تفصيل
- الصفحات : 140 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-611-6.
لَطَالما كان لِوسائل الإعْلام دَوْر كبير وأهمِّيَّة بَارِزة فِي المجْتمعات الإنْسانيَّة، ذَلِك لِأنَّهَا مَصدَر أَساسِي لِتثْقِيف الإنْسان، وتسْليته وَكذَا تزْويده بِالْمعْلومات، والْأخْبار السِّياسيَّة، والاقْتصاديَّة، والاجْتماعيَّة، وللْإعْلام أثر فَعَّال فِي بِنَاء مُجْتمعات مُتَحضرَة، وَمبنِية على أَسَاس عِلْمِي، وَمعرِفي رصين. والْمسلم بِه أنَّ وَسائِل الإعْلام مَهمَا كَانَت حُرَّة فَهِي مُرتبطَة بِشَكل أو بِآخر بِالنِّظام السِّياسيِّ، الاجْتماعيَّ اَلذِي تَنتَمِي إِلَيه وتنْشط فِيه وتؤثِّر فِيه وتتأَثَّر بِه فِي إِطَار تشْريعات قانونيَّة، ومبادئ، وَقيَم أخْلاقيَّة، ويؤكِّد الخبراء، والْمتخصِّصون على فَعالِية الإعْلام الكبيرة، وأثره على المعْرفة، والتَّطوُّر، واسْتمْرار هذَا اَلأخِير وصيْرورته، فالْإعْلام لَيْس حَالَة لَحظِية أو نشاطًا ضرفيا عابرًا، وَإِنمَا أَدَاة تَنقُّل الآرَاء، والْمعْتقدات، والتُّراث الثَّقافيِّ مِن جِيل إِلى جِيل، ومنْه فَإِن مُهمَّة الإعْلام تَستوْعِب الإنْسان لَحظَة قُدومه إِلى الحيَاة مُنْذ أَيَّام الحمْل، والْولادة مُرورًا بِالرَّضاعة، وَفتْرَة الطُّفولة وُصولا إِلى نُضْجِه، وكبره، وَحتَّى شيْخوخته، وللْإعْلام تأْثيرات قَويَّة، وَكَثيرَة، ومخْتلفة على وَعْي الإنْسان، وَسلُوكه فِي مُخْتَلِف مَراحِل عُمْرِه، فَهُو يُحدِّد وُجهات نَظرِه، وقناعاته، وفهْمه لِلْحيَاة، وتصوُّره لِلْأشْياء، والظَّواهر الطَّبيعيَّة، والاجْتماعيَّة. وَلِهذَا نَجِد أنَّ لِوسائل الإعْلام على اِختِلاف أنْواعهَا دَوْر بَارِز فِي مَجَال اِهْتمامهَا بِالطِّفْل فَهي لَا تَبدَأ معه عِنْدمَا يَصِل إِلى مَرْحَلة الوعْي، والْإدْراك أو قَبْل ذَلِك حَتَّى، وَإِنمَا دَورُها الأكْبر يَسبِق هَذِه المرْحلة بِكثير، فَهي تبدَأ مِن مَرْحَلة تَعلِيم، وَتثقِيف الوالديْنِ، حَوْل الكيْفيَّة اَلتِي تُساعدهم فِي إِنجَاب طِفْل مُعَافى قَبْل الحمْل، وأثْناءه، وبعْده مِن خِلَال توْجيههم نَحْو الطُّرق، والْأساليب، والْمناهج الوالديَّة، والتَّرْبويَّة السَّليمة اَلتِي تُسَاهِم فِي تَنشِئة الأطْفال صِحِّيا، وَنفسِيا، وعاطفيًّا، وأخْلاقيًّا، ومعْرفيًّا بِغضِّ النَّظر عن المضامين الإعْلاميَّة اَلتِي تُخَاطِب الطِّفْل مُبَاشرَة فالْوساطة الأبويَّة لَا غِنًى عَنهَا، ولَا بديل.
وَمِن هذَا المنْطلق أَصبَحت التَّرْبية الوالديَّة مِن العناصر، والْمواضيع الأساسيَّة اَلتِي تَهتَم بِهَا وَسائِل الإعْلام المطْبوعة، والْإلكْترونيَّة، والسَّمْعيَّة البصريَّة فقد رَاجَت مَوَادهَا بِشَكل كبير خَاصَّة فِي السَّنوات القليلة الماضية فضْلا عن الوقْتِ الحاضر، وَمِن بَيْن تِلْك الوسائل نَجِد اَلكُتب، والْمجلَّات، والتَّقارير الإخْباريَّة، والْكتيِّبات فِي شَكْل دليل إِرْشاديٍّ، وَكذَا المقالات الصَّحفيَّة، والْأفْلام، والْمسلْسلات اَلتِي تَحمِل فِي طَياتِها نَماذِج اَلأُبوة النَّاجحة فضْلا عن المحْتويات الرَّقْميَّة اَلتِي تَعج بِهَا وَسائِط الإعْلام اَلجدِيد. ويقدَّر أنَّ مَا يَفُوق 1500 كِتَاب حَوْل التَّرْبية الوالديَّة قد تمَّ إِنْتاجه، وطباعته اليوْم سَوَاء مِن طرف العلماء أو مجْموعات البحْث أو الهيْئات المخْتصَّة سَوَاء كَانَت خَاصَّة أو حُكومِيَّة وَهِي مَا تُمثِّل حواليْ 20 مِن سُوق أو مَيْدَان “عِلْم النَّفْس”. وَفِي المقابل يُقدَّر أنَّ هُنَاك أَكثَر مِن 200 مَجلَّة تُخصُّص لِجوانب مِن اَلأُبوة والْأمومة، والْحياة الأسريَّة هامشًا مُعْتبرًا فِي أعْدادهَا، ويدْخل فِي ذَلِك المجلَّات النِّسائيَّة، وَغَيرهَا مِن المجلَّات اَلتِي تَشمَل مَوَاد اَلأُبوة، والْأمومة، وتتوافر حاليًّا فِي كُلِّ مَدِينَة تقْريبًا، المجلَّات الخاصَّة بِشؤون الأطْفال، وَالتِي تَصدُر مجَّانًا لِلْمسْتهْلكين، مِنْهم الوالديْنِ اَلجُدد كمَا يعد اِهتِمام الإعْلاميُّون بِقضايَا الأطْفال، والْأسْرة أمْرًا لَافتًا لِلانْتباه حَيْث يمْلئون بِهَا الصُّحف اليوْميَّة، والْقنوات الإذاعيَّة، والتِّلفزْيونيَّة، كمَا أنَّ هُنَاك القصص “المتعلِّقة بِالطِّفْل” اَلتِي تعد أَدَاة مُعتمدَة لِجَذب الآبَاء، والْوصول إِلى وَعيهِم، وَتعزِيز مهاراتهم، وسلوكاتهم، وَلِهذَا فَإِن كُلَّ أب تقْريبًا، يَتَعرَّض إِلى معْلومات، ومضامين عن التَّرْبية الوالديَّة، بِشَكل مُتَكرر، بِغضِّ النَّظر عن وَضعهِم الثَّقافيِّ، والاجْتماعيَّ، والاقْتصاديَّ. ويهْتمَّ كثير مِن الآبَاء بِالْمعْلومات المتعلِّقة بِترْبِية الأطْفال، بِمَا فِي ذَلِك المعْلومات الواردة مِن وَسائِط الإعْلام إِلى دَرجَة أنَّ بَعْض الدِّراسات أشارتْ إِلى أنَّ وَسائِل الإعْلام غالبًا مَا تُسْتخْدَم كمصادر لِتحْقِيق إِشْباعات اَلأُبوة والْأمومة، وأحْيانًا على نِطَاق أَوسَع مِن المصادر الشَّخْصيَّة على غِرَار اَلأُسرة أو اَلمسْجِد أو المسْتشارين. وبطبيعة اَلْحال، فَإِن مدى وُصُول الوالديْنِ إِلى وَسائِل الإعْلام يَختَلِف اِخْتلافًا عميقًا وفْقًا لِعَدد مِن العوامل الهامَّة، بِمَا فِي ذَلِك البيئة الجغْرافيَّة، والاجْتماعيَّة، والْعادات، والْميولات الثَّقافيَّة، والسِّنُّ، ونوْع الجنْس، ومهارات الاتِّصال، والْأسْلوب، والْمسْتوى التَّعْليميُّ، واللُّغويَّ نَهيك عن الإمْكانيَّات المادِّيَّة، والْمسْتوى المعيشيّ، والاقْتصاديّ غَيْر أنَّ هُنَاك جُهودًا مَبذُولة تَعمَل على اَلوُصول إِلى الآبَاء، وتجاوز الإشْكاليَّات، والْعوائق اَلتِي تَحوَّل بيْنهم، وبيْن اَلوُصول إِلى المعْلومات اَلتِي يحْتاجونهَا، وَمِن ذَلِك النَّشرات الإخْباريَّة لِلْآبَاء الرِّيفيِّين المعْزولين، وحملَات تَعبِئة المجْتمع المحَلِّيِّ فِي مَحَطات الإذاعة الحضريَّة، وإعْلانات الخدْمة، وقد صَارَت الوسائل الرَّقْميَّة، والْإعْلام الإلكْترونيُّ خُصوصًا رِهانًا أَساسِيا يُوَاجِه هَذِه التَّحدِّيات والصُّعوبات. وتؤكِّد اَلكثِير مِن الدِّراسات، والْبحوث التَّطْبيقيَّة، والنَّظريَّة على أنَّ وَسائِل الإعْلام المخْتلفة تَعُد عاملا أَساسِيا مِن بَيْن العوامل الكثيرة، والْمتداخلة اَلتِي يُمْكِن أن يَكُون لَهَا تَأثِير كبير على الآبَاء، والْأمَّهات، وَعملِية التَّرْبية الوالديَّة سَوَاء مِن حَيْث المعارف، والْمهارات، والاتِّجاهات، والسَّلوكات بِغضِّ النَّظر عن كَوْن أنَّ اَلقلِيل فقط مِن هَذِه اَلبُحوث تمَّ إِعْدادهَا حَوْل آثار وَسائِل الإعْلام على الآبَاء والْأمَّهات تحْديدًا، فَإِن هذَا لَا يمْنعنَا مِن أنَّ نسْتنج أيْضًا مِن خِلَال النَّظريَّات، والْبحوث ذات اَلصلَة، وَكذَلِك الخبْرات المهْنيَّة أنَّ وَسائِل الإعْلام لَديْهَا تأْثيرات قَويَّة، بِالْمقارنة مع قوى، واسْتراتيجيَّات أُخرَى على مَواقِف الوالديْنِ، وسلوكيَّاتهم فِيمَا يَتَعلَّق بِتنْشِئة الأطْفال وترْبيتهم. لِذَا فَإِن هَذِه الوسائل، يُمْكِن أن تَكُون أَدَاة هَامَّة فِي دَعْم الآبَاء، والْأمَّهات، وإعْلامهم. وَمِن جِهة ثَانِية فَإِن هُنَاك اَلكثِير مِن المشاكل، والْعيوب اَلتِي تُعيق قُدرَة وَسائِط الإعْلام على الإسْهام بِفعَّاليَّة فِي تَلبِية اِحْتياجات الوالديْنِ، وَمِن أَبرَز هَذِه اَلعُيوب أنَّ مَصادِر المعْلومات اَلتِي يَسهُل اَلوُصول إِليْهَا مِن طرف الإعْلام حَوْل مَواضِيع التَّرْبية الوالديَّة نَادِرة، ومتناثرة، وتسْتغْرق وقْتًا، وجهْدًا كمَا أنَّ اَلْمَواد المتعلِّقة بالْوالديَّة تَتَضمَّن اَلكثِير مِن التَّخصُّصات، وتتداخل فِيهَا اَلكثِير مِن التَّخصُّصات فيدْخل فِيهَا عِلْم النَّفْس، والتَّرْبية، والْقانون، والْأرْطوفونيا، والطِّبُّ، والتَّنْمية المجْتمعيَّة، والْمهارات الرَّقْميَّة، نَهيُك عن خُصوصِيَّة كُلِّ مَرْحَلة فَمِن الطُّفولة المبكِّرة إِلى الطُّفولة المتأخِّرة إِلى المراهقة، وَكُل مَرْحَلة لَهَا خُصوصيَّتهَا، ومناهجهَا، وأساليبهَا، ومتطلَّباتهَا، كمَا يَصعُب تَحدبَد المعْلومات، وتقْييمهَا، وانْتقائهَا سَوَاء مِن طرف المتخصِّصين، والْمنظَّمات التَّرْبويَّة، والْباحثين، والْممارسين فضْلا عن الصَّحفيِّين، وَهذَا قد يَكُون سببًا فِي تَقدِيم وَسائِل الإعْلام نَصائِح، وإرْشادات مُرْبِكة، ومتناقضة. دُون أن نَنسَى التَّغيُّرات اَلتِي طَرأَت على البيئة الاقْتصاديَّة، والْفكْريَّة، والثَّقافيَّة، والاجْتماعيَّة، وَهُو عَامِل مُهِم فِي تَربِية الأطْفال، وَوسَط هذَا الاضْطراب، والْخلاف فَإِن الباحثين، والْممارسين، ووسائل الإعْلام، والمدْرسة، والْأسْرة والْمسْجد، وصنَّاع القرَار قد يَجدُون جميعًا صُعوبَات فِي اَلحُصول على معْلومات مَوثُوقة أو صَحِيحَة مِن بَعضهِم البعْض.
وتجْدر الإشارة إِلى أنَّ أَولِياء أُمُور المراهقين يَحصُلون على معْلومات، ودعْم أقلَّ مِن وَسائِل الإعْلام مِن آباء الأطْفال الأصْغر سِنًّا، وَيرجِع سبب هذَا الإهْمال اَلنسْبِي لِأبوَّة المراهقين إِلى كَوْن أنَّ المراهقين لَديهِم اِحْتياجات إِنْمائيَّة فَرِيدَة، وَحَساسَة، وَعدَم تَلبِية هَذِه الاحْتياجات يَخلُق مَخاطِر كَبِيرَة بِالنِّسْبة لِلْمراهقين، والْأسر، والْمجْتمع عُمومًا، وتؤكِّد الأبْحاث الحديثة على أنَّ الوالديْنِ لَهُم دَوْر حَاسِم فِي التَّأْثير على المراهقين، ولكنَّهم غالبًا مَا يفْتقرون إِلى المعْلومات، والدَّعْم لِلْقيَام بِذَلك بِفعَّاليَّة خَاصَّة وأنَّ وَسائِل الإعْلام تميل إِلى عَرْض صُوَر سَلبِية عن المراهقين، وتسوقهم على أَنهُم فِئة مُضطربَة تُعَانِي مِن مُشكلَات الجريمة، والْعنْف، والْمخدِّرات، والْمواقف السَّيِّئة، وَهذِه الصُّورة هِي الرَّائجة فِي صُفُوف الجمْهور عُمومًا، وفْقًا لِبيانات المسْح، بِمَا فِي ذَلِك الآبَاء أَنفُسهم. كمَا أنَّ هُنَاك فقط اَلقلِيل مِن الرَّسائل حَوْل تَربِية الأطْفال اَلتِي تَصِل الآبَاء، والْأمَّهات مِن بَرامِج الإعْلام التَّرْفيهيَّة، على غِرَار الأفْلام والْمسلْسلات، والْكرْتون، وَالقِصص، وَهذَا مَا يُعَد مُقْلِقا إِلى حدِّ مَا خَاصَّة عِنْدمَا يَتِم تَصوِير العشرات مِن التَّفاعلات بَيْن الوالديْنِ والطِّفْل كُلُّ حِين مع تَصوِير نَمطِي لِأدْوَار الجنْسيْنِ، وَعدَم التَّأْكيد على أنَّ الأطْفال الصِّغَار الَّذين يحْتاجون إِلى كثير مِن الرِّعاية، واعْتبارهم مُجرَّد “دَعائِم” لِتفاعلات البالغين، وَتصوِير الآبَاء على أَنهُم جُزْء لِحلِّ المشْكلات العائليَّة بِسرْعة، وَسهُولة، وَبمعْزِل عن أيِّ نِظَام لِلدَّعْم، وَلِهذَا فَإِن هُنَاك حَاجَة مَاسَّة إِلى إِجرَاء بُحُوث مِن أَجْل اَلمزِيد مِن التَّحْليل لِلرَّسائل اَلتِي تَنقُلها وَسائِط التَّرْفيه عن اَلأُبوة والْأمومة والْحياة الأسريَّة، وَتقيِيم أثر تِلْك الرَّسائل على الوالديْنِ، واسْتكْشاف إِمْكانيَّات التَّأْثير على تِلْك الرَّسائل بِطرق إِيجابيَّة، وَذلِك بِاسْتخْدام المبادرات اَلتِي كَانَت نَاجِعة فِي التَّرْويج لِلْقضايَا الاجْتماعيَّة الهامَّة على غِرَار مَشاكِل الطُّرقات، والْمخدِّرات، والتَّعصُّب، والْأزمات الاقْتصاديَّة، والسِّياسيَّة…إِلخ وَتعَد هَذِه المشاكل، والْعقبات بِمثابة نُقطَة اِنطِلاق، وَفُرصَة سَانِحة لِإحْرَاز تَقدُّم كبير فِي فَهْم دَوْر وَسائِط الإعْلام فِي دَعْم الوالديْنِ، وَمِن ثمَّ تَقدِيم مَجمُوعة مِن الخطوات الملْموسة لِمعالجة أَوجُه الضَّعْف، ومواطن التَّقْصير بِطرق فَعَّالة، وَهذَا مِن أَجْل تَعزِيز قَاعِدة المعارف حَوْل اَلأُبوة، والْأمومة، وَمِن ذَلِك تَنفِيذ اِسْتراتيجيَّات شَامِلة، ومتكاملة لِتعْزِيز التَّواصل، والاتِّفاق بِشَأن أَسالِيب اَلأُبوة، والْأمومة النَّاجعة بِطرق مُسْتمِرَّة، ومحدَّدة الأهْداف.
إِنَّ المعْلومات المتعلِّقة بِأهمِّيَّة تَربِية الأطْفال، وممارسات الوالديَّة الخاصَّة لَن تَكُون فَعَّالة إِلَّا بِقَدر نشْرهَا، وَلِهذَا فَإِن هُنَاك حَاجَة إِلى مُبادرات اِتِّصاليَّة، وإعْلاميَّة مُخطَّط لَهَا، وتنْفيذهَا بِعناية تَامَّة لِضمان وُصُول المعْلومات الجديدة إِلى الآبَاء، والْأمَّهات فضْلا عن وَسائِل الإعْلام، وَكذَلِك الدُّعَاة، وَصانِعي السِّياسات، والْعناصر الَّذين يَتَعامَل مَعهُم الآبَاء، والْأمَّهات مِثْل مُعَلمِي التَّرْبية، ومقدِّمي الرِّعاية الصِّحِّيَّة، والْمربِّين فِي مَرْحَلة الطُّفولة المبكِّرة، والْأطبَّاء النَّفْسانيِّين، والْمرْشدين الاجْتماعيِّين، وهناك عدد مِن الخصائص الهامَّة لِنجاح هَذِه المبادرات، بِمَا فِي ذَلِك تنْسيقهَا مع المشاريع الإعْلاميَّة القائمة اَلتِي تَستهْدِف الآبَاء، والْأسر. وَفِي إِطَار هَذِه المبادرات لَابُد مِن إِيلَاء اِهتِمام خاصٍّ أيْضًا لِلْمجالات اَلتِي تُوجَد فِيهَا ثغرات فِي اَلجُهود الإعْلاميَّة الحاليَّة، وَيمكِن تَحقِيق ذَلِك مِن خِلَال تَصمِيم وَتنفِيذ مُبادرات خَاصَّة لِمعالجة القضايَا الرَّئيسيَّة، بِمَا فِي ذَلِك اِسْتهْداف الآبَاء والْأمَّهات الَّذين لَا يَتِم اَلوُصول إِليْهم بِفعَّاليَّة على غِرَار الآبَاء الَّذين يَصعُب اَلوُصول إِليْهم، وآباء المراهقين، والْبَحْث على نِطَاق أَوسَع عن تَأثِير الرَّسائل الحاليَّة فِي كُلٍّ مِن وَسائِل الإعْلام الإعْلاميَّة والتَّرْفيهيَّة، فضْلا عن سُبُل لِإدْخَال آثار أَكثَر إِيجابيَّة، وَخَاصَّة فِي وَسائِل الإعْلام، والتَّرْفيه، وإنْشَاء مَركَز دَائِم لِلْموارد لِإتاحة المعْلومات لِوسائط الإعْلام، وَغَيرهَا بِطريقة مُسْتمِرَّة.
وَفِي ظِلِّ تَزايُد الطَّلب على المعْلومات الإعْلاميَّة مِن طرف الآبَاء، والْأمَّهات، والْحاجة إِلى ذَلِك اِنْتشَرتْ دَاخِل شَبكَة الإنْترْنت مَواقِع تَهتَم بِشئون اَلأُبوة، والْأمومة، وقد ساعدتْ على اِختِصار اَلكثِير مِن اَلجُهد، والْوَقْتُ كمَا سَهَّل اَلحُصول على المعْلومة، وَأَخذهَا مِن مصادرهَا الصَّحيحة، والْموْثوقة، وتتصَدَّر شَبَكات التَّواصل الاجْتماعيِّ هَذِه المواقع نظرًا لِمَا تَتَمتَّع بِه مِن مُميزَات، وخصائص، وَيرجِع السَّبب فِي زِيادة اِسْتخْدام هَذِه الشَّبكات فِي السَّنوات الأخيرة إِلى كَوْن أنَّ هَذِه الوسائل تَمكَّن مُسْتخْدميهَا مِن التَّواصل المسْتمرِّ مع المجْتمع، وَمعرِفة الأخْبار، والْمعْلومات، وَيمكِن القوْل إِنَّ شَبَكات التَّواصل الاجْتماعيِّ صَارَت هِي أَدَاة الانْترْنت اَلأُولى، ولَا يَقتَضِي اِسْتخْدامهَا اَلجُلوس أَمَام الحاسوب بل أَصبَحت مُتَاحَة لِجميع شَرائِح المجْتمع فِي أيِّ مَكَان أو زَمَان طالمَا أنَّ المسْتخْدم يَمتَلِك هاتفًا ذكيًّا، واشْتراكًا فِي الإنْترْنت، وتسْتخْدم مُعظَم هَذِه المواقع على الوسائط المتعدِّدة أو مَا يُعرَف بِالْملْتيميدْيَا اَلتِي تُعَد فِي وقْتنَا الحاليِّ شكْلا مُهمًّا، وَرائِجا، ويحْظى بِإقْبَال كبير مِن طرف المسْتخْدمين، والْمتلقِّين بِاعْتبارهَا تَجمَع بَيْن الصُّور ذات الأبْعاد المخْتلفة، والْحركات، والْمؤثِّرات، والْألْوان، والْأصْوات، وَيمكِن اِسْتقْبالهَا بِترْكِيز، وإدْرَاك وَذاكِرة قَويَّة لِأنَّ المسْتخْدم يُركِّز على حاسَّتَيْنِ أساسيَّتيْنِ هُمَا السَّمْع، والْبَصر، وَهذَا مِمَّا يُسَاهِم فِي زِيادة دَرجَة التَّأْثير نَهيَك عن أنَّ تَدفُّق اَلْمَواد السَّمْعيَّة والْمرْئيَّة، والْمكْتوبة يُمكن المتلقِّي مِن تَشغِيل مَقاطِع الفيدْيو، والصَّوْتيَّات، وقراءة النُّصوص فَوْر وُصولِهَا مع إِمْكانيَّة الاحْتفاظ بِهَا، واسْتعْمالهَا فِي وَقْت لَاحِق دُون اللُّجوء إِلى حِفْظهَا فِي الجهَاز، واسْتهْلاك مِساحة التَّخْزين والْوَقْتِ، وبيانات الإنْترْنت.
إِنَّ صُنْع مُحتَوَى التَّرْبية الوالديَّة عَبْر شَبَكات التَّواصل الاجْتماعيِّ يَتَطلَّب إِمْكانيَّات بَشَريَّة، وَتقنِية، وَعلمِية، وَمالِية، وإبْداعيَّة، وتخْطيطيَّة فَهُو يَحْتاج إِلى التَّحْرير، والتَّصْوير، والْمونْتاج، والْإخْراج، والتَّقْديم، وغيْر ذَلِك مِن فنِّيَّات صِناعة اَلمُنتج الإعْلاميِّ فضْلا عن الأجْهزة، والتِّقْنيَّات الخاصَّة بِالتَّصْوير، والْإضاءة، والْمونْتاج، والصَّوْت، وأماكن التَّسْجيل بِالْإضافة إِلى عَمَليَّة الإعْلان، وَطرُق اِسْتقْطاب، وجلْب المتابعين، وَكُل ذَلِك يَتَطلَّب جُهْدًا، ودعْمًا، وإمْكانيَّات مُختلفَة. هذَا، وَيجِب أن تَكُون عَمَليَّة الإعْداد، والتَّخْطيط، ودراسة، وَتحدِيد الجمْهور المسْتهْدف، وخصائصه، ومقوِّماته، وَتحدِيد الفكْرة، وَطَريقَة تقْديمهَا، وَشَكلهَا تتسم بالاحترافية، وَكُلمَا كَانَت عَمَليَّة الإنْتاج الإعْلاميِّ على قَدْر مِن الاحْترافيَّة، وتوفِّر فِي عناصرهَا الشُّروط، والْمتطلَّبات اللَّازمة فَإِن المحْتوى حتْمًا سَيجذِب اِنتِباه المتلقِّي، ويزيد مِن اِهْتمامه، ودافعيته نَحْو التَّعَرُّض، والْمتابعة.
لَقد أَصبَحت مُمارسات تَربِية الأطْفال أَكثَر تعْقيدًا فِي ظِلِّ شُيُوع الوسائط الرَّقْميَّة، وانْتشارهَا فِي الحيَاة اليوْميَّة بِمَا فِي ذَلِك الحيَاة الأسريَّة، وَلِهذَا وجد الآبَاء اليوْم أَنفُسهم فِي مَوقِف صَعْب، فَمِن نَاحِية، يُشجِّعون اِسْتخْدام أطْفالهم لِلْوسائط الرَّقْميَّة لِلْأغْراض التَّعْليميَّة، والتَّواصليَّة، والتَّرْفيهيَّة، وَفِي الجانب الآخر يُحاولون تَقلِيل المخاطر، والسَّيْطرة على الآثَار السَّلْبيَّة المحْتملة النَّاتجة عن اِسْتخْدام الوسائط الرَّقْميَّة. وقد تمَّ الاصْطلاح على سُلوكيَّات، واسْتراتيجيَّات اَلأُبوة، والْأمومة المسْتخْدمة فِي مُحَاولَة التَّوَسُّط، وَتقلِيل الآثَار السَّلْبيَّة لِوسائل الإعْلام على الأطْفال بالْوالديَّة الرَّقْميَّة، وَهُو هُو مُصطَلَح حديث أطْلقَتْه اَلأُمم المتَّحدة مُؤَخرا نَتِيجَة لِحَجم التَّحدِّيات العالميَّة اَلتِي تُواجههَا صِحَّة الطِّفْل النَّفْسيَّة، والْعضْويَّة، وآثارهَا فِي اِضْطرابات الشَّخْصيَّة، والتَّواصل الاجْتماعيُّ، والْحدّ مِن فُرصَة أَخْذ القدْر الكافي لِاكْتمال بَاقِي مَراحِل النُّموِّ اَلأُخرى اَلتِي يحْتاجهَا الطِّفْل فِي حَياتِه عِنْدمَا تَحتَل هَذِه الأجْهزة اللَّوْحيَّة مِساحة كَبِيرَة مِن وَقتِه، وترْكيزه مِمَّا يجْعلهَا تُؤثِّر على عَقلِه، وَسلُوكه، وَممَّا يُمْكِن أن يَتَرتَّب على مُحْتوياتهَا السَّيِّئة فِي الألْعاب، ومحرِّكات البحْث، ومواقع التَّواصل الاجْتماعيِّ أو اَلوُقوع بِجهالة نَفْي إِحْدى الجرائم الإلكْترونيَّة المنْصوص عليْهَا أو التَّعَرُّض لَهَا، وَمِن هَذِه الجرائم على سبيل المثَال التَّحَرُّش، والابْتزاز، والْعَبث بِالْغرائز، وانْتحال اَلهوِية وَغيرِها مِن الجرائم الإلكْترونيَّة اَلتِي تُشكِّل ضررًا بالغًا، وتهْديدًا واضحًا حَيْث أنَّ اِسْتراتيجيَّات الوالديَّة الرَّقْميَّة لَا تَتَضمَّن فقط القرارات التَّقْييديَّة، وَإِنمَا على العكْس فَهِي تَشمَل التَّفاعل بَيْن الوالديْنِ، والطِّفْل فِي حَالَة تُسمَّى الوساطة التَّمْكينيَّة أَيْن يُرَاقِب الآبَاء حَيَاة أبْنائهم الرَّقْميَّة فِي جوٍّ دِيمقْراطيٍّ تشاركيٍّ غَيْر تَسلطِي مِن نَاحِية، وَمِن نَاحِية أُخرَى يَقُوم على الرِّقابة، والْحماية وَترشِيد الاسْتخْدام بِحَيث لَا يُؤثِّر على صِحَّة الأطْفال النَّفْسيَّة، والْجسديَّة، وَعلَى سلوكاتهم، وأوْقاتهم، وعلاقاتهم مِن جِهة، واسْتفادة الأطْفال مِن هَذِه الوسائل فِي حَياتِهم التَّعْليميَّة، والاجْتماعيَّة، وإشْبَاع رغباتهم، وميولاتهم التَّرْفيهيَّة، والثَّقافيَّة.
ومن هذا جاء هذا الكتاب مسلطا الضوء على أهمية الإعلام الأبوي الذي يحمل على عاتقه تثقيف للوالدين وتزودهم بالمعارف، والمهارات التي يحتاجونها ومدى تطوراته سواء من ناحية الوسائل، والأساليب، والمحتويات مركزين بذلك على مساهمته في تعزيز الوالدية الرقمية على وجه الخصوص على اعتبار أنها من أبرز ضروريات العصر متصدرة بذلك لائحة الأبوة والأمومة لما لها من أهمية كبيرة في حماية الطفل من مخاطر الأجهزة الموصولة بالانترنت وتعزيز فرصه عبر هذا العالم لاستثماره في صالحه، وصالح الأسرة، وتحويله من حد ضار إلى حد نافع، ولأجل ذلك قسمنا هذا الكتاب إلى ستة فصول كما بينا ذلك في قائمة المحتويات حيث سنتناول كل ما يتعلق بالإعلام الذي يجعل من الآباء والأمهات جمهورا أساسيا له ويعمل على تلبية حاجياتهم المعرفية التي يقتضيها العصر الرقمي في ظل ظهور ما يعرف بالوالدية الرقمية وما تحمله من أهمية وأهداف ودوافع فضلا مضمونها ومناهجها وأساليب والوسائل التي تتطلبها في اطار ما يعرف ببرامج الوالدية الرقمية بالاضافة إلى واقعها سواء في البلدان النامية أو السائرة في طريق النمو بما في ذلك الجزائر، وقبل البدأ في هذا لابد أولا من ذكر بعض الدراسات التي استفدنا منها كأدبيات سابقة للدراسة، وهي كالتالي:
الأولى: دِراسة (2020) Tosun & Mihci، وهو بحث بِعنْوَان فَحْص سُلُوك الوالديَّة الرَّقْميَّة لَدى الآبَاء والْأمَّهات مع أَطفَال مَا قَبْل المدْرسة فِي سِيَاق التَّعْليم المسْتدام وقد تمَّ إِجْراؤهَ لِتصْمِيم برْنامج تعْليميٍّ رَقمِي عن اَلأُبوة والْأمومة لِلْآبَاء، والْأمَّهات الَّذين لَديهِم أَطفَال فِي مَرْحَلة مَا قَبْل المدْرسة فِي مُقَاطعَة أَدرَنة التُّرْكيَّة،
الثانية: دِراسة (Ylmaz & Bayraktar (2018، بِعنْوَان اَلأُبوة الرَّقْميَّة – تصوُّرَات حَوْل المخاطر الرَّقْميَّة وكان الغرض مِن هَذِه الدِّراسة البحْث فِي تصوُّرَات أَولِياء اَلأُمور المتعلِّقة بِالْمخاطر الرَّقْميَّة، ومَا هِي جَوانِب الوسائط الرَّقْميَّة (المخاطر أو اَلفُرص) اَلتِي يرْغبون فِي تدربها.
الثالثة: دِراسة (Huang et al (2018، بِعنْوَان تَخلُّف الآبَاء؟ العوامل المؤثِّرة فِي الكفاءة الذَّاتيَّة لِلتَّرْبية الرَّقْميَّة فِي المجْتمعات المحْرومة كَخُطوَة مُهمَّة لِسدِّ الثُّغرات اَلحرِجة فِي الأدبيَّات ذات اَلصلَة، حيث تلقي هَذِه الدِّراسة الضَّوْء على العوامل اَلتِي تُؤثِّر على الكفاءة الذَّاتيَّة لِلْأبوَّة الرَّقْميَّة فِي المجْتمعات الحضريَّة المحْرومة. بِاسْتخْدام مَسْح التَّعْداد لِأسر السَّكن اَلْعام فِي وَاحِدة مِن أَكبَر هَيْئات السّكنات الاجْتماعيَّة فِي الولايات المتَّحدة.
الرابعة: دِراسة Coyne et al (2017)، بِعنْوَان الوالديَّة والْوسائط الرَّقْميَّة، وتَعُد هَذِه الدِّراسة بِمثابة قِراءة نَظَريَّة تَستعْرِض مَجمُوعة مِن الأبْحاث ذات اَلصلَة بالْوالديَّة، والْوسائط الرَّقْميَّة.
الخامسة: دِراسة :Nikken & Haan (2015) بِعنْوَان تَوجِيه اِسْتخْدام الأطْفال الصِّغَار لِلْإنْترْنت فِي اَلمنْزِل -المشْكلات اَلتِي يُواجههَا الآبَاء فِي الوساطة الأبويَّة، والْحاجة إِلى دَعْم اَلأُبوة والْأمومة، وتَبحَث هَذِه الدِّراسة فِي النِّقَاط التَّالية:
السادسة: دِراسة (Rode (2009: بِعنْوَان اَلأُبوة الرَّقْميَّة – تَصمِيم سَلامَة الأطْفال، ويعّد هذَا البحْث عِبارة عن دِراسة إِثْنوْغرافيَّة لِلْأطْفال، والْآباء الَّذين يبْحثون فِي قضايَا الخصوصيَّة، والْأَمْن المنْزليِّ، ويقدِّم نَظرَة عَامَّة عن القواعد، والْاسْتراتيجيَّات الأبويَّة لِلْحفَاظ على سَلامَة الأطْفال، ويناقش بِإيجَاز مَنظُور الأطْفال حَوْل سلامتهم على الإنْترْنت، وكيْف شَارَك آباؤهم فِيهَا.