تفصيل
- الصفحات : 247 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-668-0.
يعد الانبثاق التاريخي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،لحظة فارقة في تاريخ الجزائر المعاصرة.وعلى الرغم من النقاشات التي جرت وتجري دوما،حول مسألة النجاعة النضالية للجمعية والكفاءة الثورية،فيما يخص الدور الذي أدته،في مسار التحرر الجزائري من الكولونيالية الفرنسية.إلا أن عمل الجمعية المؤدى،سيبقى عملا جبارا؛من حيث استثارتها لسؤال المرجعية المؤسسة للكيان الذاتي الجزائري،وإعادة صياغة الهوية الجزائرية؛في زمن اندثارها،تحت الضربات القاصمة،التي أدتها الكولونيالية الفرنسية،بأسلوب ممنهج إبادي،يتخذ له مسارا عنيفا ومقوضا للوجود الجزائري،ومن ثمة الاجهاز عليه،حتى تكون الجزائر أرضا بدون شعب،استحلالا لها من قبل السيادة الكولونيالية،بدون شرط ولا قيد.
كان المشروع الكولونيالي الفرنسي،برمته كيانا متوحشا،اتجه صوب القضاء النهائي،على الجزائر قضاء لا رجعة فيه.فحاك لذلك مخيالا أنثروبولوجيا منمقا،بغية اندماج الجزائر في فرنسا وانمحائها فيها،لتغدو قطعة منها وامتدادا وجوديا لها.هي نتيجة حشد لها هذا المشروع الدليل من أنثروبولوجيا متخيلة،ثورت التاريخ القديم برمته،لتعيد تأويله بما يؤدي الأغراض السيادية لفرنسا الكولونيالية.
أما عن ثقافة الجزائر،فهي ثقافة متوحشين،ذوي وجوه فظة تقل درجة إنسانيتها؛لتنزل إلى مستوى اللإنساني بل والبهيمي،بحيث لا تفارق البعد الحيواني كثيرا.وهي ثقافة عارية عن كل طموح للتقدم الإنساني،إنما هي توصد آفاق الحضارة على مصراعيه.فما كان على كبار السياسيين والإداريين الفرنسيين،الذين خططوا ونفذوا هذا المشروع الضخم،سوى إزاحة جذور هذه الثقافة،وإحالتها على النسيان؛وتعويضها شيئا فشيئا،بأساطير وخيالات،عن العلاقة بين شمال إفريقيا وجنوب أوروبا؛وعن تواصل عقدي يبدأ من وثنية الدولة الرومانية إلى مسيحيتها.ما يعني أن الهجمة الكولونيالية،هي عملية استرداد صليبي؛وحق لا بد أن يؤدى اتجاه هذه الشعوب التي تحولت هويتها.
من جهة أخرى،فعلى الرغم من الطابع التقليدي،للعلم الذي استندت إليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،إلا أنها تمكنت من تقديم بديل نقدي،للروح الإبادية للمشروع الكولونيالي الفرنسي،تثويرا لمفهوم العلم في الإسلام.والحق أن هذا المفهوم،يمتلك في نطاقه المركزي نقدا شاملا للوعي الحداثي،المؤسس على كوجيتو الإقصاء؛والتمركز الفردي،وفناء المختلف في سبيل بقاء الأنا متحكما في الوجود.فبينما يقوم الوعي الإسلامي على السعي إلى الصلاح في العاجل والآجل،يتمركز الوعي الغربي في بنية مخصوصة تتحرك حسب أولوية اللذة والألم،وجدليتها الحيوية اللاوعية،وقد”امتدت لتصل إلى جذور تكوين الفرد الحداثي لتحدد،ليس الطريقة التي يفهم بها العالم فحسب،بل الطريقة التي يدرك بها موقعه في العالم أيضا”[1].فكان عليه خلق جملة سرديات،وعلى رأسها سردية العقلانية،وتعالي المعرفة الغربية،وانحصار الآخر في ظرف لاإنساني،يكون على الغرب إلباسه لبوس العقلانية والإنسانية؛تلك هي المهمة التي سارت في دروبها،الكولونيالية الفرنسية.
ركز المشروع الكولوينالي الفرنسي، على مقصد أول:وهو تسيير الجزائر نحو الموت الماهوي؛لتلتحم بفرنسا وتذوب فيها ذوبانا أبديا.إنه المفهوم المركزي للسيطرة،الذي وجه فرنسا الكولنيالية،نحو تطويع الشعوب واخضاعها لسيادتها المتعالية.وهي عينها العملية التي أدتها الكنيسة الكاثوليكية،لقرون مديدة،في سبيل إخضاع المؤمنين لسلطتها الأبدية،وعدا بالخلاص بوصفه محبة ونعمة إلاهيتين.
هكذا اجتمع وعي الخلاص المبثوث في الروح المسيحية،مع مهمة التبشير والتحضير،ليشكلا معا النواة المركزية للكولونيالية الفرنسية.أفلا يعد مفهوم تحضير الشعوب المتوحشة هو عينه،فلسفة الكنيسة نيلا للخلاص في مملكة الرب؟وإذن يكون التقارب بين المسيحية والحداثة شديدا،على الرغم من القراءة التنويرية النقدية،للدين المسيحي وزوال تأثيره على الحياة الإنسانية في أوروبا.
[1] – وائل حلاق:قصور الاستشراق –منهج في نقد العلم الحداثي،ترجمة عمرو عثمان،الشبكة العربية،بيروت لبنان للأبحاث والنشر،ط 1،2019،ص.352.