ان سرعة التغيرات الحاصلة في المحيط البيئي  في جميع المجالات،  أثر على معظم اقتصاديات الدول وبدرجات متفاوتة، وأن ديناميكية المتغيرات البيئية راجع للتحولات الحاصلة في الميدان الاقتصادي،  الاجتماعي،  السياسي، والتكنولوجي،  فنجد أن اقتصادها طرأ عليه عدة تحولات منها انفتاح الأسواق للمنافسة،  ونتيجة ذلك قد اتخذت عدة اجراءات في جميع الميادين لمسايرة تلك التحولات سواء على المستوى الكلي أو الجزئي منها،  وأن تعدد وتنوع التحديات التي تواجه المؤسسات بسبب تغير البيئة قد تؤثر على سلوكياتها ايجابيا أوسلبيا ،  كما أن تبنى استراتيجيات فعالة في محيط يتميز بالمنافسة القوية وتغير أذواق الأفراد وسرعة التطور التكنولوجي،  يمكنها من البقاء والنمو،  والاستراتيجية الفعالة والناجحة تكمن في التشخيص الخارجي والداخلي لمحيط المؤسسة،  الذي يمكنها من تحديد الفرص والتهديدات من جهة ونقاط القوة والضعف من جهة أخرى،  وان استغلال تلك التهديدات يتم من خلال امتلاكها لمزايا تنافسية أكبر من منافسيها، في جميع المجالات.

وفي ضوء الاهتمام المتزايد بالقطاع الصحي الخاص في البيئة الدولية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة،  وما نتج عنه من فائض في الطاقة السريرية،  وتراجع الايرادات واشتداد التنافس بين المؤسسات الصحية في هذا القطاع على جذب المرضى وزيادة حصتها السوقية،  ونظرا لإدراك المؤسسات الصحية الخاصة لحقيقة محدودية بعض الأسواق الصحية المستهدفة وعدم قدرتها على تقديم قاعدة كافية من المرضى لتشغيل أسرة ومنشآت هذا القطاع بدأت بعض المؤسسات الصحية الخاصة ادراك أهمية تسويق خدماتها بشكل نشط،  حيث شرعت بإطلاق بعض الجهود الترويجية للتعريف بخدماتها وبرامجها وإمكانياتها، ويعد التسويق الخدمي الصحي بمثابة الباب الكبير الذي تلتقي من خلاله المؤسسات مع المجتمع،  لتؤدي رسالتها الانسانية والأخلاقية تجاه كافة الأطراف ذات العلاقة  حيث تكمن أهميته في قدرته على اشباع حاجات المواطنين الذين لا يمكنهم الاستغناء عن هذه الخدمات أوالتوقف عن طلبها، وصولا لتحسين الرضا في السوق المستهدف عبر تحسين كفاءة الأنشطة التسويقية وتحسين جذب واستغلال الموارد التسويقية وجعل المؤسسة الصحية أكثر تحسسا لحاجات المجتمع الصحية، وفي المقابل تحتاج المؤسسات الصحية لهذا النوع من التسويق لارتفاع تكاليف الخدمات وازدياد المسؤولية وزيادة الحاجة للخدمات الصحية،  وعلى ضوء التغير الكبير في بيئة الصناعة الصحية،  واشتداد المنافسة بين المؤسسات الصحية الخاصة خلال السنوات القليلة الماضية،  أدرك العديد من إطاراتها الحاجة الملحة لتطوير إدارة متخصصة في التسويق الصحي لاعتماد بقائها على قدرتها على الاستجابة لحاجة عملائها،  وتطوير خدمات جديدة وذات جودة،  كما أن القدرة على العمل بكفاءة سيعتمد على قدرتها في تحديد الأسواق المستهدفة بخدماتها،  والوصول إليها من خلال فتح قنوات اتصال فعالة معها،  كما أن لمفاهيم وتقنيات التسويق المعاصر أثر إيجابي وكبير على المؤسسات الصحية الخاصة في مساعدتها على بناء صورة ذهنية ايجابية،  وتطوير فهم أفضل لحاجات عملائها والقدرة على تطوير وترويج خدمات جديدة تحظى بالقبول والرضا من قبل الجمهور المستهدف.

إن إدراك مفهوم التسويق الصحي الصحيح،  وتشخيص عناصر مزيجه في المؤسسات الصحية الخاصة أصبح ضرورة أساسية لنجاح مؤسسات الخدمات الصحية وتطويرها، وتحسين موقعها التنافسي وأصبح متطلبا أساسيا لتحقيق النجاح في سياستها التسويقية الهادفة إلى تحقيق تطوير مستمرا من خلال زيادة الميزة التنافسية وقد سعت المؤسسات الصحية إلى وضع سياسات،  وبرامج تهدف إلى معالجة المعوقات والاختلافات التي تضيق تلك السياسات،  وعموما يعتبر التسويق الصحي موضوعا مهما ومثيرا للجدل والنقاش بين المهتمين في هذا المجال على الجوانب الايجابية،  ويتفق معظم المهتمين بهذا المجال على الجوانب الايجابية للتسويق في القطاع  الصحي رغم التحفظات والمضامين السلبية التي يبديها المنتقدون لفكرة التسويق في هذا القطاع، وبغض النظر عن الجدل في هذا الصدد، فمن الواضح أن المؤسسات الصحية ولسنين طويلة،  قد تبنت ومارست أنشطة شبه تسويقية كأنشطة العلاقات مع الجمهور ونشر المعلومات للمرضى والعملاء الآخرين، ورسم صورة ذهنية ايجابية  لدى العملاء عن جودة الرعاية التي تقدمها هذه المؤسسات واضافة خدمات وبرامج جديدة اضافة الى دراسات تحديد مصادر وخصائص العملاء،  كما أن التعرف على مدى مساهمة التسويق الصحي في دعم الميزة التنافسية للمؤسسات الصحية الخاصة،  هو أمر في غاية الأهمية لضمان استمرارية  هذه المؤسسات في تحقيق أهدافها، في ظل بيئة آخذه بالتعقيد والتغير السريع واشتداد المنافسة،  اضافة الى تزايد الوعي والقدرة لدى المستفيدين من الخدمات الصحية على عقد المقارنة،  المفاضلة والاختيار من بين المؤسسات الصحية الخاصة محليا ودوليا.

المؤلف : د/أنساعد رضوان