تفصيل

  • الصفحات : 268 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-059-6.

مما لا شك فيه أن البحث في الظواهر ذات المجالات المتشابكة هو بالضرورة التقيد والتناول الموضوعي، والحيطة في الخلط بين عديد المصطلحات الحساسة والتي تعد ذات طبيعة متفجرة إذا ما تم إساءة استخدامها، وهو ما قد ينطبق على الأطر الجيوبولتيكية والدراسات المناطقية القائمة على التوظيف والإسقاط النظري على الواقع الميداني، مما يجعل الدراسة قابلة للقراءة على مناحي شتى والمتشبعة بالموضوعية والدقة في الإسقاط.

هو ذات الأمر الذي حرص عليه المساهمون في هذا الاستكتاب الجماعي في تناولهم للرؤى الجيوبولتيكية؛ خاصة وأننا أردنا أن يكون الشرق الأوسط مجالا جغرافيا لإسقاط دراساتنا عليه، من منطلق أنه حقل ميداني خصب قابل للدراسة لتشبعه بكل المنطلقات الجيوبولتيكية لأي بحث وفي أي مجال داخل حدود المجالات الجغرافية وأثرها في السياسة العالمية، ضف إلى ذلك أن هذا الحيز الجيوبولتيكي يحتاج إلى دراسات أكثر دقة والقائمة أساسا على الدقة في البحث والتوظيف الدقيق للأطر النظرية على الواقع الميداني.

اختيارنا لمنطقة الشرق الأوسط يعد اختيارا منطقيا نظرا لأنه في الحقيقة حقل أقل ما يقال عنه أنه عابر للتخصصات وجدير بالبحث والاهتمام من طرف الباحثين في عديد المجالات وفي شتى الميادين النظرية والميدانية، خاصة تلك الدراسات الموضوعية العابرة للتخصصات والتي تعطي للقارئ مجالا خصبا لأن يكون الكتاب كأدبية حقيقية للانطلاق من خلاله في دراسة أخرى وفي أي مجال زماني فيما بعد.

من خلال ذلك فإن هذه الدراسات التي تم إعدادها من قبل فريق العمل الخاص والذي يضم مجموعة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في شتى مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية كالدراسات الأمنية والعلاقات الدولية والإدارة البيئة والجيوبولتيك والسياسات العامة والتعاون الدولي، وهو ما أعطى ليونة تامة في تحليل الظواهر التي تدخل ضمن سياقات التنافس على الريادة في الشرق الأوسط.

كان لمصطلح التنافس الدولي كبير الأثر في تناول وتحليل هذا الموضوع خاصة في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من الأزمات التي تغذيها الأطراف، حيث جاء الفصل الأول لتحليل هذه القضية عندما حاول الدكتور زكريا حسن حسين أبو دامس الحديث على تاريخانية التنافس الدولي على الشرق الأوسط في ظل التطور التاريخي للنظام الدولي، حيث عاشت عديد الأقاليم العربية في فترة ما بعد 2010 حالة من الاحتجاجات الشعبية والتي أثرت بدورها في السعي الدولي لبسط النفوذ من خلال الاختلالات التي كانت في الأنظمة العربية.

جاء الفصل الثاني من الكتاب كمدخل جيوبولتيكي وجيواستراتيجي عبارة عن قاعدة جيوبولتيكية انطلق منها باقي الباحثين في تحليل دراساتهم، حاولت من خلالها الدكتورة ليلى مداني أن تكون القاعدة المحورية للانطلاق في دراسة هذه المواضيع الحساسة والجديرة بالبحث، وهذا بالتناول الكرونولوجي لبروز مصطلح الشرق الأوسط ضمن السيرورة التاريخية لتحليل المصطلحات، كما تم التطرق من خلال هذه القاعدة الجيوبولتيكية إلى مقومات القوة التي تتمتع بها منطقة الشرق الأوسط والتي جعلت منها حقلا للتنافس الإقليمي والدولي.

لعل أحد أبرز الفواعل التي طغت على الساحة الشرق أوسطية والتي أوجدت لنفسها مكانا في كل أزمات المنطقة نجد تركيا وإيران، خاصة في ظل السعي الجيوبولتيكي والمتغذي بالرؤى المستقبلية للبلدين على حساب دول المنطقة، أراد الأستاذان سامية بن يحي وعبد الرحيم رحموني أن يجيبا من خلال دراستهما على عديد الاستفهامات في هذا المجال، وهذا على اعتبار أن الشرق الأوسط كمعطى جيوبولتيكي مثّل حيزا ذا أهمية قصوى لتركيا وإيران.

من خلال غنى المنطقة بعديد مقومات القوة التي تعد السبب الحقيقي لكل أشكال التنافس في المنطقة، ضف إلى ذلك أنه كان لابد من الحديث عن طبيعة العلاقة بين تركيا وإيران والتي حتما لا محالة ستحدِّد أهداف كلاهما في السيطرة وتعزيز القوة في المنطقة، وفي خضم ذلك فإن مرحلة ما بعد 2010 أفضت إلى عديد الحساسيات بين كل الفواعل بما فيها إيران وتركيا والتي كثرت حولهما الأقاويل في استفادتهما من الأزمات العربية، لذا أصبح من الضروري على كلا الفاعلين أن يعززا من سياستهما الخارجية لإيجاد حل وسط يرضي جميع الأطراف المتصارعة، في ظل تأثير المصالح الاقتصادية في تحديد أبعاد التنافس التركي الإيراني الحاضر والمستقبلي في المنطقة.

فالولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى في العالم لا يرضيها أي تعزيز للنفوذ من أي فاعل آخر كان ومهما كان درجته في الشرق الأوسط، حيث عملت على تعزيز سياستها الخارجية في فترة هامة من تاريخ أمريكا في مرحلتي حكم باراك أوباما ودونالد ترامب، حاولت الدكتورة حنان رزايقية أن تُطنب الحديث في هذا الشأن من خلال تناول السياسة الخارجية ومخرجاتها في كلا الفترتين بالتأكيد على الشرق الأوسط كمجال هام للسياسة الخارجية الأمريكية.

إذ أن السياسة الخارجية الأمريكية كما يعلمها الجميع تسيطر عليها عديد اللوبيات الصهيونية، حيث أردنا في الفصل الخامس من الدراسة أن يكون حول أثر الوجود الإسرائيلي في استقرار المنطقة، حاول الدكتور زكريا حسن حسين أبو دامس أن يكون هذا الفصل للحديث عن السيرورة التاريخية للوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط والذي في الحقيقة يمثل مؤشرا هاماً حول الاختراق الصهيوني للمنطقة العربية، وفي نفس الوقت المسيطر الخفي على المنطقة باختراقه لكل الأزمات العربية وتغذيته للصراعات الطائفية.

كما كان للولايات المتحدة دورا بارزا في طبيعة العلاقات السعودية الإيرانية والتي تعد أحد مؤشرات قياس درجة التنافس في الشرق الأوسط، إذ جادلت الأستاذة بن ميهوب نسرين في هذا المجال منطلِقة من مراحل تطور العلاقات بين السعودية      وإيران، خاصة وأنها حملت بطبيعة الحال التوافق والتعارض في عديد الأحيان، بدأًا بمرحلة تأسيس العلاقات منذ 1926 مروراً بمرحلة الانخراط الإقليمي مع بداية 1945 وبداية سيناريوهات التنافس مع 1979، حيث لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا بارزا في مدى توجه هذه العلاقات والتي أثرت على طبيعة التنافس في المنطقة والحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي.

لم يقتصر مؤشر قياس درجة التنافس على الولايات المتحدة وطبيعة العلاقات بين دول المنطقة؛ بل تعداها ليشمل أحد أبرز الفواعل في المنطقة وهي روسيا التي تعتبر المحدد الرئيسي للوضع في الشرق الأوسط خاصة في ظل مخرجات الأزمة السورية، حاولت الأستاذة سامية بن يحي أن تتناول المنظور الإستراتيجي للشرق الأوسط في حسابات روسيا والقائم أساسا على تحقيق عديد الأهداف التي تخدم المصلحة الخاصة الروسية، خاصة وأن روسيا على علاقات مصلحية مع دول المنطقة باعتبارها كفاعل تدخل في الأزمات العربية مباشرة مثلما حدث في سوريا، من منطلق تعزيز القوة الجيوبولتيكية الروسية وأن تكون روسيا لاعبا محوريا في المنطقة.

لا يخفى على أحد من المهتمين بشؤون الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة على الدور الهام الذي تمثله قطر في المنطقة، حيث أنها من بين الفواعل الإقليمية التي أوجدت لنفسها تموقعا استراتيجيا عززته جدلية القوة في المنظورات الإستراتيجية، فالأستاذة كريمة بكاي في تحليلها لوزن وموقع قطر في المنطقة ركزت على معايير القوة الصلبة واللينة في تحديدها للتنافس، والمنطلقة أساسا من الموقع الجيوبولتيكي لقطر الذي مثل تحدي وفي نفس الوقت استجابة لحاجات المنطقة، مما حتم عليها تبني سياسة خارجية حقيقية وتمركز في كل قضايا المنطقة.

ما دمنا تحدثنا عن الفواعل الإقليمية فإن الإمارات هي الأخرى تعتبر فاعلا إقليميا في الشرق الأوسط في المجال الزماني الحالي، ذلك أنها اعتمدت على السياحة والريادة الاقتصادية كمعطى يحدد وزنها في الشرق الأوسط، تطرق الأستاذان رضوان مجادي ونجيب بصيلة في صلب حديثهما عن هذا الفاعل منطلقين من واقع السياحة الإماراتية في المنطقة والتي يمكن القول والإقرار من خلالها على متلازمة السياحة والأمن في ظل تبني الاقتصاد السياحي كإستراتيجية في المنطقة.

وككل دراسة فإنه لا يمكن الإقرار بأنها كاملة تماما لأنها تعتبر انطلاقة لدراسات أخرى، وهو ما أكد عليه المساهمون بتحليلهم الموضوعي والذي سيلمسه القارئ في ثنايا هذا الكتاب، آملين أن تكون دراستنا ذات بُعد استراتيجي في المكتبات العربية خاصة وأننا ركزنا على الإسقاط الميداني لكل النظريات والرؤى الجيوبولتيكية في ظل التنافس الحاد في عديد المرات في الشرق الأوسط من طرف الفواعل العالمية وحتى الإقليمية، والتي أوجدت لها مكانة بارزة في تحديد مؤشرات قياس درجة شدة التنافس الميداني.