تفصيل
- الصفحات : 237 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى ،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-855-4.
الاتصال حتمية؛ فلا يمكننا إلا أن نتواصل كما يرى أصحاب التفاعلية الرمزية وعلى رأسهم “إرفنغ غوفمان”([1])، كما أنّ الحياة من زاوية ما، ما هي إلا اتصال، إنْ كان ذلك على المستوى الذاتي أو على المستوى البينشخصي أو الجمعي أو التنظيمي أو الجماهيري أو البينثقافي. فالاتصال هو محور الخبرة وهو وإن لم يكن مقتصرا على الانسان، فإنّه منح هذا الاخير تفرّده بخلق القدرة على التعبير والإبداع فيه؛ ومن ثمة إيصال المعاني إلى الآخر الذي يمارس بدوره عملية التأويل استنادا إلى سياقه المرجعي الذي يؤطّره. وكانت المظاهر الاولى لهذا التفاعل قد تجلّت في استخدام الإشارات التي ارتقت بعد ذلك إلى رموز لغوية متكاملة، يتم تبادلها في أنظمة لغوية قائمة بذاتها، عن طريق التفاعل الذي يُنتج معاني ودلالات معبرة في قالب: صور ولغة وأي شيء آخر يحرك الأرضية المشتركة بين المتفاعلين. لذلك، يُفضّل البعض استخدام لفظ التواصل لأن هذا الأخير لا يحيل إلى مجرد اتصال ينطلق من نقطة ليصل إلى نقطة أخرى، بل هو علاقة بين فاعلين (أفراد أو جماعات)؛ على أن يمثل كل طرف على الأقل ذاتا نشطة، لا يقتصر دورها على تبادل المعاني فقط، بل تسعى كل ذات بوصفها مؤديا، لصياغة معنى عام في سياق ذلك.
ولأن التواصل هو صلب الفنّ ومركزه؛ على اعتبار أننا (كنّا وما زلنا) جميعا نمارس على الواقع مسرحيتنا ونتمثّل فيها مختلف معايير الثقافة، لأنه كذلك، أصبحت (مسرحياتنا) تُنقل إلينا عبر خطوط الدراما كنماذج وتمثلات للحقيقة ولأساليب المعيشة والسياق الاجتماعي؛ فالدراما في اتجاهها المثالي تسهم في نقل المعاني المشتركة، وتسهم في تشكيل هوية الأشخاص الفردية والمجتمعية، وهي فضلا عن ذلك تٌعتبر وسيلة فعالة في تغيير ردود أفعالنا إزاء المشكلات الاجتماعية المعروضة.
لذلك، شهدت الساحة الدرامية نقلات نوعية ملفتة للانتباه؛ حيث صارت المسلسلات بمختلف أنواعها تستقطب جماهير كبيرة مترامية ومتنوعة. الأمر الذي استدعى توجها لكُبريات شركات الإنتاج إلى الاهتمام والعناية بهذا الفضاء الخصب والواعد، مستفيدة من تجارب سينمائية ثقيلة، حيث صارت المسلسلات العالمية تغترف أكثر فأكثر من فلسفة السينما من حيث الإخراج والرؤية والصورة والتكثيف … إلخ، وصرنا بالتالي أمام مسلسلات حاملة لمعاني أكثر كثافة من أي وقت مضى. وصرنا أمام ما يشبه مدارس في هذا المجال، فهناك المسلسلات الامريكية، وهناك الإسبانية، والالمانية والمكسيكية، والكورية، والتركية…إلخ. ولكل منها ما يميزه من لمسات فنية وخصوصية ثقافية تستقطب جمهورا خاصا بها.
ومن أهم تلك المسلسلات التي شهدت زخما ورواجا منقطع النظير في المنطقة العربية في السنوات القليلة الماضية، نجد المسلسلات التركية؛ التي عرفت تطورا مهما من حيث الشكل والمحتوى. تطوّرٌ كان له أبعاد وتجليات ثقافية واجتماعية وسياحية واقتصادية بل وحتى سياسية. وهو ما جعل صناع هذه المسلسلات يتنافسون في جذب انتباه واهتمام ودهشة المشاهدين، ليس فقط من ناحية الإخراج واختيار النجوم (وهم نتيجة هذا التطور أيضا)، بل أيضا وهذا الأهم، من ناحية اختيار المواضيع التي تمس مشاعر وعاطفة المشاهد بشكل مباشر أكثر، ثم الإبهار في طريقة معالجة تلك المواضيع، وتجسيد العديد من المعضلات متعددة الابعاد (الثقافية والسياسية والاجتماعية…).
ومما حاولت هذه المسلسلات مؤخرا الاقتراب منه والتعمق فيه، هو التطرق إلى مختلف القضايا الشبابية التي يعيشونها ويعايشونها في سنهم الحرج هذا، مثل العلاقات العاطفية، والعلاقات الأسرية، وعلاقات الصداقة، وبعض السلوكيات السلبية التي يعانون منها. مثلما هو الحال مع المسلسل التركي الجديد المعنون بـ (اسمعني) الذي تطرق صُناعه من خلاله إلى رسالة مهمة جدا تتمثل في أن الصراع الطبقي يأخذ أشكالا كثيرة ويفرز تجليات ومآلات عديدة؛ منها بعض الظواهر العدوانية الخطيرة وأحد تلك الظواهر يأتي “التنمر” كشكل من أشكال الإيذاء التي تخلف ألما نفسيا طويلا.
فالتنمر يعكس أيضا فكرة أن الطبقات لا تتصارع فقط من أجل التاريخ بل إن الصراع نفسه يؤدي لصنع الهوية. خاصة إذا علمنا أن للتّنمر بأي شكل من أشكاله أو لأي سبب، آثارٌ وخيمة؛ فورية أو متوسطة أو طويلة المدى ليس فقط على المتنمرين والمتنمر عليهم ولكن وأيضا على كل من يحيط بهم وله علاقة مباشرة بهم. وبالتالي فالتنمر بوصفه نوعا من أنواع الصراع، لا يعكس فقط حالة عابرة من النزاع بين فردين أحدهما يملك القوة والسلطة والثاني لا يملكهما. بل إنه يمثل أيضا وأعمق من ذلك صراعا هوياتيا وصراعا من أجل تشكيل مسار ثقافي ونفسي واجتماعي لمختلف الأطراف المتصارعة.
وعادةً ما يكون التنمر منتشرا أكثر في المدارس والمؤسسات التعليمية بمختلف أطوارها وفي الغالب ما يكون الأطفال الذين يتم استهدافهم من قبل المتنمرين هم أولئك الذين ليس لديهم العديد من الأصدقاء أو الذين يبدو عليهم عدم انسجامهم مع الجو العام السائد في المحيط التعليمي. وغالبًا ما يتعرضون للتنمر على أساس قدراتهم الاجتماعية أو سماتهم الجسدية مثل المظهر المختلف أو الإعاقة أو السمنة. وعادة ما تتجلى مظاهر التنمر في هذا العمر في المضايقة أو النبذ الاجتماعي والعزلة عن الأنشطة الجماعية.
وعلى هذا الأساس تأتي هذه الدراسة التي تنطلق من براديغم التفاعلية الرمزية مع بعض نظرياتها الجزئية (إدارة الانطباعات، الوسم، المرآة الاجتماعية) لتكشف عن الدلالات الرمزية لظاهرة التنمّر في المسلسل التركي (اسمعني)، انطلاقا من نظرية “تفاوض الوجه“ كمدخل تطبيقي، عبر التساؤل الرئيسي التالي:
وللإجابة على هذا التساؤل الرئيسي إجابة علمية دقيقة، قمنا بتفريعه إلى التساؤلين الفرعيين التاليين:
– ما هي دلالات نظام الخطاب الذي تم فيه انتاج المسلسل التركي “اسمعني“؟
ومن خلاله سنتعرف على:
– سياق انتاج المسلسل التركي “اسمعني”.
– المسلسل التركي “اسمعني” بوصفه نمطا اتصاليا.
– ما هي دلالات التنمر بوصفه حدثا اتصاليا داخل المسلسل التركي “اسمعني“؟
ومن خلاله سنتعرف على:
– كيفية تقديم أطروحة التنمر والاطروحات المرتبطة بها، في المسلسل.
– الدلالات الرمزية التي تم بناؤها حول هوية المتنمرين في المسلسل.
– الدلالات الرمزية التي تم بناؤها حول هوية المتنمر عليهم في المسلسل.
– كيفية تصوير إدارة الصراع بين المتنمرين والمتنمر عليهم في المسلسل.
أولا/ منطلقات:
_ 1 _
تتعلق أسباب اختيار موضوع دراسة ما أساسا بمصادر الاحساس بالمشكلة وما يؤطرها علميا، لذلك فهي ذات علاقة وطيدة بالبراديغم المتبنى من جهة وبالتخصص من جهة ثانية وبما يعايشه الباحث في واقعه من جهة ثالثة إضافة إلى البحوث العلمية والدراسات السابقة التي يمكن أن تكون قد وجهت اهتمامه وأثارت فضوله العلمي. وانطلاقا من كل هذا فإن الاسباب التي وقفت وراء اختياري لموضوع الدراسة والنظر اليه بالطريقة التي قمت من خلالها بصياغة العنوان، تتمثل في:
_ 2 _
من أهم الخصائص التي يجب أن تتوفر في أي بحث علمي هو وجود أهداف علمية يصبو الباحث إلى تحقيقها، ومن المتعارف عليه أن تلك الأهداف تنقسم إلى أهداف أولية (الكشف عن المشكلة، ووصفها، تفسيرها، استرداد تاريخها، استشراف مآلها)، وأهداف نهائية (المعرفة، الضبط، التنبؤ). وأما دراستي هذه فهدفها النهائي الوصول إلى فهم ظاهرة التنمر وتقديم معرفة علمية عميقة بقدر الإمكان حوله (باستخدام تحليل الخطاب)، وأما الأهداف الأولية فتتمركز حول وصف الظاهرة كما يلي:
– الهدف الأول؛ وصف الدلالات الرمزية لظاهرة التنمر بوصفه خطابا في المسلسل التركي “اسمعني”، من خلال التعرف على المسلسل بوصفه نمطا اتصاليا وتحليل سياق انتاجه. ثم دراسة كيفية تقديم أطروحة التنمر والأطروحات المرتبطة بها، وتحليل الدلالات الرمزية التي تم بناؤها حول هوية المتنمرين والمتنمر عليهم، وكيفية تصوير إدارة الصراع بين الأطراف المتصارعة.
– الهدف الثاني؛ محاولة لفت الانتباه إلى ظاهرة التنمر من خلال تسليط الضوء عليها انطلاقا من قوة الكلمة وأبعادها الرمزية، فهي ليست صمت ولا مجرد صوت. ويمكن النظر بالتالي هنا إلى الدراسة كنوع من المقاومة لهذه الظاهرة السلبية والدعوة إلى التفكير فيها بشكل أكثر جدية وأكثر عمقا وإهماد التفكير السطحي من خلال محاولة فهم الدوافع الفردية والجماعية لمزاولة التنمر. ولعل هذا الهدف يقترب من التوجه الرافض لفكرة إجراء البحث العلمي لأجل البحث فقط، بل ينظر إلى البحث العلمي بشكل قيمي معياري أكثر، مثلما أشار إليه الباحث فضيل دليو في إحدى ندواته الدكتورالية ([2]).
_ 3 _
تحيل أهمية دراسة ما إلى ما تضيفه هذه الدراسة؛ إلى الواقع والمجتمع، و/أو إلى الفهم الانساني والمعرفة العلمية إن كان ذلك على مستوى الموضوع أو المنهج أو النظريات.
واستنادا إلى ذلك، تكمن أهميته هذه الدراسة بداية في الموضوع ذاته، فالدراما عموما والمسلسلات خصوصا؛ مرآة نرى من خلالها أنفسنا بما فيها من ايجابيات وعيوب لأنها تسعى لعكس الواقع وما يدور فيه من ظواهر وأحداث نعايشها. وبعيدا عن أنها وسيلة ترفيه فإنها أيضا تُعتبر وسيلة بناء رموز وقيم.
وهذا ما نحن بصدد دراسته حيث نجدها تصف لنا أحد أكبر المشاكل التي يواجهها الطلاب اليوم من خلال العمل الفني التركي “اسمعني” الذي سلط الضوء على ظاهرة ” التنمر” من حيث أنه يمثل تفاعلا سلبيا وسيئا جدا ومؤذي لا يحصل بعفوية وبغير قصد بل بشكل متعمد يأخذ منحى الفروقات الفردية والتشكيك في الهوية، معبرا في ذلك عن صراع المسافة القصيرة للسلطة الضيقة التي تتساوى فيها الأفراد مع الإطار الهرمي الذي ينظر للسلطة من الأعلى إلى الأسفل حول الحفاظ على الوجه والتفاوض فيه ومن خلاله.
بالإضافة إلى أهمية الموضوع، فإن ما يزيد من أهمية هذه الدراسة أنها جاءت للبحث في الموضوع آنف الذكر مستندة إلى نظرية غير معروفة على الساحة الأكاديمية العربية، وهي نظرية ” تفاوض الوجه ” للمنظرة الأمريكية “ستيلا تنيغ تومي”، وهذا ما يجعلها تكتسي أهمية نظرية بالإضافة إلى أهميتها المنهجية من حيث أنها استندت إلى منهجية كيفية قوامها تحليل الخطاب، مستعينة بمقاربة فيركلوف. هذا المزج تم على أرضية براديغمية قوامها التفاعلية الرمزية.
ثانيا/ تحديدات:
الـــدلالات الرمزية:
سننطلق من التساؤل الذي ينسب إلى ميروبونتي: “ماذا لو أفصحت اللغة عما بين الكلمات مثلما تفصح بالكلمات ذاتها؟ وبما لا تقول بقدر ما تقول”. هذا التساؤل يحيلنا إلى فكرة ان هناك دائما معاني متوارية خلف اللغة والكلمات، وعلينا ببذل بعض الجهد للكشف عنها من خلال الدلات الرمزية التي تحملها. ولأهمية هذا المفهوم الاخير وجب علينا وضعه تحت مجهر التحديد والتعريف. وقبل تقديم التعريف الإجرائي المتبنى لمفهوم الدلالات الرمزية في هذه الدراسة، علينا ان نفكك المفهوم أولا والتعرف على معنى كل لفظة على حدة، كما يلي:
الدلالات: تدل مادة (دَلَلَ) على إبانة الشيء بإمارة تتعلمها، ثم اشتق من هذا الأصل كلمة (الدلالة) فالدليل ما يُستدل به، وقد دله على الطريق يدُّله دِلالة ودَلالة والفتح أعلى، فالدلالة بمعناها اللغوي تعني الإرشاد إلى الشيء والإبانة عنه ([3]).
أما الزبيدي في معجمه فيشرح لفظ دل لغة فيقول ” … وامرأة ذات دل أي شكل تدل به”. وينقل عن الأزهري في كتابه التهذيب قوله: دللت بهذا الطريق دِلالة عرفته ودللت به أدل دلالة، ثم إن المراد بالتسديد إراءة الطريق، دل عليه يدله دلالة ودلولة فأندل على الطريق (سدده إليه) ([4]).
لا يبتعد المعنى الاصطلاحي للدلالة عن معناها اللغوي؛
ومن أشهر التعريفات التي وضعت للدلالة نجد ما ذهب إليه الشريف الجرجاني الذي يعرفها بأنها: “أن يلزم بالشيء علم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص وإشارة النص ودلالة النص واقتضاء النص ([5]).
ونجد في المعجم الفلسفي أن الدلالة اللفظية أو غير اللفظية تنقسم إلى عقلية وطبيعية ووضعية؛ فالعقلية هي أن يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة ذاتية تنقله من أحدهما إلى الآخر كدلالة المعلول على العلة. والدلالة الطبيعية أن يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة طبيعية تنقله من أحدهما إلى الآخر كدلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجل. والدلالة الوضعية أن يكون بين الدال والمدلول علاقة الوضع كدلالة اللفظ على المعنى. وتنقسم الدلالة اللفظية الوضعية إلى دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام، أما دلالة المطابقة فهي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، واما دلالة التضمن فهي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له، واما دلالة الالتزام فهي دلالة اللفظ على ما يلزم عنه. مثال ذلك أن المثلث يدل على الشكل المؤلف من ثلاثة أضلاع وثلاث زوايا بالمطابقة. وعلى المتساوي الساقين بالتضمن، وعلى مساواة زواياه الداخلية لزاويتين قائمتين بالالتزام([6]).
ويرى جون لاينز أن الدلالة مرتبطة بلفظة المعنى من حيث أن كليهما يعتمد على الآخر بشكل يجعل المرء غير قادر على معرفة أحدهما عادة دون ان يكون لديه على الأقل شيئا من معرفة الآخر. وتعني العلاقة العكسية بينهما أنه كلما توسعت الدلالة صغر المعنى والعكس صحيح، فعلى سبيل المثال تعتبر دلالة حيوان أوسع تعتبر دلالة حيوان أوسع من دلالة كلب (كل الكلاب حيوانات وليس كل الحيوانات كلاب)، ولكن معنى حيوان أقل تحديدا من معنى كلب ([7]).
أما بريتو فله رأي مخالف إذ يرى أن الدلالة يتم الحصول عليها من خلال مجموع المدلولات المجردة، بينما يحيل المعنى على ملفوظ مخصوص مجسد موضح بالسياق والظروف ([8]). أي ان الدلالة مباشرة أما المعنى فيفهم من خلال السياق.
بينما في السياق العربي، فإن أحمد مختار عمر يوضح أن كل من الدلالة والمعنى سيان ولكن نستعمل مصطلح الدلالة في تسمية علم الدلالة احترازا من علم المعاني الذي هو فرع من علم البلاغة العربية([9]). وهذا الرأي هو ما سأتبناه في هذه الدراسة حيث نقصد بالدلالات المعاني التي نستمدها حول موضوع التنمر كما يريد صناع المسلسل تمثيله وتصويره وإخراجه.
الـــرمـــز: يرى ابن منظور أن الرمز ” تصويت خفي باللسان كالهمس ويكون بتحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ، ومن غير إبانة بصوت، إنما هو إشارة بالشفتين”([10]).
ـ وردت لفظة الرمز في الآية القرآنية: }قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وأذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار{ ([11])، أي أن يومئ لهم فقط يعني إشارة بنحو يد أو رأس.
جاء في المعجم الفلسفي أن من المعاني الاصطلاحية للرمز (Symbol): الرمز ما دلّ على غيره وله وجهان: (الأول) دلالة المعاني المجردة على الأمور الحسية، كدلالة الأعداد على الأشياء، ودلالة الحروف على الكميات الجبرية. (والثاني) دلالة الأمور الحسية على المعاني المتصورة، كدلالة الثعلب على الخداع، والكلب على الوفاء، والحرباء على التقلب، والفراشة على الطيش، والصولجان على الملك، والشعار على الدولة ([12]).
ويعتبر الفيلسوف الألماني “هيغل” من الفلاسفة الاوائل الذين عرّفوا الرمز وذلك بقوله: “الرمز شيء خارجي يخاطب حدسنا مباشرة، بيد أن هذا الشيء لا يؤخذ ويقبل كما هو فعلا لذاته، وإنما أوسع وأعم بكثير وينبغي أن نميز في الرمز إذن المعنى الكبير والتعبير، فالمعنى يرتبط بتمثيل أو موضوع كائنا ما كان مضمونه، والتعبير وجود حسي أو صورة ما”([13]).
ويتضح من هذا التعريف أن الرمز لا يمكن أن ينفصل عن معنى ما يحمله وهو ما يحيلنا إلى مفهوم الدال كما يفهمه عالم اللسانيات الشهير فيرديناند دي سوسير الذي يرى أن الرمز ” هو دال وهو نوع من الإشارة، والإشارة عبارة عن ارتباط كامل بين تصور معين وصورة صوتية معينة، فكلمة شجرة ـ على سبيل المثال ـ كما ينطقها الفرد هي عبارة عن صوت مرتبط به تصور معين أو محدد”([14]).
ومن أجل هذا قيل: إن الكلمات رموز لأنها تمثل شيء غير نفسها، وعُرِفت اللغة بأنها “نظام من الرموز الصوتية العرفية”([15]). فاللغة عبارة عن مجموعة من الاشكال والصوتيات التي تحيل إلى معاني نكتسبها من خلال تفاعلاتنا اليومية.
وهذا ما تشير إليه التفاعلية الرمزية التي تنظر إلى معنى الرموز على اعتبار أنها هي القدرة التي تستخدمها الكائنات الإنسانية للتعبير عن الأفكار. ولدى ميد هو “ما يمكن أن يثير استجابة لدى الإنسان وهو يختلف عن الإشارة التي يكون فيها رد الفعل انعكاسا شرطيا وهو ما يمكن أن نجده في الكائنات الأخرى من غير الإنسان وفي مقابل ذلك الرمز يتطلب التأويل، أي إدخال الرمز في شبكة من المعاني التي تضع الرموز في إطار خاص، حيث استعمال الرموز يفترض إذا تواجد نظام اجتماعي ثقافي أي نسيج من اللغة ([16]).
من خلال ما سبق نصل الآن إلى القول إن الدلالات الرمزية تعني في هذه الدراسة: المعاني التي تم بناؤها (ثقافيا، اجتماعيا، نفسيا، معرفيا، لغويا) حول خطاب التنمر؛ نظاما وحدثا اتصاليا. في المسلسل التركي “اسمعني“، ومن ثمة كيفية عرض الوجه؛ على اعتبار أنه يمثل الهوية التي تم من خلالها تقديم ذوات كل من المتنمرين وضحاياهم في تفاعلاتهم الاجتماعية وكيفية إدارة الصراع في خضم ذلك.
2- الــتـنمر:
يُعتبر التنمّر هو المفهوم الرئيسي في هذه الدراسة وعليه تأسّست إشكاليتها، لذلك وجب أن نمنحه حيزا مناسبا من التحديد والتعريف للوصول إلى رؤية أوضح حول أبعاده ومؤشراته التي سوف نبني عليها مقاربتنا التحليلية للخطاب.
جاء في معجم المعاني، تَنَمَّرَ تشبَّهَ بالنَّمر في لونه أو طبعه. ويقال: تنمَّر لفلانٍ: تنكَّر له وأوعده. وتَنَمَّرَ مدَّد في صَوته عند الوعيد. ([17])
وجاء عن الاصمعي: تنمّر له أي تنكر وتغيّر وأوعده لأنّ الـ نّمر لا تلقاه أبدا إلا متنكّرا غضبان. وفي حديث الحديبية: قد لبسوا لك جُلود النمور؛ هو كناية عن شدّة الحقد والغضب تشبيها بأخلاق النّمر وشراسته، ونمر الرّجل ونمَّر وتَنَمّر: غضب، ومنه لبس له جلد النّمر([18]).
من أشهر التعريفات التي أعطيت للتنمر وأكثرها توظيفا في مختلف الدراسات العلمية، نجد تعريف فاليري بيساج (Valerie Besage) الذي قدمه سنة 1989، حيث يعرف التنمر على أنه سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسديا أو نفسيا. يتميز التنمر بتصرف فردي بطرق معينة من أجل اكتساب السلطة على حساب شخص آخر. ([19])
هذا التعريف اتّخذته العديد من المراكز والمنظمات الدولية المهتمة بالتنمر مرجعية لها، ومن تلك المراكز نجد المركز الوطني ضد التنمر بأستراليا الذي يعرف التنمر على انه: “إساءة استخدام مستمرة ومتعمدة للسلطة في العلاقات من خلال السلوك اللفظي و/ أو الجسدي و/ أو الاجتماعي المتكرر الذي يهدف إلى التسبب في ضرر جسدي و/ أو اجتماعي و/ أو نفسي. يمكن أن يشمل فردًا أو مجموعة يسيئون استخدام سلطتهم، أو القوة المتصورة، على شخص أو أكثر ممن يشعرون بأنهم غير قادرين على منع حدوث ذلك” ([20]).
وغير بعيد عن هذا التعريف نجد الجمعية الطبية الامريكية قد قدمت سنة 2002 تعريفا مهما للتنمر باعتباره: “سلوك عدواني يهدف إلى إحداث ضرر أو ضيق، ويحدث مرارا وتكرارا على مرّ الزمن، ويحدث في العلاقة التي فيها خلل في توازن القوى، ومن المهم أن نلاحظ أن التنمّر، كشكل من أشكال إساءة معاملة الأقران، تحدث نتيجة إساءة معاملة الاطفال والعنف المنزلي”([21]).
ويبدو من التعريف تركيزه على تكرارية السلوك، وهو ما يحيل بدوره إلى حجم الضرر والضيق النفسي الذي يعاني منه المتضرر من التنمر. كما أشار التعريف إلى فكرة مهمة جدا وهو دور الاهل في حدوث التنمر من خلال المعاملة التي يتعرضون لها في المنزل.
أما العالم النرويجي دان ألوس (الأب المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدارس)، فيعرفه بأنه أفعال سالبة متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر تتم بصورة متكررة وطوال الوقت ([22]). ويتضح من هذا التعريف تركيزه على السياق المدرسي أساسا، من حيث انه الفضاء الذي يكثر فيه هذا السلوك السلبي. ولكن ورغم ذلك فإنه لا يمكن حصر التنمر في البيئة المدرسية فقط، وبين التلاميذ والطلبة فقط، بل لقد صار بالإمكان ملاحظته في سياقات متنوعة، في المنزل والشارع ومكان العمل والفضاءات العمومية المختلفة.
ومن المهم الإشارة إلى ارتباط التنمر بعدة سلوكيات أخرى، مثل: الإساءة، والتحرّش، والتعدي والاعتداء، والترصّد، والإيذاء، والمطاردة، والمضايقة، والعنف بأنواعه، والتسلط ([23]). وعموما فإن التراث البحثي في موضوع التنمر يكشف عن اختلاف بين الباحثين في تحديد أنواعه بشكل عام، ونلحظ ذلك -مثلا- في اقتراح المركز الوطني بالولايات المتحدة لإحصاءات التعليم، الذي يقسم التنمّر إلى فئتين:
ويقول بيتر روس أن التنمّر الاول يقوم على العنف الجسدي مثل الخنق ورمي الأشياء، الدفع، شد الشعر، الخدش، العض، الصفع واللكم والركل، أو الضرب الذي قد يصل حدّ الطعن.
أما النوع الثاني فيتميز بتهديد الضحية وعزلها اجتماعيا، عبر نشر الشائعات حولها، انتقاد أسلوبها في اللباس وغيرها من العلامات الاجتماعية التي تسمها كعرقها ودينها، وحتى التنمّر على الأشخاص الذين يرافقونها أو يختلطون معها… ([24])
وبالعودة إلى التعريفات السابقة يمكننا ملاحظة ان التنمر سلوك سلبي عدواني متكرر له أشكال عديدة، فهو يمكن ان يكون لفظيا أو جسديا أو معنوي، ينبع من إحساس المتنمر بامتلاك سلطة أقوى من المتنمّر عليه. وله أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية خطيرة.
كما نصل إلى استنتاج مهم يتعلق بالعلاقة المتداخلة بين التنمر والعنف بأشكاله، بل يمكن القول إن التنمر ما هو إلا ممارسة لعنف مادي أو رمزي؛ من حيث ان العنف المادي يلحق الضرر فيزيائيا في البدن أو في الحقوق أو في المصالح أو في الامن…الخ، أما العنف الرمزي، فيلحق ذلك الضرر بالموضوع نفسيا: في الشعور الذاتي بالضرر في الأمن والطمأنينة والكرامة والاعتبار والتوازن كما يذهب إلى ذلك الباحث بلقزيز الذي يضيف أن العنف الرمزي لا يقل عن الاول فداحة. فهو قد يصيب المتعرض له فيما قد يكون مقدسا لديه([25]).
نقصد بالتنمر في هذه الدراسة تلك المضايقات التي يمارسها مجموعة من طلاب أغنياء في ثانوية راقية على مجموعة من طلبة فقراء تحصلوا على منح للدراسة فيها. وتتشكل تلك المضايقات من خلال تفاعل عدواني تسلطي وسلطوي وعنف رمزي ولفظي وجسدي تظهر في مجموعة من الرموز الدالة في المسلسل التركي “اسمعني“.
3- المــــسلـســــل والدراما:
جاء في معجم المعاني الالكتروني أن المسلسل مفرد مُسَلْسَلات وهو اسم مفعول من سلسلَ، ونقول ثوب مُسَلْسَلٌ: رسم فيه صَور كهيئة السلاسل، والمُسَلْسلُ: الثوبُ الرديءُ النَّسج قد رقَّ من البلى([26]).
والمسلسل: اتصال الشيء بعضه ببعض، ومنه سلسلة الحديد. و(مسلسل الحديث)، وهو من صفات الإسناد، (ما تواردا فيه الرواة) له كلهم (واحدا فواحدا حالا)؛ أي: على حال (لهم) ([27]).
يُعرف المسلسل اصطلاحا، على أنه: تمثيلية مقسمة إلى مجموعة من الحلقات المتتالية بحيث يؤدي كل منها للآخر في تسلسل ومنطقية([28]). ويبدو من هذا التعريف تركيزه على البنية الشكلية للمسلسل من حيث انه يحتوي على مجموعة من الحلقات، كلها قائمة على التمثيل كأساس فني يميز المسلسلات عن بعض البرامج الأخرى كالنشرات الاخبارية او التحقيقات.. الخ.
وليس بعيدا عن هذا التعريف نجد هناك من يعرف المسلسل على أنه: ” عبارة عن عمل درامي يحتوي على بنية وخطة متدرجة وموضوع معين يعالج في حلقات متسلسلة يعتمد قالبه الفني على مجموعة من المواقف وينبني أساسا على تتابع وتوالي واستمرارية الحلقات([29]).
ونلاحظ أن هذا التعريف يضع المسلسل في خانة الدراما، أي انه نوع ينبني على التمثيل مع اختلاف انواع الدراما ما بين التراجيديا والكوميديا وغيرها. لكن علينا ان نقف عند رأي الناقد السينمائي العربي أمير العمري الذي يلفت انتباهنا إلى أن الكثيرون يطلقون على المسلسلات التلفزيونية اسم “الدراما” أو “الأعمال الدرامية”، وهو في رأيه تعبير خاطئ لأن الدراما موجودة أساسا في المسرح وكذلك في الأفلام السينمائية، ولذلك يظل التعبير الأكثر دقة هو “المسلسل التلفزيوني”، وليس الدراما. ويضيف أنه لا شك أن المسلسل التلفزيوني يلقى إقبالا كبيرا من جانب الجمهور في العالم العربي، بعد أن تقلصت فرص الذهاب لمشاهدة الأفلام في دور العرض السينمائي، إما لقلة دور العرض أو غيابها بالكامل، وإما لعدم ملاءمتها. كما أن المسلسل التلفزيوني يجذب أفراد الأسرة جميعا لمشاهدته “مجانا” دون حاجة للخروج من المنزل، أو بسبب سهولة متابعة أحداثه، وبساطة بنائه الدرامي وعنصر التشويق الذي يدخله صناع المسلسلات في كل حلقة لكي يضمنوا عودة المشاهدين لمتابعة الحلقات التالية([30]).
بينما يرى الباحث نهاد سيريس أن المسلسل عبارة عن سرد روائي بالصورة، أي أننا يمكن ان نطلق على المسلسل اسم الرواية التلفزيونية إذا توفرت فيه بعض التقنيات التي طورتها الرواية الأدبية مثل الاهتمام بالعالم الداخلي للشخصيات وإظهار ميولها وضعفها وقلقها وحالاتها النفسية وغيرها”([31]). وهذا التعريف يضيف لنا زاوية مهمة ومختلفة للنظر إلى المسلسلات من خلال ان لها علاقة بالرواية كسرد للأحداث، وكبناء للشخصيات وكحبكة وتطور للحبكة والعقدة والحل. وهذا ما جعل الكثير من المسلسلات، الناجحة منها خصوصا يكون لها سند روائي سابق، أي أن أصلها لم يكن إلا رواية منشورة من طرف روائي ما.
ولعل من الطريف أن نعرف أن التعبير الشائع لوصف المسلسل التلفزيوني في الولايات المتحدة هو “سوب أوبرا” (soap opera) أي “أوبرا الصابون”، وهو تعبير نشأ من ارتباط هذا النوع من الأعمال الدرامية المصورة في بدايته بإعلانات الصابون في الراديو ثم التلفزيون، ولأن شركات إنتاج الصابون كانت هي الجهات الراعية لإنتاج المسلسلات، وكانت تلك المسلسلات تصمم وتنتج أساسا لكي تخاطب النساء وتخضع لذوقهن السائد، أو تستخدم للترويج للسلع “النسائية”.([32]) ويختلف المسلسل التلفزيوني كثيرا عن الفيلم السينمائي، فبينما يعتبر الفيلم عملا مغلقا، أي يمكنك مشاهدته في جلسة واحدة تستغرق ساعتين أو ثلاث ساعات على الأكثر، يمكن للمسلسل التلفزيوني أن يمتد لأشهر بل لسنوات عدة. ([33])
نقصد بالمسلسل التلفزيوني في هذه الدراسة، مجموعة الحلقات المصورة التي تجسد مجموعة من المعاني والدلالات حول الظاهرة العدوانية “التنمر“ في المدرسة الثانوية، ويعرض من خلال حلقاته عدد من الصراعات والقصص بين الطلاب والطالبات التي تنشأ خلال التفاعل الاجتماعي. والذي اتخذ عنوانا معبرا عن صرخة لفت الانتباه الى الظاهرة وهو: اسمعني.
ثالثا/ إجراءات:
تدخل هذه الدراسة ضمن الدراسات الكيفية (من حيث نوع المعطيات والبيانات) والدراسات الوصفية (من حيث أهداف البحث العلمي)؛
فأما الدراسات الكيفية فهي تلك النوعية من البحوث التي تهدف إلى فهم أساليب الحياة والظواهر الاجتماعية من وجهة نظر المبحوثين، هؤلاء المبحوثين قد يكونوا أشخاصا أو وثائق أو سيرا ذاتية أو مصادر تاريخية …، ومما يميزها عن البحوث الكمية حيث أن البحوث الكيفية تؤكد الفهم فيما يخص موضوع معين بطريقة متعمقة وبتفاصيل دقيقة جدا، كما أنها تهدف للوصول إلى المعاني وليس التنبؤ فيما يتعلق بمتغير تابع كما في البحوث الكمية([34]). فهي “محاولة ذاتية واعية لاستعادة الروح النقدية والحرّة للبحث العلمي. وهي لا تنظر للعلوم الاجتماعية بوصفها مماثلة للعلوم الطبيعية، ولكن بأنها علوم منفصلة لدراسة البشر. ولا تنظر إلى المجتمع على أنه مجموعة من الحقائق المحايدة التي يتم تبويبها وتصنيفها، ولكن على انه إبداع نشط لأفراد هذا المجتمع([35]).
وتستند هذه الدراسة إلى النزعة الكيفية؛ لأننا تبنينا أحد البراديغمات التأويلية التي تسمح ببناء سياقات لوصف الظواهر الاجتماعية والثقافية. ولا تراها في وضعها المنجز وصيغتها النهائية، بل في طور بنائها وتشكّلها. إنها تهتم بالمعنى المستخلص من سياق الظاهرة المدروسة، ومن الدلالات التي يمنحها الأشخاص لأفعالهم. لذا تعتمد البحوث الكيفية على تأويل البيانات. وتأخذ بعين الاعتبار العنصر الذاتي في مسار البحث. فالبحث الكيفي يعتمد على التحليل الاستقرائي في قراءة البيانات التي يجمعها على عكس التحليل الكمي الذي يعتمد على التحليل الاستنباطي([36]).
ويتمثل هذا البراديغم في التفاعلية الرمزية. وهي من البراديغمات التي جاءت كردة فعل رافضة للتوجهات الكمية خاصة مع بداية الستينات رغم أن ظهورها كان قبل ذلك بكثير (انظر الفصل الأول). فالتفاعلية الرمزية من أهم المرجعيات الإبيستمولوجية التي تشجع على الاقتراب من مختلف الظواهر الاتصالية بهدف فهمها وتأويلها والتعمق فيها ولا يتأتى للباحث ذلك إلا بمشاركة محورية من خلال مناهج كيفية تتعمق في الظاهر كيفيا وليس كميا. وهذا ما نهدف إليه (أنظر اهداف الدراسة) أي أن نتعمق في دراسة التنمر ودلالات عملية تمثيله وتصويره وإخراجه، لا ان نكتفي بدراسة سطحية لتفاعلاته كما يدعو إليه الإحصاء الكمي الذي لا يفي بأغراض الدراسة ولا يجيب على أسئلتها.
وأما الدراسة الوصفية فهي تلك الدراسات التي تهدف إلى وصف ظواهر أو أحداث أو أشياء معينة وجمع الحقائق والمعلومات والملاحظات عنها ووصف الظروف الخاصة بها وتقرير حالتها كما توجد عليه في الواقع([37]). وهي ليست مجرد جمع للبيانات والحقائق، وإنما تعني بجمع الحقائق واستخلاص دلالاتها طبقا لأهداف الدراسة، ولا يأتي ذلك بغير تصنيف دقيق للبيانات، وتناولها بالصورة التي تجعلها تفصح عن الاتجاهات الكامنة فيها([38]).
وذلك شأن هذه الدراسة التي تهدف إلى وصف التنمر كظاهرة اجتماعية نفسية واتصالية أيضا، تتمظهر من خلال جملة من التفاعلات التي تحدث بين مجموعة من الشخصيات التي تتقمص مجموعة من الأدوار الموزعة بين متنمرين ومتنمر عليهم ومن لهم علاقة بكلا الطرفين، وذلك داخل حلقات المسلسل التركي الجديد المسمى “اسمعني”، ولأن الدراسة وصفية فهذا يعني أنه علينا ان نتعمق في العناصر المكونة لهذه الظاهرة ومختلف الفواعل المرتبطة بها عبر مجموعة من الأبعاد (النفسية، الاجتماعية، الثقافية، اللغوية …). ويتم ذلك مرورا بوصف الدلالات اللفظية وغير اللفظية للظاهرة. فهذه الدراسة إذن وصفية لأن الظاهرة ليست جديدة من جهة، ومن جهة ثانية لأننا لا نهدف إلى استكشافها أو تفسيرها بقدر ما نهدف إلى التعمق فيها ووصفها بشكل كيفي يتيح فهمها بشكل أعمق.
وبما أن دراستنا تتوجه إلى دراسة الرسالة (الإجابة عن السؤال: قال ماذا؟ في نمط هارولد لاسوال)، وبما أنها تستند إلى منهجية كيفية، فإن أنسب منهج يمكن أن يُتبع في هذه الحالة هو منهج تحليل الخطاب. ومن المعروف أن لتحليل الخطاب مقاربات متعددة ومتنوعة؛ هذا التعدد الذي يستقي شرعيته من تعدد الحقائق في الفلسفة التأويلية، ومن ثمة تعدد الطرق للوصول إلى تلك الحقائق. لذلك كان علينا أن نختار إحدى تلك المقاربات وقد وقع اختياري على مقاربة نورمان فيركلوف في التحليل النقدي للخطاب، من حيث أنها تتناسب مع التفاعلية الرمزية ونظرياتها الجزئية. والأنسب لدراسة كيفية ارتباط إدارة الصراع بالاختلافات الثقافية من خلال نظرية تفاوض الوجه.
فأما الخطاب فقد عرفه هاريس بأنه يشير إلى وحدات أكبر من الجملة، أما بنفسنت فيرى أنه “كل تلفظ يفترض متكلما ومستمعا، بحيث يحاول المتكلم التأثير على المستمع بطريقة ما”. ولاحقا عرّفه فوكو بأنه: “النصوص أو الأقوال كما تُعطى بمجموع كلماتها ونظام بنائها وبنيتها المنطقية، أو تنظيمها البلاغي”([39]).
وأما تحليل الخطاب فيُعرفه بالتريدج بأنه المنهج الذي “يفحص أنماط اللغة عبر النصوص ويدرس العلاقة بين اللغة والسياقات الاجتماعية والثقافية التي تستخدم فيها. يتناول تحليل الخطاب أيضًا الطرق التي يقدم بها استخدام اللغة وجهات نظر مختلفة حول العالم وأفهام مختلفة كذلك. إنه يبحث في كيفية تأثر استخدام اللغة بالعلاقات بين المشاركين وكذلك تأثير استخدام اللغة على الهويات والعلاقات الاجتماعية. كما يهتم بكيفية بناء وجهات النظر حول العالم، والهويات، من خلال استخدام الخطاب([40]). وينظر مانغينو إلى تحليل الخطاب كأحد تخصصات “دراسات الخطاب”: كالبلاغة، اللغويات الاجتماعية، علم النفس الخطابي، تحليل المحادثة، إلخ. وإن كان لكل من هذه التخصصات فائدة معينة، فإن فائدة تحليل الخطاب هي فهم الخطاب على أنه صياغة للنصوص والأماكن الاجتماعية… غرضه ليس التنظيم النصي ولا حالة الاتصال، ولكن ما يربطهما من خلال جهاز تلفظ معين… وبالتالي، فإن تحليل الخطاب يعطي دورًا رئيسيًا لأنواع الخطاب، والتي لا تعتبر أنواعًا من النصوص، من منظور تصنيفي، ولكن كأجهزة اتصال، من طبيعة اجتماعية ولسانية. وتجدر الاشارة الى أن تحليل الخطاب يهتم بالصحف أكثر من المحادثات العادية التي تهتم بها تحليل المحادثات أكثر، والاشهار الذي تهتم به البلاغة أكثر لكن يمكنه دراسة معطيات هذين التخصصين وغيرهما من منظوره الخاص([41]).
وأما مقاربة نورمان فيركلوف في التحليل النقدي للخطاب، فهي تتأسس على تصريح هذا الأخير بقبوله لصيغة معتدلة من مقولة أن العالم الاجتماعي مبني نصّيا (كما تذهب الى ذلك البنائية الاجتماعية التي تشدد عدة نظريات منها على دور النصوص (اللغة، الخطاب) في بناء العالم الاجتماعي)، لكنه يشير إلى ضرورة التمييز بين (البناء) و(التأويل) وهذا حسبه ما لا يفعله البنائيون الاجتماعيون إذ قد نؤول (نتمثّل، نتخيل، إلخ) نصّيا العالم الاجتماعي بطرق معينة، لكن ما إذا كانت تمثّلاتنا أو تأويلاتنا تؤثر في تغيير بنائها فذلك يعتمد على عوامل نصية مختلفة، بما في ذلك العالم الاجتماعي كما هو فعلا، ومن يؤوّله، وما إلى ذلك([42]) .
وتستند مقاربة فيركلوف في تحليل الخطاب إلى التسليم بأن اللغة جزء من الحياة الاجتماعية، مترابطة جدليا مع عناصر الحياة الاجتماعية الأخرى، بحيث يجب على التحليل والبحث الاجتماعي أخذ اللغة في الحسبان. ومن المفيد استخدام تحليل الخطاب مع أنواع أخرى من التحليل كالإثنوغرافيا([43]).
كما يُقرّ فيركلوف باعتماده على الألسنية الوظيفية النسقية، خاصة في شق اهتمامها بالعلاقة بين اللغة والعناصر الأخرى في الحياة الاجتماعية وجوانبها، ومقاربتها للتحليل الألسني للنصوص الموجهة دائما إلى طابعها الاجتماعي. مع الاشارة إلى أن منظور تحليل الخطاب النقدي لا يتطابق بالضبط مع منظور الألسنية الوظيفية النسقية لاختلاف أهدافهما([44]). ويؤكد فيركلوف أن الآثار الايديولوجية للنصوص هي إحدى أهم الآثار التي يهتم بها تحليل الخطاب النقدي، إن كان ذلك من خلال غرس أو تغذية أو تغيير تلك الايديولوجيات([45]). كما يشير فيركلوف إلى اعتبار التأويل سيرورة معقدة ولها جوانب متعددة ومختلفة؛ فهو جزئيا مسألة تتعلق بالفهم. ولكن هو أيضا جزئيا مسألة تتعلق بالحكم والتقييم([46]).
ويرى فيركلوف أن الخطاب يساهم في بناء:
(1) الهويات الاجتماعية،
(2) والعلاقات الاجتماعية،
(3) وأنظمة المعرفة والدلالة.
وفي كل تحليل يمثل بعدان من أبعاد الخطاب نقطتين محوريتين:
ويفهم فيركلوف العلاقة بين الحدث التواصلي ونظام الخطاب على أنها علاقة جدليّة، فترتيب الخطاب نظام، ولكنه ليس نظاما بالمعنى البنيوي، أي أن الحوادث التواصلية لا تعيد انتاج أنظمة الخطاب فحسب ولكن يمكنها تغييرها من خلال الاستعمال الخلاق للغة([48]). أما عن العلاقة بين نظام الخطاب وسياقه الاجتماعي، فقد سعى فيركلوف في أعماله المبكرة إلى ربط أنظمة الخطابات بمؤسسات معينة (كما في نظام الخطاب الجامعي، نظام الخطاب الإعلامي، إلخ). وفي كتابه المتأخر مع تشولياراكي، اقترن مفهوم “نظام الخطاب” على نحو مثمر مع مفهوم “الحقل“ لدى بيار بورديو، والحقل بالنسبة لبورديو هو، بإيجاز شديد، مجال اجتماعي مستقل نسبيا يخضع لمنطق اجتماعي محدد([49])؛ويقترح تشولياراكي وفيركلوف النظر إلى نظام الخطاب على أنه يمثّل البعد الخطابي للحقل([50])
كما أنّ كل مثال للاستعمال اللغوي هو حدث تواصلي يتكون من ثلاثة أبعاد، كان فيركلوف قد اقترحها من خلال مقاربته التي باتت تعرف بالتحليل النقدي للخطاب، وتتضمن:
ووفقا لفيركلوف، فإن كل من هذه الأبعاد تتطلب نوعا مختلفا من التحليل:
وكان كارفالو (Carvalho) قد قام في 2008 بتنقيح وإعادة صياغة ثلاث مكونات دالة من التحليل النقدي للخطاب (CDA)، فيما يتعلق بالنصوص الإعلامية، تتضمن: التعاقب بمرور الوقت، استراتيجيات الفاعلين الاجتماعيين والآثار البنائية للخطابات الإعلامية. حيث: يمثّل التعاقب الزمني المسار التاريخي للخطابات بما في ذلك الاهتمام بالتغيرات في الطريقة التي تقدم بها الميديا قضية ما. وطرق تطور معاني المفاهيم. بينما يتضمن موضوع استراتيجيات الفاعلين الاجتماعيين الأخذ بعين الاعتبار أدوار مختلف الأطراف وطرقهم في تأطير المعرفة الاجتماعية. ويتابع المكون البنائي المقترح الروابط بين النص وظروف إنتاجه وتأويله ([52]).
من خلال ما تقدم، يتضح مدى انسجام استخدام التحليل النقدي للخطاب من حيث أنه يتأسس على البنائية الاجتماعية، مع التفاعلية الرمزية ذات الخلفية الإبيستمولوجية نفسها. كما ينسجم مع نظرية تفاوض الوجه من حيث أن لهما اهتمامات بالصراع والايديولوجيا والهوية الثقافية كأرضية للتحليل.
وبالتالي، فقد اجتهدت ببناء استمارة تحليل الخطاب، مستفيدة من هذا الانسجام، متبعة المسارين الرئيسيين الذين يقترحهما التحليل النقدي للخطاب في هذه الدراسة/ كما يلي؛
من شروط البحث العلمي أن يصف طبيعة مجتمع الدراسة بدقة، ويعني ذلك وصف مجموعة أو طبقة من الأفراد أو المتغيرات أو المفاهيم أو الظاهرة. ويتحقق هذا في بعض الحالات من خلال بحث جميع الطبقة أو المجموعة (…) أو اختيار عينة منها ([53]). فمجتمع البحث حسب موريس انجرس هو “مجموعة عناصر لها خاصية أو عدة خصائص مشتركة تميزها عن غيرها من العناصر الأخرى والتي يجري عليها البحث أو التقصي” أي أنه في لغة العلوم الإنسانية هو مجموعة من العناصر المحددة مسبقا؛ حيث أننا نستطيع تحديد مقياس يجمع بين الأفراد أو الأشياء ويميزهم عن غيرهم من الأفراد أو الأشياء الأخرى([54]).
وأما هنا فإن مجتمعها يتمثل في جميع حلقات المسلسل التركي الموسوم بـ “اسمعني“، والبالغ عددها 20 حلقة.
ولأننا لا يمكن أن ندرس جميع تلك الحلقات (متوسط طول الحلقة الواحدة منها هو ساعتان و10 دقائق) بكل مشاهدها فإنه كان لزاما علينا أخذ عينة منها، على اعتبار أن العينة نموذج يشمل ويعكس جانبا أو جزءا من وحدات المجتمع الأصلي المعني بالبحث، بحيث تحمل صفاته المشتركة، وهذا النموذج أو الجزء يغني الباحث عن دراسة كل وحدات ومفردات المجتمع الأصل ([55]).
ولقد اعتمدنا في دراستنا هذه على عينة ملائمة للتوجه والمسار الكيفي وهي العينات غير احتمالية (غير عشوائية) وهي التي يتم اختيار مفرداتها بناء على معايير محددة مسبقا من قبل الباحث أو الجهة المسؤولة عن الدراسة ([56]). ومن هذه العينات اعتمدنا على العينة القصدية (العمدية، الغرضية) وهي العينة التي تعكس اختيارا كيفيا من قبل الباحث للمبحوثين استنادا إلى أهداف بحثه. وهي “التي تتضمن أفرادا أو عناصر مختارين على أساس خصائص وصفات محددة، بحيث لا نتعامل مع أولئك الذين لا تنطبق عليهم تلك المعايير، مع التأكيد أنها عينة غير ممثلة لمجتمع الدراسة”([57]).
ولأن الدراسة تمحورت حول الدلالات الرمزية للتنمر في مسلسل اسمعني، فإني توجهت بشكل قصدي إلى المشاهد التي احتوت على هذا السلوك والموزعة على مجموعة من الحلقات، مثلما هو موضح في الجدول رقم (1).
إن ما نلاحظه على الجدول الللاحق هو تباين عدد المشاهد من حلقة إلى حلقة أخرى، وهذا ما يحيلنا إلى الحديث عن نقطتين أساسيتين؛
النقطة الأولى؛ أن هذا التباين مردّه أن عينة الدراسة قصدية؛ أي أننا قصدنا المشاهد التي تحتوي على موضوع دراستنا وهو التنمر كأطروحة رئيسية وما يرتبط بها من أطروحات فرعية. وهذه القصدية تتّسق مع التوجه الكيفي التي يمنحنا المرونة الكافية في اختيار مفردات العينة وفق متطلبات البحث وأهدافه. وإذّاك فقد تتبعنا تلك المشاهد وفق ما طرحه صنّاع المسلسل الذين قاموا بتوزيعها وفق ما يخدم الحبكة وتطورها والمتطلبات الدرامية عبر 20 حلقة.
جدول رقم (1) يمثل عينة الدراسة
رقم الحلقة | عدد المشاهد |
الحلقة الأولى | 14 مشهد |
الحلقة الثانية | 19 مشهد |
الحلقة الثالثة | 16 مشهد |
الحلقة الرابعة | 19 مشهد |
الحلقة الخامسة | 5 مشاهد |
الحلقة السادسة | 7 مشاهد |
الحلقة السابعة | 9 مشاهد |
الحلقة الثامنة | 8 مشاهد |
الحلقة التاسعة | 7 مشاهد |
الحلقة العاشرة | 6 مشاهد |
الحلقة الحادي عشر | 7 مشاهد |
الحلقة الثاني عشر | 7 مشاهد |
الحلقة الثالث عشر | 4 مشاهد |
الحلقة الرابع عشر | مشهدين |
الحلقة الخامس عشر | 3 مشاهد |
الحلقة السادس عشر | مشهدين |
الحلقة السابع عشر | لا مشهد |
الحلقة الثامن عشر | 3 مشاهد |
الحلقة التاسع عشر | مشهد |
الحلقة عشرون | 3 مشاهد |
المجــــموع | 122 مشهد |
النقطة الثانية؛ ما نلاحظه أيضا على الجدول أن هناك كثافة في مشاهد العينة على مستوى الحلقات الأولى (من الحلقة 01 إلى الحلقة 04)؛ وهو الأمر الذي نبرره بأن المتطلبات الفنية (كما أسلفنا) تجعل من المهم تقديم الأطروحة الرئيسية في بداية المسلسل بشكل واضح وكاف ليجعل منها التيمة الأساسية، وما يصحب ذلك من ضرورة تقديم الشخصيات وأدوارهم وعلاقاتهم في التفاعل الاجتماعي.
أما في الحلقات التالية (من الحلقة 05 إلى الحلقة 13) فقد كان عدد المشاهد أقل مما سنراه في الحلقات الأولى التي كانت فيها ذروة التنمر، ويستمر التضاؤل في الحلقات التالية (من الحلقة 14 إلى الحلقة 20 والأخيرة)، وحتى انعدامها في (الحلقة 17)؛ وفي هذا الصدد يمكننا القول إن السبب يتمثل في: إما أنه تمت معالجة موضوع الدراسة بشكل سليم بحيث أنه تمت السيطرة على مشكلة الدراسة حسب مقتضياتها والوصول لحل لها ثم تضمين المسلسل مشاهد أخرى تحيل الى السياق الاجتماعي والعاطفي لجعل التنمر يظهر كسلوك واقعي يتطور وينحصر في ظل ظروف ثقافية واجتماعية معقدة، أو أن هناك انعطافا متعمّدا نحو مواضيع أخرى لشدّ انتباه (خاصة الشباب والمراهقين) والحفاظ على متابعتهم إلى آخر حلقة خاصة وان المنافسة كانت على أشدها مع مسلسل آخر تم عرضه في نفس الفترة عنوانه (الياقة المغبرة) ([58]) يشابهه من حيث أن أحداثه التي تدور في ثانوية، مع العلم أن تطوير السيناريو وإخراج المسلسل كان يتم بالتوازي مع عرض الحلقات الأولى.
لكن ما يمكن التأكيد عليه أن المسلسل الذي كان في المرتبة الأولى ([59])عند عرض حلقاته الأولى، تراجع تقييمه في النصف الثاني من حلقاته. وإذا ربطنا ارتفاع ثم انخفاض عدد المشاهد الخاصة بالتنمر بارتفاع ثم انخفاض تقييم المسلسل، سنقف على حقيقة أن موضع التنمر كان السبب الأساسي في نجاحه في البداية.
هيكل الكتاب:
بالإضافة إلى المقدمة، تم تقسيم هذا الكتاب إلى أربعة فصول موزعة كما يلي:
الفصل الأول؛ وتم تخصيصه للإطار النظري والذي احتوى على مبحثين، فأما المبحث الأول فتم فيه عرض براديغم التفاعلية الرمزية، والتفصيل في مختلف أفكاره ونظرياته الجزئية، ثم شرحت كيفية تطبيقها وتوظيفها في دراستي كبراديغم وكنظريات جزئية. وأما المبحث الثاني فقد تم تخصيصه لنظرية تفاوض الوجه من حيث تعريفها، والتطرق إلى خلفيتها المعرفية، وافتراضاتها ومفاهيمها ثم انعطفت إلى أساليب الصراع كما تقترحها، لأصل في آخر هذا المبحث إلى تبرير اختيارها، وشرح كيفية توظيفها.
الثاني؛ تم تخصيص هذا الفصل لمراجعة الادبيات السابقة حول موضوع الدراسة، ولم يخضع استعراض الدراسات إلى البعد الجغرافي ولا البعد الزمني، بقدر ما خضع لأهمية الموضوع والدراسة في حد ذاتها. لذلك، تم تقسمها إلى ثلاث خانات: دراسات حول التنمر في وسائل الإعلام، دراسات حول المسلسلات التركية، ثم دراسات حول نظرية تفاوض الوجه، مع الحرص على التعليق عليها وشرح مكامن الاستفادة منها.
الفصل الثالث؛ في هذا الفصل حاولت ُمن خلال مسار تحليل نظام الخطاب، تقديم المسلسل التركي اسمعني بوصفه نمطا اتصاليا دراميا وفنيا فني وتحليل العناصر المشاركة في انتاجه والتي يمثلها في الأساس المؤسسة المنتجة والسيناريست والمخرج. مع تحليل السياق الذي تم انتاجه فيه، والذي تمثله الحالة التركية كسياق ثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي.
الفصل الرابع؛ في هذا الفصل حاولت الاقتراب من التنمر من حيث هو حدث اتصالي، مؤطر في خطاب داخل المسلسل. لذلك سوف نقوم من خلال العناصر المتتالية في المبحث الأول بتحليل التنمر بوصفه الأطروحة الرئيسية للمسلسل ومن ثمة سنعرّج إلى الاطروحة الفرعية المرتبطة به. لنصل في المبحث الثاني إلى تحليل القوى الفاعلة التي قسمناها إلى قسمين أساسيين؛ المتنمرين من جهة والمتنمر عليهم من جهة ثانية، وسيكون التحليل وفقل لمفاهيم نظرية تفاوض الوجه.
ثم جاءت خاتمة الكتاب في شكل نتائج نهائية تضمنت الإجابة على التساؤلات المطروحة في الفصل الأول من الدراسة، وذلك في شكل نقاط مرتبة ومنظمة، مع تقديم توصيات علمية وأخرى حول ظاهرة التنمر في حد ذاتها.
تجدر الإشارة إلى أنى حاولت بقد الإمكان، أن أمارس البحث العلمي بأمانة متناهية من جهة، وبإدراك ووعي بكل ما تطرحه هذه النوعية من البحوث الكيفية من تحديات من جهة ثانية؛ حيث يكون الباحث محور العملية البحثية وعلى مهارته تتوقف جودة المخرجات في آخر المطاف. وقد كان التحدي الأكبر هو القيام بالخيارات الصحيحة إن كان ذلك على مستوى الشق النظري (الابيستمولوجي) او على مستوى الإجراءات المنهجية. خاصة وأنني بصدد تطبيق مقاربة فيركلوف في التحليل النقدي للخطاب، تحت لواء براديغم التفاعلية الرمزية مع الاستعانة بنظرية تفاوض الوجه (المجهولة في الفضاء الأكاديمي العربية) كمدخل تطبيقي.
وفي الأخير نحمد الله ونسأله أن يحظى هذا العمل بالقبول الحسن.
[1]– باديس لونيس: إرفنغ غوفمان والظاهرة الاتصالية، مجلة دراسات وأبحاث، ع 4، مج 10، 2018، ص725.
[2] – فضيل دليو: أدوات جمع البيانات الحديثة في البحوث الكيفية، ندوة دكتورالية، مخبر الدراسات الثقافية والانسانيات الرقمية، جامعة باتنة، 8 ديسمبر 2022.
[3] – السيد العربي يوسف: الدلالة وعلم الدلالة، الألوكة، متاح على الرابط:
https://www.alukah.net/books/files/book_9096/bookfile/dalala.pdf (22/10/2022)
[4] – منقور عبد الجليل: علم الدلالة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، ص 27.
[5] – حمدي بخيت عمران: علم اللغة، أصوات للدراسة والنشر، 2019، ص 223.
[6] – جميل صليبا: المعجم الفلسفي، ج1، دار الكتاب اللبناني، 1982، ص563.
[7] – حاشي فائزة: المعنى والدلالة (فروق وميزات)، مجلة أنثروبولوجية الأديان، مج 16، ع2، جويلية، 2020، ص336
[8] – المرجع نفسه، ص340.
[9] – زيناي طارق: محاضرات في التصوف الإسلامي، مركز الكتاب الأكاديمي، 2020، ص 171.
[10] – المرجع نفسه، ص339.
[11] – سورة آل عمران: الآية 41.
[12] – جميل صليبا: المعجم الفلسفي، مرجع سابق، ص620.
[13] – تيسير محمد أحمد الزيادات: التراث في شعر بدر شاكر السياب، المنهال، ط1، 2016، ص ص 12_13
[14] – طاهر حسو الزيباري: النظرية السوسيولوجية المعاصرة، البيروني، 2016، ص 297.
[15] – عطية سليمان أحمد: نمو الدلالة وتكوين المفاهيم، الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، 2014، ص 18
[16]– هالة محمود عبد العال: تقييم الدعاية السياسية في الانتخابات البرلمانية، العربي، ط1، 2017، ص 117
[17]– معجم المعاني، متاح على الرابط: https://www.almaany.com/، (10/ 01/ 2023)
[18] – ابن منظور: لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، ط2، 1997، ج5، ص 235.
[19] – Besag, Valerie : Bullies and Victims in Schools, Milton Keynes, England: Open University Press, 1989 p13.
https://files.eric.ed.gov/fulltext/ED397166.pdf
[20] – National Centre Against Bullying : Definition of bullying,
https://www.ncab.org.au/bullying-advice/bullying-for-parents/definition-of-bullying/ (20/01/ 2023).
[21] -American Medical Association: Educational Forum on Adolescent Health Youth Bullying, American Medical Association, America, 2002. ,p04
[22]– وليد فتحي: ومحياي 2، دار البشير، ط3، 2017، ص 40
[23]– منال كبور، العربي بوعمامة: التنمرّ الالكتروني؛ المفهوم والمصطلح، مجلة العلوم القانونية والاجتماعية، جامعة الجلفة، مج6، ع4، مارس 2022، ص609.
[24] -المرجع نفسه، ص613.
[25]– ميلوده كينه، البشير غانية: العنف الرمزي -دراسة في مفهومه وآلياته، مجلة الشامل للعلوم التربوية والاجتماعية، مج5، ع2، ديسمبر 2022، ص 195
[26]– معجم المعاني، متاح على الرابط:
https://2u.pw/y3I1ju (22/01/2023)
[27]– اسلام ويب: معنى المسلسل لغة واصطلاحا، متاح على الرابط: https://2u.pw/Wg3xhd
[28]– سامية أحمد علي، عبد العزيز شرف: الدراما في الإذاعة والتلفزيون، دار الفجر للنشر والتوزيع، ط3، 2000، ص 109.
[29]– عادل النادي: مدخل إلى فن كتابة الدراما، مؤسسات عبد الكريم عبد الله، تونس، 1987، ص226.
[30]– أمير العمري: هل المسلسل التلفزيوني فن؟ موقع الجزيرة، متاح على الرابط:
https://2u.pw/xM78MM(13/01/2023)
[31]– جمال قواس: الجنريك في المسلسلات التلفزيونية العربية (دراسة سيميولوجية)، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة منتوري قسنطينة، ع 42، ديسمبر 2014، ص 423.
[32]– أمير العمري، موقع الكتروني سابق.
[33]– المرجع نفسه.
[34]– عبد العزيز عبد الله الدخيل: معجم مصطلحات الخدمة الاجتماعية، إنجليزي ـ عربي، المنهال، 2013، ص.153
[35]– محمد عبد الحميد: البحث العلمي في الدراسات الإعلامية، دار الكتب، القاهرة، 2004، ص 293.
[36]– لعياضي نصرالدين: البحوث الكيفية في علوم الإعلام والاتصال؛ إضاءات نظرية ومسالك تطبيقية. مجلة الباحث الإعلامي، ع50، 2020، ص104.
[37]– حيدر عبد الكريم الزهيري: مناهج البحث التربوي، مركز ديبنو لتعليم التفكير، ط1، 2017، ص 121.
[38]– صالح محمد الفوال: مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، مكتبة غريب، القاهرة، 1982، ص35.
[39]– فضيل دليو: البحوث الكيفية -الأسس والمناهج-، ألفا للوثائق، قسنطينة، 2022، ص 107.
[40]– Paltridge B: Discourse Analysi: An Introduction, Bloomsbury Academic, LONDON, 2012, p2.
[41]– Dominique Mainguenea : Que cherchent les analystes du discours ? Argumentation et Analyse du Discours, 2012, p4-5.
[42]– Fairclough, N: Analysing Discourse: Textual analysis for social research. Routledge, London, 2003, p8-9.
[43]-Ibid, p2.
[44]– Ibid, p5.
[45]-Ibid, p9.
[46]-Ibid, p9.
[47]– ماريان يورغنسن ولويز فيليبس: تحليل الخطاب: النظرية والمنهج، ترجمة شوقي بوعناني، هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، 2019، ص137- 138.
[48]– المرجع نفسه، ص144.
[49]– المرجع نفسه، ص146.
[50]– المرجع نفسه، ص147.
[51]– Janks, H: Critical discourse analysis as a research tool. Discourse: Studies in the Cultural Politics Of Education,18(3), 1997, p232.
[52]– Li, J., Pearce, P. L., & Low, D: Media representation of digital-free tourism: A critical discourse analysis, Tourism Management ,69, 2018, p320.
[53] – روجر ويمر وجوزيف دومينيك: مدخل إلى مناهج البحث الإعلامي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2013، ص 166.
[54] – موريس أنجرس: منهجية البحث العلمي في العلوم الانسانية، دار القصبة للنشر، 2006، ص298
[55] – عامر إبراهيم قنديلجي: منهجية البحث العلمي، اليازوري، 2019، ص 186.
[56] – فهد بن سيف الدين غازي: الإدارة الرياضية / مناهج البحث العلمي في الإدارة الرياضية، القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، ط 1، 2014، ص 157.
[57] – روجر ويمر وجوزيف دومينيك، مرجع سابق، ص 177-178.
[58]– imdb : Tozluyaka,(online):
https://www.imdb.com/title/tt19759234/ (22/02/2023).
[59]– imdb : Hear Me,(online): https://www.imdb.com/title/tt20248478/ (22/02/2023).