تفصيل
- سنة الطباعة : 2015،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الاولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-484-06-6.
يتناول هذا الكتاب قضية محورية في حقل التواصل الإنساني، ويكشف التجول الواعي في النص ومضمونه عن مجموعات أولية وتراكيب جزئية تهدف الى الاحاطة بموضوعة مفعمة بالقدرة على التعبير عن الواقع الراهن، قضية مؤطرة بعنف اللغة اذا صح التعبير للاحاطة من داخل شرنقة الإعلام وفي اطار الحركة التطورية المتدافعة بسرعة ممكنات التقدم العلمي للنظام الإعلامي الراهن بالغايات التي يسعى الإعلام لنشرها واشاعتها في حياتنا، واللغة هنا هي تكرار توكيدي يفضي الى الاعتراف بان حقل الإعلام هو في الواقع مثال على إمكانية لا حدود لها في تشكل واقع إنساني مغاير عما نألفه او نعايشه مدركين او مرغمين في الواقع اليومي.
وأنسنة الإعلام في خارطة جدلية التغيير والتأثير تطلق قضية مشروعية المفاهيم المؤسسة لمعنى العلاقة بين فعل الإعلام ونظام الحياة الانسانية من مسلمات تبدو لنا انها إطلاقية وغير قابلة للنقاش، واعتبارالمنظومة التواصيلية في إطارها العام تشكل الوعاء والدلالة، واللغة في حقيقتها مؤسسة اجتماعية متسمة بالقدرة على البناء الافتراضي وتتفاعل باتجاه التأثير وصولا الى التغيير، هنا علينا ان نعترف بانواع الغموض الذي يأسر هذه القضية ويجعلها تتأرجح بين تصور حقيقة اللغة (الإعلامية) ومجموعة المعارف والعلوم التي تصور البناء المخيالي الذي يخلق الشىء وبالتالي يدعي انه يملك إمكانية وصفه وتعميمه.
ومن منظور مختلف تعرض المعالجة المنهجية في الكتاب حدود الأزمة البنوية الراهنة التي تحيط بالفعل الإعلامي الراهن والذي تم اختطافه ومصادرته لغايات متصلة بالهيمنة والاستحواذ والسيطرة، واية مفارقة حين نحاول أن نكيف نظريا الازمة الراهنة مع متطلبات الاخضاع لمسلمات عرفناها قبل عقود من الزمن في الإطروحات الفكرية التي تناولت مبادىء وأخلاقيات العمل الإعلامي وانسانيته، انها قضية أكثر من شائكة وحرجة وتستدعي التوسل الحثيث باللغة كي تحمل أمانة المعنى والغاية من البحث في هذا الميدان .
والعلامات الفارقة في التناول والمعالجة الفكرية التي قدمتها المؤلفة كانت في الواقع تبدأ من فكرة تسجيل الواقع وإعادة انتاجه، وهي ليست عملية تسعى نحو بناء إستيهامات فكرية مستندة الى الرغبة في تحطيم القشرة التي تغلف فعل الإعلام، بل انها عمليا تسعى الى صياغة شكل معياري يمكن من الاحتكام له بشكل محايد وموضوعي، وبمعنى آخر السعي نحو افتراض وجود حراك إعلامي هادف متسم (بالأنسنة) المدركة من القائمين على تفعيله في المجتمع لغايات خلاقة وبناءة، هذا الافتراض بحد ذاته يلقي على القارىء مسؤولية إكتشاف حجم الفجوة القائمة اليوم بين النوايا المضمرة والغايات الحقيقية وراء تمكين الإعلام من الوصل والتأثير في في الافراد والمجتمعات، والتأمل في لجة البحر ليس مثل الغوص في أعماقه، والمشاهد المتصلة بواقع دور الإعلام في المجتمع التي تعرض تفاصيل معززة بالقرائن عن (البيئة الملوثة للإعلام)، تعبير يختصر القصة بأسرها، والحوسبة الرياضية الموظفة في أداة التفكير والمعالجة كانت تحاول من خلال الخوض في غمار تفاصيل المعالجات الذي عرضها الكتاب، تسعى بشكل حثيث نحو بناء فضاء مشترك بين المؤلف والقارىء، فضاء مشحون بالمسؤولية المشتركة لجميع من يرى في الإعلام نشاط معرفي خلاق يمكن ان يسهم في ضمان حياة أفضل للبشرية، وحرية حقيقية للانسان.
وهكذا نستطيع القول ان لا مسلمات إطلاقية ثابتة تقف اليوم خلف الابواب المغلقة للنشاط التواصلي، بل اننا عمليا أمام صياغات متصلة ومتسمة بالاثراء والتنوع، وان الكشف عن العيوب التي تتسلل وتتوارى خلف حجب التدفق الكثيف الذي يسرق -في أغلب الاوقات- منا لحظة الوعي في خضم التيار الشديد الجريان لتنوعات الممكنات الإعلامية، هي مسؤولية الباحثين والقائمين على إدارة العلم النظري والتطبيق الميداني للفعل الإعلامي، وهذا ما نجده بوضوح في فصول هذا الكتاب، وما عبر عنه الجانب الفكري والمعالجة المتصلة بالواقع في مضمون الفصول المتسمة بالترابط والتكامل، وفي واقع الإعلام ليس هنالك ربيع وخريف يضمن لنا تعادل الفصول، بل اننا في الواقع في خضم صراع قاس بين الحق ونقيضه وبين الخير والشر.
ويظهر وعلى نحو لا يمكن تجاهله او تخفيف أثاره، اننا نسعى دون ان ندرك حجم الكارثة وأبعادها، الى تجميل صورة ودور الإعلام في الحياة الانسانية ، منطلقين من الاثر الايجابي المتصل بحرية الانسان وتطور قدراته المعرفية والتي نهض بها الإعلام بمختلف وسائله منذ عصر النهضة والتنوير ولغاية اليوم، ولكن ذلك لايعفي المفكرين والباحثين في هذا الميدان الى بناء سلوك نقدي يكشف عن العيوب وأغلبها متسربة ومعبرة عن سلوك الاستغلال غير الانساني لتلك الوسائل وتحويلها الى ممكنات سالبة ومدمرة في الحياة البشرية، والتضليل الإعلامي هنا نموذجا، فالخير كل الخير من الإعلام، ولكن الواقع يشىء بان الكثير من الشر قد يأتي لنا -في الغالب- عبر بوابة الإعلام ولا نملك الوعي او القدرة على المواجهة والتصدي.
وليس من قبيل المصادفة ان يتوافق مضمون هذا الكتاب مع تصاعد الدعوات الفكرية لتعزيز المسؤولية الاخلاقية لحماية الانسان والمجتمعات من تغول بعض وسائل الإعلام، ولم تعد تلك الدعوات تتستر وراء قضية المحافظة والدفاع عن منظومة القيم والاخلاق حسب، ولكنها ترى مستقبل يتسم بالغموض والالتباس من التوظيف المقصود والمبرمج لوسائل الإعلام باتجاه صياغة عالم مسيطر على منافذه لغايات معبرة عن الهيمنة والاستحواذ، والى تسرب القيم الفاسدة الى ميدان الإعلام على نحو واسع، وهو ما أشرت مخاطره المؤلفة بوضوح شديد، ودعت الى تكريس مفهوم الأنسنة…(ان أنسنة الإعلام، تعني بأن يصبح أكثر إهتماما بالانسان منه بالسياسات والقضايا العامة، وان فكرة الانسنة، وقيمها الاخلاقية، تنبع من انها فكر إنساني يؤمن بفضائل الانسان، كما يؤمن فكر الانسنة بحق الانسان بالعيش بكرامة وحرية وعدل ومساواة ..الخ).
اذن نحن امام قضية قيمية واخلاقية قبل كل شىء، فاما ان يكرس الإعلام من اجل خدمة قضايا الإنسان، او يذهب بالاتجاه الاخر، ولذلك يقدم لنا هذا الكتاب بامتياز موضوعة أنسنة الاعلام من زاوية جديدة، انه يعرض سجل اخلاقي، او مدونة قيمية، تسهم في تعزيز العمل من اجل بناء وسائل إعلامية متصلة ومعبرة عن الحاجات الانسانية، وليس الإعلام في نظرياته المجردة حسب، وانما في الواقع التطبيقي المتصل بالتفاصيل اليومية لحركة الانسان ومعاناته من اجل الخلاص ون الظلم وحماية حريته وكرامته.
وبشكل أكثر افاضة في المعنى والدلاله، فان المفهوم الاخلاقي المجسد لانسانية الانسان والذي يستند الى التراث البشري بكل فيضه الفكري عبر العصور، يتعرض اليوم الى إعادة تشكل على نحو متسارع من خلال تطور اللغة والرموز الاعلامية – اذا صح التعبير- ليقدم لنا عالما إفتراضيا مصنوعا وممهورا بالتدفق الهائل للصورة والكلمة التي قد تحمل في مضمونها نقيض مكشوف لكل منظومة القيم والمبادىء التي تعلمناها، وشيدنا من خلالها عوالمنا الراهنة، وهذه اللامساواة غير القابلة للقياس قد تقودنا الى تصور نظام بشري يتضمن معادلة الاقوياء والضعفاء او المنتصرين والمهزومين، وهذا الاختلال القيمي قد يتحمل النظام الإعلامي القائم اليوم النصيب الاكبر من المسؤولية في وجوده، من هنا كان هذا الكتاب محاولة فكرية جادة لاطلاق نداء بالمسؤلية تجاه استعادة دور الإعلام على طريق البناء الاخلاقي والقيمي ولصالح تأكيد الجوهر الخلاق للانسان في هذه الارض .
وبعد، وقبل ان تتبخر الامال المصحوبة بالتفاول بمستقبل الإعلام على مستوى تعزيز الحرية الانسانية والامن والسلم في العالم، فانه لابد من الوعي المسؤول وإدراك حجم المخاطر التحديات الجدية التي تواجه الاعلام، وهذا الكتاب يطلق نداء للعمل الفكري والبحثي لصياغة منظومة فاعلة لتأكيد جوهر الفعل التواصلي والاعلامي في الحياة الانسانية، ومن أجل ان يبقى الإعلام قائما برسالته الانسانية الخلاقة بعيدا عن كل اشكال المصادرة والهيمنة.