لقد ظهرت الشركات المتعددة الجنسيات في نهاية القرن التاسع عشر، وانتشرت على نطاق واسع في القرن العشرون. فالشركات المتعددة الجنسيات تملك أو تراقب عدة فروع إنتاجية في دول مختلفة. فبواسطة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تعبر عن الحركات الدولية لرؤوس الأموال، تقوم هذه الشركات بإنشاء، تطوير أو السيطرة على فروع إنتاجية في بلدان أجنبية. فالدافعان الرئيسيان للاستثمار الأجنبي المباشر هما تخفيض التكاليف الإنتاجية (العمالة الرخيصة، استغلال الموارد الطبيعية الباهظة التكلفة، تحسين الدفع الضريبي، …الخ)، وغزو أسواق جديدة يصعب الوصول إليها من خلال الصادرات.

ان تطور العولمة الاقتصادية والتخفيض العام في الحواجز الجمركية بين الدول منذ توقيع الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة سنة 1947 ثم المنظمة العالمية للتجارة سنة 1995، سمح للشركات الاقتصادية الكبيرة من نقل نشاطاتها إلى دول أخرى تتمتع بأفضل المزايا النسبية. فالمقر الرئيسي للشركات المتعددة الجنسيات يكون  غالبافي الدول المتطورة أو الناشئة (البلد الأم)، والفروع الإنتاجية تكون في دول أخرى، غالبا دول نامية، (البلد المضيف) أين تكون تكلفة عوامل الإنتاج منخفضة (التقسيم الدولي للعمل).

في البلد المضيف، تساهم الشركات المتعددة الجنسيات في خلق مناصب  شغل، تحويل المعارف  العلمية والتكنولوجيا (تحت شروط) وخلق الثروة من خلال دفع الضرائب. فمن خلال المناولاتية مع  المؤسسات المحلية، تساهم هذهالشركات الأجنبية في البلدالمستقبل للاستثمار الأجنبي  في تشجيع تطوير القطاع الصناعي  والاندماج في شبكات القيمة العالمية.

فالشركات المتعددة الجنسيات، مع الدول، الهيئات الدولية والمنظمات الغير حكومية، تعتبر الجهات الفعالة الرئيسية في العولمة الاقتصادية وذلك من خلال حجم المبادلات التجارية الدولية وتدفق رؤوس الأموال التي تقوم بهما. فالشركات المتعددة الجنسيات تملك رؤوس أموال مهمة جدا بحيث يمكنها فرض أسعار منتوجاتها وخدماتها أو إلزام حكومات الدول المضيفة باتخاذ قرارات وإجراءات في صالحها من اجل القيام باستثمار أجنبي مباشر.

يتناول هذا الكتاب محاضرات في مقياس الإنتاج الدولي والشركات المتعددة الجنسيات.  فبالاعتماد على الدراسات النظرية والدراسات التطبيقية المتعلقة بالشركات المتعددة الجنسيات والاستثمار الأجنبي المباشر، نحاول الإجابة على التساؤلات التالية: كيف تطورت الشركات المتعددة الجنسيات وما هو تأثيرها على العولمة الاقتصادية؟ فيما تتمثل القوة الاقتصادية لهذه الشركات؟ كيف تساهم الشركات المتعددة الجنسيات في تطوير النمو الاقتصادي في البلد المضيف؟ ما هو دور هذه الشركات في الإنتاج الدولي؟ كيف يمكن للدول النامية الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أجل تطوير قطاعها الصناعي، الابتكار والاندماج في شبكات القيمة العالمية؟

لقد قمنا بتقسيم هذا الكتاب إلى أربعة فصول: الفصل الأول يتناول المدخل النظري إلى دراسة الشركات المتعددة الجنسيات. في الفصل الثاني سنتطرق إلى دور الشركات المتعددة الجنسيات في النمو والتنمية الاقتصادية. في الفصل الثالث نحاول إبراز دور هذه الشركات في الإنتاج الدولي. الفصل الرابع والأخير يتناول تأثير الشركات المتعددة الجنسيات على الدول النامية.

فمن خلال هذا الكتاب، سنحاول فهم  مختلف استراتيجيات الشركات المتعددة الجنسيات في الدول الأجنبية من أجل خلق الثروة.  أيضا، فهم كيف تستفيد الدول المضيفة من الاستثمارات الأجنبيةلهذه الشركات من أجل تحقيق نمو اقتصادي. ومحتوي هذا الكتاب سيحاول في الأخير توضيح كيف يمكن للدول النامية الاندماج في العولمة الاقتصادية من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة.