تفصيل

  • الصفحات : 449 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2025،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • الأبعاد : 24*17،
  • ردمك : 978-9931-08-949-0.

مقدمة

تعد الانتخابات من أهم الأدوات الديمقراطية التي تسمح للشعب بالتعبير عن إرادته في اختيار ممثليه في مختلف الهيئات المنتخبة، ولكي تكون الانتخابات تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب، يجب أن تتسم بالمصداقية والنزاهة، بعيدا عن أي تدخل أو تلاعب، فهي الضمانة الأساسية والوسيلة المثلى لتحقيق الديمقراطية، كما أنها آلية قانونية تهدف إلى إشراك المواطن في تسيير الشؤون العامة بالدولة.

والانتخابات هي من الحقوق السياسية التي عملت دول العالم خاصة الليبرالية منها، على حمايتها منذ انتشار النظام الديمقراطي على النمط الغربي، حيث نجد العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية نصت على حماية حقوق الإنسان وعلى رأسها الحقوق السياسية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966، فالمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أنه : “لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يُختارون بحرية”، كما أن الفقرة الثانية من المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، نصت على أن للمواطن الحق في أن ينتخب بالاقتراع العام مع ضمان المساواة بين الناخبين، وبكل نزاهة وشفافية على أن يكون التصويت سري، وبكل حرية لتمكين الإرادة الشعبية.

ولضمان انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية، يجب توفر بيئة قانونية وسياسية ترتكز على قواعد دستورية ثابتة ونظام انتخابي ديمقراطي، يعتمدان على مبادئ المساواة، والحرية، والشفافية، في إطار العدل بين المواطنين في اختيار ممثليهم لتسيير شؤونهم العامة وبناء مؤسساتهم الدستورية، وممارسة السيادة الشعبية بعيدا عن كل نوع من أنواع التمييز والإكراه.

ولأجل كل ما سبق عملت الكثير من دول العالم ذات الأنظمة الديمقراطية، على استحداث هيئات مستقلة لإدارة العملية الانتخابية، مع تمتع هذه الهيئات بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، بعيدا عن هيمنة أي من السلطات العامة فيها، تتولى الإدارة الانتخابية من إشراف ورقابة وصولا إلى الإعلان عن النتائج والتأكيد على صدقيتها، في مختلف مراحل العملية الانتخابية.

ولم تبق الجزائر بعيدا عن هذه الحركية حيث عرفت بعد استقلالها العديد من المحطات الانتخابية سواء في فترة حكم الحزب الواحد، أو بعد إقرار التعددية الحزبية بموجب دستور 23 فبراير 1989 والذي مثل تحولا مهما في النظام السياسي الجزائري، فكانت هذه المحطات والمواعيد الانتخابية، تنظم من قبل إدارة انتخابية تباينت تركيبتها وصلاحياتها من مرحلة إلى أخرى ما بين لجان وهيئات إدارية ورقابية ارتبط عملها وشكلها ونظامها، بظروف كل مرحلة تاريخية.

وفي كل مرة كانت تبرز تطلعات الشعب الجزائري نحو تحقيق انتخابات معبرة فعلا عن إرادته والتي لا تتحقق إلا بضمان شفافيتها ونزاهتها، ويؤكد في كل مرة عن ذلك بأساليب عدة فمرة بالمشاركة القوية في الانتخابات، وحين يرى أن نزاهتها مشكوك فيها غالبا ما نجده مقاطعا عازفا عنها، وفي المجمل ليس فقط الشعب الجزائري من يسعى نحو ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات لضمان وصول صوته وتحقيق إرادته الحقيقية، ولا أدل من ذلك هو مطالبته من خلال الحراك الأصيل بإصلاحات ديمقراطية ومزيد من الشفافية في المؤسسات الحكومية.

ومسايرة لهذه المطالب قام المشرع الجزائري بإنشاء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، كخطوة مهمة في استعادة ثقة الشعب، وتعزيز الاستقرار السياسي في الجزائر، جاءت بعد العديد من الهيئات السابقة، فبعدما كانت مهمتها رقابية بحتة، أوكل لها في القانون العضوي 19-07 مهمة الإشراف وهذا ما تم تكريسه في التعديل الدستوري 2020 والأمر 21-01 المتضمن القانون العضوي للانتخابات، ليكون لها بذلك دورا حساسا في الرقابة والإشراف على العملية الانتخابية والاستفتائية وفي كل مراحلها وهذا هو جوهر هذا العمل.

تبرز أهمية موضوع الدراسة الذي بين أيدينا، في الإرتباط الوثيق بين نتائج الانتخابات ودور المؤسسات الرقابية في العملية الإنتخابية، فحتى نكون أمام عملية إنتخابية ناجحة يجب أن تقوم هذه المؤسسات الرقابية بدورها على أكمل وجه، وتتحمل مسؤوليتها كاملة في إنجاح وإتمام العملية الإنتخابية وفق ما سطره لها القانون، من دور رقابي داخلي ودور في الإشراف وتسيير العمليات الانتخابية بكل أنواعها.

ومن جانب آخر لابد من وجود توجه سياسي حقيقي نحو تكريس الشفافية والنزاهة الانتخابية بتجسيده بشكل مباشر في توفير نصوص قانونية واضحة تضفي الشرعية القانونية على هذه المؤسسات وتمنحها من الصلاحيات والاستقلالية ما يمكنها من تحقيق هدفها.

حيث أن السلطة المستقلة كهيئة إشراف ورقابة تساهم في كل مراحل العملية الإنتخابية في حماية اختيارات الشعب التي تعد أساسا للديمقراطية التمثيلية، فدور السلطة المستقلة في تحقيق المصداقية والشفافية في كل مراحل العملية الانتخابية والتي تبدأ من المرحلة التمهيدية إلى مرحلة الإجراء وفي الأخير في مرحلة إعلان النتائج ، هنا تبرز أهمية الدراسة والتي نلخصها في النقاط التالية:

  • حداثة موضوع الدراسة:حيث جاءت مواكبة لآخر تعديل للدستور والقانون المتعلق بنظام الانتخابات، كما أن السلطة المستقلة هي مؤسسة حديثة النشأة، وبالتالي فإن الدراسات التي تناولت دورها في تكريس مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية لا تزال محدودة.
  • الأهمية السياسية والقانونية للموضوع:حيث أن العملية الانتخابية هي أحد أهم العناصر التي تساهم في إرساء الديمقراطية، وبالتالي فإن ضمان مصداقية ونزاهة هذه العملية هو أمر أساسي لضمان شرعية المؤسسات المنتخبة، فحداثة الموضوع المتعلق بالإدارة المستقلة للانتخابات، ينعكس على الأهمية السياسية والقانونية، حيث أن الممارسة الميدانية تضع النصوص القانونية من حيث التنفيذ على المحك مما يساعد على بروز الثغرات، كما أن الممارسة السياسية للأحزاب في إطار نفس القوانين يساعدها على نقدها وإبراز مواطن الضعف فيها، إضافة لمعرفة وتقييم عمل السلطة المستقلة كإدارة انتخابية حديثة، بشكل موضوعي يساهم في تطوير أدائها وتعزيز دورها في تكريس مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية.

وبالنسبة لأسباب اختيار الموضوع فتعود لاعتبارات ذاتية وأخرى موضوعية:

  • فالاعتبارات الذاتية تتمثل في رغبتنا الشخصية في دراسة موضوع الانتخابات وإدارتها كونها تتعلق بتخصصنا في القانون الدستوري، والسلطة المستقلة تمثل نتيجة لتحولات تاريخية وقانونية مرت بها البلاد منذ الاستقلال تحتاج إلى دراسة مستفيضة لإدراك خباياها والوقوف على مكامن الخلل فيها كونها ضمانة قانونية وعملية لمصداقية ونزاهة الانتخابات.
  • أما الاعتبارات الموضوعية فتظهر في كون السلطة المستقلة هي إدارة انتخابية جديدة جاءت لتلبية المطالب الشعبية لتكريس النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية التي كثيرا ما رافقتها الاتهامات بالتزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية، فهي تحتاج إلى البحث والتعمق من خلال نظامها القانوني ودورها الذي كفله الدستور والقانون المتعلق بالانتخابات، رغبة من المشرع الجزائري في تكريس المطالب الشعبية من خلال ضمانات ملموسة تمثلت أساسا في إنشاء السلطة المستقلة كمؤسسة دستورية مهمتها الإشراف والرقابة على الانتخابات بعيدا عن سيطرة السلطات الأخرى في الدولة.

كما تهدف هذه الدراسة إلى تحليل موضوع دور السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في تكريس مصداقية ونزاهة العمليات الانتخابية وفق المستجدات المرتبطة أساسا بالتحولات السياسية في المنطقة العربية حيث نعيش إسقاط أنظمة سياسية في إطار ما أصطلح على تسميته “بالربيع العربي” وما رافقه من تغييرات عميقة في المنظومة السياسية، وكذا المنظومة القانونية .

هذه التحولات والتغييرات جعلتنا نبحث في مستجدات موضوع تسيير العملية الانتخابية ومصداقيتها والذي يعتبر جوهر تلك التحولات السياسية في المنطقة العربية ككل والحراك الشعبي بالجزائر بصفة خاصة، هذا بالإضافة إلى:

– الإستفادة من المعلومات الجديدة حول العملية الإنتخابية وإثراء معارفنا العلمية.

– تحليل المستجد في التعديل الدستوري 2020 وكذا ما تلاه من قوانين خاصة الامر21-01  المتعلق بالقانون العضوي للانتخابات، والمرتبط بالعملية الانتخابية والاستفتائية.

– التعرف على الأساس التاريخي والقانوني للسلطة المستقلة، ومفهومها، وأهدافها، وصلاحياتها.

– تحليل وتقييم دور السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في تكريس مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية.

– الوصول إلى نتائج وتوصيات تساهم في تعزيز دور السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في تكريس مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية في الجزائر.

نطاق دراسة الموضوع:

يمكننا حصر الدراسة في الحدود التالية :

1 مسائل موضوعية :تتمثل المسائل الموضوعية في إبراز الأساس التاريخي والقانوني للعمل الرقابي في الجزائر المستقلة وفقا للتحولات السياسية التي عاشتها الجزائر من حكم الحزب الواحد ، ثم مرحلة الانفتاح السياسي وصولا إلى إرساء قواعد الرقابة المستقلة على العملية الانتخابية والاستفتائية، متمثلة في إنشاء السلطة المستقلة كهيئة مستقلة تميزت بدور مميز في الرقابة والإشراف على العملية الانتخابية بكل مراحلها، ضمن إطارها الوطني وامتداداتها المحلية وفي الخارج.

ثم تحديد وتحليل دور السلطة المستقلة في مختلف مراحل العمليات الانتخابية والاستفتائية وكذا الآليات القانونية الكفيلة بمعالجتها، من خلال ما وضعه المشرع الجزائري في التعديل الدستوري 2020، وكذا ما تلاه من قوانين وقرارات خاصة الامر21-01 المتعلق بالقانون العضوي للانتخابات وتحليلها وتقييمها، وعلاقتها بالمؤسسات الدستورية المعنية بالعملية الانتخابية.

2 نطاق زماني : نبحث في هذا النطاق الحدود الزمانية لعمل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في مختلف المراحل السابقة والمتزامنة واللاحقة للعملية الإنتخابية، ومقارنة القوانين القديمة والسارية المفعول ومدى ملائمتها، خاصة ما تعلق بالأمر 21-01 المتعلق بقانون الانتخابات والتعديل الدستوري لسنة 2020.

3 نطاق مكاني : نبحث في هذا النطاق الحدود المكانية للسلطة المستقلة من خلال ما وضعه المشرع الجزائري من قوانين ودراسة السياسة التشريعية لدور السلطة المستقلة في العملية الإنتخابية ومدى مساهمتها في تحقيق وتجسيد مصداقية ونزاهة الانتخابات.

إشكالية الدراسة:

تمتاز الرقابة بالتداخل بين الرقابة السياسية وأخرى قضائية، وكذا رقابة دستورية يبحث كل منها على حدود اختصاصه في مجال تحقيق المصداقية والشفافية كما أن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تعمل في إطار سلطتها على الرقابة الداخلية من خلال ممارستها لمهامها في تسيير والإشراف على العمليات الانتخابية، وعلى هذا الأساس نطرح إشكالية هذا العمل والتي تتمحور حول:

مدى إحاطة المشرع الجزائري السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات كهيئة رقابة وإشراف، بضمانات قانونية لتجسيد مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية والاستفتائية، وفي مختلف مراحلها ؟

المنهج المعتمد في الدراسة:

المنهج التحليلي كمنهج رئيسي خاصة أن معظم أجزاء البحث تعتمد على النصوص القانونية وبعض الأحداث التي هي بحاجة لتحليل عناصرها وبيان ترابطها.

كما قد نستعين بالمنهج المقارن والذي يفرض نفسه لما نحتاجه من مقارنات ما بين الجديد والقديم من قوانين، وكذا مقارنات مع القوانين الأجنبية، وكل ذلك حسب حاجة البحث والمرحلة التي يتناولها، كما قد نلجأ إلى المنهج الوصفي الذي عادة ما يلائم الجانب المفاهيمي لمختلف عناصر الدراسة.

صعوبات الدراسة :

من الصعوبات التي واجهتنا في دراستنا، هو عدم  الاستقرار التشريعي والدستوري في الجزائر ، مما جعلنا نلجأ إلى التطور القانوني منذ الاستقلال واستعراض مختلف المراحل التاريخية والتي أثرت تأثيرا مباشرا على الترسانة القانونية المرتبطة بهذه الدراسة، حيث سجلنا الكثير من التعديلات التي مست الدستور والأنظمة الانتخابية وتكوين ودور الإدارة الانتخابية تبعا لهذا التطور التاريخي، مما جعلنا نستعرض هذه الحقب التاريخية دون التوسع فيها والإلمام بكل جوانبها التنظيمية.

إضافة إلى ذلك فإن موضوع دراستنا مرتبط بالسلطة المستقلة وهي هيئة حديثة وخطوة متطورة تبنتها الجزائر بعد مشوار طويل من استحواذ الإدارة الحكومية على تنظيم والإشراف على مختلف العمليات الانتخابية والاستفتائية، هذه الحداثة جعلت من الدراسات المتخصصة في هذا الموضوع تكون قليلة وتقتصر فقط على تلك البحوث والمقالات التي تناولت جزئيات محددة في هذا الموضوع ، الأمر الذي جعلنا نعتمد كثيرا عليها في بحثنا هذا من أجل الوصول إلى إحاطة بالموضوع، ناهيك عن تحليل النصوص القانونية المتعلقة به.

تقسيم البحث:

نقسم البحث لبابين حيث ندرس في الباب الأول، الأساس التاريخي والقانوني ومظاهر الاستقلالية للسلطة المستقلة، حيث سنتناول المرجعية التاريخية للسلطة المستقلة، ومظاهر استقلاليتها في (الفصل الأول)، ثم نبحث في الأساس القانوني العضوي والوظيفي للسلطة المستقلة وعلاقتها بتقسيم الدوائر الانتخابية في (الفصل الثاني).

ثم نتناول في الباب الثاني دور السلطة المستقلة أثناء العملية التحضيرية للإنتخابات، ومرحلة الإجراء وما يليها من فرز وإحصاء وإعلان للنتائج المؤقتة، حيث نركز فيها على عمليات الشطب والتسجيل في القوائم الإنتخابية واستدعاء الهيئة الناخبة، وما يرتبط بمكاتب التصويت في القانون الجزائري وعمليات الترشح والحملة الإنتخابية والصمت الانتخابي (الفصل الأول)، ثم ندرس دور السلطة المستقلة في مرحلة الإجراء وما بعدها من عمليات، والمتمثلة في التصويت وفرز وإحصاء وإعلان للنتائج الأولية وما يصاحبها من رقابة قضائية ودستورية (الفصل الثاني).