لقد حظيت الرواية العربية باهتمام بالغ من قبل منتجيها وقرائها ودارسيها، في مختلف دول الوطن العربي، وبخاصة ابتداء من الربع الأخير من القرن العشرين، وحتى أيامنا هذه. وإذا كان الناقد جورج لوكاش، قد عدّها سابقا (ملحمة البورجوازية المعاصرة)، فإنه يمكن القول: إنها ملحمة الحياة العربية المعاصرة، بهمومها، وتطلعاتها، وآفاقها العريضة، وعلاقاتها السياسية والثقافية والاجتماعية، إنها الحقل المعرفي الذي يمتح من حقول معرفية متعددة، ليشيد عالمه الخاصّ، الموغل بعيدا في أعماق النفس البشرية، بهمومها، وفواجعها، وفضاءاتها المعتمة والبائسة قديما وحديثا، ولا عجب أن يعدّها كثير من الدارسين والقراء- بما وصلت إليه من تقنيات كبيرة واعية، على مستوى الشكل والمضمون – ديوان العرب المعاصر، بعد أن تراجع الشعر العربي، وقلّ قراؤه ودارسوه وناشروه، وقلت الرسائل والأطروحات الجامعية التي تنجز حوله، مقارنة بالاحتفاء الواسع الذي حصدته الرواية العربية، إذ قلما نجد شعبة من شعب الدراسات العليا في الجامعات المعاصرة، إلاّ ونجد غير موضوع في هذه الرواية، ونقدها ودراستها، والتأطير لها، ودراسة بنياتها وفنياتها الجمالية، وموضوعتها، قد سُجِل في هذه الجامعات موضوعا بحثيا ونقديا للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه.

إن الرواية العربية المعاصرة تفوق بقية الخطابات الإبداعية الأخرى، وذلك في قدرتها الكبيرة على تشكيل فضاءات متعددة ونامية، داخلية وخارجيّة، وتجسّد هذه الفضاءات حركة الشخصيات، وهمومهم وآلامهم وآمالهم وتفاعلاتهم مع محيطهم الثقافي والاجتماعي والمعرفي، وليس شرطا أن تكون هذه الفضاءات واقعية، بل كثيرا ما تكون تخيّليّة، أو منفيّة أو غائبة عن المكان المعروف بطبوغرافيته المحدودة، فتبدو بعض الأمكنة أسطوريّة أو خرافيّة أو حلميّة، أو موغلة في التاريخ القديم للأمم والحضارات القديمة والبائدة، غير أن الروائي العربي، وحين استحضاره لهذه الأمكنة، بشتى أشكالها ومظاهرها الأسطوريّة أو الخرافيّة، لا يبتعد كثيرا عن الفضاءات الواقعية العربية، بقيمها الكبرى وعاداتها وأعرافها، وبنيتها، وآفاقها المعرفية. وعلاقاتها الاجتماعية. .

و قد كثرت في العقدين الأخيرين من هذا القرن الدراسات الكثيرة التي درست الخطاب الروائي تنظيرا ونقدا تطبيقيا، وأسست لكثير من مفاهيم نقده، شكلا ومضمونا ورؤية فنية وجمالية وإبداعية.

وتأتي سلسلة كتب المشروع الدولي لرسالة الباحث التي يشرف عليها مختبر اللغة والتواصل بالمركز الجامعي، أحمد زبانة في مدينة غليزان، بالجزائر، بالتعاون مع جامعتي: ابن طفيل في مدينة القنيطرة، ومحمد الخامس في مدينة الرباط، بالمغرب، لتسهم إسهاما كبيرا في نشر مزيد من الدراسات الأكاديمية التي هي على قدر كبير من الأهمية النقدية، التي تضيء مزيدا من قضايا الخطاب الروائي وبخاصة المعاصر منه، شكلا وبنية، وظروفا اجتماعية وسياسية وإيديولوجية أسهمت في إبداع هذا الخطاب وتشكيله.

وهاهو هذا المختبر، ومن ضمن اشتغالاته المعرفية والأكاديمية المهمة، يصدر كتابا جديدا بعنوان: (النص الروائي: قراءة في تعالق الأشكال والمضامين)، يكتب فيه نخبة من الأساتذة الأكاديميين الناقدين والباحثين الذين ينتمون إلى جامعات عربية عديدة. فتحية احترام وتقدير لهؤلاء الباحثين الذين أنجزوا هذا الكتاب، الذي سيكون لبنة مهمة في معمار دراسات الرواية العربية ونقدها والتنظير لها، وسيكون مرجعا مهما من مراجع دراسات الخطاب الروائي العربي في أفقه المعرفي، وتجلياته الجديدة، وبخاصة لطلاب شعب الدراسات العليا في الجامعات العربية(طلاب الماجستير والدكتوراه).

و تحية إكبار عميقة واحترام للأستاذين الصديقين المشرفين على سلسلة المؤلفات الدولية: سلسلة كتب المشروع الدولي لرسالة الباحث التي يصدرها مختبر اللغة والتواصل بالمركز الجامعي، بمدينة غليزان الجزائرية، الأستاذ الدكتور: مفلاح بن عبد الله، والدكتور: بوقرط الطيب.

و الله ولي التوفيق.

–? أ.د.محمد عبد الرحمن يونس

الجامعة النمساوية للعلوم والتكنولوجيا، النمسا، فينا.

جامعة ابن رشد في هولندا، أمستردام.