تفصيل
- الصفحات : 364 صفحة،
- سنة الطباعة : 2021،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-182-1.
يحسالمتلقيفي المجتمعات العربية-الإسلامية بالاغتراب والانكسار أمام التطور السريع الذي تعيشه البلدان المتطورة، خصوصا مع الثورة المعلوماتية التي أثرت فيتصوراته وقناعاته وأولوياته، وعند إدراكه للهوة الموجودة بين العالمين الاثنين: عالم الاختراعات والتقدم العلمي وعالم التكيف والاستهلاك فحسب.
ويعتبر التلفزيونمن وسائل الاتصال الجماهيرية، وقد عايش الثورة المعلوماتية واستفاد من كل إنجازاتها. فتطور مع اكتساح الفضائيات البيوت العربية بدون استئذان، ليسيّر معه أنماط استهلاك جديدة يقترحها بل ويفرضها على المتلقين والتي بالتأكيد تحمل معها منظومة قيمية جديدةتتغلغل في حياتهم رويدا رويدا.
ولقد كان للتلفزيون دور كبير في حياة الأفراد بما يتيحه من معارف ومعلومات وبما يؤديه من وظائف وعلى رأسها وظيفة الترفيه. ثم ظهرت الإنترنت التي استقطبت بدورها جماهير جديدة، من حيث تمكينها من سرعة الحصول على المعلومة وآنيتها ومواكبتها لكل التطورات التي تحدث في العالم.
وقد زادت حدة النقاش حول دور كل من التلفزيون والإنترنت،إذ هما ليستاوسيلتين اثنتينلبث لصور محايدة.
فالصورة تحمل معان ودلالات مختلفة كما أنها تظهر حقائق وتخفي أخرى. تدخلنا الصورة في عالم الاتصال بفعل العلاقة الناتجة عن وجودها وعن العلاقة التي تقيمها بين المرسل والمتلقي.
في الواقع هي غير مبنية بشكل مهيكل. والمرسل هو الذي يقوم بهيكلتها وصناعتها وبنائها لتصل إلى المتلقي على الشكل الذي تعرض فيه. لذلك، فهي غير حيادية وتحمل بعدا إيديولوجيا. من خلالها، تُنقل الأفكار والقيم وتتشكل القناعات والاتجاهات لتؤثر في المتلقي.
وبفعل الثورة التكنولوجية الهائلة التي عرفتها البشرية فقد زاد سيطها وزادت قوتها التي لا تضاهيها أي وسيلة اتصال أخرى. وهي تخاطبنا بدون أن نسمع صوتها، منغرسة بلا وعي في ذواتنا ووجداننا؛ فتحرك أحاسيسنا وتقتحم بيوتنا وترافقنا حيثما وجدنا.
والصور موجودة حيثما كان الإنسان: كملصقات في الشوارع أو على الحافلات، في البيت، على الأجهزة الإلكترونية المختلفة، على أجهزة الكمبيوتر والآي باد و……..
كما نجدها على أغلفة المنتجات التي نستهلكها والأغراض المختلفة التي نقتنيها،لتجعلنا لا ننام ولا ننهض إلا عليها، ولا نتحرك إلا عبرها ومن خلالها، ولا نتنفس ولا نحيى إلا بها.
تنتمي الصورة إلى مجال اللغة غير اللفظية، وهي وسيلة تواصلية فعالة يقوم مرسل بإرسالها ومتلق يستقبلها، حيث تبث عبر قناة اتصال. ويوظف القائم بالاتصال منظومة من الوسائل الإقناعية بغية التأثير في المتلقي.
لذلك، الصور التي نراها كل يوم والتي أضحت جزءا من الحياة الاجتماعية ليست حيادية؛ هي محملة بمنظومة من القيم الضمنية المراد تمريرها للمتلقي الذي يتفاعل معها بأشكال مختلفة؛ فهو يشاهدها ويعيد مشاهدتها، يقبلها أو يرفضها، يمنحها تأويلا ويعيد تأويله إياها. وبالتالي، يعيد إنتاج معانيها.
والمرسل حتى يؤثر في المتلقي، يقوم بتنظيمها وبنائها وفق معايير محددة مرتبطة بداية بفكرة تسيرها، وبطبيعة السيناريو والألوان المختارة التي لكل واحد منها دلالة معينة، ثم عن طريق اختيار معين لزوايا التصوير، وأيضا من خلال الموسيقى المرافقة لها، والنص الذي يرافقها (مكتوب أو شفوي) …
هذه العناصر بامتزاجها ببعضها البعض ستكون بنية هي التي تشكل بنية الصورة كما نصفها وكما نؤولها.
لذلك، فتأثيرها قوي، تمارس علينا سلطة بدون أن نعيَ. لديها “هالة” لا يضاهيها فيهاأحد.
وقدرتها على التأثيروالإقناع قوية وسلطتها تمارس على الجميع،لأن “الصور عكس الكلمات، يمكن أن تصل للجميع، في كل اللغات، بدون كفاءة أو تعلم مسبق.”[1]
وعملية تأويل الصور المعروضة تكون فردية مرتبطة بالتجربة الجمالية لدى كل واحد منا، والمرتبطة بالخبرات والمعرفة المسبقة والبيئة الثقافية والاجتماعية التي ترعرع فيها كل واحد منا. كل هذه العوامل هي مؤشرات تحدد طبيعة ودرجة المتعة التي تنجر عن تلقي عمل فني أو ثقافي.
ومما زاد من قوة وسائل الإعلام والاتصال هو الثورة المعلوماتية التي شهدها العالم في مجال صناعة الصورة، خصوصا مع ظهور الإنترنت وانتشارها. وتعد هذه الأخيرة كنتاج للعولمة التي تمس جميع الأصعدة، ومن أسبابها في ذات الوقت.
فقد كان لانتشار الإنترنت تأثير في تمادي ظاهرة العولمة، وهو الذي أدى إلى العولمة المعلوماتية وأثر بدوره في تفاقم العولمة الثقافية، بفعل الانتشار الموسع وغير المشروط للمعلومة التي تكون محملة بمنظومة من القيم الجلية والضمنية التي تود تمريرها للمتلقي، والتي ستؤثر بشكل أو بآخر فيالممارسات اليومية ومسارالثقافاتالمحلية.
فعن طريق متابعة وسائل الإعلام والاتصال وتحديدا التلفزيون والإنترنت لا تنشر الثقافة الغربية فحسب، بل تنقل أيضا أنماطا جديدة للعيش والأكل واللباس والتصرف. ويتمثل لب الأزمة الحالية التي تمر بها المجتمعات في تدمير الثورة التقنية للنظم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات المتخلفة، وإفقادها الأطر المرجعية التي يمكن أن تتمسك بها وتجعلها قادرة على التحدي.
ويعتبر الإشهار(publicité/advertising)باعتباره حاملا للمعلومة (عن سلعة أو خدمة) قناة لنقل النماذج الثقافية السائدةإلى المتلقي، مستخدما عدة تقنيات للتأثير فيه، معودا إياه على استقبال الصور التي يحملها وعلى تبني النماذج الثقافية المسيرة المختلفة، والتي تكون تارة متماشية مع منظومة القيم لديه ومتعارضة إن لم نقل متصارعة تارة أخرى.
هو إنتاج تجاري يخضع لضوابط تسويقية، وإعلامي يخضع لمعايير تقنية وثقافي يخضع لمحددات قيمية.
وهو يقوم بقولبة السلوك الاستهلاكي ويوجه المتلقي ثقافيا ليتماشى سلوكه والقيم التي يقترحها- بل وحتى يفرضها- المجتمع الرأسمالي الحديث.
وقد أضحى الخطاب الإشهاري شموليا، يقترح نماذج للتصرفات المنمطة، بفرض منظومة قيمية شموليةمتناسيا الحدود والحواجز الثقافية والقيمية المحلية.
وقد تم توظيفه في التلفزيون بفعل كونه يجمع بين الصورة والصوت ليقوم بوظيفته التواصلية التأثيرية لاستمالة المتلقي وحثه على اقتناء ما يروج له، في مشاهد استعراضية توظف كل الفنيات والتقنيات التي كان للمعلوماتية دور في تطويرها، ليمنح لنا عروضا ليس لها نظير. ثم، تم توظيفه في الإنترنت نظرا لإدراك القائمين بالاتصال الدور الذي تلعبه هذه الوسيلة في الحياة الاجتماعية للمتلقين إذ أدركوا بأنه يمكن الاستفادة من هذا الوضع، بإدماج الإشهار في خدماتها.
وأمام هذا الواقع، بدا لي أن أقوم بهذه الدراسة لأوضح كيفية عمل الإشهار في التلفزيون وفي الإنترنت وكيفية تأثيره في المتلقي الشاب،في عصر أضحت فيه الصورة لا تبرحنا حيثما توجهنا.
يستهدف هذا الكتاب طرح إشكالية تحول الإقبال من ميديا إلى ميديا أخرى وكيفية تأثيره في واقع التلقي. كما سأحاول أن أسلط الضوء عن طريقه على واقع الإشهار في التلفزيون وآفاقه بعدما أدمج الإشهار في الإنترنت، وكيفية تفاعل المتلقين إزاءه.
فكان هذا الكتاب الذي بين أيديكم والذي ينقسم إلى خمسة فصول.
استعرضت في الفصل الأول منه التصور الجديد للتاريخ المرتبط بمكانة الصورة وظهور السمعي-البصري،الذي أوضح فيه إشكالية الصورة وبروز السمعي-البصري وكيفية تأثيره في حياة الأفراد وتغيير ممارساتهم اليومية عبر خمسة محاور، حيث تعرض المحور الأول إلى إشكالية ماهية الصورة. ثم تطرقتفي المحور الثاني إلى الأزمنة الثلاثة لظهور الصورة. أما المحور الثالث فوضحت فيه كيفية بروز السمعي-البصري.
ثم، تطرقت في المحور الرابع إلى التلفزيون عبر تبيين كيفية ظهوره وتطوره، ثم وضحت دوره في الاتصال. أما المحور الأخير لهذا الفصل فقد قدمت فيه لمحة تاريخية عن ظهور الإنترنت وعرضا للخدمات التي تقدمها.
أما الفصل الثاني فقد تعرض إلى مسألة العولمة المعلوماتيةعبر أربعة محاور. عرضت في المحور الأول مفهوم العولمة وجذورها التاريخية. أما المحور الثاني فتعرضت فيه إلى وظائف وسائل الإعلام والاتصال المختلفة. أما المحور الثالث فقد تناول مسألةالإمبريالية الإعلامية مع الآثار الناجمة عن هذا الوضع.وفي الأخير، تعرضت إلىواقع المجتمعات النامية مع التدفق المعلوماتي بما يفرزه هذا الوضع من رهانات.
أما الفصل الثالث فقد تناول مسألة لا تخلو من الأهمية والمتمثلة في العولمة الثقافية عبر أربعة محاور، حيث دار المحور الأول حول مفهوم العولمة الثقافية التي يصعب في الواقع تحديدها. ثم، عرضتفي المحور الثاني المراحل المختلفة للعولمة الثقافية، ووضحت فيه أن هذه الظاهرة تضرب بجذورها في التاريخ. ثم عرضت في المحور الثالث إشكالية الصناعة الثقافية والنقاش الذي يدور حولها. وفي الأخير أخذت كنموذج للصناعة الثقافية الإشهار حيث بينت كيفية ظهوره وتطوره، ثم الوظائف التي يقوم بها، ثم استراتيجيات الإقناع المختلفة المستخدمة فيه، فمداخل الاتصال الإشهاري المختلفة. وفي الأخير، عرضت دراسة تطبيقية عن ومضات إشهارية لأوضح من خلالها وسائل الإقناع المتعددة المستخدمة فيها، لجعل الجمهور يتابعها ولجلب جماهير أكبر.
أما الفصل الرابع فقد دار حول واقع البحث في حقل التلقي عبر محورين اثنين. يتعرض المحور الأول إلى التيارات الكلاسيكية الأساسية لدراسة التلقي من خلال تقديم ملخص حولدراسات التأثير، ثم تيار الاستخدامات والإشباعات، فالدراسات الثقافية، وفي الأخير إسهام مدرسة Palo Altoفي دراسات التلقي، مع توضيح إسهام كل تيار في هذا المجال المعرفي. أما المحور الثاني فقد بينت فيه ما آلت إليه دراسات التلقي في هذا الواقع الجديد الذي يفرز ظواهر جديدة بفعل تأثير الميديا الرقمية.
وآخر فصل عرضت فيه الدراسة الميدانية الخاصة بموضوع الكتاب الذي بين أيديكم. وقد ارتأيت أن أبين للقارئ الإطار المنهجي المعتمد قبل الشروع في عرض النتائج، حتى أوضح له أهم الخطوات المنهجية الصارمة التي قمت بانتهاجها والتي لولاها لما كان موضوع هذا الكتاب.
فقمت بداية بتحديد أهمية الدراسة الاستطلاعية والنتائج التي توصلت إليها إثر قيامي بها.
ثم عرضت الإشكالية التي اعتمدتها كموجه لدراستي والتي لولاها لما كان هنالك مسار موحد للدراسة.
ثم حددت الفرضيات التي انطلقت منها والتي اعتمدت كإجابة مؤقتة عن التساؤلات التي قمت بتحديدها. ثم، عرضت الإطار المفاهيمي للدراسة موضحةأهم المفاهيم التي اعتمدت عليها .
بعد ذلك، قمت بتحديدالتقنيتين الاثنتين المستخدمتين اللتين على أساسها تم تجميع البيانات الكمية والكيفية والمتمثلة في الاستمارة والمقابلة.ثم، حددت مجتمع البحث والمعاينة والعينة الخاصة بالدراسة.
وفي الأخير، وضحت كيفية قيامي بوصف وتحليل النتائج، مع عرض للنتائج المتوصل إليها.
وكما أن لكل كتاب مقدمة، كان لهذا الكتاب خاتمة ارتأيت أن أقوم بتسميتها: نقاط تركيب، لأن هذه الدراسة ما زالت تحتاج إلى تدقيق وتمحيص أكثر،خصوصا وأن المتلقي هو مركب (complexe/complex)بحيث يقيم علاقة تصارعية مع المضامين والأشكال الإعلامية والثقافية المختلفة، مع واقع لا يزال يتشكل يوميا.لذلك، قد تحدث تغيرات جديدة في مجال تلقي الإشهار والتي لا يزال المجال مفتوحا للقيام بدراستها.
وقبل الخوض في موضوعي، كان بودي أن أتقدم بالشكر إلى الأساتذة الذين ساعدوني في تدقيق بعض المفاهيم التقنية. كما لا أنسى أن أتوجه بالشكر إلى كل الطلبة الذين منحوني بعض وقتهم لملء الاستمارات، وأولئك الذين قبلوا أن أقوم بمقابلات معهم.
وبادئ ذي بدء، سأشرع في عرض الفصل الأول
[1]Régis Debray, Vie et mort de l’image, France, Gallimard, 1992,p.386