تفصيل
- الصفحات : 256 صفحة،
- سنة الطباعة : 2020،
- الغلاف : مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-005-3.
يمضي الرجال ويبقى النهج والأثر.
هكذا هي حياة العظماء في تاريخ الانسانية، ترتقي أرواحهم وترحل أجسادهم وتغيب وجوههم، ولكن أعمالهم وأفكارهم ومؤلفاتهم تبقى مستمرة ما استمرت البشرية، اقوالهم تتردد على الألسن، ومآثرهم تتناقل وتتداول بين الأجيال، هي هكذا حياة العظماء.
من أجل أن لا ننسى تاريخنا وتراثنا وأعلامنا جاءت فكرة هذا الكتاب الذي يحمل بين دفتيه مجموعة من التراجم لشخصيات فكرية وعلمية وثقافية اصلاحية جزائرية، وأهم ما ميز هذه التراجم جميعا، أنها ركزت على شخصيات عظيمة ولكن سيرتها لا تتداول بين العامة وغير معروفة لدى الأوساط المعاصرة، وذلك لعدة أسباب تتلخص مجملها في الظاهرة الاستعمارية التي مرت بها الجزائر، فحاول هذا الاستعمار قطع الرابطة التاريخية بين الأجيال، وحاول طمس مآثر وتاريخ هؤلاء الأعلام والأبطال من الرجال، وبسبب الظروف المعاصرة التي يعيشها شبابنا تعمقت ظاهرة النسيان والتنكر للماضي، وأصبحت الكتابة حول تاريخ هؤلاء الأبطال من واجبات الأعمال.
النجوم المضيئة من أعلام الجزائر الوضيئة مجموعة من الشخصيات التي أنارت ربوع بلاد الجزائر في فترة عم فيها الجهل والظلام والأمية عقول الأمة الجزائرية، فكانت جهودهم هي النور الذي أضاء ذلك الظلام الدامس الحالك، فمنذ ألفترة العثمانية في الجزائر بدأت الحالة الثقافية في التراجع والخمول، وذلك راجع لعدة أسباب أهمها عدم اهتمام السلطة العثمانية في الجزائر بهذا الجانب، وأيضا شيوع ظاهرة التصوف التي أثرت نوعا ما على الحياة الفكرية، وهجرة العلماء الجزائريين نحو بلاد المشرق والحجاز، ولكن بالرغم من كل هذا ظهرت هناك عديد من المحاولات التي تزعمها نخبة من العلماء والمصلحين في فترات معينة وفي أماكن متفرقة، فها هو عبد الرحمن الأخضري في بلاد الزاب، والشيخ عبد الكريم ألفكون في قسنطينة والشيخ ابو راس الناصري في الغرب الجزائري، هكذا كانت اللآلئ تتناثر في كل ربوع الجزائر من أجل ان تشع نورا وقبسا من العلوم والمعارف التي يتعطش لها الجزائريون خلال تلك ألفترة من الوجود العثماني.
ومع الاحتلال ألفرنسي للجزائر بدأت سياسة فرنسا الاستدمارية، فلم تكتفي بأن تقتل وتشرد ملايين من الجزائريين، فذهبت إلى مهمتها الأساسية ألا وهي الغزو الفكري والحضاري، فبدأت برسالة التمسيح ونشر الدين المسيحي في ربوع الجزائر، وقاد هذه الحركة الكاردينال لافيجري، وأسسوا الكنائس على أنقاض المساجد، ونشروا الارساليات التبشيرية التي كانت في هيئة معلمين وأطباء ورجال دين، وخصصوا مبالغ طائلة من ميزانية الدولة الفرنسية من أجل هذا الغرض.
ثم بعد ذلك تحولت أنظارهم إلى شيء أساسي ومهم ألا وهو التعليم فقاموا بغلق الزوايا والكتاتيب التي كان يتلقن فيها الأطفال الجزائريون القرآن الكريم ومبادئ الدين الأساسية، ولم يتوقفوا عند هذا الحد، ففتحوا المدارس الغربية الفرنسية وأجبروا الأهالي في بعض المناطق على ارسال أبنائهم اليها، وكانت رسالة هذه المدارس مسخ الهوية الاسلامية والعربية التي يحملونها، وتبديلها بالثقافة الغربية المسيحية.
كل هذه المحاولات وهذه السياسات التي قام بها هذا الاستعمار البغيض على أرض الجزائر، لم تثن العلماء والمصلحين على أداء رسالتهم بل زادتهم قوة وعزيمة وارادة من أجل تخليص المجتمع من براثن الجهل والأمية، ففتحوا المدارس وأسسوا النوادي والجمعيات والجرائد لردع الرسالة الغربية الصليبية.
وبعد مرور مئة عام من احتلال الجزائر، ومع الاحتفالات الصاخبة التي أقامها الاحتلال بمناسبة تلك المئوية، وهم في غمرة ألفرح لضنهم أنهم قضوا عن الجزائر العربية الاسلامية، تخرج للنور في تلك الأثناء جمعية علمية دينية تهذيبية تثقيفية اصلاحية تدعى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والتي حملت شعارا قويا زعزع نفوس الاستعماريين ” الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا”، هذا الشعار الذي أخرج الشعب من بوتقة الجمود إلى سعة ورحابة التحرر والتنور، بدأت حملة يقودها عبد الحميد بن باديس ورفيق دربه الشيخ محمد البشير الابراهيمي وثلة من العلماء المخلصين التي قيضها الله عز وجل من أجل ان تخدم دينه ورسالة نبيه عليه الصلاة والسلام، وتعيد للجزائر لمحمد صلى الله عليه وسلم كما كتب أحدهم.
كل هذه الأحداث وصانعيها سنتعرف عليها من خلال هذا الكتاب، الذي هو عصارة جهد من البحث في هذه الشخصيات لأكثر من سنة ونصف السنة، وهي متكونة من عدة مقالات نشرت في بعض الصحف المحلية والوطنية تحت سلسلة كان عنوانها ” شموع تأبى الذوبان” وأسأل الله ينالنا أجر هذا العمل، ونبتغي منه عز وجل ان ينفع كل من يقرأه ويكون رسالة من أجل اعادة الاعتبار لأولئك الرجال والعظماء الذين خدموا دينهم ووطنهم ولغتهم بكل ما يستطيعون فضحوا بالنفس والنفيس.
وفي الأخير ان كل عمل ينجزه صاحبه يعتريه الخطأ والنقصان، فإن أخطأت وقصّرت فذلك ضعف من نفسي، وإن أصبت فهو توفيق من الله سبحانه وتعالى الذي سدّدني وأعانني على اكمال هذا الكتاب.
عبد القادر عزام عوادي
تغزوت/ الجزائر