تفصيل
- الصفحات : 213 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-687-1.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
تعُدّ الدراسات التربوية اكتساب التلميذ المهارات اللغوية من قبيل اكتسابه لعادات مجتمعه، تثبت بالممارسة والتكرار وتعزيز السلوك التعليمي، وتتولّى اللسانيات التطبيقية مهمّة الأداء الميداني ضمن أهمّ اتجاه من اتجاهاتها يتعلّق بتعليمية اللغات؛ تحلّل عملية التعليم إلى عناصرها المشكّلة لها (معلّم، ومتعلّم، وبرنامج تعليمي ومحتوى، وطرائق تعليم، وكتاب مدرسي ووسائل مساعدة)، وتنظر في مضامينها ومشكلاتها، تغذي روافدَها علومٌ عدّة وتتسارع خطاها نحو الدقّة العلمية والموضوعية، تبتغي الوصول إلى أفضل النتائج على المستوى العملي، وتروم اقتراح أنجع الحلول لتذليل عقبات التعلّم ومعالجة أخطاء المتعلمين ومشكلاتهم اللغوية.
تتجاوز اللسانيات التطبيقية في مسعاها التعليمي النهج التقليدي المنبني على أسلوب التخطئة والتصويب المباشر، مع أنّ تعليم العربية في وقتنا الحاضر ليس بأفضل حال، ولا نحتاج إلى معاينة ميدانية للكشف عن ضعف تحصيلها في أوساط المتعلمين بدءًا بالطور الأساسي إلى الجامعي، وذلك لتراكم عدة أسباب تاريخية وثقافية واجتماعية، ولعل أبرز ما يظهر من ضعف اللغة في جانبها النحوي الذي هو صمّام أمانها وحامي حدودها.
قضايا عديدة حول اللغة العربية ومستقبلها تدفعنا إلى طرح الأسئلة التالية: ما أسباب ضعف التحصيل اللغوي في الأوساط التعليمية عامة، وفي المرحلة الجامعية خاصّة؟ وكيف واجه علماء التهذيب اللغوي الخطأ قديما وحديثا؟ وكيف تنظر اللسانيات التطبيقية إلى الخطأ في حقل تعليمية اللغات؟ انطلاقا من هذه الأرضية اهتدى مضمون العمل إلى القسمة التالية:
– الفصل الأول: الخطأ في اللغة وآليات مجابهته بين القدامى والمحدثين، تناول التعريف بالمصطلحات المتعلقة بالموضوع مباشرة كالخطأ بأنواعه عند القدامى والمحدثين، وأشار إلى أن المحدثين يفرّقون بين الخطأ والغلط بخلاف القدامى، ثم ذكر ألوانا من الأخطاء الشائعة، تطرق إلى مظاهرها وأسباب حدوثها اللسانية وغير اللسانية بالشرح والتمثيل، مع بيان العوامل التي تزيد من حدّة انتشار الخطأ، ثم أردف بالكيفية التي واجه القدامى بها الخطأ والمحدثون مهتديا في ذلك بمنهج عبد الفتاح سليم في (موسوعة اللحن في اللغة، مظاهره ومقاييسه)، ثم أعقبها بإبراز دور المجامع اللغوية والمعاهد في التيسير اللغوي والتخفيف عن المثقف العربي.
– الفصل الثاني: مناهج التصويب اللغوي ومقاييسه بين القدامى والمحدثين، مناهج التصويب اللغوي نهجت في خطها العام تيارين: تيار متشدّد يردّ كل ما خالف أنماط العربية المتوارثة إلى حظيرة الفصحى المحددة زمانا ومكانا وهو المنحى السائد في أغلب مصنفات اللحن القديمة، وآخر ميسِّر يرى في اللغة كائنا حيا يخضع لنواميس التطور الطبيعية، ولذا وجب على اللغة أن تجاري مستجدات العصر، وعالج البحث أيضا مقاييس التصويب التي اعتمدها القدامى والمحدثون بالتحليل والتمثيل، ثم أشار إلى المستوى الصوابي في اللسانيات المعاصرة.
– الفصل الثالث: تعليم العربية في ضوء منجزات اللسانيات التطبيقية، عالج مباحث عديدة منها: أسباب ضعف التحصيل في اللغة العربية وواقع التعليم العام، وإصلاح المنظومة التعليمية وكيف نعدّ منظومة تعليمية حصيفة لإعداد جيل الغد، ومدى استثمار إنجازات اللسانيات التطبيقية الحديثة في تعليم العربية، ثم تطرق البحث إلى تعليم اللغة عن طريق تحليل الأخطاء، وفيها الاتجاه التقابلي الذي يفاد منه في تعليم اللغات الأجنبية خاصة، وفيها الاتجاه التحليلي الذي ينطلق من اللغة المدروسة نفسها، وما الأخطاء التي يرصدها كل اتجاه وكيف يعالجها؟ كما تجدر الإشارة إلى أنّ الجمع بين الاتجاهين فيما يعرف بالاتجاه التكاملي هو الأسلم لتفادي ما قد يعتري أحدهما من نقائص وقصور في التحليل.
– الفصل الأخير كان دراسة لسانية تطبيقية على أخطاء المتعلمين في اللغة العربية، وآثر البحث اختيار النموذجين معا: الناطقين بالعربية والناطقين بغيرها، فاختار أولا عيّنة من ستّ مذكرات لطلبة ماستر لغة عربية في الجامعات الجزائرية، تتبّع فيها الأخطاء النحوية والصرفية فقط لتيسير الدراسة، تتبّعها بالعدّ والتحديد والوصف، مبيّنا تصويبها أو الوجه الذي ينبغي أن تُحمل عليه في جدول نموذجي عنها، ودعّم ذلك بالإحصاء العددي لنسب الأخطاء المرتكبة، ثم انتقل لأهم عنصر في التحليل اللساني، وهو تفسير الأخطاء وعزوها إلى أسبابها، فمنها ما يرجع إلى تدخل اللغة الأم، ومنها ما يعود إلى الجهل بقيود القاعدة التي تضبط النمط موضع الخطأ، أو المبالغة في تعميمها، أو التطبيق الناقص لها، أو إلى الافتراضات الخاطئة عن اللغة، أو إلى أسباب لسانية أخرى.
وعالجت الدراسة في شقها الثاني جدوى التحليل التقابلي في تلافي أخطاء الناطقين بغير العربية، من حيث اتّباعهم استراتيجيات سلبية في التعلّم، ثم ظاهرة التحجّر اللغوي وكيفية علاجها، تليها أشهر الأخطاء المرتكبة وتفسيرها اللغوي في التحليل التقابلي، وختم الفصل بمقترحات علاجية وحلول لعلها تقرّب العربية من دارسيها وتجنّبهم كثيرا من الأخطاء اللغوية والمشكلات.
وأجملت الخاتمة أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج في شقيها النظري والتطبيقي.
وعن دوافع اختيار الموضوع يغلب الظن أن مجال الدراسات التطبيقية العربية لا تزال بها حاجة إلى مزيد بحوث ميدانية؛ كون أنّ معظم الدراسات السابقة التي تناولت موضوع تعليم العربية بمنظور لساني تطبيقي كانت اهتماماتها بغير الناطقين بالعربية، وأغلبها يصدر عن المعاهد المتخصصة في تعليم العربية للأجانب، أما ميدان تعليم العربية للناطقين بها من وجهة لسانية تطبيقية فقد قلّ طرْقه إلا ما نجده في بعض البحوث الأكاديمية والرسائل الجامعية، وإن كان معظم بحوث الطلاب يبقى مغمورا رهن المكتبات الجامعية بعيدا عن نفعه العام.
ولا يخفى على أحد أن مواضيع مثل النحو والصرف لا يستغني عنها طالب علم البتة، وغالبا ما يُشتكى من صعوبتها وكثرة السقوط فيها، فنجد في كتابات المعاصرين وأحاديثهم تجنّبا مقصودا لبعض الأساليب الفصيحة والمسالك الدقيقة مخافة الخطأ، وتغيب منها أو تكاد ظواهرُ لغوية بالكلية كظاهرة القطع مثلا، وهذا قطعا له تبعات مؤسفة؛ يوشك أن يستعجم علينا فهم القرآن والحديث، وينقطع اتصالنا بالتراث.
ولعل اختيار مذكرات طلبة ماستر لغة عربية عيّنة للبحث يمثّل تمحيصا لمنظومتنا التعليمية لكون هذه الفئة قد أتت على مستلزمات الدراسات العليا من نحو وصرف وبلاغة ونحوها، يرجى أن تقدم صورة صادقة عن جهود سنين من التعليم، ثم أن الدراسات الميدانية غالبا ما تغفل هذه الفئة وتتجه نحو الأطوار الأساسية، وأن المذكرات تصلح ميدانا للبحث أكثر من الجانب الشفهي، أو أيّ محرّرات كتابية أخرى كأوراق الامتحانات أو الاستبانات أو نحوها.
من أهداف البحث:
– لفت أنظار القائمين على تعليمية اللغة العربية إلى شيوع ظاهرة الخطأ اللغوي في المرحلة الجامعية وما قبل الجامعية.
– التعريف بأهم الأخطاء النحوية والصرفية التي يقع فيها الطلبة غالبا، وتحليلها والكشف عن أسبابها وعوامل حدوثها، ثم النظر في كيفية علاجها وتفادي نكوصها مستقبلا.
– اختبار فعالية مناهج التحليل في معالجة أخطاء الطلبة الجامعيين المرتكبة في لغتهم الأم، بعد إثباتها نتائج طيّبة في تعليم اللغات الأجنبية وفي تعليم الطفل لغته الأم.
– تزويد المكتبات العربية ببحوث ميدانية هي في أمسّ الحاجة إليها، تعنى بأخطاء المتعلمين في اللغة العربية وتحلّ مشكلاتهم.
اقتضت طبيعة البحث اتّباع المنهج الوصفي الملائم لدراسة الظاهرة اللغوية(الخطأ اللغوي) ورصدها كما هي في الواقع المستعمل، فاعتُمد في وصف الأخطاء وتحليلها، وفي المقارنة أحيانا بين المذكرات الستّ وإحصاء أخطائها في الجزء التطبيقي، كما اُستعين في الجانب النظري بالمنهج التاريخي في تتبّع أقوال علماء التهذيب اللغوي وجهودهم عبر مراحل تاريخية متعاقبة.
وقد أفاد البحث كثيرا من دراسات سابقة منها ما يعدّ أصولا تنظيرية لعلم اللغة الحديث واللسانيات التطبيقية مثل:
– “علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية” لعبده الراجحي.
– “بحوث ودراسات في علم اللسان” لعبد الرحمن الحاج صالح.
– “علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي (تحليل الأخطاء) للبدراوي زهران.
– “أسس تعلّم اللغة وتعليمها” لدوجلاس براون(Douglas Brown)، ترجمة عبده الراجحي وعلي أحمد شعبان.
– روبرت لادو وآخرون، التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تر: محمود إسماعيل صيني وإسحاق محمد الأمين.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به.