المقدمة :

في ظل الأحداث والتغيرات التي طرأت على المستوى المصرفي الإسلامي والتي يصعب حصرها خاصة مع التحول الرقمي الذي تبنته العديد من المصارف الإسلامية في الآونة الأخيرة،وهذا ما أدى إلى إتساع نطاق المنافسة بينها وبين نظيرتها الربوية وتحولها من نطاق المعاملات التقليدية إلى المعاملات الإلكترونية، مما جعلها تسعى إلى تحسين جودة الخدمات التي توفرها لعملائها ودعمها لمختلف أساليب التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي تمكنها من فرض نفسها على القطاع المالي العالمي من خلال إستمرارها في منهجية التوسع والإنتشار.

من جهة أخرى فإن هذه التغيرات والتطورات أدت إلى إتساع دائرة المخاطر بهذه المصارف، فالرغم من نمو الصيرفة الإسلامية فإن شأنها في ذلك شأن الصيرفة التقليدية في العالم الإسلامي تعاني العديد من المشاكل والتحديات المتعلقة بالمخاطر، التي تتخلل صيغ التمويل والعمليات المصرفية الإسلامية وكيفية إدارتها،وبالتالي يجب على هذه المصارف الإهتمام أكثر بنظام إدارة المخاطر من خلال البحث في مثل هذه القضايا والعمل على تطويرها، ولا ريب أن أحد أهم الإستراتجيات العملية لرفع هذا التحدي هو أن تقوم المصارف الإسلامية بتقديم خدماتها المتنوعة وإدارة مخاطرها بكفاءة لا تقل عن كفاءة المصارف التقليدية،وإيجاد حلول مناسبة لها،  وهذا يستبعد تعرض المصارف الإسلامية  إلى الخسائر التي قد لا تمكنها من المضي قدما في أداء مهامها، وكما هو معلوم فإن العمل المصرفي محفوف بالمخاطر ولكن في مقابل تحمل البنك للخطر  يتحصل على أرباح معتبرة، وإن الخروج من هذه القاعدة يحول دون تحقيق الأهداف الإستراتيجية للمصرف الإسلامي، لذا فإن الفهم الصحيح لإدارة المخاطر المصرفية، والتقويم الذاتي للمخاطر وإجراءات الرقابة عليها هي السبيل إلى نجاح المصارف وإبعادها عن الفشل وتكبد خسائر فادحة،هذا ما جعلها تسعى جاهدة  للحصول على أدوات تمكنها من إدارة هذه المخاطر ومزاولة أنشطتها بأريحية، وبالتالي تحقيق عوائد مجزية وتحسين جودة الخدمات لديها،وهذا لا يأتي إلا بتطبيق  مبادئ وأسس الهندسة المالية الإسلامية والتي توفر آليات لإدارة مخاطر صيغ التمويل بالمصارف الإسلامية.

تعتبر الهندسة المالية الإسلامية عنصرا مهما تستند عليه المصارف في تطوير منتجاتها الحالية وتقديم منتجات جديدة وفق ضوابط وأحكام الشريعة، دون غض النظر عن مساهمتها في تقديم تقنيات وأدوات مالية إسلامية تمكنهم من مواجهة المشاكل التمويلية، قد تشمل العقود المالية المركبة،عقود المسماة في الفقه الإسلامي أو المشتقات المالية الإسلامية، وبالتالي فهي تمكن من إدارة وتحقيق الموائمة بين العوائد والمخاطرة والسيولة،إضافة إلى لتلبية إحتياجات ورغبات المتعاملين،و جعل الخدمات المصرفية الإسلامية تقوم على قيم إيمانية وأخلاقية وسلوكية تحقق التنمية الإجتماعية والإقتصادية.

تستعين الهندسة المالية الإسلامية بالإبتكار المالي بهدف زيادة القدرة التمويلية عن طريق دعم إستقطاب الودائع من خلال إبتكار خدمات جديدة وتقديم منتجات مالية إسلامية مبتكرة،فتظهر ملامح الإبتكار في المصارف من خلال المنتجات التي تقدمها الهندسة المالية الإسلامية،بهدف تحقيق السيولة اللازمة وتوفير أدوات للتحوط وإدارة المخاطر الملائمة لنشاطها.

بناءا على ماسبق سنحاول من خلال هذه الدراسة تبيان مساهمة الهندسة المالية الإسلامية في إبتكار آليات لإدارة مخاطر صيغ التمويل الإسلامي، نظرا لأهمية الهندسة المالية الإسلامية في تحقيق الكفاءة الإقتصادية بتخفيض تكاليف المعاملات،تعزيز فرص تحقيق الربح من خلال إيجاد أدوات مالية جديدة يمكن إستخدامها في عمليات الإستثمار أو التحوط و/أو المضاربة،إضافة إلى تحسين سيولة الأسواق المالية بشكل عام والمتعاملين فيها بشكل خاص، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للتعامل مع مجموعة متنوعة من الأدوات المالية التي تتميز بالسيولة المرتفعة نسبيا،من خلال تقديم نماذج كمية لإدارة المخاطر والوقاية منها بالإستناد إلى تقنيات بحوث العمليات والنماذج الإحصائية المتنوعة القائمة على نماذج الإنحدار الخطي وغير الخطي والسلاسل الزمنية، وهذا ما يمكنها من إعطاء دفع للمنتجات المصرفية الإسلامية للتوسع أكثر والإنتشار بشكل أفضل وتقديم البدائل والحلول للمشاكل المصرفية،من خلال  توفير المناخ الملائم والداعم لعمل الصناعة المصرفية الإسلامية وضمان إستقرار النظام المالي والمصرفي .