تفصيل
- الصفحات : 239 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
يعتبر تدريس مقياس قانون العلاقات الدولية في كليات الحقوق الجزائرية أمرا حديثا نسبيا وبالتحديد في مرحلة الليسانس، إذ تزامن مع تحول النظام التعليمي الجامعي من النظام الكلاسيكي إلى النظام الجديد (ليسانس-ماستر-دكتوراه)، وما صاحبه من إصلاحات اختلفت الآراء حول مدى فاعليتها، ويثير هذا المقياس بعض اللبس الذي طالما وقع فيه أساتذة القانون، حيث أن تسميته في حد ذاتها تثير إشكالية تحديد مضمون المقرر الذي يجب تناوله في تدريس هذا المقياس، وغني عن البيان أن هذا الأخير مدرج في برنامج السنة الثالثة ليسانس قانون عام، ورغم أن ذلك اللبس يمكن أن يزول بمجرد إطلاع الأستاذ المدرس للمقياس على البرنامج الوزاري المسطر من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إلا أن الوضع المنطقي هو أن يكون عنوان المقياس دالا على مضمونه دون الحاجة إلى الاختلاف، أو الاطلاع على تلك البرامج الوزارية.
لقد جاء هذا الكتاب رغبة منا في إزالة اللبس عن العديد من المواضيع ذات الصلة بقانون العلاقات الدولية باعتباره مجالا للدراسة موجه لطلبة القانون العام، ونظرا لتدريسنا له في كلية الحقوق بجامعة -باجي مختار عنابة- لأكثر من أربع سنوات تمكنا من اكتساب الخبرة اللازمة للتعرف على مختلف جوانب الموضوع وتفاصيله، مما دفعنا إلى محاولة تجسيدها في شكل مؤلف يضيف للمكتبة الجزائرية التي تفتقر لمثل هذه المؤلفات، وكذا لتمكين الطالب من استخدامه كمرجع موثوق في مجال دراساته الجامعية سواء في مرحلة التدرج أو فيما بعد التدرج، كما يمكن أن يكون عونا للراغبين في الالتحاق بالوظائف العامة ذات الصلة بإدارة العلاقات الدولية، وكذا الموظفين في هذا المجال.
وقبل التطرق إلى مختلف المواضيع التي يتضمنها هذا الكتاب، لابد من القول في البداية أن تسمية مقياس قانون العلاقات الدولية تحتاج إلى إعادة النظر فيها سواء بالتبديل أو الإضافة، ويمكن أن يكون التبديل من خلال تسميته بقانون العلاقات الدولية الدبلوماسية والقنصلية، أو الإضافة من خلال تسميته بقانون العلاقات الدولية-العلاقات الدبلوماسية والقنصلية-، وذلك حتى يكون الجميع على يقين بمحتوى وهدف المقياس، وكذا لتمييزه عن مقياس قانون العلاقات الدولية المدرس في تخصص العلوم السياسية، خاصة وأن محتوى المقياسين مختلف إلى حد بعيد.
وفي إطار قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، نجد أنه فرع من فروع القانون الدولي العام يطلق عليه في كثير من الأحيان تسمية القانون الدولي الدبلوماسي والقنصلي، الذي يحكم وينظم العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين أشخاص القانون الدولي، ولا يكاد يختلف اثنان حول كون الدول والمنظمات الدولية هي الأشخاص المعترف لها بالشخصية القانونية الدولية والمخاطبة بأحكام القانون الدولي العام عموما، والقانون الدبلوماسي على وجه الخصوص، ورغم وجود بعض الآراء التي تعترف بأشخاص أخرى معنية بقواعد القانون الدولي العام، مثل الشركات متعددة الجنسيات والفرد (الشخص الطبيعي)، فإنه مما لاشك فيه أن قواعد القانون الدبلوماسي موجهة لتنظيم العلاقات الدبلوماسية التي تنشأ بين الدول أو بينها وبين المنظمات الدولية.
لقد كانت نشأة الدولة سابقة بقرون عن نشأة المنظمات الدولية، حيث ظلت لوقت طويل الشخص الوحيد المتعامل في المجتمع الدولي، هذا الأخير كان حتى وقت قريب يتكون فقط من مجموعة من الدول تحتمت الضرورة بأن تدخل في علاقات مع بعضها البعض، لذا فإن الدولة هي كائن اجتماعي لا يمكن له الاستمرار إلا من خلال انشاء علاقات مع غيره من أشخاص المجتمع الدولي وبالأخص الدول، وهذه العلاقات لا تتعلق بمجال واحد بل تشمل عددا لا حصر له، وهي ليست علاقات بسيطة بل تشترك العديد من العوامل لجعلها متشابكة ومعقدة.
في مجال العلاقات الدولية تعتبر المصلحة هي المحور والهدف الأساسي الذي تطمح إلى تحقيقه جميع الدول، ولما كانت مصالح الدول متعارضة ومتناقضة في كثير من الأحيان؛ فإن العلاقات الدولية قد تتعقد وتتأزم لتصل إلى طريق مسدود، مما قد يترتب عنه استعمال القوة لحل النزاعات الناشئة بين الدول، وربما الدخول في حروب طاحنة تكلف الكثير من الأرواح والأموال، وهو فعلا ما شهده المجتمع الدولي في تطوره التاريخي، فكان آخر تلك الحروب الكونية الحرب العالمية الثانية التي انتهت على مشارف النصف الثاني من القرن العشرين، ورغم ذلك مازالت النزاعات الدولية المسلحة مستمرة على نطاق أضيق.
لذلك كان لزاما على الدول أن تجد السبل المناسبة للتفاهم بينها وتقوية أصر التعاون ونبذ الخلاقات واستعمال الوسائل السلمية لحلها، وهو ما تجسد عبر مختف العصور في شكل أعراف واتفاقيات دولية مثلت المصدر الأساسي لقواعد القانون الدولي العام، ومن ضمن القواعد العرفية والاتفاقية التي توصلت إليها الدول تلك التي تهتم بتنظيم طريقة إدارة العلاقات فيما بينها على نحو مؤقت أو دائم، فيما يمكن تسميته بالعلاقات الدبلوماسية، فهذه الأخيرة إذن هي العلاقات التي تنشئها الدول فيما بينها وبرضاها من أجل إدارة وتسيير علاقاتها الدولية، من خلال أشخاص يملكون الخبرة والذكاء لتسيير مثل هذه العلاقات، يطلق عليهم تسمية الممثلين الدبلوماسيين.
وبعد ظهور المنظمات الدولية بشكلها الحديث والاعتراف لها بالشخصية القانونية الدولية منذ القرن العشرين، أصبح هذا الشخص الدولي الجديد أيضا بحاجة إلى أجهزة تتولى إدارة علاقاته مع الدول الأعضاء فيه من خلال التمثيل الدبلوماسي داخل المنظمات الدولية، الذي يعتبر شكلا جديدا من أشكال العمل الدبلوماسي، سواء فيما يتعلق بأطرافه أو بموضوعه.
ومن جهة ثانية، نجد أن الدول منذ القدم قد عرفت ارتحال بعض أفراد شعبها للإقامة بصورة دائمة أو مؤقتة في دول أجنبية، وتأسيس حياتهم وتجارتهم في هذه الأخيرة، ونظرا لرابطة المواطنة التي تجمع هؤلاء مع دولتهم، فإن ذلك يحتم عليها السعي إلى حمايتهم ورعاية مصالحهم في الدول الأجنبية، مما دفع مع الوقت إلى ضرورة إنشاء علاقات قنصلية بين الدول، تتولى إدارتها أجهزة خاصة تكلف بمهام تتعلق بمصالح ذات طبيعة تجارية واقتصادية، يكون فيها تمثيل الدول أقل درجة من التمثيل الدبلوماسي.
وهذا أيضا أصبح مجالا لاهتمام القانون الدولي، إذ أن العلاقات القنصلية لابد من خضوعها إلى قواعد قانونية ثابتة تنظمها وتحكم سيرها، غير أنها في هذا المجال قد نشأت وظلت قواعد عرفية حتى عهد قريب، ثم جاءت الاتفاقيات الدولية الثنائية لتنظم هذه العلاقات بصورة واسعة، ولأن الاتفاقيات الثنائية ذات طبيعة عقدية لا ترتقي إلى وضع قواعد عامة معترف بها من كل الجماعة الدولية؛ فإن الضرورة كانت ملحة لوضع اتفاقية جماعية شارعة تنظم العلاقات القنصلية، ولم يتوصل المجتمع الدولي إلى اعتماد مثل هذه الاتفاقية إلا سنة 1963 عرفت باتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.
ويمكن القول أن العلاقات القنصلية تنشأ حصرا بين الدول لكونها تتعلق برعاية مصالح رعاياها لدى الدول الأخرى، لذا لا يمكن تصور قيام علاقات قنصلية أو تمثيل قنصلي بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية بعضها مع بعض، لذا يقتصر تدخل المنظمات الدولية في هذا المجال على إنشاء العلاقات الدبلوماسية، أما بقية الكيانات شبه الدولية الأخرى والتي تعتبرا كفواعل ثانوية في مجال العلاقات الدولية؛ فهي غير معنية بقواعد القانون الدولي الدبلوماسي وكذا القنصلي، مما يجعل دراسة هذا الموضوع تقتصر على العلاقات الدبلوماسية بين الدول وبينها وبين المنظمات الدولية من جهة، والعلاقات القنصلية بين الدول من جهة أخرى.
انطلاقا مما سبق فإن الإشكالية الأساسية التي يبحث فيها هذا الكتاب تتمثل في: ما هي القواعد التي أقرها القانون الدولي من أجل تنظيم مجال إدارة العلاقات الدولية بما يحقق مصالح أشخاصه وفي ذات الوقت بما يضمن استقرار هذه العلاقات وعدم الوصول إلى انقطاعها أو توترها؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية عدة تساؤلات فرعية، أهمها: من هي الأشخاص التي تتعامل وتؤثر في مجرى العلاقات الدولية، وماهي المبادئ التي تحكم هذه العلاقات والعوامل المؤثرة فيها، ما المقصود بالوظيفة الدبلوماسية والقنصلية، ما هي الأجهزة المكلفة بتسيير العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وما مدى الحماية التي تم إقرارها لهذه الأجهزة، وما هي الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى انتهاء هذه العلاقات؟
من أجل الوصول إلى الإجابة عن هذه التساؤلات اقتضى الحال الاعتماد على جملة من المناهج العلمية والدمج فيما بينها، فعلى صعيد أول تم الاستعانة بالمنهج التاريخي لاستقراء مختلف الأحداث والتطورات التي شهدتها العلاقات الدبلوماسية والقنصلية؛ خاصة وأنها تضرب في جذور التاريخ القديم والحضارات القديمة، وتحديد الأسباب والنتائج المترتبة عن تلك التطورات ومدى تأثيرها على قواعد التمثيل الدبلوماسي والقنصلي في الوقت الحاضر، كما تم استخدام المنهج الوصفي بغرض جمع المعلومات الأساسية حول الموضوع وترتيبها وتحليلها والاستنتاج من خلالها، وأخيرا اعتمدنا على المنهج التحليلي لكون موضوع الدراسة في جانب كبير منه يعتمد على القواعد القانونية الواردة في الاتفاقيات الدولية حول تنظيم العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، حيث تم تحليل مختلف المواد القانونية للتوصل إلى فحوى الأحكام القانونية التي تنظم التمثيل الدبلوماسي والقنصلي، وشرحها وتفسيرها ومقارنتها مع القواعد العرفية التي مازال جزء كبير منها يحكم مختلف جوانب العلاقات الدبلوماسية والقنصلية.
ومثل كل بحث علمي صادفتنا بعض الصعوبات في إنجاز هذا العمل، أولها وأشقها ضيق الوقت وكثرة الأعباء العلمية والبيداغوجية على مستوى مهام التدريس في الجامعة، وثانيها قدم وقلة المصادر والمراجع التي تناولت موضوع تنظيم العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، خاصة فيما يتعلق بالتمثيل الدبلوماسي لدى المنظمات الدولية، لكون هذا الأخير حديث العهد لم يتناوله الكثير من الفقهاء.
أما فيما يتعلق بالعناصر التي تم تناولها في هذه الدراسة؛ فقد تم تبويبها وتقسيمها وإفراغها في القوالب المنهجية المعروفة، وتوصلنا إلى تقسيم موضوع الكتاب على النحو التالي:
الفصل الأول: مدخل لقانون العلاقات الدولية
المبحث الأول: مفهوم العلاقات الدولية بصورة عامة
المبحث الثاني: مفهوم العلاقات الدبلوماسية والقنصلية
الفصل الثاني: الوظيفة الدبلوماسية والقنصلية
المبحث الأول: الوظيفة الدبلوماسية
المبحث الثاني: الوظيفة القنصلية
وأخيرا نرجو أن نكون قد وفقنا في تقديم مرجع جديد وثري في مجال قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، يثري المكتبة الجزائية، وينفع كل طالب علم يبتغي الإضافة إلى العلم والمعرفة.