تفصيل
- الصفحات : 147 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-620-8.
يعدُّ النصُّ الروائي من بين أكثر النصوصِ التي جذبت اهتمامَ النقادِ والباحثين المشتغلين بالحقلِ النقدي عامةً والسيميائي خاصة؛ كونهُ يضُمُّ مكوناتٍ سرديةٍ فاعلة لها وظائف متعدّدة، ممّا جعله يحتلُّ مكانةً أساسيةً في طليعةِ النصوصِ السردية الأخرى، وحتى بين الأجناسِ الأدبية الحديثة الأخرى كمًّا ونوعاً.
وبما أنّ الروايةَ شكلٌ وافدٌ فهذا معناهُ أن كثيرًا من قضاياها النقدية وافدة ٌأيضا، لذلك كثُرت وتباينت طُرُق تناولها تنظيرا وإجراءً، ليكونَ عنصرُ البحثِ في آلياتِ إنتاجها الذهنية / السياقية من قِبلِ المبدعِ أحدَ جزئياتِ هذه الدراسةِ، لما يُضفيه عليها من حركيةٍ وسيطرة ٍفي الآن نفسهِ، لتخضعَ معهُ الدراساتُ المُرتبطة بها إلى تحولات جذرية وعميقة؛ أي من الاهتمام بها كجوهرٍ (السياقُ) إلى الاهتمام بها كبنيةٍ لغوية مغلقة لا تُحيل إلاّ لذاتها ولم توجد إلاّ لأجل ذاتها (النسقُ)، لارتباطِها المباشر بفلسفاتٍ وتوجهاتٍ مختلفة، وهو ما بدأ بشكلٍ فعلي مع اتجاهاتِ النقد السيميائي: (سيمياءُ السردِ / سمياءُ التأويلِ)، كون الإبداعية القائمة في النصوص السردية عامة والروائية خاصة لم تُستخرج كُلية كما يُفترض مع المناهج التقليدية، فكانت تبدو كالمتاهات العميقة والبعيدة كُلَّ البُعد عن الموضوعية التي لم يُكتشف منها إلاّ بعض النواحي، لتبقى النصوص معها مُنطوية على أسرارها بانتظارِ من يُحسنُ استدراجها ويكشفُ مكوناتها وآليات إنتاجيتها، ذلك أنها لا تبوحُ إلاّ لمن أحسنَ استنطاقها، لتنجح بذلك اتجاهاتُ النقدِ الحداثي في الخروج بهذا النوعِ من الدراساتِ السردية الروائية من الإطارِ التقليدي الضيقٍ إلى الإطارِ الموضوعي الأوسعِ.
لتُحيلنا معهُ عمليةُ البحثِ في آلياتِ الإنتاجِ الروائي الذهنية إلى نصوصِ واسيني الأعرج، لما منحتهُ لنا من رغبةٍ في قراءتها عبرَ وسيطِ الجمالية الكامنِ في أنساقِها الظاهرة والباطنة، التي لم تُحقّقُ لنا في الأخير سوى جمالية إنتاجيتها، ليكون معه تَحليلُنا للبُنى الإنتاجية (سيرورةُ إنتاجِ المعنى)، في أربعةِ نصوصٍ روائيةٍ مختارةٍ لهُ: (جسدُ الحرائقِ: نُثار الأجسادِ المحروقةِ 1978 / مرايا الضريرِ: كولونيلُ الحروبِ الخاسرةِ 1997/ كتابُ الأميرِ: مسالكُ أبوابِ الحديدِ 2007 / مملكةُ الفراشةِ 2013) بمثابةِ وضعِ حدٍّ للمراحلِ الذهنيةِ الإنتاجيةِ، وبدايةً لكلِّ سيرورةٍ تلقائية، انطلاقًا من المؤولاتِ الإظهارية التجسيدية المُتصلة أساسًا بتفعيلِ نظريةِ المؤولاتِ السَننية: الثقافية / الموسوعية والسياقية والبلاغية، بصفتها نتيجة نهائية لسيروراتِ الفرضياتِ المُجسّدة للمتلقّي الباحثِ في النصّ عن العلاقة بين الواقعِ الشارطِ للإنتاج وخلفية المبدعِ: (الواقعي / الضمني)، آخذين بذلك شكل تكوُّنِ الفكرة في ذهنهِ وتحوُّلها بتحوُّلِ منطلقات تطويرها، المحكومة بشرط الجنسِ الروائي.
وأهم الإشكاليات التي طرحتها دراستنا هذه، وسعَت للإجابة عنها بتسليط الضوء على الغموض الذي اكتنف جوانبها جاءت كالآتي:
– ما الذي ميّزَ نصُوصَ واسيني الأعرج الروائية في ارتباطها المُباشرِ بالوضعِ: الاجتماعي / السياسي في الجزائرِ، بصفته مؤولا لهُ؟ وكيف تجسَّدت الآلياتُ السياقيةُ في هذه النُصوصِ الروائية؟ وكيف حقّقت انسجامها المداري الناتج عن التحويلات الذهنيةِ من قبلِ المبدع؟ وهل تحكَّمت في وعي المبدع واسيني الأعرج وفي رؤيته للعالمِ الموسوعةُ المعرفيةُ المُكتسبةُ المُعاشةُ المُتّصلة بفضاءِ الجزائرِ الإيديولوجي لحظةَ الإنتاجِ؟ وهل منعَ المبدعَ تناظرُ البُعدِ السياقي والإيديولوجي العام في نصوصهِ الروائية من خلقِ تمايُزها وتنوعِها؟ وهل تأثَّرَ وعيهُ أثناءَ فعلِ الإنتاجِ والتأليفِ بالراهنِ المتغيّرِ الذاتي للمبدعِ والسياسي / الاجتماعي للجزائر؟ وهل النموذج الذي يُبدعه القارئ للنص هو النموذج الذي يتنبأ به المبدعُ أو يقصده؟
واستجابةً لمقتضياتٍ منهجيةٍ تمَّ تقسيمُ الكتاب إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: عنونتهُ بـ: المؤلّفِ ومفسروه، وضّحتُ فيه طرائق استخلاص المعنى المقصود، التي سيساهم الحوارُ بين تشكلاتِ النص: (آلياته / تقنياته) وترهينات القارئ بين ذخيرة النص والمخزون المعرفي القبلي للمبدع لحظةَ خلقه وتأليفه: (جهودات قطبي مدرسة كونستانس الألمانية) في كشفه؛ باعتباره تمَّ في إطار جدلية السؤال والجواب المستمر والمتجدّد عبر السيرورة التاريخية، لارتباطِ كلّ مبدع بغايةٍ محددة في إبداعه، يسعى جاهدا لبلوغِها وتبليغها إلى متلقيه، من أجل توصيل رسالته بوضوح.
الفصل الثاني: عنونته بـ: المدار السردي ودينامية التشعب: مقاربة في الإنتاج الروائي لواسيني الأعرج، مختارات من نصوصه أنموذجا، ارتبط تحليلُنا فيه بأربعة نصوصٍ روائية: جسدُ الحرائقِ (نُثار الأجسادِ المحروقةِ) 1978، مرايا الضريرِ (كولونيلُ الحروبِ الخاسرة) 1997، كتابُ الأميرِ (مسالكُ أبوابِ الحديدِ) 2007، مملكةُ الفراشةِ 2013، هدفنا من خلالها إلى كشفِ وتحديدِ جُملة الآليات التي تحكّمت في كلِّ ظاهرةٍ ملازمة لكلِّ تظهير، انطلاقا من تفعيل نظرية المؤولات السَننية الثقافية / الموسوعية والسياقية والبلاغية، التي ستكون نتيجة نهائية مُحدّدة لسيرورات الفرضيات المُجسّدة للمتلقّي الباحثِ في النصّ عن العلاقة بين الواقعِ الشارطِ للإنتاج وخلفيةُ المبدعِ (الواقعي / الضمني) آخذين شكل تكوُّنِ الفكرة في ذهنه وتحوُّلها بتحوُّلِ منطلقات تطويرها، المحكومة بشرط الجنس الروائي، مُكتفينا في مستوى التحليل بالآليات: السياقية، لقُدرتها على وصف وتحديد العمليات الذهنية المُنتجة لأغلب مظاهر التشعُّب المُحقِّقة للمدارات المحايثة المُحينة إظهاريا في هذه النصوصِ.
الفصل الثالث: عنونته بـ: الرواية والتاريخ والهوية السردية (رواية كتاب الأمير: مسالك أبواب الحديد أنموذجا)، تناولت فيه طبيعة الرواية التاريخية لتجسُّدها كعمل سردي يطمح إلى إعادة بناء حقبة من الماضي بطريقة تخييلية يتداخل فيها الواقعي مع المتخيل، اعتمادا على مادة تاريخية تتشكلُ بواسطةِ السردِ، يضطلعُ من خلالها المبدعُ في ابتكارِ حُبكة للمادة التاريخية بتحويلها إلى مادة سردية، كنصّ كتاب الأمير الذي يُعتبر روايةً أطروحةً عابرة للثقافات، تدعو لحوارِ الحضارات وتحرّضُ على التعايش السلمي، مُنطلقها كان وعيُ الفكرة الاستعمارية، ووعيُ الكتابة كإستراتيجية تقويضية وتفكيكية للاستعمار، الذي تتشظّى فيه الهوية القومية وتذوب مع الهويات الإثنية لصالح الهوية السردية التي اندمج فيها السرد التاريخي بالسرد التخييلي، باعتباره إحالة مرجعية تُحقّق مصداقية يمكن إثباتها تاريخيا، بمحاولة تسريب حقائق هي في واقع الأمر مجموعة من الأحكام الإيديولوجية والتصورات الخاصة بالهوية والزمن والماضي والحاضر، وهذا ما اتضحَ لنا جليا في النصّ عند التحليل وفق آليات علم الصورة، لقيام المبدع بخلخلة عديد القضايا الحضارية المتعايشة نقديا انطلاقا من منظور إيديولوجي وبأسلوب إبداعي، عاكسًا بذلك رؤيتهُ للعالمِ كفردٍ ينتمي إلى هذا السياق وكجزءٍ لا يتجزأُ منه، بتسليط الضوء على قضية جوهرية أصبحت الآن موضوع الساعة في الأوساط الدولية، وهي قضية التسامح أو التعايش بين الشعوب والأديان والحضارات.
والخاتمة حدّدنا فيها أهمَّ النتائج المتوصل إليها في الدراسة النقدية.
ولما كان المنهج هو الطريق والدليل في رحلة البحثِ، لكشفِ وتحديد آلياتِ الإنتاجِ الروائي في نصوص واسيني الأعرج الإبداعية، جاء اختيارنا في التنظير والتطبيق لآلية سيمياء التأويل، إضافة إلى الاستعانة بمداخل علم الصورة سعيا منَّا لكشفِ مدى وعي المبدعِ أثناءَ فعلِ الكتابةِ.
ولقد كان لاختياري هذه النماذج التطبيقية الأربعة عدة أسباب، منها: أهمية دراسة الإنتاج الروائي للمبدع واسيني الأعرج، وطُرقُ التعامل معها وفق آلياتِ النقد التأويلي: وآلياتُ علمِ الصورةِ، إضافة إلى الرغبة في التعرف على الآليةِ الإنتاجيةِ المرتبط بناؤُها بعلاقة الدليلِ التفكيري المُستحضر في ذهنِ المبدع لحظةَ الكتابةِ والتأليفِ.
كما دفعني للإقبال على الموضوع شحُّ الدراسات التطبيقية، التي اهتمّت وركّزت على نصوصِ واسيني الأعرج الروائية من زاوية التعرف على الآليةِ الإنتاجيةِ، المرتبط بناؤُها بعلاقة الدليلِ التفكيري المُستحضر في ذهنِ المبدع لحظةَ الكتابةِ والتأليفِ، وثراء الدراساتِ التنظيرية التي ساهمت كثيرا في فهمِ مستغلقات هذه الدراسة، لتوخيها طُرقًا في الطرحِ والتقديم أكثرَ وضوحا، ومن بين هذه الدراسات نجد مؤلفات: طائع الحداوي: سيميائيات التأويل: الإنتاج ومنطق الدلائل، عبد اللطيف محفوظ: آليات إنتاج النصّ الروائي: نحو تصوّر سيميائي / سيميائيات التظهير عبد الله إبراهيم: التلقي والسياقات الثقافية / السرد والاعتراف والهوية / التخيل التاريخي: السرد والإمبراطورية والتجربة الاستعمارية، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب النقدية الحداثية المهمة الأخرى، سواء العربية منها أو المترجمة.