لقد شكل الاعتماد المتزايد على أنظمة الحاسوب وشبكة الأنترنت من قبل جميع فواعل المجتمع الدولي، وكذا توظيفه في مختلف القضايا الوطنية والدولية، والتي ارتقت إلى حد الصراع في الفضاء السيبراني، أن جعل أنظمة المعلومات معرضة للخطر وبالتالي خلق تهديدات ومن ثم تحديات للأمن السيبراني سواء على المستوى المدني أو العسكري، الوطني والدولي معا، ومن ثم يستكشف هذا الكتاب التحديات العالمية المتأتية من أشكال التهديد السيبراني ومعظلة تحقيق الأمن السيبراني، وذلك عبر دراسة موضوعه من زاوية الدراسات الأمنية، حيث يسد هذا الكتاب الفجوة الحاصلة في صعوبة إيجاد مفاهيم دقيقة للمصطلحات وكذا تنحية الخلط واللبس بين أنواع التهديدات الواقعة في الفضاء السيبراني وانعكاساتها على الأمن السيبراني والأمني الوطني، وكذا الدولي ككل مما خلق تحديات عالمية خاصة في القرن الواحد والعشرين، لذلك تسعى الدول إلى إقامة استراتيجيات لتحقيق أمنها في الفضاء السيبراني، على اعتبار أنه أصبح يمثل بعدا خامسا من أبعاد القوة، وأصبح لا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الراهن، لما له من أهمية قصوى تستطيع أن تأثر حتى في مجالات القوة الأخرى؛ البرية، البحرية، الجوية والفضائية، فقد تغيرت الحروب والصراعات في عصر المعلوماتية من خلال ظهور مسرح جديد لها وهو الفضاء السيبراني، والذي لا يمكن عده فقط مجرد بعد جديد للفضاءات الأخرى، وإنما بعدا قد غير طبيعة الحروب بأكملها، ذا شأن وأهمية في الاستراتيجيات العسكرية والمدنية على حد سواء، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية التي شهدت تطور مجال الفضاء السيبراني بشكل كبير، الأمر الذي جعل القرن الواحد والعشرين يشهد تسارعا ملحوظا في كل من عالم الأنترنت والتهديدات السيبرانية التي تنشأ عنه.

وعلى إثر ما تقدم عالج الفصل الأول من هذا الكتاب؛ مفهوم الفضاء السيبراني والمفاهيم ذات الصلة على غرار القوة السيبرانية، الدفاع السيبراني، الردع السيبراني، الأمن السيبراني، أنترنت الأشياء والذكاء الإصطناعي، وكل ما تعلق بها من خصاص ومقومات وأبعاد، وتطرق الفصل الثاني إلى أشكال التهديدات السيبرانية الواقعة في الفضاء السيبراني، والتي تمثلت أساسا في كل من الهجوم السيبراني، القرصنة السيبرانية، الاختراق السيبراني، التجسس السيبراني، الاستغلال السيبراني، الحرب السيبرانية، حرب الوكالة السيبرانية، الصراع السيبراني، الإرهاب السيبراني، والجريمة السيبرانية، حيث يستمر التهديد السيبراني العالمي في التطور بوتيرة سريعة، مع ارتفاع عدد انتهاكات البيانات كل عام فيما يخص الأمن السيبراني، وانشغل الفصل الثالث بالتحليل الاستراتيجي لفضاء القوة السيبرانية، وذلك عبر التطرق إلى المنطلق النظري لتحليل فضاء القوة السيبرانية، وكذا توضيح استراتيجيات الأمن السيبراني، عمليات الحرب السيبرانية، اتجاهات التفكير حول القتال السيبراني، الفضاء السيبراني والتحكم الآلي، الفضاء السيبراني والأنشطة الاستخبارية، والقتال الإلكتروني وجدلية الأمن السيبراني الشامل، ومن ثم يسعى هذا الكتاب إلى تدعيم المكتبات الجامعية ودور النشر فيما يتعلق بالفضاء السيبراني والمفاهيم ذات الصلة وإزالة اللبس فيما يخص المفاهيم وإعطاء تعريفات دقيقة لها، بشكل أكثر دقة وبكل موضوعية، وبلغة سليمة خالية من الركاكة اللغوية، وكذا التطرق لمختلف أنواع التهديدات الواقعة عبره والتي أصبحت تشكل تحديات ليس على المستوى الوطني فقط بل على مستوى دول العالم ككل، ونسأل الله التوفيق والسداد.

د. شريفة كلاع

جامعة الجزائر 3، الجزائر