تفصيل
- الصفحات : 181 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-234-7.
ولدت الدولة الحديثة من رحم الثورة الصناعية بعدما برزت المراكز الحضرية، وأخذت الحركة الفكرية والفلسفية تنظر لضرورة ايجاد عقد اجتماعي جامع ينظم أمر الجماعة، وتطورت فيما بعد أشكال ذلك العقد وتبلورت ملامح المولود الجديد حتى أخذت مقولات المواطنة والدولة الوطنية والنظم الديموقراطية بالتبلور والانتشار، وضمن ذلك كله كانت الحاجة ملحة لضبط العنف ومأسسته واحتكاره ضمن سلطة الدولة وسيادتها.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،حققت البشرية منجزات علمية وحضارية كبيرة، فقد قفزت الصناعة والتجارة على المستوى العالمي قفزة هائلة، وأصبحت الصناعات الدقيقة والمعلوماتية من الأشياء الضرورية.
كما لا يمكن إغفال ما أتاحته تكنولوجيا الاتصالات الحديثة من خلال الكثير من الوسائط التي ألغت الحدود الجغرافية، وقربت المسافات، وسهلت إمكانية الحصول على المعلومات من أي مكان وتجميعها وتخزينها وبثها بشكل فوري متخطية قيود الوقت والمساحة[1].
وقد تمثلت هذه المبتكرات في الأقمار الصناعية، والحاسبات الإلكترونية، والألياف الضوئية، والاتصالات الرقمية، والوسائط المتعددة، والاتصال المباشر بقواعد المعلومات وشبكاتها مثل (الإنترنت)، والبريد الالكتروني، وعقد المؤتمرات عن بعد وغير ذلك مما أسهم إسهاماً كبيراً في ارتباط العالم ببعضه وساهم في تغيير كثير من الأفكار والمفاهيم، ويمتد تأثير القوي بحسب إمكانياته المادية والمعنوية التي تساعد على الوصول والاتصال بالآخر على هذه الأرض.
إن العولمة التي أنتجتها العالم الغربي تقتحم أربعة جوانب أساسية للدولة ذات السيادة فهي تضعف من احتكار الدولة على قرارها وسلطاتها وتقلص من إصدار تشريعاتها.
وإذا لم تحافظ الدولة على ما يفرضه زمن العولمة، فإنها تتعرض إلى خطر على أمنها السياسي والاقتصادي والبيئي، وتبعاً لذلك تفقد مصداقيتها الدولية وبالتالي سلطتها، كما أنه لا مناص لدول العالم كافة، فقيرها وضعيفها، من مواكبة التغيرات التي تطرأ على العالم طالما أن الأغنياء هم من يرسموا “قواعد اللعبة” في عالم أصبح قرية واحد يمكن للإنسان في لحظات أن يتصل بالآخر ومن خلال ذلك أصبح تأثير القوي أسرع وأقوى على الضعيف.
ومنا هنا كان منبع فكرة العولمة التي تفرض على العالم بأسره وجوب الاتصال والتواصل وبقدر ما تملك من أدوات القوة تؤثر في الآخر وإلا كان من الضروري العمل بسرعة حتى يمكن اللحاق بالركب ومعالجة القصور.
وفي الوقت الذي توجد فيه أصوات العالم تنادي بأن ظاهرة العولمة هي ظاهرة صوتية، ليس لها أثر، أتت أول أشكال العولمة على أرض الواقع، وهي منظمة التجارة العالمية، والتي تعتقد المنظمات والمؤسسات الدولية، بأنها الفتح الجديد لأمم الأرض من أجل السلام والرخاء والأمن.
ولا يستطيع أحد أن ينكر ما للاقتصاد من أهمية كبرى في التأثير على الدولة كافة، والدول النامية بشكل خاص فهو عمود الحياة، ويرجع له الدور الأكبر في تغيير ثقافات الشعوب وعادتها وقراراتها وخططها السياسية سواء الداخلية أو الخارجية التي تعمل على إيجاد الحلول للمشكلات بشكل عام والسياسية والاقتصادية بشكل خاص[2].
بالإضافة إلى ظاهرة العولمة التي تشكل تهديدا لسيادة الوطنية، نجد أيضا أن التطورات السياسية الدولية الراهنة قد انعكست هي الأخرى على تطور مفهوم السيادة،وظهور مفاهيم جديدة إذ يعتبر مفهوم “حق التدخل” والذي تطور إلى مفهوم “واجب التدخل” هو الآخر قيدا اثر على السيادة الوطنية، وقد أصبح يتخذ عدة صور ومن أهمها: التدخل بموجب حماية حقوق الإنسان والأقليات، التدخل بحجة مكافحة الإرهاب، والتدخل من اجل نزع أسلحة الدمار الشامل، فقد أضحت هذه الصور يستند عليها من قبل الدول الكبرى التي لها العضوية الدائمة في منظمة الامم المتحدة كالولايات المتحدة الامريكية لاستعمالها كذريعة للتدخل في شؤون دول النامية.
الأمر الذي أدى إلى تفكيك القيم التي أسستها القواعد الأمرة للقانون الدولي؛ كمبدأ السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
بالإضافة إلى كل المفاهيم السابقة التي شكلت تهديدا لسيادة الوطنية، فقد برزت على الساحة الدولية مصطلح النظام الدولي الجديد ليعبر عن حقبة جديدة في العلاقات الدولية لها سماتها وخصائصها المميزة والتي بشر بها البعض على أنها نهاية التاريخ بينما يراها الأكثرية مجرد مرحلة من مراحل تطور العلاقات الدولية التي مرت عبر تاريخها بالعديد من الدورات والنظم وستأتي وتنتهي كغيرها ليحل محلها نظام دولي جديد ومرحلة لاحقة من مراحل العلاقات بين الدول.
أهمية البحث:
تبرز أهمية مشكلة البحث في أنها تلفت النظر إلى وجوب تغيير النظرة المحددة في نطاق الإقليم عند رسم السياسات الداخلية والخارجية ووجوب معالجة تلك السياسات مع الأخذ في الاعتبار العوامل العالمية التي يمكن أن تؤثر على تلك السياسات ومحاولة استشراف المستقبل تجاه قضية مهمة كقضية السيادة .
اشكالية البحث:
يسعى هذا البحث إلى فحص الاشكالية الرئيسية المتمثلة في معرفة أثر العولمة والنظام الدولي الجديد والتدخل الدولي على السيادة لأن كثيراً من السياسات للدول لا بد لها من التأثر بالفكر العالمي لأن هذا الفكر لم يعد مجرد خيالات بل حقيقة على أرض الواقع المتمثل في فكرة العولمة .
وبالتالي تراجعت سيادة وشرعية الدولة الحديثة بسبب اتساع تأثير العولمة على الدولة الحديثة فأصبحت الدولة الحديثة تستمد شرعيتها من أقلية اقتصادية تتحكم بالنظام الاقتصادي وذلك امتداداً لرأسمالية العولمة .
في ظل العلاقات الدولية المعاصرة المستجدة اصبح لزاما على المجتمع الدولي ضرورة إعادة صياغة الكثير من المفاهيم التي طالما اتسمت بالرسوخ والثبات كمبدأ السيادة ومبدا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وعليه:
فكيف اثرت العولمة والتدخلات الدولية المتكررة من قبل الدول الكبرى على الدول الضعيفة في تراجع ادوار الدولة الحديثة التقليدية، باعتبار أن الدولة تحولت من سلطة شرعية جاءت لخدمة شعبها إلى سلطة تقوم على حماية مصالح نخبة اقتصادية وشركات متعددت الجنسيات؟
كما انبتقت عن الاشكالية الرئيسية العديد من الاشكاليات الفرعية:
كيف تحولت سيادة الدولة الحديثة من شرعيتتها التقليدية الى شرعية النخبة الاقتصادية المسيطرة في ظل نظام العولمة ؟
ما هي اتجاهات الدولة الحديثة في ظل نظام العولمة ؟
متغيرات البحث:
تحدد مشكلة البحث متغيرين تفترض وجود علاقة بينهما، الأول العولمة كمتغير مستقل يسعى البحث لتوضيح آثارها بأبعادها(الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية) وكذا التدخل الدولي، في متغير تابع ( السيادة ) الذي يسعى البحث لتحديد مدى تأثره بالمتغير المستقل.
فرضية الدراسة:
تستند هذه الدراسة على فرضية أن العولمة والتدخل الدولي في الشؤون الداخلية للدول تشكل أكبر تهديد لركائز وادوارها في الدولة الحديثة باعتباره نظام توسعي عالمي يجتاز الحدود عبر محو شرعية الدولة عن الافراد والممتلكات، كما أن فقدان الدولة الحديثة لمحتواها الديمقراطي بتراجع شرعيتها لصالح أقلية اقتصادية على حساب باقي مكونات نظام باعتبار الدولة هو شكل من أشكال الديمقراطية .
وفي الاخير نستنتج وجود علاقة اقتران سالبة بين العولمة والتدخل الدولي والسيادة . بمعنى أنه كلما زادت مظاهر العولمة والتدخلات الدولية الغير مشروعة أثر سلباً على سيادة الدولة .
منهجية البحث
و للإجابة على هذه الاشكاليات المطروحة فقد انتهجنا المنهج الوصفي التحليلي من خلال التطرق الى التحولات التي طرأت على النظام الدولي الراهن والمتمثلة أساسا في: التدخل الدولي والنظام الدولي الجديد وظاهرة العولمة بأبعادها المختلفة.
وأيضا تحليل العلاقة الموجودة بين السيادة الوطنية والمتغيرات الدولية الراهنة ونقاط الالتقاء بينها، وملاحظة مدى تأثر مفهوم السيادة التقليدي بمعطيات هذه المستجدات أو المتغيرات، ومحاولة استشراف الرؤية المستقبلية لتأثيرها على السيادة.
ومن خلال ذلك قسمنا هذه الدراسة الى فصلين، بحيث تطرقنا في “الفصل الأول”: لمفهوم السيادة وتحديات العولمة، وتحديد دور دولة الحديثة في ظل العولمة، مـن خـلال الإحاطـة بالمفـاهيم الرئيسـية فـي الموضـوع المتمثلة في الدولـة الحديثة وعلاقتهـا مـع متغيـرات العولمـة والديمقراطية.
أما “الفصل الثاني” فتطرقنا فيه الى تبيان مكانة التدخل الدولي والنظام الدولي وتأثيرهما السيادة.
[1]ماجد إبراهيم علي، قانون العلاقات الدولية، دراسة في إطار نظام القانوني الدولي والتعاون الدولي الامني، دار النهضة العربية، 1999. ص 34
[2]محمد ناصر مهنا، مدخل إلى علم العلاقات الدولية في عالم متغير، الإسكندرية، المكتبة الجامعية، الأزاريطة، 2000. ص60