تفصيل
- الصفحات : 126 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-577-5.
أدت الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر منذ أواخر الثمانينات، نتيجة انخفاض أسعار البترول الذي صاحبه تدهور الأوضاع الاجتماعية، إلى تبني الجزائر إصلاحات اقتصادية عديدة أبرزها انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي، أي التخلي عن الاقتصاد المخطط أو الموجه، وبالتالي فتح المجال أمام المبادرة الخاصة واعتماد مبدأ المنافسة الحرة كمبدأ أساسي لتنظيم النشاط الاقتصادي.
ويقصد بالمنافسة، وضعية تنافس اقتصادي بين مؤسسات متمايزة بصدد عرض نفس المنتج السلعي أو الخدمي داخل السوق الواحدة تلبية للحاجات ذاتها، على أن يكون لكل مؤسسة نفس الحظ من الربح أو الخسارة، وهي الوضعية التي تقابل وضعية الاحتكار، سواء كان هذا الاحتكار لمصلحة الدولة، حيث لا يمكن في هذا الوضع إعمال قواعد المنافسة ولكن قواعد التخطيط، أو كان الاحتكار أو شبه الاحتكار لمصلحة المؤسسة الخاصة، فنكون أمام وضعية هيمنة اقتصادية لا تتحقق معها ظروف المنافسة الحرة، وعلى هذا الأساس يكون المقصود بقانون المنافسة، مجموعة من الأحكام القانونية والتنظيمية المطبقة على المؤسسات في إطار نشاطاتها داخل السوق، والتي يكون الغرض منها ضبط التنافس فيما بينها[1].
ومن المسلّم به أن قانون المنافسة أضحى يعد بحق صورة صادقة عن التحولات التي يعرفها أي نظام اقتصادي، كما أن غالبية الفقه الحديث أصبح يعتبر هذا القانون أداة فعالة في تنظيم وتنمية الاقتصاد عموما، وعنصرا أساسيا في تفعيل اقتصاد السوق على وجه الخصوص، وإذا كانت معظم قواعد هذا القانون ذات طابع موضوعي تجسد التوجه نحو الليبرالية الاقتصادية، فإنه إلى جانب هذه القواعد مازال يُحتفظ للدولة بحق التدخل لتوجيه ومراقبة عمليات النشاط الاقتصادي قصد حماية النظام العام الاقتصادي.
إلا أن هذا التدخل عرف تغيرا ملموسا في طريقته، حيث تم تعويض القرارات الإدارية بأدوات الضبط الاقتصادي المتمثلة في السلطات الإدارية المستقلة والتي من بينها: مجلس المنافسة، مجلس النقد والقرض، اللجنة المصرفية، سلطة البريد والواصلات، سلطة ضبط الكهرباء والغاز، سلطة ضبط النقل، لجنة الإشراف على التأمينات.
وما يهمنا في مقامنا هذا هو مجلس المنافسة، الذي أعطاه المشرع دور المشرف على تنسيق وترقية المنافسة، ولأن هذا المبدأ عماد اقتصاد السوق، فإن نطاق اختصاص المجلس لا ينحصر في قطاع معين بل يمتد إلى كل القطاعات مما يجعل منه جهاز الضبط العام للسوق.
وتم استحداث هذا الجهاز لأول مرّة بموجب المادة 16 من الأمر 95-06 المتعلق بالمنافسة التي تنص على أنه: “ينشأ مجلس المنافسة، يكلف بترقية المنافسة وحمايتها.
يتمتع مجلس المنافسة بالاستقلال الإداري والمالي”
إلا أن المشرع في هذا الأمر لم يحدد الطبيعة القانونية لمجلس المنافسة بصفة صريحة، وترك مسألة تكييف طبيعته للفقه، وتداركا لهذا النقص كيّف المشرع طبيعة مجلس المنافسة بموجب المادة 23 من الأمر 03-03 الذي ألغى الأمر 95-06 بأنه سلطة إدارية ووضعها تحت وصاية رئيس الحكومة حيث تنص هذه المادة على أنه: ” تنشأ لدى رئيس الحكومة سلطة إدارية تدعى في صلب النص مجلس المنافسة، تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي …”، إلا أن هذا القانون بقي يعاني من عدة نقائص مما دفع بالمشرع إلى إدخال بعض التعديلات على هذه المادة بموجب القانون رقم 08-12 حيث أعطى المشرع التكييف المناسب لمجلس المنافسة، بوصفه بالسلطة الإدارية المستقلة، ونقل وصايته من رئيس الحكومة إلى وزير التجارة، وذلك من خلال المادة 9 منه والتي تنص على أنه ” تنشأ سلطة إدارية مستقلة تدعى في صلب النص مجلس المنافسة، تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي،توضع لدى الوزير المكلف بالتجارة …”
وباستقراء هذه النصوص يتضح أن مجلس المنافسة قد حضي باهتمام وفير من قبل المشرع، مما جعله يحتل مكانة متميزة ضمن البناء المؤسساتي في الجزائر، إذ تم تنظيم المجلس بتزويده بتركيبة بشرية ومادية متنوعة ومصالح داخلية تتولى تسييره الإداري، كما تم منحه صلاحيات واسعة تمكنه من القيام بالمهمة الأساسية التي أنشئ من أجلها، والمتمثلة في ضبط المنافسة الحرة داخل السوق والتي أوكلت له في إطار انسحاب الدولة من الحقل الاقتصادي كما تم توضيحه سابقا.
ومن الأسباب الذاتية التي دفعتنا إلى اختيار البحث في هذا المجال هو ميولنا للموضوع محل الدراسة، وكذا رغبتنا في مواصلة البحث فيه، أما عن الأسباب الموضوعية التي دفعتنا لاختيار الموضوع كون مجلس المنافسة يعد سلطة إدارية مستقلة تُعنى بتنظيم المنافسة الحرة داخل السوق، وهذا الموضوع يعد من صميم تخصصنا فرع قانون أعمال.
وتتجلى أهمية البحث في هذا المجال في كون مجلس المنافسة من المواضيع المتجددة المطروحة للدراسة، وكذا كون معظم الدراسات السابقة تعالج موضوع مجلس المنافسة معالجة نظرية بحتة، الأمر الذي يحفزنا لدراسته بصفة عملية، ومعرفة كيفية قيامه بالمهام المنوط له القيام بها.
يحقق هذا البحث مجموعة من الأهداف تتمثل أهمها في:
لقد كنا متيقنين أن البحث في موضوع كهذا قد يصاحبه عدة صعوبـــات وعوائــق، يقع على رأسها ندرة المراجع إن لم نقل انعدامها خاصة باللغة العربية، نظرا لحداثة الموضوع نسبيا، وتوالي التعديلات عليه من حين لأخر، في فترات متقاربة مما يجعل الموضوع يحتاج لوقت أطول لدراستة، وكذا صعوبة الحصول على المعلومات والتقارير العملية من المجلس.
ومن هذا المنطلق يمكن صياغة إشكالية البحث على النحو التالي:
وتنبثق عن هذه الإشكالية عدّة تساؤلات فرعية أهمها:
وقد اعتمدنا في دراستنا لهذا البحث على المنهج التحليلي، الذي يقوم على تحليل النصوص القانونية المختلفة ذات العلاقة الوطيدة بالموضوع.
وفي سبيل الإجابة عن الإشكالية التي سبق طرحها، ارتأينا تقسيم الموضوع إلى فصلين، لاعتقادنا أنها الأنسب للإجابة عليها حيث من اللازم تحديد صلاحيات المجلس ومن ثم معرفة مدى فعاليتها. حيث نتطرق في الفصل الأول إلى صلاحيات مجلس المنافسة، هذا الفصل بدوره تم تقسيمه إلى مبحثين، ندرس في الأول الصلاحيات الاستشارية لمجلس المنافسة، والثاني نتناول فيه الصلاحيات التنازعية لمجلس المنافسة.
أما الفصل الثاني فنتناول فيه مدى فعالية الدور الضبطي لمجلس المنافسة، حيث قسّم هو الآخر إلى مبحثين، الأول ندرس فيه تداخل الاختصاص بينه وبين بعض الهيئات الأخرى المكلفة بضبط السوق، والثاني نعالج فيه الإجراءات المتبعة أمام مجلس المنافسة.
[1]– الأستاذ رشيد ساسان، محاضرات في مقياس قانون المنافسة الجزائري، ألقيت على طلبة الماجستير، قانون أعمال، كلية الحقوق والعلوم السياسي، جامعة 8 ماي 1945، قالمة،2013-2014 .