تفصيل
- سنة الطباعة : 2019،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الاولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-484-08-0.
البعض من الناس قد يتساءل مناجيا نفسه، لماذا انا أو لماذا ذاك وقع ضحية إجرام وليس اخر، والبعض الاخر يتساءل بدوره، كيف لمن هب ودب يستطيع تقمص شخصية الضحية وبات عسيرا عليهم أن يميزوا بين الضحية الحقيقية والمنتحلة لشخصية الضحية . وأهل العلم والاختصاص لا تنقطع تساؤلاتهم عن كيفية حماية الضحية والمجتمع ومحاولة تسطير البرامج الوقائية والتأهيلية لمختلف الضحايا بأنواعهم , ومساندتهم قبل و أثناء وبعد تضررهم .
هي أسالة كثيرة لا يمكن طرحها لا بطريقة حدية ولا يمكن الاجابة عنها بإجابات عفوية، لذالك علم الضحية هاهنا، فيه ما يكفي الباحث التواق للمعرفة لإحياء معارفه وتعزيز افكاره في هذا الميدان والحقيقة بنت البحث.
بطاقة التعريف هذه، تعد تكملة لسابقتها والخاصة بعلم الإجرام، فكما سنرى لاحقا ، فعلم الضحية يعد من أهم فروع علم الإجرام وجزء لا يتجزأ منه .فإن كان من اهتمامات علم الإجرام اعتماد فكرة أن تمنعه من السقوط خير من أن تساعده بعد السقوط، فإن علم الضحية يساعد على دراسة الشخص بعد أن يتعرض للجريمة ويصبح ضحية بدوره و يساعده على تجاوز معاناته وضمان حقوقه وحسن الرعاية به وأيضا الوقاية من الوقوع في نفس الحالة مجددا ومنه حماية الافراد المحتمل ان يقعوا في الإضحاء مسبقا.
فعلم الضحية مع أنه حديث النشأة علميا الى أنه شامل بكل الجوانب المحيطة بالضحية، ويفسر أسباب تغير حالتها من شخص او مجموعة افراد عادية الى ضحية أو ضحايا، وما هي السمات والخصائص النفسية والاجتماعية الفيزيولوجيةلكل ضحية Profile, كما ان علم الضحية يساهم في تقييم وطرح العوامل والإمكانيات الواجب توفرها للتخفيف من معاناتها وتجنبها الوقوع لأن تكون عرضة لنفس الجريمة أو لجريمة اخرى ، كما يساهم علم الضحية بتزويد علم الإجرام بمعطيات تساعده على تشفير العلاقة بين الضحية والمجرم وطبيعة العلاقة بينها ودورها في مسرح الجريمة فإهمال الضحية بلا شك يساهم في رفع معدلات الجريمة و يفتح شهية النفوس المسعورة للقيام بأعمال إجرامية أكثر فأكثر وهو ما لا تحمد عواقبه ليس على الضحية فحسب بل على المجتمع بأكمله.
ودوافع كتابة هذا الكتاب عديدة ومن أهمها هو مبادرتنا مع دار النشر لتكملة سلسلة بطاقة التعريف الخاصة بالعلوم المحيطة بعالم الجريمة وان لم تلقى كلماتنا الصدى المنشود عزيزي القارء، فحسبنا اننا ساهمنا في تحريك مياه العلوم الإجرامية الراكدة من اجل نهضة عربية في وطننا العربي المثقل بتراث كهل ممتد إلى عشرات العقود الماضية، وتقوم ثقافته على تلال من الطابوهات والعراقيل العرفية. وعليه فلا يمكننا إنكار اننا واجهنا صعوبات في كتابة بطاقة التعريف هذه ولعل اهمها شح المراجع وندرتها بغية جعله اسندا موضوعيا لبحثنا هذا.
ثانيا هو ما أسميه بظاهرة الضحية الملكة (victime royale) وهم الأشخاص الذين ينتحلون ويتقمصون واقع وآلام الضحية الحقيقية والتي في بعض الاحيان يكيف شخصها على أنها هي المسؤول والمخالف للقانون سوآءا لعدم قدرتها علي الدفاع عن نفسها أو لصمتها او لأسباب نفسية واجتماعية أخرى، فالمثل الشعبي يقول ” يا ما في السجن من مظلومين”,فيكفي أن نشهد ذالك في بعض الحالات مثل التي يكون فيها المحامي بارعا وبليغا والمجرم ممثلا محتالا ماكرا متمكنا وعلى دراية بثغرات القانون مع تضخيم اعلامي غير مسؤول ينقلب حال الشخص من ضحية حقيقية الى مجرم ومذموم.
هذا كله أمام تطور الجريمة علي غرار العلوم القانونية والوقائية, وهنا يتجلى لنا تكامل علم الإجرام وعلم الضحية في الصد لهذا الزحف الإجرامي ما سنراه سويا في هذا الكتاب .
فكيف يمكن للمختص والفرد العادي التمييز ومعرفة الضحية الحقيقية من المنتحلة و بالتالي مساندتها و التكفل بها, فالأمر لا يخص رجال العدالة فقط. بل كل فئات المجتمع وحتى الأولياء في أسرهم, والفراسة والأقدمية المعول عنهمالا يكفيان لكي يأخذ كلا من المجرم والضحية حقهما وهنا يظهر دور علم الضحية في تزويدنا بالمعلومات اللازمة. الضحية الملكة المنتحلة نجد موضعا لها في حديث الرسول الحبيب صلى الله عليه ووسلم حيث قال “حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من نار يأتي بها يوم القيامة . وهو لدليل على ان هنا كمن يستطيع ان يلعب دور الضحية الملفقة مظلا للعدالة ومرهقا لروح الحق بها فيتمسكن حتى يتمكن خاصة ما كانت الضحية الحقيقية معاقة او مقيدة ( تحت التهديد والاستفزاز) اوتحت تأثير الصدمة مالا يمكنها من تحرير دفوعها وحججها بحرية او ميتة، فكثيرا ما كانت الحقيقة نائمة على شفاه الموتى،. ا وقد يكون خصم الضحية احد الأقرباء كالوالدين او الأجداد فلا يمكنها فضحهم ولا مجابهتهم, ومنه فليس على رجال القضاء فقط إظهار الجانب المظل ممن شهادتهم بل المختص في علم الضحية كذألك في الكشف عن الحقائق الغامضة و خدمة الضحية وقضيتها وبالتالي الإعانة في توجيه سير القضايا بعدالة
وهو الأمر السهل وصفا والصعب عمليا لذالك الخبرة والاطلاع والحنكة تعد من اهم الادوات المؤهلة للقيام بهذا النوع من المهام وتحويل كل مواجهة الى فرصة لحل الغموض فغالبا ما يكون يقع المكان المظلم تحت الشمعة المنيرة مباشرة.
وسبب اخر على سبيل المثال وليس الحصر ،الحاجة العلمية في بلداننا العربية لهذا العلم و ما نعانيه من خلط في المفاهيم والترجمات في بعض الكتب إن وجدت ,والمثال الصارخ هو ان علم الضحية ( بالفرنسية victimologie) يترجم ويطلق عليه اسم المجني عليه وكما أن الضحية لكي تكون كذالك عليها أولا أن يرتكب عليها جريمة ثم تقوم برفع دعوى قضائية ومن ثم تكيف قانونيا بالمجني عليه لكي تعد ضحية,اي عليها ان تكون محل الحماية القانونية التي يهدف إليها المشرع بنص التجريم , على غرار ذالك نجد ان هناك ضحايا لجرائم حديثة لم يؤطرها القانون بعدو منها الجرائم الادارية والالكترونية الخ. وعليه فهذا التعريف مردود لتنافيه لأبجديات علم الضحية كما هو متعارف عليه في مسقط رأسه أي العالم الغربي الذي يجمع على مصطلح الضحية.victimeاضف الى ذالك، ما يقوم به البعض من خلط بين علم الضحية وعلم الإجرام مع انهما علمان مستقلين هناك من يزال يقر بان علم الضحية فرع من فروع علم الإجرام،اماالبعض الاخرفيقوم بحصرعلم الضحيةإمافي حدودضحاياالجريمةوإمافي علم النفس الصدمةPsychotraumatologieوالذي هومن اهم الفروع العلميةالطبنفسيةوعليه يقتضي علينا الواجب العلمي تحريرعلم الضحيةمن هذه المعتقدات الخاطئةوتحصين القارئ ا لعربي منهاوهذاماسنتعرض له طيلةهذاالعمل.
ومنه تتبلور ضرورة الاتفاق بين العلماء على المصطلحات الفنية المستخدمة في مجال علم الضحية وترجماتها من اللغات الأجنبية تسهيلا وتيسيرا للتواصل العلمي.
دافع أخر ذا أهمية علمية واجتماعية معا،وهو صفة التأنيث التي نعطيها للضحية دائماً وبصفة تكاد غير شعورية ، فكأنما ليس هناك رجال ضحايا عنف زوجي أو ضرب أو اختلاس أو غير ذالك من الجرائم التي لها خاصية نسوية، فالضحية كما سنرى ليست أنثى حتما بل قد تكون رجلا ، شابا او كهلا ، غنيا أو فقيرا عالما أو أميا. وليست أيضا حالة دائمة بل مرحلة مؤقتة على المعني بها تجاوزهاو في بعض الاحيان عليه الإستعانة بمختص لتحقيق ذالك.
صفةالتأنيث التي الصقت بعلم الضحية تسكن فقط مخيلة الانسان البسيط اما المختص فيرى غير ذالك، كوزيموكومباCosimo Campa في كنابه تاريخ الجريمةhistoire du crime au féminin يبن ان للمرأة مثل حض الرجل في الجريمة ولكن بطريقة مختلفة ويضيفان 30% من الجرائم هي من اعمال نسائية و20% منهامتعلقة بجرائم لقاتلات بالتسلسلtueuses en série فهن يقمن بالقتل حسب قوله بنفس البساطة حين يقمن بترك الزوج او يقررن عدم الإنجاب فمنهن من يقمن بذالك بسب في لحظ يأس، اوللبرهنة عن قوتهن كانثوات، والقيام بدور بطولي والبروز بنفس مستوى الرجال الخ وبعض الاحيان بغرض الانتقام او لاهداف مالية وقليلا مايظهرن الندم على ماقمن به، والبعض لايكتفين بالقتل الى حد التنكيل والاعتداءاللاأخلاقي لضحاياهن , وأضاف ان متوسط الزمن للقبض على الرجال المجرمين هو اربع سنوات بينماهوعندالنساء يقدر بثماني سنوات لكيدهن ودهائهن في ارتكاب الجرائم وخاصة في تغيير ملامح الجريمة وتغييرهاالى موت عادى فيم أسترسل الكاتب في ذكر نقاط الاختلاف بين الرجال النساء مستدلا بذكر قصص لأهم جرائم حواء في القرون الاخيرة.[1] .فنحن لانجرم المرأة فهي الام والأخت والزميلة الى غير ذالك لكن ماعلينا وضعه في الواجهة هو ان لهاوعليها من الجرم كالرجل أيضاً ..
وفي هذا العمل المتواضع ووفقا لما تفتضيه الضرورة العلمية من موضوعية ومنهجية علمية، يلاحظ القارء أننا لسنا ممن يخلطون العلم بالدين كما أننا لاننكر للدين الإسلامي حقائقه العلمية و لانقر عجزا في المنظومة الاسلامية ولكننا لا نريد الخوض في جدال الغرض منه إستهواءالمشاعر الدينية في مجتمعات منفعلة وذات اندفاعية عاطفية عاليةوبالنالي السقوط في متاهات لا أول لها ولا اخر.فنحن فضلنا الكتابة العلمية في العلوم الاجرامية النفسية و التي تبرز دورها وأهميتها على الخوض في علي مخاضات عشوائية,لكي يتمكن للمواطن العربي ان يفرق بين الاختصاصي في العلوم الاجرامية وعلماء الدين وماموقفنا هذا الا دليل لاحترامنا للدين الحنيف والمختصين فيه وهذا ليس تقليلا من شان علمائنا ولكننا نحن قوم مامورن بالعدل وإيتاء كل ذي حق حقه فسبحانه عز وجل قال : » لايجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى « فلابد أن ننسب الفضل لأهله.