تفصيل
- الصفحات : 110 صفحة،
- سنة الطباعة : 2019،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الاولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-691-83-9.
لإيلاف المريدين و الأتباع ، إيلافهم هذه التقاليد السنوية ” الوعدات ” ، استحال سلوكهم إلى عرفٍ اكتسب صفة الإلزام والجَبْر لديهم ولدى العديد من سكان القُرى والمدن المتاخمة وحتى النائية عنهم ، إلى أن أصبح سَجيّة فيهم تَبدو غيرَ مُحدثة جُبلوا عليها ، لكن الأقوال تضاربت وكذا الآراء ذهبت كل مذهب ، بسبب انعدام مراجع مكتوبة ، الأمر الذي استلزم الركون إلى معطيات هي لدى كل فريق أصل للحكاية ، التي ظلت متواترة بعضُها آخذٌ برِقابِ بعض ، وحقيقتُها كامنة في كونها ذاتَ منطلق صوفي محض .
تعريجي على بعض الآراء المتداولة في هذه المساهمة يُعتبر ضربا من المغامرة في دهاليز التراث ، تراثِ هذه المنطقة العريقة ، التي شاءت العناية الإلهية أن تكون مثوًى للولي / سيدي الشيخ ، بالأبيض سيدي الشيخ ، ومقاما للولي سيدي أحمد التجاني ، بأربوات ، وضريحا للولي سيدي الحاج بن عامر ، بعين العراك ، ومكانَ تبرّك للولي سيدي الحاج بوحفص ، وابن أخيه ، الولي / سيدي بوحفص الحاج بالبنود.. فمن هؤلاء ؟؟ وما زبدة تلك الآراء السائدة حَوْلَهُم ، وحَوْلَ أصل حكايتهم مع هذه الحشود الموسمية التي لم تغفل الذّاكرة الجماعية عن موعد أَوْبَـتِهَا ، عن أوان شَدِّ الرِّحال إليها ، دون مراعاة لحرِّ الرّمضاء أو قَـرِّ الشّتاء ، أو حتّى شهر الصيام !! ؟؟
فرغم أن ظاهرة إطعام الناس تختلف تسميتها بحسب الدّواعي التي تُقام لأجلها، ( كطعام انقضاء سبعة أيام من ميلاد الوليد ، المسمى شرعاً : العقيقة ، و الغديرة التي هي: طعام الخِتان ، و التُّحفة التي هي: طعام الزائر و غيرها .. ) رغم ذلك ، يمكنني اعتبار لفظة ( الوليمة ) مرادفة ً للّفظة العامية ( الوَعْدَهْ )، شرط اتِّساع نطاق المشاركة فيها ، إذْ كثيراً ما نسمع عن ( وعدة ) ستُقام في اليوم الفلاني ، لأن فلاناً المنضبطَ في سلوكياته الدّيـنـية و الدُّنيوية ، قد رأى في منامه كذا و كذا ، ويسري الخبر مسرى البرق في سماء الوسط الشعبي ، فيُهرع ذوو النّيات الحسنة إلى إعلام نسائهم و مطالبتهن بوُجوب مشاركة العائلة في هذه ( الصَّدَقَهْ ) ، و قد يؤذن مؤذن فـي الناس بضرورة إقامة( معروف ) من باب طلب الغيث بعد طول جفاف ، تدعيماً ـ حسب اعتقاد البعض ـ لصلاة الاستسقاء المطلوبة ، المعلومة لدى أبسط الوَرَى إلماماً بشريعة خير الأنام محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ وابنةِ وَهْـبٍ آمنة ( صلى الله عليه وسـلم ) .
على كل ، وكما قال صلوات ربّي و سلامه عليه : إنما الأعمال بالنّيات ، و إنما لكل امريء ما نوى ، فإنني لست موجهاً وجهي (من وراء هذه المبادرة ) شَطْرَ تلك ( الوعدات ) الفرعية ، الارتجالية ( التي تم التواعد عليها ) المُقامةِ مرة أو مرتين أو ثلاث ، في يوم ، في شهر، أو في سنة ، إنما معقل اهتمامي ستراه ـ أخي القاريء ـ منصباً على أصل الولائم ( الوعدات ) الكبريات اللافتات لنظر الغادي و الرائح ، و هن أربعٌ شهيرات على مستوى بلديات الدائرة .
ولما كان الأمر لا يخرج عن نطاق خُـلُـقِ بَسْطِ الـيَدِ وعدم جعلها مغلولة إلى العُـنُق ، بادرتُ إلى الاستهلال بتخصيص الفصل الأول لأصول الضيافة بالمنطقة ، لدى البدو/ الرُّحل والحَضريين ، مُرْدِفًا إياه بفصل ( رجال في ذمّة الله والتاريخ ) توخّيتُ من خلاله تسليط بعض ما تيسّر لي من إضاءة خافتة نوعا ما ، على ثِقَل الشخصيات الصوفية المعنية ، في الميزان المجتمعي عموما ، ومدى المكانة الروحانية المرموقة ، التي يحظون بها محليا على وجه الخصوص ، أما ” الوعدات ” التي دَعَتِ اليَرَاعَ إلى فِعل التحبيـر وَ الذّهنَ إلى فِعل السهر والانشغال ، فقد أفردت لها مجتمعةً فصلاً ، بدا لي كافياًّ لأن يتضمن الآراء الموصوفةَ بالراجحة ، وأتبعت ذلك بفصل خصصته للمأثور النسوي والرجالي في المنطقة ، المرتبط بها ” أدبيّات الوعدات ” ، إلا أن المُعضلة الأخرى التي تعترض سبيل المهتم بهذا الشأن ، تكمن في أن المستجوَبين المُتراوحةَ أعمارُهم بين الستين والثمانين ، جميعَهم من شريحة الأمّيِّين فَصِفَتُهُم تلك ، حالت دون تدوينهم ما كانوا يَرون و يسمعون من الآباء والأجداد ، لكنهم ـ وعيّناتٍ عشوائيةً أخرى من الكهول ـ لم يَضِنُوا بما لديهم فتشكّراتي لهم جزيلة ، وحسبهم أن ساهموا معي في محاولة التقاط صورة محدودة الحجم والأبعاد ، لِذَاكِرَةٍ لا زالت تحتفظ للسلف الصالح بما هو أهل له من التقدير والعِرفان .