تفصيل
- الصفحات : 358 صفحة،
- سنة الطباعة : 2025،
- الغلاف : مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- الأبعاد : 24*17،
- ردمك : 978-9931-08-995-7.
أحدثت التطورات التكنولوجية الحديثة في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي نقلة نوعية وثورة حقيقية في عالم الاتصال، حيث انتشرت شبكة الأنترنيت في كافة أرجاء المعمورة، وربطت أجزاء هذا العالم المترامية بفضائها الواسع، ومهدت الطريق لكافة المجتمعات للتقارب والتعارف وتبادل الآراء والأفكار والرغبات والاطلاع على ثقافات العالم وما يدور فيه من أحداث وأخبار.
وتعد مواقع التواصل الاجتماعي من بين أهم الخدمات التي قدمتها شبكة الأنترنت، والتي ظهرت مع تطور الجيل الثاني من الويبWeb2.0، حيث يعتبر هذا الأخير جيلا جديدا في عالم الاتصال والتواصل لما يتميز به من المرونة والتفاعلية والخدماتية والعالمية والمشاركة، وأتاحت المضامين والمحتويات والتطبيقات مفتوحة المصدر، وكذلك السرعة الفائقة في تبادل المعلومات ما بين المتلقي والمرسل، فأصبحت بذلك منصة اجتماعية ومعلوماتية واسعة أمكن توظيفها في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية وغيرها، وأصبحت هذه المواقع أولوية لدى الأفراد والشركات والمنظمات وحتى لوسائل الإعلام التقليدية من أجل إيصال رسائلها للآخرين.
ولاقت مواقع التواصل الاجتماعي إقبالا واسعا من قبل المستخدمين، وأصبحت متنفسا لكل فئات المجتمع، متخطية بذلك النمط التقليدي في التواصل وهو بقاء الجمهور على حاله في لعب دور المتلقي، دون ان يكون عضوا متفاعلا مع المضامين أو أن يبدي رأيه حول موضوع معين أو فكرة معينة، بل أتاحت هذه المواقع للمستخدم التفاعل مع كل ما يحدث فيها ومن خلالها، وذلك بإرسال الرسائل واستقبالها معا وبطريقة سهلة بعيدة عن القيود المفروضة على وسائل الإعلام الأخرى.
وزادت الخدمات التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي للمستخدم من شعبيتها وعالميتها، وكثرت أعدادها وتخصصاتها، فظهرت بذلك مواقع تواصل اجتماعي عامة موجهة إلى شريحة عريضة من المجتمع، وأخرى خاصة تهتم بطبقة اجتماعية أو ثقافية معينة، أو فئة عمرية محددة، أو حتى اهتمامات مشتركة، كمواقع التواصل التي تهتم بالوظائف أو الفن أو الأدب أو الرياضة وغيرها.
ويعد موقع الفايسبوك “Facebook” أهم هذه المواقع وأشهرها على الإطلاق، حيث حاز الموقع في الآونة الأخيرة على اهتمام كبير من مستخدمي الأنترنت، وارتفع عدد مستخدميه بشكل متسارع، بالإضافة إلى قرب تجاوز معدل دخوله محرك البحث العملاق غوغل “Google”، وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى وجود أكثر من مليار ونصف المليار مستخدم نشط يوميا [1].
ولا يمكن الحديث عن “الفايسبوك” كموقع عادي، بل يمكن القول إنه ظاهرة أذهلت العالم فزيادة على عدد مستخدميه الضخم، يعد الفايسبوك من بين أكثر المواقع نموا في العالم حيث أكد المختصون أن الفايسبوك أصبح أحد الأدوات التي يمكنها فتح الحوار بين الناس، وهي بذلك تجاوزت وظيفة التواصل الشخصي إلى كونها آلية ربط فعالة للبقاء على اتصال دائم.
ولم تأت شهرة الفايسبوك وشعبيته من فراغ، بل من خلال مجموعة من الخدمات والخصائص والتطبيقات المتاحة فيه والتي لا تتوفر عليها المواقع التواصلية الأخرى. فالفايسبوك لم يعد أداة للتسلية والتواصل وتبادل الرسائل بين الأصدقاء بل تعدى ذلك ليصل إلى كونه وسيلة للتفاعل الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي…
ويعتبر تطبيق “الصفحات Pages” أهم التطبيقات التي تميز وانفرد بها الفايسبوك، وعرفت هذه الصفحات إقبالا جماهيريا كبيرا للاشتراك فيها، وذلك باعتبارها بديلا عن وسائل الإعلام التقليدية في الحصول على المعلومات والأخبار والأحداث الخاصة بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية وكذا الشركات والعلامات التجارية ومشاهير الفن والرياضة والإعلام وغيرهم، بل وأتاحت هذه الصفحات التفاعل مع مؤسسيها بطريقة سهلة وآنية. ولقد وجد المستخدمون ضالتهم في الصفحات الفايسبوكية، وخير دليل على ذلك نسبة الاشتراكات في هذه الصفحات وتعددها وتنوعها، حيث تجاوز عدد المشتركين في بعض الصفحات مئات الملايين من المشتركين والمهتمين والمتابعين لها، وجاء هذا نتيجة تعدد المضامين في هذه الصفحات من جهة وطريقة تصميمها بقالب شيق وجذاب من جهة أخرى، هذا إضافة إلى ما توفره صفحات الفايسبوك من تفاعل ومشاركة وتبادل للآراء والأفكار والمعلومات والاهتمامات.
وكغيرها من التطبيقات الأخرى كالملفات الشخصية “profile” والمجموعات”groups”، تحمل الصفحات الفايسبوكية في محتواها ومضمونها الكثير من القيم، وجاء ذلك نتيجة التنوع في هذه الصفحات، فهي تلعب دورا مهما في نشر ثقافة مجتمعية جديدة تعمل على ترسيخ قيم معينة، خاصة عندما يكون محتوى هذه الصفحات مصاغا بصورة تتفاعل من متطلبات المستخدم واهتماماته، ويتم كل ذلك في مجتمع افتراضي يضاهي ويحاكي المجتمع الواقعي.
وتعد القيم واحدة من القضايا التي دار حولها جدلا كبيرا نتيجة التغيرات والمستجدات في العصر الحديث، لاسيما مع تنامي موجات العولمة وما رافقها من تطورات هائلة في مجال المعلوماتية وما أحدثه ذلك من تأثير في النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع بشكل عام والنسق القيمي بشكل خاص، ويذهب “كارسون” إلى أن التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام أدت إلى تغيرات قيمية واسعة في شتى مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والدينية، وهذه التغيرات واسعة النطاق يترتب عليها ما يسميه “كارسون” صراع القيم بين مختلف الحضارات والثقافات المختلفة سواء داخل البلد الواحد أو بين مختلف بلدان العالم[2].
إننا أمام حقيقة لا مفر منها وهي استحواذ هذه المواقع وتطبيقاتها على جزء كبير من وقت الفرد، حيث أنها صارت لا تغيب كثيرا عن عاداته وممارسته، وتتدخل في رسم نمط معيشته وتساهم في طريقة تفكيره وتواصله وتصرفه مع الآخرين، وأدخلته في عالم افتراضي جديد وجذاب، ليس من السهولة رفض الانخراط فيه أو الخروج منه هذه الجاذبية التي وفرتها صفحات الفايسبوك صارت أكثر قوة بفئة الشباب عموما والجامعيين منهم على وجه الخصوص، فالدراسات العلمية على اختلاف نطاقاتها الجغرافية وسياقاتها الثقافية تكشف أنهم من أكثر فئات المجتمع إقبالا على استخدام موقع الفايسبوك وصفحاته وإدماج خدماته في نشاطاتهم اليومية، فهم يعيشون أمام حواسيب وشاشات وهواتف ذكية وغيرها ويلجون إلى مضامين هذه الصفحات ويتفاعلون معها باستمرار، هذا كله كان سيؤثر بطريقة أو بأخرى على سلوكهم الاجتماعي مع الآخرين.
ولا تتوقف “أثر القيم المتضمنة في صفحات الفايسبوك في السلوك الاجتماعي للشباب الجامعي –وهو موضوع دراستنا- على الشق الأكاديمي للشباب الجامعي وحسب بل تتعداه إلى الجانب الميداني من خلال معرفة سلوكهم الاجتماعي مع أفراد عائلاتهم، وعلاقتهم بالجماعات التي ينتمون إليها كالجيرة مثلا وكذا تصرفاتهم في محيطهم الاجتماعي بصفة عامة، لذلك اعتمدنا على نظرية الاستخدامات والإشباعات كمستند نظري لدراسة هذا الموضوع من خلال رصد آراء شباب جامعة باتنة ممثلة في عينة من جامعة باتنة 1 وذلك لإجابة على التساؤل الرئيسي الآتي:
ما أثر القيم التي تتضمنها صفحات الفايسبوك في السلوك الاجتماعي لشباب جامعة باتنة 1؟
وتندرج تحت هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات هي:
من خلال إشكالية البحث وتساؤلات الدراسة ، وضعنا الفرضيات التالية:
1- تعتبر القيم الاجتماعية أكثر القيم حضورا في صفحات الفايسبوك التي يشترك بها شباب جامعة باتنة 1.
2- توجد هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث فيما يخص القيم في صفحات الفايسبوك وسلوكهم الاجتماعي.
3- توجد هناك علاقة ذات دلالة إحصائية بين أنواع القيم في صفحات الفايسبوك وأنماط السلوك الاجتماعي لشباب جامعة باتنة 1.
4- تعتبر القيم الاجتماعية والجمالية أكثر القيم المتضمنة في صفحات الفايسبوك أثرا في السلوك الاجتماعي لشباب جامعة باتنة 1.
وللإجابة عن تساؤلات الدراسة وإثبات أو دحض فرضياتها إعتمدنا على مقترب الاستخدامات والاشباعات في بحوث وسائل الاعلام الذي يعتبر تقليدا من بين التقاليد المهمة في الدراسات الاعلامية، فتاريخه يزيد عن سبعة عقود كاملة من الزمن بدءا من اربعينيات القرن الماضي، وتأثيره على الباحثين في مختلف البلدان جلي من خلال الكم الهائل للدراسات والابحاث التي يصعب إحصاؤها والتي طبقت نفس الخطوات او أعادت النظر في البعض من مسلماته.
ونظرا إلى أن موضوعنا يدور حول القيم التي تتضمنها صفحات الفايسبوك وأثرها على السلوك الاجتماعي لمستخدمي هذه الصفحات، فقد رأينا أنه ومن الأنسب أن نستند على نظرية الاستخدامات والاشباعات أملا في الوصول الى نتائج واضحة ومضبوطة.
وتهتم نظرية الاستخدامات والاشباعات بدراسة الاتصال دراسة وظيفية منظمة، فخلال أربعينيات القرن العشرين أدى إدراك عواقب الفروق الفردية على السلوك المرتبط بوسائل الاعلام إلى بداية منظور جديد للعلاقة بين الجماهير ووسائل الإعلام[3].
ويمكننا القول، أن نظرية الاستخدامات والاشباعات تعد من أنسب النظريات للتعرف على طبيعة مستخدمي شبكة الأنترنت عموما ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصا، ودوافع استخدامها والتأثيرات الناجمة عنها.
وبما أن هذه الدراسة تصنف ضمن الدراسات الكمية والوصفية، فقد اعتمدنا على منهج المسح الوصفي التحليلي، حيث إستخدمنا المنهج المسحي الوصفي لمعرفة عادات وأنماط استخدام شباب جامعة باتنة 1 لصفحات الفايسبوك، وأسباب تفضيل هذا التطبيق على التطبيقات الأخرى وتفضيل صفحات في الفايسبوك على صفحات أخرى على بعضها. ومعرفة القيم التي تضمنت حسب رأيهم.
أما منهج المسح التحليلي فتم الإعتماد عليه لدراسة الفروق والعلاقات والأثر بين المتغيرات، حيث استخدمناه في دراسة الفروق بين الذكور والإناث فيما يخص القيم والسلوك الاجتماعي وكذا العلاقة والأثر بين القيم في صفحات الفايسبوك والسلوك الاجتماعي لشباب جامعة باتنة 1.
بناء على طبيعة البيانات التي يراد جمعها، وعلى المنهج المتبع في البحث وجدنا أن الأداة الأكثر ملائمة لتحقيق هدف الدّراسة والمتمثل في الكشف عن أثر القيم التي تتضمنها صفحات الفايسبوك في السلوك الاجتماعي للشباب الجامعي الجزائري هي استمارة الاستبيان الإلكترونية، وتوزيعها عشوائيا على عينة عنقودية من طلبة جامعة باتنة 1 قدر عددها بـ إلى400 مفردة موزعة على حسب المجال الدراسي والتخصص العلمي والجنس والعمر والأصل الاجتماعي.
يتكون المحتوى المعرفي لهذا الكتاب من أربعة فصول حاولنا من خلالها تقديم إحاطة شاملة بالموضوع نظريا وتطبيقيا :
الفصل الأول جاء معنونا بـــ مدخل عام إلى القيم، تم تخصيص هذا الفصل للحديث عن القيم من خلال التطرق إلى مفهومها اللغوي والاصطلاحي، ومفهوم المصطلح في مختلف العلوم، كالفلسفة والدين وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد وتوضيح الاختلاف بين القيم كمصطلح والمصطلحات المشابهة له، وبعد ذلك انتقلنا مكونات القيم وطرق اكتسابها وتطرقنا إلى مكونات القيم المعرفية والوجدانية والسلوكية، ثم قمنا بتحديد مصادر اكتساب هذه القيم مثل الأسرة، والمؤسسات الدينية والمؤسسات التربوية ووسائل الإعلام واللغة وغيرهم، ثم بعد ذلك تناولنا خصائص القيم ومميزاتها تم تحديد وظائفها على المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي ووظيفة القيم كمعيار في تحديد السلوك وتوجيهه، وبعد ذلك تطرقنا إلى تصنيفات القيم حسب المقصد والعمومية والشدة والإلزام، ومن حيث الإطلاق والنسبية، وركزنا على التصنيف على أساس المحتوى باعتباره النموذج المعتمد في الدراسة.
وجاء الفصل الثاني موسوما بــ: مواقع التواصل الاجتماعي والفايسبوك، وخصص هذا الفصل للحديث عن مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي وتطورها التاريخي وخصائصها وخدماتها، وكذا التطرق لبعض النماذج من مواقع التواصل الاجتماعي مثل: اليوتيوب، التويتر، ولينكد إن وجوجل+، وبعد ذلك تطرقنا إلى الفايسبوك الذي محور الدراسة من خلال التطرق لنشأته وخدماته وتطبيقاته ثم عرضنا على تطبيق الصفحات (المقصود من الدراسة) من خلال تعريفها ورصد الاختلاف بينها وبين التطبيقات الأخرى وبعض الإحصائيات العامة عن الموقع في العالم والعالم العربي والجزائر.
وخصص الفصل الثالث للحديث عن السلوك الاجتماعي للشباب الجامعي، حيث تحدثنا أولا عن السلوك الاجتماعي من خلال تحديد مفهومه وخصائصه والنظريات المفسرة له، أما الجزء الثاني فقد تحدثنا فيه عن الشباب الجامعي من خلال تحديد معايرة النوعية والزمنية والاجتماعية وصولا عند تحديد خصائص ومشاكل هذه الفئة.
وخصص الفصل الرابع للإطار الميداني للدراسة وقمنا بتفريغ النتائج وقراءتها وتحليلها والخروج بنتائج تفصيلية حيث جاء مقسما إلى ثلاثة أقسام:
وجاء القسم الثالث لدراسة الفروق والعلاقة والأثر ذو الدلالة الإحصائية بين هذه القيم والسلوك الاجتماعي لشباب جامعة باتنة1
[1] Daily Facebook Active Users Statistics Directory available on : www.socialbakers.com/statistics/facebook تاريخ الدخول: 13-1-2018
[2] عبد الصادق حسن: تأثير استخدام الشباب الجامعي البحريني لمواقع التواصل الاجتماعي على استخدامهم لوسائل الاتصال التقليدية، مقال منشور في المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، مجلد 7، العدد 1، 2014، ص 34.
[3] ملفين ديفلير، ساندرا بول روكيتش: نظريات وسائل الاعلام، ترجمة، كمال عبد الرؤوف، الدار الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1993، ص 266.