروبيJosep bisa Camprubi ”) موسومة (وظائف العنوان) على قدر كبير من الأهمية ،ودراسة ”سعدية الشادلي ” (مقاربة الخطاب المقدماتي الروائي مقدمة حديث عيسى بن هشام وإنشاء الروايات العربية).
اللافت في الاشتغال الغربي والعربي ـ على السواءـ أن أغلب المقاربات تعتمد المتن السردي في دراسة عتبات النص، وربما تنفرد دراسة نبيل منصر بدراسة الخطاب الموازي في القصيدة العربية المعاصرة .ولعل ذلك ما قادنا إلى الرهان على مقاربة عتبات النص الشعري بصورة مضاعفة ،فمن خلال مسح للمدونة الشعرية الجزائرية أبانت مجموعة من الدواوين الشعرية على اشتغال بارزٍ على العتبات النصيّة وبالاتكاء على الخطاب النقدي المؤطر لموضوع العتبات استطعنا أن نبني دراستنا وفق مجموعة من الأسئلة، نذكرها في النقاط الآتية:
سيتكفل البحث بالاشتغال على هذه الأسئلة ومقاربتها ،و نشير إلى أننا اعتمدنا على فكرة محورية تقوم عليها عملية القراءة وتفكيك العتبات النصية، وهي فكرة (العتبة المهيمنة )؛ أي العتبة البارزة التي نرى فيها قوة سيميائية أو قوة بصرية ودلالية، كما قد نتلمس في علاقتها بالنص إغراء بالتفكيك والحفر في المعنى ،في المضمر و المسكوت عنه ،أو الصوفي وإشراقاته، أو في المتخيل وجماليته، وهذا ما يفسر حضور بعض المدونات الشعرية طيلة مسار بحثنا وغياب أخرى ، ونرجع بروز (العتبة المهيمنة) إلى مقصدية الاشتغال والوعي بأهميتها ،فليس بالضرورة أن تتمتع جميع العتبات بقوة الحضور، رغم ذلك فقد أتحنا للقراءة فرصة الرهان على الشكل الضمني المركب ؛ وذلك في إطار علاقات أفقية تجمع بين العتبات بعضها مع بعض، وعلاقات عمودية تأنس في عملية التأويل إلى الربط بين العتبات والنص.كما أننا عملنا على حصر أكبر قدر من المدونات الشعرية حتى نتمكن من الوصول إلى نتائج جيدة حول شعرية العتبات النصية.
تعمل النصوص الموازية بالأساس على إثارة شهية القارئ و فتح آفاق قرائية نحو التأويل، وإذ تفعل ذلك فهي تتحرك وفق محورين اصطلحنا عليهما (شعرية الداخل) و(شعرية الخارج ) ، وهذا ضمن إطار أوسع يتشكل من قسمين رئيسيين حسب تقسيمات (جيرار جينت):النص المحيطPrétexte) )والنص الفوقي(épitexte)، تضم الأولى (العنوان، المُقدمات ، والإهداءات، والهوامش، التصديرات، عتبة الغلاف بوحداتها الغرافيكية، الفضاء النصي والصوري )، في حين أن الثانية والمسماة بالنص الفوقي، فتضم كل ما ليس له علاقة مباشرة بالكتاب؛ أي كل الخطابات الموجودة خارج النص والمرتبطة به، وهي (المذكرات ، المسودات، الندوات ، الحوارات الصحفية ، القراءات النقدية).ويتمظهر رهاننا الكبير في الاشتغال على الأجناس الخطابية للنص المحيط، ونُرجِع هذا التوجه لما تتمتع به هذه الخطابات من حضور نصي (ضمن الكتاب) ، و ما تنطوي عليه من اشتغال لافت ومغرٍ.
ينضاف إلى ذلك أنَّ علاقة النص الموازي بالنص الرئيس تطرح أسئلة عدة من بينها، هل هو مجرد عتبة هامشية؟ أم جزء من فضاء النص ؟ ما هي الأمكنة التي يحتلها النص الموازي في ظل هذه العلاقة؟ لذلك فالمقاربة النقدية مرتبطة بالصفة الفضائية البرزخية للنص الموازي، وتمظهراته (النصيّة أو اللفظية (d’ordre textuel ou moins du verbal) و الأيقونية (iconiques) والواقعية (Factuel)؛ وهذه الأخيرة مرتبطة بالسياق(التأليفي ؛ الأجناسي ؛ التاريخي )
من حيث المنهج، لقد اعتمدنا التحليل في الشَّق النظري وذلك بغية استيعاب وتمثل المقولات المتعلقة بالنصوص الموازية، أما في تعاملنا مع عتبات النصوص الشعرية فقد اتكأنا على القراءة والتأويل ؛وذلك بغية استنطاق هذه النصوص/ العتبات ، ينضاف إلى ذلك بعض الآليات الإجرائية للتحليل الموضوعاتي التي ساهمت بشكل كبير في قراءة العناوين الشعرية والمتمثلة في مصطلح (الكلمة / العنوان) ، دون أن نغفل أننا نتغيّا من توظيف مصطلح (شعرية العتبات) كل ما يحمله التعريف من أبعادٍ سيميائية.
بناء على ذلك هيأنا بحثنا وفق خطة مكونة من ثلاثة فصول وخاتمة تحوي أهم النتائج :
الفصل الأول: خصصناه لإشكالية المصطلح – قضايا نظرية، أفردنا الحديث بنوع من الاستفاضة في قضايا المصطلح وإشكالاته ثم أفردنا الحديث عن النصوص الموازية وأجناسها الخطابية محددين بذلك هوية العلامات في النصوص (النص المحيط) ، وذلك بغية فهم طبيعة هذه العلامات ووظائفها. ثم انتقلنا إلى تتبع أنماط التلقي والبناء لهذه النصوص الموازية فكان أن قاربنا إشكالية تلقي مصطلح النص الموازي/أهداب النص في النقد العربي المعاصر (المفهوم والمنظور)، وحضور النصوص الموازية في النص العربي القديم ، وذلك بمقاربة بناء العتبات في النص القديم .
أفردنا الفصل الثاني للعنوان وإنتاج الإثارة الشعرية، وقد اشتغلنا فيه على التفضية الموضوعاتية للعناوين الرئيسة والداخلية، في حين جاء الفصل الثالث لمقاربة النصوص الموازية وشعرية المابين ، وقد تمحور حول الخطاب المقدماتي و قوانينه، تتبعنا فيه البيان الشعري، وفلسفة الحماية النصية في الخطابات المقدماتية ، ولم تنفلت التصديرات النصية من الاشتغال على فكرة المابين ؛ اي شعرية الداخل وشعرية الخارج ،لذلك عملنا على مقاربة فضاء الدلالة في هذه التصديرات النصية من منطلق المخاتلة الكامنة فيها بين سلطة الأنا والآخر، لننتقل إلى حوار الأنساق في تشكيل عتبة الإهداء ، وننهي بمقاربة النص وحواشيه .بين جمالية الرؤية وتقليديتها.
الجدير بالتوضيح في هذا المقام مسألة (شعرية الخارج وشعرية الداخل) التي تبنيناها فكرة محورية في هذا العمل ، تعود لما تتمتع به (النصوص الموازية) من حالة ازدواجية كونها عتبة داخلية وخارجية في الآن ذاته فالعنوان بالإضافة إلى كثافة حضوره يتمتع بالمخاتلة بين الداخل والخارج، والحالة ذاتها مع الخطابات المقدماتية فهي خطابات مستقلة؛ إذ بإمكانها أن تحتل فضاء نصيا داخل المدونة الشعرية كما بإمكانها الاستقلال بفضاء خارج المتن، ويتجلى هذا تحديدا مع البيانات الشعريةLes manifestes ، كما بإمكانها أن تكون مقدمة لاحقة لا تظهر مع الطبعة الأصلية.
لنا أن نشير إلى أن خط سير الدراسات المخصصة للنص الموازي ، بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة حركة نمو متسارعة ،غير أن هذا لا ينفي القول بأن التراكمية المنجزة نحت منحى الاستسهال؛ إذ إن الاعتقاد المسيطر هو وصف الخصائص (التركيبة ، والمعجمية ، والصوتية والصرفية) ، وتجنب الحديث عن النص، فيصبح في ظلها الفرع كـ(العنوان) أعلى من الأصل (النص)، هو اشتغال يستبعد جدلية الثنائية من العتبة إلى النص ومن النص إلى العتبة ،التي أكد عليها ”جيرار جنيت” و”جوزيف بيزا كامبروبي” ويتأتى قولنا هذا انطلاقا من عملية استقراء لمادة معرفية معتبرة رصدت لمقاربة النصوص الموازية من ناحية، والنص الشعري الجزائري من ناحية أخرى فعلى سبيل التمثيل -لا الحصر- بالعودة إلى دراسة محمد صالح خرفي (جماليات المكان في الشعر الجزائري المعاصر ) ألفينا نفسا طويلا في جمع أكبر قدر ممكن من المدونات الشعرية ، إلا أن الرهان لم يخرج عن دائرة الإحصاء، أو الاتكاء على الجانب التركيبي أو الصرفي في قراءة بعض العناوين الشعرية ، وقد حال ذلك دون الوصول إلى جوانب تأويلية في علاقة العتبة النصية بالنص. يبرز الاشتغال على العتبات النصية في الشعر الجزائري – كذلك- ضمن مجموعة من أطروحات الدكتوراه، ففي الدراسة التي قدمتها زهيرة بولفوس (التجريب في الخطاب الشعري الجزائري المعاصر (2009-2010)، أفردت الباحثة حديثا عن التجريب في مكانية النص، قاربت من خلاله عتبات( العنوان، المقدمة، الغلاف ، الإهداء، الفضاء البصري) ،والأمر اللافت في هذه المقاربة، هو التفضية التأويلية للعتبات النصية من خلال مسح كبير لمجموعة من الدواوين الشعرية، هو اشتغال تشاكلها فيه دراسة ”سعادة لعلى”(سيميائية العنوان في الشعر الجزائري المعاصر ،فترة التسعينيات (2013-2014) ، وإن كانت هذه المقاربة قد منحت شعر ”عثمان لوصيف” فضاء قرائيا واسعا ممّا جعلها تغفل نصوصا أخرى ، وإن حدث و برزت فبشكل أقل مما حظي به الشاعر ”عثمان لوصيف” .
نعتقد أن الرهان الأساسي في مقاربة هذه العلامات النصية هو القراءة التأويلية وتحديدا في ارتباط هذه العتبة بالنص ،التي تغيب بشكل بيّن في دراسة ”وسيلة بوسيس” (دلالة الفضاء الشكلي في الشعر الجزائري المعاصر (2011-2012)؛ ذلك أن الذي تلمساه في قراءتها للفضاء الطباعي غياب الوجهة التأويلية واكتفائها بقراءة واصفة على الرغم من اعتمادها النظري الكبير على التحليل الظاهراتي والسيميوطيقي .
بغية تحقيق نتائج مرضية اتكأنا في بحثنا على مجموعة من المراجع المتعلقة بشكل مباشر بموضوع العتبات؛ وهي غزيرة منها الدراسات النقدية ، وتحديدا التي اشتغلت على الخطاب الصوفي ، كما استفدنا من مجموعة من (الوثائق المرجعية) المرتبطة بموضوع البحث منها:
اللافت في هذه الدراسات مقاربتها لعتبة نصية واحدة ؛ حيث ألفينا العنوان قد نال الحظ الأوفر على حساب العتبات النصية الأخرى التي سعت دراستنا إلى تدارك الاشتغال على شعريتها في النص الشعري الجزائري وذلك بمقاربة كل عتبة نصية على حدة ،متكئين على إقامة علاقة تفاعلية بين النص – العتبة – القارئ، والحفر بعيدا في عمق علاقة النص بالنص الموازي التي تختلف إفضاءاتها النصيّة باختلاف التوجه الكامن وراءها (النص) ؛وهذا يقضي بالقول إنّ التجربة الشعرية الجزائرية جديرة بالمقاربة والقراءة، بالإضافة إلى الثراء الفكري والمعرفي الذي يتمتع به بعض الشعراء الجزائريين
إنّ الحرص على مواجهة النص الشعري الجزائري المعاصر من مكان العتبات النصية وتقديمها وفق إشكالية وطرح نعتقد أننا عملنا فيه على تحقيق درجة من الاختلاف، لم يخل من الصعوبات، بعضها يرتبط باتساع المدونة الشعرية و بعضها الآخر متعلق بالحذر من النصوص نفسها؛ حيث تعاملنا بحرص شديد مع هذه النصوص، حتى لا نقوّل (العتبة- النص) ما ليس فيها من معاني ودلالات.
قسنطينة في30/03/2024