تفصيل
- الصفحات : 135 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى ،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-837-0.
أفرز تطور المجتمع تداخلات كثيرة وصراعات في عموم العلاقات الإنسانية، وبشكل خاص على المستوى الأسري، مما شكّل تحديات في مواجهة تماسك الأسرة واستقرارها، ظهرت في شكل نزاعات أسرية معروضة على القضاء الذي أهلك من التزايد المستمر والتدفق الهائل لهذا النوع من القضايا.
الأمر الذي ساهم في عجز الجهاز القضائي عن مواجهة هذه الدعاوى وتسويتها، وهو ما عبّر عنه التنامي المتزايد لنسبة الطلاق على مدار السنوات الأخيرة.
وبذلك ازدادت الحاجة إلى البحث عن بدائل للتقاضي في حل وتسوية النزاعات الناشئة عن الأسرة نظرا لطبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة وما تتطلبّه من توازن مادي ومعنوي للزوجين والأولاد في حال وجودهم، وضمان المحافظة على استقرار الأسرة وعدم تفككها.
وكان من الطبيعي أن تعمل مختلف الأنظمة القانونية جاهدة لرسم الأطر التشريعية للوسائل البديلة في تسوية النزاعات الأسرية نظرا لأهمية هذه الوسائل في سرعة البت في النزاع والحفاظ على أسرار الخصوم، واستمرار التوافق الشخصي والاجتماعي بينهم من خلال تحكيم الحوار وتغليب دور الأطراف إيجابا في توجيه النزاع، والوصول إلى الحل للخروج منه بدل دورهم السلبي في إطار إجراءات التقاضي وما تقتضيه من جهد ووقت وتكاليف يتطلبها السير العادي للإجراءات التقليدية التي أثبتت عدم فعاليتها بسبب تراكم أعداد هائلة من القضايا نتج عنه التأخير في الفصل فيها وإصدار أحكام بشأنها، والبطء في تسويتها، زيادة إلى الإغراق في الشكليات الإجرائية.
ومن هذا المنطلق، ظهرت أهمية هذه الوسائل باعتبارها آليات ناجعة لتحقيق العدالة التصالحية رغم أنها ليست جديدة وإنما قدية قدم الإنسانية، وكانت موجودة وفعالّة.
غير أنّ الجديد هو ضرورتها الملحّة في وقت يحتاج إليها الجميع على مختلف المستويات والمجالات.
ودفعت هذه الحاجة مختلف التشريعات لتنظيم أحكامها وإرساء قواعدها في مختلف المجالات، وأولت لها في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا، فظهرت الوساطة كآلية بديلة في تسوية النزاعات الأسرية ولعبت دورا إيجابيا، فيه من الفعالية والمرونة ما جعل الأنظمة القانونية تسارع إلى ضبط قواعدها وأحكامها ضمن تشريعاتها الداخلية بالنظر إلى مكانتها في الفكر القانوني العالمي وخصوصا أمام ما شهدته الأنظمة القانونية من حركة فقهية وتشريعية في مجال تنظيم الوسائل البديلة، والعمل على تقنينها وتفعيل ممارستها، لما توفره من مرونة وسرعة البت والحفاظ على سريّة وخصوصيات العلاقات الأسرية، وما تضمنه من مشاركة الأطراف عن طريق منح الدور الأكبر لإرادتهم في تسوية النزاع بالشكل الذي يضمن تحقيق التوازن بين مراكز ومصالح أطراف العلاقة ضمن التوجه الذي يحمي أفراد الأسرة سواء قبل فك الرابطة الزوجية من أجل تفادي انحلالها، أو ضمان حقوق أفرادها حتى بعد فك هذه الرابطة وما يترتب عنه من آثار وجب تنظيمها بشكل ودي وتوفيقي بواسطة إعمال هذه البدائل.
وقد ركن المشرع الجزائري تأثرا بالحركة التشريعية في العالم إلى هذه االوسيلة البديلة واطمئن لفاعليتها، من خلال استحداث نظام الوساطة في المادة الجزائية بموجب التعديل الذي أحدث على قانون الإجراءات الجزائية بموجب الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015.
وكذلك من خلال قانون حماية الطفل المستحدث بالقانون رقم 15-12 المؤرخ في 15 جويلية 2015 الذي نظم آلية الوساطة كوسيلة بديلة في تسوية ما يرتكبه الطفل الجانح من أفعال وجرائم تمس الأسرة والمجتمع.
وبهذا التوجّه، يكون المشرع الجزائري قد أقرّ بأفضلية هذه الطرق البديلة في حل النزاعات التي تستلزم أساليب ذات طابع خاص في تسويتها، والابتعاد إلى حد ما عن أسلوب: ثنائية قاضي-خصومة، الذي لم يبق النموذج الوحيد لحل النزاعات، فكثافة القضايا يستلزم التفكير في بدائل لتسوية بطريقة أخرى في إطار الوقاية من النزاع ثم اقتراح الطرق البديلة لتسوية النزاعات بعد وقوعها.
وبهذا الشكل، اتجه الفكر القانوني نحو تحديث المنظومة القانونية في إطار دعم الموجود وإيجاد المفقود.