تفصيل
- الصفحات : 170 صفحة،
- سنة الطباعة : 2025،
- الغلاف : مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- الأبعاد : 24*17،
- ردمك : 978-9931-08-962-9.
كانت العقوبة في العصور القديمة الصورة الأولى للجزاء الجنائي، لكن سرعان ما تبين أن هذا النمط من الجزاء لا يمكنه تحقيق غرض المجتمع من توقيع العقاب، والمتمثل أساسا في منع ومكافحة الظاهرة الإجرامية باعتبارها حتمية في حياة المجتمع و احتمالية في حياة الفرد، لذا فقد كشف التطور العلمي الحاصل في أواخر القرن التاسع عشر لا سيما ما تعلق منه بالنتائج المحققة من طرف رواد المدرسة الوضعية، و المتمثلة في إيجاد نمط آخر من أنماط رد الفعل الاجتماعي ضد الجريمة ألا وهو التدابير.
وفي بداية القرن العشرين ظهر مفهوم الدفاع الاجتماعي المؤسس على فكرة مناهضة المجتمع لمرتكب الجريمة، الأمر الذي أوجب ضرورة تغيير النظام العقابي التقليدي، الذي كان منصبا على توجيه الاهتمام بالجريمة دون المجرم، هذا الأخير أصبح محور اهتمام مدرسة الدفاع الاجتماعي باعتباره إنسان أخطأ نتيجة لعوامل بيولوجية، اجتماعية، أو نفسية، وعلى المجتمع عند مواجهته للجريمة أن يتوخى إصلاحه خلال مرحلة التنفيذ العقابي، وبصفة أساسية في العقوبات السالبة للحرية، التي تعتبر المناخ الأنسب لتحقيق هذا الهدف، حيث تكون الفرصة متاحة لإعادة تأهيل المحكوم عليه من خلال أساليب المعاملة العقابية.
ولأجل الوصول إلى الأهداف المرجوة من تطبيق الجزاء الجنائي المرتبطة أساسا بمفهوم العلاج العقابي، ظهرت فكرة التدخل القضائي في مرحلة التنفيذ، و يعتبر هذا الاتجاه ثورة حقيقية في التشريع الجنائي المعاصر، لكن هذه الفكرة تمت مناهضتها في مهدها من قبل الفقه التقليدي، بحجة أن تنفيذ الأحكام هو عمل مادي بحت لا يتلاءم مع وظيفة الإدارة العقابية، يضاف إلى ذلك قولهم بأن تفعيل دور القضاء في مرحلة التنفيذ هو اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات، باعتبار أن التنفيذ يعتبر اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية، والقول بغير ذلك قد يحدث تصادم بين السلطات، لذا تم التخلي عن الاتجاه التقليدي بظهور أفكار مدرسة الدفاع الاجتماعي التي أعطت للإدارة حرية في التقدير والاختيار بين أنواع الجزاءات الجنائية وكيفية تنفيذها على المحكوم عليه، إذ لم يعد حكم الإدانة يتضمن تحديداً كافياً للعقوبة أو للتدبير، بل يترك هذا التحديد إلى مرحلة التنفيذ الفعلي للجزاء وفقاً لمجموعة من الظروف والعوامل التي تتصل في الغالب بشخصية المحكوم عليه.
هذا التطور في المفاهيم العقابية أوجب عدم الفصل بين تنفيذ العقوبة وبين من أصدر الحكم بالإدانة، فالتنفيذ في الحقيقة ما هو إلا امتداد للدعوى الجنائية ويجب أن تمتد سلطة القاضي إلى الشق التنفيذي، كي يتحقق من أن الجزاء المحكوم به سوف يحقق أغراضه التي تصورها القاضي في ذهنه حال النطق بالحكم على مرتكب الفعل الإجرامي، فإذا كان الهدف من توقيع العقاب هو إعادة التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه بعلاجه من مختلف العوامل الإجرامية كي يصبح شخصا نافعا في المجتمع، فمن الواجب تحقق القاضي من أن الجزاء علاج حقق غرضه المتوخى من تطبيقه.
وطالما أن الاتجاهات العقابية الحديثة تعطي لجهة الإدارة الحرية في تحديد المعاملة العقابية الملائمة، كأن تقرر مثلا إفادة المحكوم عليه من نظام الإفراج الشرطي، أو نقل المحكوم عليه من مؤسسة إلى أخرى، أو من نظام معاملة إلى نظام آخر، الأمر الذي قد يمس بقوة وحجية الحكم الجنائي الصادر، وبما أن تحديد قوة الأحكام ومضمونها عمل قضائي بحت كان لابد من قبول مشاركة مرفق القضاء المصدر للحكم في تنفيذ مضمونه ومتابعة هذا التنفيذ، كما أن التعارض بين حقوق المحكوم عليهم المقررة قانونا والالتزامات المفروضة على الإدارة العقابية أمر وارد، ومن ثم فإن الواقع العملي يفرض التدخل القضائي في هذه المرحلة .
و تبرز أهمية الموضوع من الإشكالية التي تطرحها والمتعلقة بالتدخل القضائي في مرحلة تطبيق الجزاء الجنائي، الذي أقره المشرع الجزائري في القانون 05/04 المتضمن تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين بتضمينه لنظام قاضي تطبيق العقوبات، هذا الأخير يعتبر المشرف على عملية العلاج العقابي في مختلف المؤسسات العقابية، وباعتبار أن العمل الإنساني موسوم بالنقص فإن القانون الوضعي لا يخلو من النقائص التي يمكن أن تلحقه، من هذا المنطلق ارتأينا إنجاز بحثنا هذا بتشريح مواطن خلل السياسة العقابية في التشريع الجزائري من خلال إبراز دور التدخل القضائي في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، وإعطاء فكرة عن مدى أخذ المشرع الجزائري بأفكار مدرسة الدفاع الاجتماعي الحديثة في ميدان إعادة تأهيل المحكوم عليهم، بالإضافة إلى معرفة النقائص التي اعترت النظام القانوني لقاضي تطبيق العقوبات، من خلال تحديد دوره في ظل سياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم المنتهجة من قبل المشرع الجزائري.
ولقد استبعدنا من بحثنا هذا دور قاضي تطبيق العقوبات بالنسبة للأحداث الجانحين، وذلك لكون هذه الفئة تخضع من حيث المتابعة، والتحقيق، والمحاكمة، والمعاملة العقابية، لإجراءات خاصة تختلف عن تلك المتبعة بالنسبة للبالغين.
و قبل أن نتعرض لمختلف الدراسات العلمية السابقة التي تناولت موضوع الإشراف القضائي على تطبيق الجزاء الجنائي، تجدر الإشارة إلى أنه هناك قلة محسوسة في الدراسات التي تناولت قضايا السجون، إن لم نقل هناك ندرة باعتبار أن المواضيع التي تتعلق بالسجون و أوضاع المساجين هي من التابوهات التي يمنع البحث فيها، وهذا لطبيعة النظام السياسي السائد في مختلف البلدان العربية، مما جعل البحث في المؤسسات العقابية المغلقة خاصة ما تعلق منها بأساليب المعاملة العقابية أمر صعب المنال، وهو ما لمسناه من خلال محاولتنا تقصي مختلف القضايا المتعلقة بالسجون والسجناء.
وقد المشرع الجزائري مبدأ الإشراف على تطبيق الجزاء الجنائي بإقراره لنظام قاضي تطبيق العقوبات، وخوله صلاحيات متعددة متناسبة مع الدور المسند له و المتمثل في الدور الإشرافي على عملية العلاج العقابي للمحكوم عليهم، ولتمكينه من تأدية هذه المهمة أنشأ له لجان مساعدة مركزية و أخرى لا مركزية، متواجدة على مستوى المؤسسات العقابية، ولضمان حقوق المحكوم عليه من تعسف المشرف على عملية العلاج العقابي أوجد لجنة طعن وزارية، فمن هذا المنطلق جاءت الإشكالية الرئيسية التي يعالجها هذا البحث وهي :
ما هو دور قاضي تطبيق العقوبات في إعادة إدماج المحبوسين اجتماعيا ؟.
و بالنظر إلى أن عملية إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين تتم عن طريق برامج العلاج العقابي تحت إشراف قاضي تطبيق العقوبات، فإن هذا الأخير تم تزويده بصلاحيات تمكنه من تنفيذ المهمة المسندة إليه، ومن ثم فإن الإجابة عن الإشكالية الأساسية تستوجب علينا التطرق للإشكاليات الفرعية التي يمكن تحديدها في الآتي:
-ما هي أساليب المعاملة العقابية التي أدرجها المشرع في القانون 05/04 المتضمن تنظيم السجون؟.
-ما هي مختلف الاختصاصات الممنوحة لقاضي تطبيق العقوبات لتمكينه من تنفيذ برامج العلاج العقابي؟.
اتبعت في هذه الدراسة منهج تحليل المضمون والمنهج المقارن على النحو التالي:
1–منهج تحليل المضمون:استعملنا منهج تحليل المضمون لتحقيق هذه الدراسة، من خلال دراسة وتحليل النصوص الخاصة بقانون تنظيم السجون، خاصة ما تعلق منها بأسلوب المعاملة العقابية و الاختصاصات الممنوحة لقاضي تطبيق العقوبات، بالإضافة إلى تحليل القوانين المتعلقة بتنظيم و سير مختلف المؤسسات العقابية.
2–المنهج المقارن:استعملنا في هذه الدراسة المنهج المقارن، من خلال تحديد أوجه التوافق و الاختلاف بين النصوص القانونية المدرجة في القانون 05/04 و الأمر الملغى 72/02، لا سيما ما تعلق منها باختصاصات قاضي تطبيق العقوبات و أساليب المعاملة العقابية .
وقد استعملته أيضا عند تطرقنا لمختلف الأنظمة المقارنة لإبراز أوجه التوافق و الاختلاف لتعميق الفهم و ترسيخ الفكرة.
للإجابة على الإشكالية الرئيسية ومختلف الإشكاليات الفرعية المطروحة، تناولنا هذا الموضوع في ثلاثة فصول.
الفصل التمهيدي:
وتناولنا فيه نشأة التدخل ا لقضائي على تطبيق الجزاء الجنائي وقسمناه إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:الأسس الفقهية والتشريعية للتدخل القضائي في مرحلة تطبيق الجزاء الجنائي.
المبحث الثاني:تطور الإشراف القضائي على تطبيق الجزاء الجنائي.
المبحث الثالث: مفهوم قاضي تطبيق العقوبات.
الفصل الأول:
وتناولنا فيه أساليب المعاملة العقابية وقسمناه إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: فحص وتصنيف المحبوسين.
المبحث الثاني : إعادة التأهيل الاجتماعي للمحبوسين.
المبحث الثالث: إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
الفصل الثاني:
وتناولنا فيه اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات وقسمناه إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:الاختصاصات الرقابية والاستشارية لقاضي تطبيق العقوبات.
المبحث الثاني:الاختصاصات التقريرية لقاضي تطبيق العقوبات.
المبحث الثالث:الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات و اللجان المساعدة له.
و أنهينا دراستنا بخاتمة تشمل الإجابة على الإشكالية المطروحة، بالإضافة إلى اقتراحات بشأن الملاحظات التي يتم رفعها.