تفصيل
- الصفحات : 106 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-530-0.
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على خاتم النّبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
للنّقد جذور ممتدة في أعماق التّاريخ البشري، ويرجع الدّارسون بداياته الى الفكر اليوناني القديم، وهو يرتقي بارتقاء الأدب، وكلما تقدم الزمن تولد عن هذا النقد قواعد يخضع لها النّقد، ولم يكن له مناهج وأصول بل ظهر في صورة عفوية تأثرية لفنون الأدب، والنّقد هو تقييم الأعمال الأدبية، ويختلف النّقاد في هذه الوظيفة فبعضهم يفضل في نقده الشّكل الخارجي للعمل الأدبي، وبعضهم يفضل المضمون، كما يعد من أهم الحوافز الدافعة إلى ازدهار الابداع الأدبي وتطويره كلما ظهر “إبداع أدبي نثري أو شعري كان وراءه إبداع نقدي، بحيث تغيّرت وظيفته من اصدار الأحكام على الأفضل والأسواء، والقواعد البسيطة إلى التّوضيح والشّرح والتّحليل والاستقراء والمقارنة، وفتح المجال للقارئ لكي يتوصل إلى الحكم الصّائب بنفسه، ومع مرور الزّمن عرف النّقد أنواعًا من الممارسات النّقدية فقد، تداولت على النقد الأدبي غير مسيرته التطورية مناهج عديدة بدأت بالقراءة التّذوقية ثم تحولت إلى المناهج البلاغية، والتّاريخية، والاجتماعية، والنّفسية، والانطباعية في إطارها السّياقي، إلى أن جاء التّحول إلى النّسق مع ظهور البنيوية وما بعد البنيوية كالسيمائية ونظرية التّلقي والنّصانية والتّقويضية والموضوعاتية والتّداولية فكانت أكثر المناهج تأثيرًا في مسيرة النّقد الأدبي.
يعود انبثاق المناهج النقدية الحديثة في أوروبا إلى تراث ثري من التّراكمات الثقافية والتّيارات الفكرية المختلفة، والتي كان سببا في إثرائها تقاطع العديد من المعارف والآداب العالمية لشعوب وحضارات مختلفة، ولقد كان لهذه المناهج أثرها في الدّراسات العربية، والعمل الادبي هو موضوع النّقد الأدبي فالحديث عنه هو المقدمة الطبيعية للحديث عن النقد فتحديد العمل الأدبي وغايته وقيمته الشعورية والتعبيرية والكلام عن أدواته وطرائق أدائه، وفنونه هي نفسها النقد الأدبي في أخص ميادينه، وإن المنهج أياً كان نوعه واسمه يتبنى طريقته في التّحليل وليس ثمة منهج دون أدوات إجرائية يعمل عليها، والعلاقة بين التّحليل والمنهج لا تسمح بعزل أحدهما عن الآخر فهي علاقة تداخل تتضافر كلها من أجل تحصيل الخطاب.
ولقد تبلورت المناهج النّقدية واتخذت مسارين في توجيههَا بحيث قسم الدّارسون النّقد إلى قسمين نقد سياقي وآخر نسقي، ويريدون بالنقد السّياقي ذلك النّقد الذي يسترفد نظريات المعرفة الإنسانية لمحاور النّصوص مستفيدًا من مطارحاتها الفكرية المختلفة، ومن ثم فهو ينطلق من النّص إلى خارجه، إنها العملية التي تعطي للسّياق أولية على النص وتجعل هذا الأخير تابعًا له، فهي تسعى إلى إعادة إنتاج دلالة العالم النّص مظهرة حركة النّشاط اللغوي المؤسس على تفاعل تحتكم إليه العناصر اللغوية في تراسلها المرجعي، ويقام تحليل الأفق الاجتماعي للنّص على تنظيم أشكال المتخيل الذّهني بما يكشف العالم المرجعي المسؤول عن النّسق الثّقافي الذي يعتمد عليه النّص فالنقد السّياقي يعتمد الاسقاطات السياقية والأحكام التّذوقية والملابسات الخارجية في تحديد مقاصد النّص ودلالته، وذلك من خلال معاينة النّص بالاعتماد على إطاره التاريخي والاجتماعي أو النّفسي، وقد تم تداول هذه المناهج في كتب عربية رائدة، بيد أن نقد النّقد تأخر كثيرًا عن ممارسة دوره في تصوير الزّلل الذي رسم الاجتهادات العربية أو بعضها، وهذه إحدى مشكلات النّقد الجديد بتفرعاته، لقد أهمل النّظر إلى واقعه وكيانه.
فكلّ ما سبق كان دافعا في توليد رغبتنا لاختيار البحث الذي يسعى إلى دعم الوعي النّقدي، وتيسير ممارسة النّقد الحديث للقارئ العربي وفق النّظرية المنهجية النّفسية، وذلك من خلال هذه الدّراسة التي وسمناها بالمنهج النفسي مبادئه وتطبيقاته.
وقد قامت هذه الدّراسة على البحث في حقيقة الإبداع وعلاقته بالأمراض النّفسية حيث كانت حافلا بين النّقد العربي والغربي كما هو الحال عند جورج طرابيشي الذي اعتبر رائدا في هذا المجال، وتبنيه لهذا المنهج وتسلحه بالقواعد الفرويدية، وغيره من النّقاد مثل العقّاد محمّد النّويهي وعزّ الدّين اسماعيل، وقد اتضح من خلال هذه الدّراسة أنّه بالإمكان الاستعانة بالمنهج النّفسي لتحليل بعض الأعمال الأدبية، وكذلك مدى تمكن النّقاد العرب من فهم النّظرية الغربية وإسقاطها على الواقع العربي.
وقد بنيت هذه الدّراسة على ثلاثة من المحاور :
يدور المحور الأول في مـجمله حول المنهج النّفسي فـي الـمدونة النّقدية الغربية والذي يقوم على الغوص في نفسية الأديب والفنّان والمبدع والكشف عن مكبوتاته وأسراره الدّفينة، وقد قامت هذه الدّراسة على تقديم مفهوم للمنهج النّفسي وتحدّثت عن بدايات النّقد النّفسي في الغرب وذكر أهمّ أعلامه ونظرياتهم بداية بسيغموند فرويد ثمّ ألفرد أدلر ثمّ كارل غوستاف يونغ، وكذلك عند شارل مورون، وجاك لاكان، وجان بيلمان نويل.
ويأتي المحور الثّاني موسوما بـ”النّقد النّفسي في الدّراسات العربية ” تطرقت فيه تلقي المنهج النّفسي في النّقد العربي الحديث، وقد بيّنا كيف أثرت النّظريات النّفسية في الإبداع الأدبي، وكيف استفاد الدّرس النّقدي العربي من منجزات المدارس النّفسية المختلفة، وذلك من خلال مساءلة بعض الأطروحات النّقدية المختلفة، وكيف تمكّنت هذه الأخيرة من تطبيق آليات منهج التّحليل النّفسي على العديد من الأجناس الأدبية كالشّعر والقصة والرّواية، لكن مع ذلك لا يمكن أن نسلّم بدقة النّتائج التي توصلوا إليها، حيث تبقى هذه النّتائج مجرّد افتراضات قابلة للنّقد والمراجعة.
أما المحور الثّالث حاولنا من خلاله الكشف عن تمظهرات هذا المنهج في الخطاب النّقدي العربي من خلال ما كتبه جورج طرابيشي في مختلف منجزاته، حيث وجدناه متأثرا بأعمال فرويد ومطبقًا لمنهجه، موظفًا لمقولاته ومبادئه.
كما أنّ البحث لا يقول كل شيء في موضوعه، وليس له أن يدعي ذلك، وإن حاولت فيه أن أقارب وأوضح معالم هذا المنهج، وملامحه توضيحًا يعتمد على المثال إلى جانب الشّرح والتّحليل، متجنبة فيه الإطالة والإطناب حرصا منّي على الإيجاز والاختصار بدل الإسهاب، منعا لتضخم المادّة، ودفعًا للرّتابة والإملال.
هذا هو جهدي المتواضع قد يصيب وقد يعتريه الخطأ، كأي عمل إنساني فلا تزعم هذه الدّراسة لنفسها الكمال، وإنّما كان هدفنا إضاءة متواضعة في طريق النّقد الأدبي الحديث .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.